|
صفقة تبادل الأسرى بين واشنطن وطالبان.. أسرار وآراء كتبت/ هدير الزهار
«اعط نفسك كل الوقت الذي تحتاج إليه للتعافي والراحة.. ليس هناك من داع للعجلة أمامك الحياة بطولها».
تلك الكلمات التي قالتها والدة الأسير الأمريكي بوو برجيدال - وهى تستطيع بالكاد حبس دموعها إلى جانب والده الذي ظهر بلحية طويلة حزنا وتضامنا مع ولده.. سعيا ً لطمأنة ابنهما الذي تغيب عن أسرته ووطنه أكثر من خمس سنوات, بعد أن وقع أسيرا فى شرك حركة طالبان الأفغانية.
وبعد أن كاد الأمل يتلاشى شيئا فشيئا من عودته مرة أخرى, ولم يتبق لهم منذ وقوعه فى الأسر سوى توجيه رسائل إليه عبر وسائل الإعلام.. ولم يتمكنا من التحدث مع ابنهما الشاب الذي يبلغ من العمر 28 عاما بشكل مباشر جاءت صفقة تبادل الأسرى - التي أبرمت بين واشنطن وطالبان من أجل الإفراج عن الجندي برجيدال مقابل الإفراج عن خمسه من المعتقلين الأفغان بمعتقل جوانتانامو - لتمنح الحياة لبرجيدال وأسرته مرة وأخرى.
فبرفقة الرئيس الأمريكي باراك أوباما خرج والدا الأسير فى مؤتمر صحفي ليعبرا عن سعادتهما بقرب عودة ابنهما لأحضانهما عقب كل تلك السنوات.. إلا أن الحزن كان يخيم على وجههما وحديثهما وذلك بعد أن وصلتهما صور لابنهما بلحية طويلة وأخرى وهو يسير بجانب أحد عناصر طالبان.. بينما يبدو أكثر نحافة ويرتدى جلبابا إلى جانب ما ورد لهما من الأخبار عن أنه ظل تلك السنوات فى منطقة وزيرستان شمال أفغانستان وهى منطقة قبلية, وتعلم اللغة البشتونية وأصبح يتحدث بها طوال الوقت إلى جانب ما تركه أعضاء الحركة من تصرفات وأفكار على شخصية برجيدال مما استدعى ذهابه إلى مركز طبي عسكري أمريكي فى ألمانيا، ليتلقى العلاج ويبدأ فى عملية إعادة الاندماج.
ولد برجيدال عام 1986 بمدينة هايلى بولاية أيداهو فى أسرة صغيرة هادئة ومستقرة, فوالده يعمل سائقا بإحدى الشركات الخاصة الكبرى, ووالدته تفرغت لتربيته هو وشقيقته الكبرى.
وبالرغم مما ذكره عنه زملاؤه من أنه شخصية شديدة الهدوء الالتزام وحسن الخلق وينبذ العنف بكل أشكاله.. إلا أنه كان من عشاق الفنون القتالية.. كما ذكر زملاؤه فى أفغانستان أنه كان يقضى الليل بطوله وهو يتأمل الخرائط التي توضح كل الأماكن بأفغانستان ومعرفة الطوائف والقبائل التي تغلب عليها.
بينما كان ينتقد رؤساؤه حنانة المفرط والذين كانت يبدو خلال مداعبته الأطفال الأفغان حيث كان يحب التحدث معهم وإضحاكهم, فقد كانت غالبية رسائله التي يرسلها لأسرته تتضمن الحديث عن الظروف الصعبة التي يواجهها أهل تلك البلد التي هي فى حاجة للشفقة والمساعدة وليس للقوات الحربية, وأنه فى بعض الأوقات يشعر بالخزي لكونه أمريكيا.
وقد كان برجيدال أحد جنود فرقة مشاة فى إقليم باكتيكا بالقرب من الحدود مع باكستان.. وفى 30 يونيو عام 2009 اختفى من قاعدته العسكرية فى ولاية باكتيا فى جنوب شرق أفغانستان بعد أشهر من انضمامه للقوات الأمريكية بها. ولا تزال ملابسات اعتقاله غير واضحة حتى الآن.
مفاوضات السنوات الماضية
ويذكر أن المفاوضات حول صفقة التبادل بين واشنطن وطالبان قد بدأت منذ نحو ثلاث سنوات.. حيث التقى مفاوضون أمريكيون مع عدد من قادة طالبان وجها لوجه فى قطر.. لكن لم تحقق المفاوضات أي نتائج إيجابية وذلك لأن الولايات المتحدة كانت تسعى لإبرام اتفاقية سلام بشكل أوسع فى حين يصر قادة طالبان على التفاوض بشأن صفقة تبادل السجناء فقط لا غير دون تقديم أي تنازلات أخرى.
أما بشأن الحكومة الأفغانية فقد سعت لعرقلة أي تقدم منذ نحو عام، وذلك لغضبها لافتتاح مكتب سياسي لطالبان فى الدوحة.. لكن الولايات المتحدة استمرت فى المحادثات سرا بوساطة قطرية حتى أبدت عناصر حركة طالبان رغبتها فى استئناف المفاوضات وبالفعل تمت الصفقة بين الطرفين.
