·والوطنية والانتماء للوطن ليست أفعالاً تتجلى في وقت الحروب وعند الملمات فحسب ولكنها سلوك دائم في النفس تنضبط به علاقته بغيره ممن يشاركونه الوطن ويقاسمونه حبه .. فهو يتعايش معهم – مسلمين وغير مسلمين – بما ينفع الوطن ويعزز قيمته وقدرته.
·فالانتماء للوطن والتعايش فيه بروح الإسلام يستلزم العدل مع كل قاطنيه والإحسان إليهم .. ممن يقومون بحقوق المواطنة حتى وإن كانوا على غير ديننا .. والتاريخ خير شاهد على عدل الإسلام مع غيره ممن يقومون بين ظهراني المسلمين ويعيشون تحت سلطان الإسلام.
·لقد بلغ الإسلام من العدل في معايشة أهل الكتاب مبلغاً تعجب منه أهل الكتاب أنفسهم .. فلقد نهى الإسلام عن ظلمهم وأمر بالعدل معهم .. والبر بهم والإحسان إليهم .. فلم يكتف الإسلام بتركهم وما يعبدون وفقط (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)[البقرة : 256] وإنما منعهم ودافع عنهم وذاد عن أعراضهم وحقوقهم وأوجب على الحاكم المسلم الدفاع عن كنائسهم ومعابدهم وأديرتهم وسائر أماكن عبادتهم ما شملهم عقد الذمة .. وذلك حفظاً لعهدهم ووفاءً لذمتهم.
·وذلك ليس إقراراً من الإسلام بصحة عبادتهم ولكن إقراراً بحقهم في اختيار الدين الذي يدينون به.
·لقد كان من هدف الإسلام مع غير المسلمين مخالقتهم المخالقة المشروعة فأجاز البيع والشراء منهم وقبول هديتهم وأجاز استئجارهم واستئجار المسلم نفسه منهم .. كما أجاز مشاركتهم ومضاربتهم وأكل ذبائح أهل الكتاب منهم .. وأجاز الزواج بالكتابيات وعيادة مرضاهم وغيرها من صور المخالقة المشروعة والمعاملة الدنيوية التي لا تمس عقيدتنا ولا عقيدتهم.
·فقدم الإسلام الأنموذج الأمثل في التعايش السلمي بين أبناء الديانات وأتباع الحضارات بما أبهر غير المسلمين إبهاراً حتى قال البلقانيون بعد فتح الأتراك لهم: (إن عمامة التركي أفضل من إكليل البابا).