|
خواطر مغترب في قلب الثورة بقلم/ أسامة عبد العظيم
شاء الله تعالى أن تحدث ثورة شباب مصر في الخامس والعشرين من يناير وأنا خارج الوطن لظروف العمل وطلب الرزق .
فقد غادرت قبل تاريخ الثورة بما يزيد قليلا عن العام .. ويعلم الله كم كنت أتمنى أن يكتب الله لي شهود مثل هذا الحدث الجلل الذي ربما لا يتكرر في عمر جيل أو عدة أجيال.. إلا بالكاد مرة واحدة.. وربما تعيش أجيال متتابعة وتموت دون أن تشهده.
كنت أتمنى أن أشارك شباب مصر هذه الغضبة الصادقة لاسترداد كرامة المصريين المهدرة.. واستعادة هذا الوطن الجميل من براثن ثلة من الفاسدين اختطفته زمنا طويلا ً.. وأفقدت أبناءه روح الانتماء والاعتزاز بوطن درجوا عليه وتربوا في كنفه.
لقد كنت كغيري من أبناء مصر قبل هذه الثورة المباركة أشعر بغصة في حلقي لا تفارقني.. لاسيما كلما تأملت أحوال مصر وما تصير إليه كل يوم من تدهور وفساد .. حتى أنني أصبت على ما يبدو بنوع من الاكتئاب الذي منعني من الكتابة شهورا ً عديدة .
لا أنكر أنني أمسكت بقلمي خلالها مرارا ً.. ودفعته دفعا إلى الكتابة .. وكلما قاربت على إتمام مقالة أو خاطرة.. إذا بي أنحيها جانبا ً تاركا ً القلم والأوراق .. إذ لا أجد في نفسي ذرة من عزيمة لاستكمال ما بدأته.
ولكن منذ جاءت تلك الحركة المباركة ما عدت ألاحق على تدافع الأفكار.. ولولا متابعة الأخبار ما مر يوم إلا وكتبت فيه .. ولعل ذلك من بركات ثورة شباب مصر الأحرار .
إن ما حدث في مصر خلال ثمانية عشر يوما ً هو أمر يفوق كل التوقعات .. فقد كان تحقيق تلك الشعارات التي رفعتها الثورة على أرض الواقع ضربا من الخيال .. حتى كاد اليأس يتسرب إلى قلوب بعض المخلصين.. وانسدت في وجوههم سبل الأمل في رؤية تغيير حقيقي تشهده مصر قبل أن يفارقوا الحياة.
لاسيما ذلك الجيل الذي ولد وتربى في عهد مبارك .. فلم يشهد طوال ثلاثين عاما متواصلة أي انتصار قومي أو نهضة حقيقية.. اللهم إلا كلمات الاستبشار الفارغة من مضمونها.. والتي دأبت حكومات مصر المتعاقبة على إطلاقها من حين لآخر .
ولكنها إرادة الله تعالى أن يضع حدا لمأساة مصر وأبنائها.. وأن يسقط هذا النظام الجبار على يد ثلة من الشباب المخلص لوطنه كانوا هم من أشعل الشرارة الأولى ليلتف حولهم الشعب المصري كله بجميع أطيافه .
لقد أتاح لي الوجود خارج سياق الأحداث فرصة جيدة للمتابعة المتأنية والتأمل العميق لما يدور في بلدي الحبيب مصر .
لذا فقد كنت على دراية بنية الشباب لبدء حركتهم التظاهرية يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من يناير .. ولأنني كنت تواقا لمشاركتهم بأي وسيلة.
فقد رأيت أن غيابي عن الوطن لا يعفيني من مشاركتهم معنويا ًولو على الفضاء الافتراضي .
فدخلت على حسابي في موقع الفيسبوك يوم الاثنين السابق للتظاهرات.. وسجلت نفسي عضوا ً في الصفحة التي أسسها الشباب.. وكانت المفاجأة أنني لم أكن وحدي من أبناء الجماعة الإسلامية الذي فعل ذلك .. بل وجدت كثيرين ممن أعرفهم شخصيا ً سبقوني إلى ذلك .
