نفهم دور العقل في الإسلام من خلال إدراك قيمته كنعمة أودعها الله برحمته في خلقه وعباده .. بل وجعله مناط التكليف ومحور العلم والمعرفة .. وشرطاً لكمال وصحة الأعمال .. فلقد أثني الله تعالي ورسوله صلى الله عليه وسلم كثيراً علي ذوي العقول والألباب .. الذين يفكرون ويتدبرون ويعقلون...
·إن رسالة السماء لم تأت لتلغي العقول وتهدرها .. وتترك العباد يسدرون في ضلالات وجهالات وإنما أعلت من قيمة العقل ودوره .. وسمت وارتقت به إلي مراتب التقدير والتتويج.
·ومع إيماننا بإبراز دور العقلواحترامه .. فإننا نؤمن بأن العقل البشري مهما علا شأنه حتى غزا الفضاء .. ومهما ارتفعت قيمته فاكتشف الذرة والجزيء .. ومهما بلغ من العلم والمعرفة فانه قاصر بنفسه .. محتاج إلي نور الوحي وهدايته.
·لقد ساد العقل البشري أقطار الأرض قبل بعثه النبي صلى الله عليه وسلم مستقلاً عن هداية الله فسدر في ظلمات الجهل وأدران الشرك والضلالة...
·عبد الأصنام ووأد البنات وشرب الخمر واستباح الزنا واستحل الربا.. واليوم نرى العقل الغربي حينما خاصم الوحي .. لا يري في الشذوذ حرجاً …. ولا في عبادة الشيطان مانعا .. يتاجر في الرقيق ويمتهن الأديان باسم الحرية .. ويقتل الشعوب باسم الديمقراطية .. هذا هو حال العقل البشري إذا ما انخلع من نور الهداية .. واستقل عن منطق الوحي.
·إننا نؤمن بالوقوف علي حدود العقل التي يعمل فيها .. فلقد أنيط بالعقل البشرى مهمة التفكر والتدبر في خلق السموات والأرض وما خلق الله من شيء .. وأنيط بالعقل البشري مهمة التدبر في النفس البشرية لاستجلاء غوامضها والتدبر في الكون والآفاق لاستجلاء كوامنها … والتدبر في أحداث التاريخ وقصص السابقين لاستجلاء عبرها ومعانيها .. وأنيط بالعقل البشري مهمة السعي لعمارة الكون وتحقيق غاية الاستخلاف .. وإنجاز مهمة العلم والمعرفة .. كل ذلك في إطار ما رسمه الشرع وخطه الوحي .
·وأنيط بالعقل البشري مهمة الحكم والتشريع فيما أذن الله فيه .. فلقد أتت نصوص القرآن والسنة علي صورتين:
-نصوص قطعية الدلالة: وهذه لا دور للعقل إزاءهاإلا التسليم والانقياد .. إذا لا اجتهاد للعقل معها .
-نصوص ظنية الدلالة: وهي نصوص حمالة أوجه .. فللعقل أن يعمل فيها من خلال المقابلة بين النصوص والأدلة .. والنظر في الأحكام والآراء والترجيح بينها استناداً إلى ثوابت الشريعة وقطعيات الأحكام ومبادئ الدين ومقاصده وغاياته.
بالإضافة إلي منطقة العفو التشريعي: وهي ما سكت عنها الشارع وتركها لإعمال دور العقل بحسب ما يستجد من أحداث ومتغيرات .. فيجتهد فيها العقل في إطار الثوابت والمقاصد العظمي وقطعيات الدين وأحكامه والصورتان الأخيرتان هما الأكثر والأوسع في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .. هذا بالإضافة إلي آليات القياس والمصالح المرسلة وغيرها من موارد الاجتهاد التي أتت بها الشريعة الإسلامية .. مما يكفل للشريعة ميزتي الثبات والمرونة.
·فالعقل إذا حاد عن نور الوحي ضل ووقع في ظلمات الشبهات وتفرقت به السبل … ومن هنا فقط تظهر دعوى تعارض العقل مع النقل .. وهي دعوى متهافتة يمجها العقل السليم والقلب السوي .. فصريح المنقول دائماً ما يوافق صحيح المعقول .. بل ولا يمكن أن يتعارضا بحال .. قد يعجز العقل عن إدراك ما تأتى به الشريعة قصوراً منه .. لكنه لا يصادمها ولا يعارضها بحال وما يكون له ذلك ..
فإذا ما توهم التعارض بين العقل والنقل .. فهو حتماً لقصور في العقل عن الإدراك أو وهم التبس به أو جهل غشاه وخالطه .. أو يكون النص ظنياً ثبوتاً أو دلالةً .. وفي هذه الحالات لا يكون ثمة تعارض حقيقي إنما هو محض توهم وافتعال.