·إننا نؤمن أن أوطان المسلمين اليوم هي ديار إسلام لا ديار كفر .. فهذه الرقعة الهائلة من الكرة الأرضية التي تمتد طولاً وعرضاً في قلب العالم المعاصر ومركزه.. دان أهلها بالإسلام العظيم وخالطت بشاشته القلوب والصدور .. وعلت أحكامه وشرائعه قراهم ومدنهم .. وتخللت أخلاقه وآدابه فيافيهم وقفارهم .. وظلت هي معقل الإسلام ومحضنه على مر القرون وتعاقب العصور ولقد قدمت بلادنا الإسلامية – وما تزال – الكثير لخدمة الدين وتحقيق غايته .. ولا يقدح في ذلك فترات الضعف التي تمر على الأمة بين الفينة والأخرى.
·إذ ليس من العدل والإنصاف أن تنسى فضائل تربو على أربعة عشر قرناً من الزمان في خضم نكبة طارئة أو ظرف مؤقت.
·إن وصف بلاد الإسلام اليوم بوصف الردة والكفر لهو أمر جد خطير .. فإذا كان تكفير مسلم بغير حق أمر تنبني عليه جملة من الأخطاء والأخطار والويلات .. فإن تكفير بلاد المسلمين وأوطانهم لكفيل بهدم الديانة وتقويض أركانها .. وإهدار تضحيات استمرت ما يربو على أربعة عشر قرناً من الزمان.
·لقد ثبت وصف دار الإسلام لبلادنا بيقين لاشك فيه بعدما فتحها المسلمون قديماً وأقاموا بها وظهرت فيها شرائعهم وعلتها أحكامهم .. فلا يزول هذا الوصف أبداً إلا بيقين مثله .. بل إن من الفقهاء من ذهب إلى من ثبت له وصف دار الإسلام بيقين لا يزول عنه هذا الوصف أبداً.
·وقد ذهب الفقهاء إلى أن بقاء شيء من العلة يبقى معه الحكم .. فإذا بقى شيء من آثار الأصل فالحكم له دون العارض.
·فكيف الحال وقد بقى الكثير والكثير من أحكام الإسلام وشعائره وآثاره في بلاد المسلمين اليوم ؟!!
·إن أحكام الإسلام وكما أوضحنا من قبل لا تقتصر على مجموعة القوانين والتشريعات فقط وإنما تمتد لتشتمل أحكام العقيدة والأخلاق والعبادات والمعاملات مجتمعة .. والمتأمل لحال بلادنا يجد أن الدين متغلغل في النفوس .. مستقر في الوجدان .. فمجتمعاتنا الإسلامية متدينة بالفطرة ..تحرص على تأكيد هويتها الإسلامية.
·فالوازع الديني - رغمضعفه – هو المتحكم في حياة الناس .. والدين هو الخط الأحمر لدى المجتمعات الإسلامية الذي لا تسمح بتجاوزه .. فالدين كان – ومازال – هو المحرك الرئيسي لكل الثورات وكل الانتفاضات الشعبية في دول العالم الإسلامي حتى تحررت البلاد من ربقة الاحتلال.
·وأحكام الإسلام هي المرجعية العليا لدى شعوبنا ومجتمعاتنا .. عقيدة وأخلاقا عبادات وتشريعات فعقيدة التوحيد والإيمان متمكنة في القلوب على الجملة .. وأخلاق الإسلام مازالت هي السياج الآمن لدى الشعوب والمجتمعات الإسلامية – وإن اضمحلت - والشعائر والعبادات ظاهرة جلية لكل بصير .. والتشريعات والقوانين منها ما يتفق وحكم الإسلام كجميع أحكام الأسرة .. ومنها ما يوافق الشريعة ككثير من القوانين المدنية والإدارية والبحرية والجوية وغيرها .. ومنها ما يخالف الشريعة كقانون العقوبات.
·بيد أن معظم الدساتير في العالم الإسلامي تنص على أن دين الدولة هو الإسلام وأن اللغة العربية هي لغتها الرسمية وأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع.
·لا ندعى زوراً أن جميع أحكام الإسلام مطبقة في بلادنا.. فالنقص فيها لا يستطيع كائن من كان أن يهمله أو يدعي تطبيقه .. فالنقص واضح والخلل جلي .. ولكن هل غياب البعض يعنى غياب الكل؟!!
·إن من الظلم البين اختزال الدين بسعته ورحابته وكل روافده في جانب من جوانبه أو مجال من مجالاته ولا ريب أن إكمال النقص .. وإيجاد الغائب كإقامة الحدود والمعاملات الشرعية واجب شرعي وفريضة دينية ولكن مع ذلك لا يصح مطلقاً اختزال الإسلام كله في الحدود أو بعض المعاملات التجارية أو غيرها من أوجه النقص والقصور .. كما لا يصح اختزال الدين في مجموعة الشعائر التعبدية سواءّ بسواء.
·فالأحكام الوضعية المخالفة لشريعة الإسلام لا تعدو كونها قلة بجانب غلبة الشريعة وأحكامها .. وكما أن ظهور بعض أحكام الإسلام بجانب غلبة أحكام الكفر لا يعنى ظهور أحكام الإسلام .. فكذلك ظهور بعض أحكام الكفر بجانب غلبة أحكام الإسلام ولا يعنى ظهور أحكام الكفر.
·لكل ذلك فإننا نؤمن إيماناً جازماً بأن بلادنا العربية والإسلامية اليوم هي ديار إسلام .. رغم ما يعتريها من ضعف وما يتكالب عليها من أعداء .. فيجب على المسلمين التكاتف والعمل على النهوض بها لتعود إلى سابق عهدها وتليد مجدها وسؤددها.
·وفي ظل الواقع الدولي الجديد وتغير المنظومة الدولية .. فإننا نؤكد على أن فقه الديار في أمسِّ الحاجة لاجتهاد معاصر اجتهاد فردى .. واجتهاد جماعي ومؤسسي .. ينضبط بضوابطه الشرعية ومقاصدها .. ويراعى الواقع الدولي وواقع المسلمين في عالم اليوم .. وفي ظل هيمنة القطب الأوحد على الساحة الدولية .. وفي ظل وجود المنظمات الدولية بمواثيقها ومعاهدتها والتزاماتها .. وفي ظل كل المستجدات الدولية.
·إن الحاجة ملحة لاجتهاد يعمل على ملء فراغ ترك بصماته على الساحة الفقهية سنوات طويلة .. اجتهاد يراعى ضعفنا الخارجي وقوة أعدائنا .. كما يراعى تشرذمنا الداخلي وضعف بلادنا .. اجتهاد تخرج به بلادنا من مأزق الصراع الذي لم تؤهل له بعد ..