وعلمت بعدها أن عددا ً غير قليل من أبناء الجماعة كانوا حاضرين بقوة في ميدان التحرير.. وذلك بصفتهم الشخصية كمواطنين مصريين أضيروا ضررا ًبالغا ً بسبب النظام السابق .. لا بصفتهم أعضاء في الجماعة الإسلامية التي ما زالت تلملم جراحها بعد محنة من أعنف المحن التي تعرضت لها حركة إسلامية في العصر الحديث .
كنا نتابع في غربتنا هنا أحداث الثورة ساعة بساعة.. بل لحظة بلحظة .. حتى أن بعضنا كان يقتطع كثيرا من وقت نومه وراحته من عناء العمل الشاق ليتابع تفاصيل الثورة وخباياها.
كنا نعتبر إرهاقنا المتزايد ما بين ضغوط العمل والحياة في الغربة.. وما بين اشتياقنا للمتابعة الدقيقة لأخبار إخواننا في الميدان ما هو إلا نذر يسير من ضريبة حبنا لمصر وحرصنا على نجاح شبابها في حركتهم المباركة.
لقد كنا نتابع الأخبار ونحن نجلس على الأرائك والسرر في بيوتنا.. في حين كان إخواننا في ميدان التحرير يفترشون الأرض المخضبة بدماء الشهداء الطاهرة.. ويلتحفون السماء التي تجود عليهم أحيانا بطقس مشرق جميل .. ويعتصرها الألم أحيانا أخرى على الظلم والطغيان .. فتهب عواصفها وتسكب على المتظاهرين دموعها ..
فقط كان عزاؤنا نحن أبناء الجماعة الإسلامية أننا وهبنا ذلك الوطن الغالي سنوات من زهرة شبابنا مكثناها خلف القضبان في ظروف غير آدمية.. لا لشيء إلا لرفضنا ذلك النظام الطاغي ورموزه الفاسدة .. ورغبتنا في إزالته ووضع حد لجبروته وغطرسته.
ثم ها نحن مغتربين عن أهلينا وأوطاننا بعدما ضاقت بنا سبل العيش في ظل نظام فاسد مستبد .. فذقنا بذلك مرارة الغربة مرتين مرة في أوطاننا.. وأخرى بعيدا ًعن أهلنا وأحبابنا .
عشنا مع شعب مصر طيلة الثمانية عشر يوما بقلوبنا ومشاعرنا.. نفرح حينا عندما نرى تجاوب الناس مع الشباب.. وترتفع رؤوسنا لتطاول السحاب فخرا .. وتيها برقي أبناء مصر وتحضرهم وإصرارهم العجيب على انتزاع حقوقهم من بين أنياب المفسدين .
ونحزن أحيانا ويعتصر الألم قلوبنا على شهدائنا المتساقطين في شوارع مصر.. يخضبون بدمائهم الزكية ترابها .. ويرسمون بعبيرها الفواح صورة المستقبل المشرق لنا ولأبنائنا .
كل مصري هنا كان يتابع بلهفة وحرص.. وقد تشربت نفسه روحا ً جديدة من الوطنية والعشق لمصر .. كادت أن تطمس وتندثر على يد النظام السابق الذي أذاق شعب مصر من الهوان والذل صنوفا وألوانا .
حتى إن زوجتي وزميلاتها من النساء اللاتي لم يكن لهن في السياسة نصيب.. كانوا أكثر منا حرصا ًعلى المتابعة والاهتمام .. وامتلأت جوالاتهم بالنغمات الوطنية التي تتغنى بحب مصر وعزها ورفعتها .
والحق أننا لم نكن وحدنا من يشارك المصريين في مصر آلامهم وآمالهم .. بل إن كثيرا من أبناء الشعب السعودي كانوا يعيشون معنا نفس المشاعر .. ويشاركوننا ذات الهموم.. ويضعون أيديهم على قلوبهم أملا في غد أفضل لإخوانهم المصريين .
كانوا كلما رأوا منا أحدا ًيسألونه بلهفة عن الأوضاع في مصر.. ويستفسرون عن توقعاتنا للمستقبل القريب .
