المثلث الاستراتيجي: أبعاد التحالف مع السعودية والإمارات كتب/ محمد عز العرب
إن واحدا من التطورات الحاكمة في مسار علاقات مصر الخارجية في مرحلة ما بعد تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم تمتين تحالفاتها الإقليمية لاسيما فيما يخص علاقات بعض دول الخليج بمصر، خلال المرحلة المقبلة وتطويرها من حالة التعاون إلى إرهاصة التحالف على نحو يقود لنواة تحالف جديد متماسك يطلق عليه في الأدبيات «المثلث الاستراتيجي» الذي يضم كلا من مصر والسعودية والإمارات، ويضطلع بالأدوار الرئيسية لاسيما بعد كثافة الأقلمة «أي بروز البعد الإقليمي» في التفاعلات الداخلية أو البينية الجارية.
أبعاد التحالف
فالاتجاه السائد في العلاقات الدولية يشير إلى أن التحالف يجمع دولتين أو أكثر ويفترض وجود مصالح متماثلة وخط استراتيجي معين ذي أغراض عسكرية وسياسية بالدرجة الأولى، في حين يستكمل التعاون بالشئون الاقتصادية أيضا ً موجها ً ضد دولة أو دول أخرى في ظروف معينة تتطلب ذلك، وهو ما تشير إليه أبعاد العلاقات بين الدول الثلاث والتي تعد «أكثر من التعاون وأقل من التحالف» والتي من المحتمل أن تمثل زيادة للقدرات الكلية للتحالف الناشئ، ومن ثم زيادة فرص نجاحه في تحقيق أهدافه بفعالية في السنوات المقبلة.
وفي هذا السياق يصنف التحالف بين مصر والسعودية والإمارات بأنه حلف متكافئ أو متساو بحيث لا تهيمن دولة فيه على اتخاذ القرار، ويعتبر تحالفا متبادلا mutual تمييزا له عن التحالفات الوحيدة الطرف one sided (أي الانتفاع لطرف واحد بحصة الأسد من المنافع في حين يتحمل الآخرون ثقل الأعباء) إذ إن قيام التحالف المصري السعودي الإماراتي يستند إلى الحفاظ على المصالح الوطنية لكل من الأطراف الثلاثة أو مواجهة التهديدات التي توجه لهذه المصالح، سواء كانت قادمة من الإقليم أو العالم أو خلق أطر جديدة لتلك المصالح بين تلك الأطراف، سواء على المستوى الأمني أو السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي.
أهداف التحالف
إن هناك مجموعة من الاعتبارات التي تدفع كلا من مصر والسعودية والإمارات، للدخول في تحالف إقليمي، على النحو التالي:
الدفاع عن مصالح الأطراف المتحالفة: إن التوافق في المصالح والانسجام في الأهداف يمثل شروطا لقيام العلاقات التحالفية بين الدول، فالتحالفات تنشأ للدفاع عن المصالح الوطنية للأطراف المتحالفة، ومتى توافرت وتوحدت الرؤى بشأنها زادت قوة وتماسك الحلف.. مع العمل على أن تكون لديها القدرة على حماية تلك المصلحة، وهو ما تعبر عنه سياسات مصر والسعودية والإمارات إزاء صعود تيارات الإسلام السياسي (وتحديدا الإخوان المسلمين) للسلطة ومحاولات هذه التيارات في بعض الدول تصدير هذه التجربة للدول الأخرى، والتخوف من عواقب انهيار الدولة المصرية ومحاولة الاستحواذ عليها من قبل فصيل بعينه أو ما يعرف بالخيارات البديلة للكيانات النظامية للدولة.
لكن هذا التوافق لا يعني بالضرورة التطابق التام سواء في المصالح أو الأهداف أو الأدوار.. وإنما يكفي التطابق في المصالح الحيوية والأدوار الاستراتيجية، بحيث لا يلغي ذلك إمكانية وجود خلافات حول بعض المصالح والأهداف والأدوار على مستويات أخرى، وهو ما كانت تشير إليه حالة الخلاف المصري الخليجي حول المسألة السورية، فبينما كانت القاهرة تراهن على الحل السياسي، ركزت العواصم الخليجية وتحديدا ً الرياض (إضافة إلى الدوحة) على الخيار العسكري، وإن كان ثمة تغير حادث في المرحلة الماضية يتعلق بتغير تدريجي في السياسات الخليجية تجاه التعاطي مع المسألة السورية.. لاسيما بعد الفشل في تسليح وتمويل المعارضة المسلحة والتخوف من التأثيرات العكسية للتيارات الجهادية على أمن الدول الخليجية.
الحفاظ على موازين القوى الإقليمية: عندما تكون القدرات الذاتية للدول غير كافية لتحقيق أهدافها الإقليمية، فإنها تسعى إلى الدخول في تحالفات، ويتم اختيار الشركاء في تحالف إقليمي على أسس واقعية. فدول الخليج تتطلع استنادا إلى خبرة العقود الثلاثة الماضية- إلى مصر كأهم حليف عربي لهم ضد التهديد الإيراني، سواء باحتلال الجزر الإماراتية الثلاثة والإيحاء الإيراني المستمر بأن البحرين محافظة إيرانية ودعم وتحريك الفئات الشيعية في داخل دول الخليج وتهديد عروبة العراق.