الدور القطري
بالرغم من الخسائر التي تكبدتها قطر من رصيدها ومكانتها لدى عدد من الدول العربية لمساندتها أمريكا فى تحقيق مخطط تقسيم الشرق الأوسط بدعمها الجماعات المتشددة والمتطرفة وتعزيز مكانتها بالمنطقة إلا أنها لا تزال تسعى لإظهار الولاء للجانب الأمريكي فقد لعبت قطر دورا محوريا فى عملية تبادل الأسرى معللة تدخلها ومفاوضاتها بين الجانبين واشنطن وعناصر طالبان أن الدافع كان من الجانب الإنساني ليس أكثر وأنها نجحت بالفعل إرجاع الجندي الأمريكي مقابل استضافتها الخمسة معتقلين الأفغان لمدة عام كامل وغير مسموح لهم بالعودة لأفغانستان إلا بعد مرور العام.. وفى الوقت الذي خرج أوباما ليشكر قطر على الجهود التي بذلتها على مدى السنوات الماضية لإنجاح الصفقة فقد وجهت له انتقادات عنيفة من جانب مسئولين من المخابرات الأمريكية ومستشارين في الكونجرس الذين أبدوا قلقهم بسبب الدور الذي تلعبه قطر كهمزة وصل بين واشنطن وعالم التشدد الإسلامي.
بينما يرى المسئولون فى قطر أن الدور الذي تلعبه قطر يحسب لها لا عليها، وذلك لأنها أصبحت همزة وصل تربط بين الغرب والعرب وأنها ستلعب دورا ً هاما ً في الأزمات الدولية بين الطرفين.
تباين الآراء حول الصفقة
«إنها نصر عظيم » .. هكذا وصف زعيم حركة طالبان الملا محمد عمر الصفقة التي تمت خلال بيان أصدره في ظهور نادر له، حيث قال الملا عمر الذي لم يظهر فى أي محفل عام أو يلقى خطابا منذ اختفائه بعد عام 2001 بعد قيام القوات العسكرية بقيادة الولايات المتحدة بالإطاحة بحكم طالبان فى أفغانستان «أود أن أتقدم بالتهاني القلبية للأمة الإسلامية الأفغانية، والمجاهدين وأسر وأقارب الأسرى بمناسبة هذا النصر العظيم الذي حققناه».
بينما أدانت الحكومة الأفغانية الصفقة التي لم تبلغ بها إلا بعد إتمامها وحصول التبادل ووصفتها بأنها انتهاك للقانون الدولي .
وعلى الجانب الأمريكي فقد واجهت وزارة الدفاع الأمريكية انتقادات جراء الإفراج عن عناصر طالبان، وذلك لعدم إصدارها إخطارا مسبقا بذلك الإجراء قبل تنفيذه بـ 30 يوما كما هو مطلوب منها فى حالات إطلاق سراح أي سجين من معتقل جوانتانامو وهذا يعد خرقا للقوانين, ولكن هيجل أكد أن حياة الجندي الأمريكي المحتجز لدى طالبان كانت فى خطر، وكان لابد من تحرك سريع لإنقاذه
كما أشار هيجل إلى التحول الإيجابي الذي ربما تشهده مفاوضات السلام بين واشنطن وطالبان.
فى الوقت الذي يواجه فيه الرئيس الأمريكي باراك أوباما حملة انتقادات شرسة من قبل الجمهوريين حيث وجه عدد من النواب اتهامات لأوباما بأنه بتلك الصفقة يوجه رسالة إلى جميع مجموعات القاعدة فى العالم - وبعضها يحتجز رهائن أمريكيين - مفادها أن هؤلاء الرهائن باتت لديهم قيمة أكثر من الأول
كما أن ذلك يظهر التحول فى سياسة الولايات المتحدة التي كانت ترفض التفاوض مع إرهابيين, كما أن تلك الصفقة ستعرض حياة الجنود الأمريكيين للحظر خلال السنوات المقبلة إذا ما سعت الجماعات المتشددة للإيقاع بهم من أجل استبدالهم.
أما بشأن الرأي العام فقد اختلطت مشاعر السعادة بعودة الجندي الأمريكي لوطنه وأسرته بمخاوف عدة تأتى فى مقدمتها رغبة الحكومة الحالية فى التعامل مع الإرهابيين, الأمر الذي يراه البعض خيانة لضحايا الـ11 من سبتمبر, إلى جانب ما فسره البعض من أن أوباما يسعى بالفعل لإغلاق جوانتانامو قبيل انتهاء ولايته طبقا لما تعهد به منذ وصوله للرئاسة مما يجعله فى العيون الأمريكية شخصية برجماتية تسعى لكسب تأييد خارجي غير مكترث بما قد يسببه الإفراج عن محتجزي المعتقل من تهديد على الأمن الأمريكي.
الأحد الموافق:
10 شعبان 1435هـ
8-6-2014م
عودة الى وراء الأحداث
|