كنت أشعر أحيانا أننا صرنا مراسلين للثورة في الغربة .. وأن علينا عبء توضيح الصورة وإزالة الغبش وتصحيح المفاهيم التي التبست حول أولئك الشباب نتيجة بعض الأبواق الإعلامية المزورة.. لاسيما في أوائل أيام الثورة.
لقد كانت تلك الثورة سببا ً في فيضان سيل من عواطف الحب والإخاء والمودة بيننا وبين إخواننا السعوديين.. لم نكن نلمسها قبل تلك الأحداث .
حتى أن أحدهم قال لي ذات مرة:
والله لقد تركت في البيت زوجتي وأولادي الصغار ولا هم لهم سوى متابعة أخبار مصر لحظة بلحظة .. حتى أنهم كفوا عن متابعة أحب الأفلام والمسلسلات التي اعتادوا متابعتها منذ بدأت الثورة في مصر .. وطفق يدعو لمصر والمصريين بكل خير .
ولن أنسى لحظة سقوط النظام السابق.. ولحظة تخلى الرئيس مبارك عن سدة الحكم في مصر بعد ثلاثين عاما ً من القهر والظلم والاستبداد .
كنت كالعادة متسمرا ً أمام شاشة الجزيرة بعد عصر الجمعة المشهودة .. وما أن تحقق الخبر الميمون حتى هويت ساجدا ً شكرا ً لله تعالى على فضله ونعمته .
وإذا بمكالمات التهنئة تنهال علي .. هذا سعودي يهنئ.. وذاك سوري يبارك.. وآخر يمني يدعو ويتمنى.. حتى العمال الموجودين معي في الصيدلية كانوا يفيضون بالفرح والسرور لتحرر الشعب المصري من ربقة الظلم والفساد .
أحدهم من إندونيسيا .. والآخر فلبيني .. وكلاهما مسلم كانوا يتابعون معنا الأحداث لحظة بلحظة .. مترقبين انتصار المصريين واستعادتهم لكرامتهم .
شعرت بمعنى الترابط بين الشعوب العربية والإسلامية في تلك اللحظة .. وشرعت في التهنئة وإرسال الرسائل لبعض الأقارب والأصدقاء .
واستكمل البعض احتفالاته بتوزيع الحلوى والمثلجات على العاملين .. وتجدد الأمل في نفوس المغتربين بمصر جديدة مفعمة بالحيوية والحرية والعدالة والمساواة .
لقد كنا نشعر قبل هذه الثورة المباركة بنوع من الخزي والمهانة بين سائر الشعوب.. لم نكن نفخر كثيرا ً بكوننا مصريين .
وكلما حملت الأنباء خبر مقتل مصري تحت التعذيب.. أو تصاعدت شكاوى المصريين من ارتفاع الأسعار وضعف الرواتب كلما ازداد شعورنا بالهوان بين غيرنا .. لأننا كنا نعلم جيدا ً أن مصر العظيمة لا يليق بها ذلك.. وأن النظام الفاسد المستبد هو الذي أذل المصريين في الداخل والخارج وقلل قيمتهم بين الناس .. بيد أن الثورة المصرية الأخيرة أحدثت انقلابا في نفسيات المصريين في الغربة خصوصا ً.
فقد صرنا نشعر بالفخر والزهو لما حققه المصريون من تمرد على الظلم.. ورفض قاطع للطغيان .. حتى أن الثورة انعكست في نظرة الآخرين لنا وتعاملاتهم معنا .
فقد لاحظ جميع المصريين بالخارج مدى التقدير والاحترام الذي اكتست به تعاملات باقي الشعوب لنا بعد الثورة .. إنهم يعاملوننا وكأن كل مصري هنا كان عضوا ًمشاركا ً في ثورة التحرير من أول يوم.
وكأن لسان حالهم يقول لنا:
إنكم تستحقون كل تقدير واحترام.. فأنتم الذين قام أبناء وطنكم بأعظم ثورة في التاريخ .
لقد أثبتم حقا أنكم أعظم الشعوب العربية وأرقاها علما وحضارة وعزيمة .