غير أن توازن القوى بين مصر ودول الخليج من جانب وبعض دول الإقليم من جانب آخر قد يكون مرحلة أولية للدخول في مرحلة جديدة قائمة على «اللاتوازن» في القوة والاستحواذ على مقوماتها بهدف فرض الهيمنة والسيطرة، وذلك عن طريق سعي أحد الأطراف (مصر ودول الخليج) لبلوغ هذا المستوى المتقدم على حساب غيره من الدول، من أجل إجبار الدول الخصوم على القبول بالأمر الواقع.
وهكذا.. توازن المنافع يمكن أن يعكس توازن القوة في التحالف الإقليمي، وكذلك تحديد السياسات الخاصة بالتحالف الثلاثي المصري السعودي الإماراتي.
مواجهة التهديدات السياسية الداخلية إن العوامل الداخلية تسهم في تحديد سياسة الدولة تجاه الانخراط في تحالف إقليمي ما، سواء عبر المبادرة بتشكيل تحالف أو الانضمام إلى تحالف قائم. فالدول تبحث عن شركاء تحالف، سواء في الأهداف المشتركة أو الخصم المشترك أو كلاهما معا.
وبالتطبيق على التحالف المصري السعودي الإماراتي نجد أن دول الخليج بالنسبة لمصر يوجد بها أكبر حركة للعمالة المصرية، وتأتي منها أكبر تدفقات استثمارية وتبادلات تجارية ومساعدات خارجية.
وكذلك الحال بالنسبة لمكانة مصر لدول الخليج فهي الدولة الرئيسية الكبرى في الإقليم مع الرياض بعد تصدع العراق وسوريا ودخولها لدائرة الدول الفاشلة، علاوة على دورها كقوة توازن في الإقليم.. فضلا على مواجهة الإرهاب العابر للحدود الآخذ في التصاعد.
التكيف مع المتغيرات الدولية: يفترض على أعضاء التحالف تجديد آليات تحالفاتهم حتى يظل التحالف متماسكا وفعالا، وقيام الدول الأعضاء فيه بعملية تكيف ومواءمة مستمرة مع المستجدات الدولية.
وفي هذا السياق يأتي الموقف المصري السعودي الإماراتي الحذر من سياسة الولايات المتحدة والدول الغربية، وفرملة الضغوط الدولية على القاهرة، التي لا يزال بعضها يعتبر ما جرى بعد 3 يوليو 2013 «انقلابا».. فضلا على رغبة دول الخليج على تنويع دائرة خياراتها الدولية وعدم الرهان على الولايات المتحدة في الصيغ الخاصة بحماية أمن الخليج.
لذا تدعو السعودية والإمارات إلى ترتيبات أمنية لا تعتمد على الولايات المتحدة فقط، بل طالبت بأدوار دولية وإقليمية أخرى، ومنها الدور المصري.
سياسات التحالف
إن هناك مجموعة من السياسات التي يفترض اتخاذها خلال المرحلة المقبلة لتقوية دعائم التحالف بين مصر والسعودية والإمارات، في الأبعاد السياسية العسكرية والاقتصادية والاستثمارية ومنها:
أولا ً: تعيين مبعوث مصري خاص إلى دول مجلس التعاون الخليجي للعمل مع قيادة المجلس أو كل دولة خليجية على حدة بهدف وضع سياسات من شأنها تطوير التعاون إلى صيغة التحالف.. فضلا على التفكير الثلاثي في آفاق المستقبل في الإقليم والتحديات التي يطرحها وسيناريوهات التعامل معها
ثانيا ً: إجراء حوار استراتيجي مصري خليجي، يعقد مرتين سنويا في القاهرة مرة والرياض وأبو ظبي مرة أخرى، يدور بداية حول سبل حصول مصر على صفة المراقب لعضوية مجلس التعاون الخليجي، تمهيدا لترشيحها للعضوية الكاملة في حال سماح النظام الأساسي للمجلس بذلك وهو ما سبق أن أعلنته الرياض منذ ثلاثة أشهر.
ثالثا ً: تفعيل مجالس رجال الأعمال المشتركة بين مصر ودول الخليج، وتنظيم اللقاءات الدورية بين المصدرين، وإلغاء القيود البيروقراطية القائمة على الجانبين، على نحو يؤدي إلى الارتقاء بوضع المحدد الاقتصادي للتحالف الناشئ.
رابعا ً: تشكيل لجنة لإدارة الأزمات في وزارة الخارجية المصرية، تابعة لإدارة الشئون القنصلية بالأساس، يكون أبرز أدوارها المساعدة في حل مشكلات الجاليات المصرية في دول الخليج، والقيام بجولات منتظمة وإجراء حوارات واضحة مع أعضاء الجالية والاستماع إليهم وتفهم طبيعة مشكلاتهم.
خامسا ً: تدشين ملتقى ثقافي مصري خليجي سنوي، يهدف إلى التعريف بركائز العلاقات المصرية الخليجية ودور مصر في بناء الخليج ودور الخليج في دعم مصر خاصة في فترة الأزمات المفصلية، لاسيما وأن هناك أجيالا كاملة على الجانبين لا تدرك خصوصية العلاقة بينهما.
الأحد الموافق
24 شعبان 1435
22-6-2014
عودة الى كتب ودراسات
|