لقد كدنا ننسى فضلكم وشرفكم يا أبناء مصر بعد أن تواريتم عن الأنظار.. وتقدمت تلك الثلة الحاكمة لتشوه وجه مصر الصافي.. وتعبث بمقدراتها بغير رقيب ولا حسيب .
ولكنكم لقنتموهم وغيرهم من الطغاة درسا لن ينساه التاريخ .. وهو أن الشعوب قد تسكت طويلا ً وقد تعتريها غفلة من النعاس والنوم بيد أنها أبدا ًلا تموت .
إنني أزف في ختام كلماتي تلك أسمى آيات التهنئة لكل مصري كان قلبه يحترق لأجل مصر وهو يراها جثة هامدة يتناوشها المفسدون ويعيثون فيها تخريبا وسلبا ً ونهبا ً .
وأرسل تحية تقدير وإعزاز واحترام لكل شاب كسر حاجز الصمت وتغلب على الخوف وشارك في صنع مستقبل جديد لمصر .
وعلى رأسنا ورأس أولئك جميعا ً من ضحوا بأرواحهم خلال تلك الثورة ليجعلوا من دمائهم الزكية وقودا للنصر والتغيير .
كما أبعث أرق تحية لجيش مصر العظيم الذي لم يطلق رصاصة واحدة في صدور أبناء مصر .
إنني أعتقد أن الثورة الحقيقية لم تبدأ بعد .. وأننا رجعنا اليوم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر .
لابد من وعي شديد لدى الجميع بالحفاظ على مكتسبات الثورة ، وتيقظ تام إلى حين تتحقق كافة مطالب الشعب المصري .
أما وقد قاربت مرحلة الهدم على الانتهاء.. فهلموا نشمر السواعد والأيدي لنخوض معركة التعمير والبناء بغير تفريق ولا إقصاء .. فمصر كانت وستظل أبدا ملكا لجميع المصريين .
| الإسم | عنترمحمد |
| عنوان التعليق | دور ابناء الجماعة في الثورة |
| في الحقيقة اني اتصلت بأحد المشايخ عن الدور الذي ينبغي ان نشارك به في الثورة فقال لايوجد عندي رد وفهمت انه لايوجد موقف رسمي للجماعة معلن ولكن الافراد عندهم من الفهم والدراية مايؤهلهم ان يتخذوا القرار المناسب وبالفعل بدأ الجميع ان يتصل بالاخر للاتفاق على الذهاب الى ميدان التحرير وماينبغي ان ان يكون وبالفعل اخبرني اخ وهو ممن اثق برأيه من اخوة الجماعة انه ينبغي ان نحرك الناس في ميدان التحرير نحو قصر العروبة بمصر الجديدة عملا بقول عزمي بشارة انه لابد من اختبار الجيش من خلال تحرك الجماهير وبالفعل تم لكني لم يحالفني الحظ للذهاب معه لكن اخرين كانو معه واستطاعو اقناع البعض بتنظيم مسيرة صوب قصر العروبة والتى انضم لها عشرات الالاف اثناء السير وماان وصلت حتى غادر الرئيس بعدها بوقت قليل |
| الإسم | أحمد عبد العظيم |
| عنوان التعليق | هدايا تنهال من السماء |
| أخى الحبيب يقول تعالى(إن الله لا يضيع أجر المحسنين ) ويقول أيضا (إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا ) وأنتم قد أحسنتم العمل مع الله تبارك وتعالى وصدقتم معه فما كان من الله إلا أن جازاكم على ذلك خير الجزاء من إعطاءك الزوجه الصالحه ثم الولد ثم زيارة بيته الحرام وما زالت تنهال عليكم هدايا من الله تبارك وتعالى إلى أن من على المصريين أجمع برفع الظلم عنهم وإسقاط الطغاه والفاسدين . ونسأل الله تبارك وتعالى أن يرفع البلاء عن إخواننا فى ليبيا وفى جميع بلاد المسلمين وأن يرزق مصرنا بالحاكم الربانى الذى يحكم فينا كتابه وسنة نبيه وأن يحفظنا بالإسلام ويحفظ الإسلام لنا. آمين يا رب العالمين . |
عودة الى وراء الأحداث
|