|
مقدمة في أصول الفقه بقلم زكريا محمود
إن العناية بدراسة الفقه يحتاج إلي قدر من العلم والتبصر بالأصول والقواعد التي يبني عليها الفقه، فإن العلاقة بين الفقه و معرفة وفهم الأحكام الشرعية العملية، وبين القواعد الضابطة لتلك الأحكام، وطرق استنباطها من النصوص الشرعية، وكيفية فهم تلك النصوص، التي هي مصدر الأحكام.
إنها علاقة وثيقة ومتلاحمة فلا غنى لطالب علم الفقه من دراسة ولو بقدر ما لأدوات استخراج هذا العلم من أدلته ،ولن يتسنى له في كثير من الأحيان فهم كثير من مسائلة إلا بمعرفة الكيفية التي توصل بها إليها .
وبعبارة أخري فإن الطالب الذي ينهل من كتب الفقه أيما كان مذهب مؤلفها، رغبة في تحصيل العلم الشرعي، لن يتسنى له ذلك في سهولة ويسر إلا إذا:-
1. جلس إلي معلم يشرح له دقائق المسائل ويفك له رموز ذلك العلم حتى لو كان الكتاب الذي بين يديه بسيطاً في تركيبه وعرض مسائله.
2. أن يحصل علي مقدمات ذلك العلم وأدواته التي يستطيع بها فهم ما يقرأ.
3. وهو الأهم دراسة الأصول والقواعد والطرق التي اعتمد عليها أصحاب المذاهب وعلماء الفقه في استخراج الأحكام من النصوص، وكيف تسني لهم الجمع بين الدليل والآخر في ذات المسألة أو الترجيح بينهما .
ولذا ثار هذا السؤال وهو من الأهمية بمكان ..
أندرس الفقه أولا.. أم ندرس أصول الفقه التي يبني عليها الفقه؟
ونحن نري أن دراسة أصول الفقه ( كعلم ) هي البداية الصحيحة لدراسة الفقه والإحاطة بمسائله بطريقة علمية سليمة أو علي الأقل أن يتلازم تحصيل الفقه مع دراسة علم أصول الفقه.
لماذا ؟
أخي الكريم/ إذا فتحت أي كتاب من كتب الفقه التي تكون مسلكا ً لطلب ذلك العلم سوف تصطدم ومن أول صفحة وربما أول سطور فيها بمصطلحات علم أصول الفقه، من إطلاق وتقييد، وعموم وخصوص، ودلالة بالمنطوق وأخري بالمفهوم،وكون هذا دليل ظني، وهذا حديث أحاد وأخر متواتر، وهذا علي خلاف الأصل، وهذا منسوخ، وذاك قطعي الدلالة، وأخر من مقاصد الشرع، وهذا قياس الأولى، وتلك هي الحكمة من التشريع،و إن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً..
إلي آخر هذه المصطلحات الأصولية التي لا غني عن فهمها.. والعلم بها حتى يتسنى لنا فهم ما نقرأ من مسائل الفقه .
كانت هذه توطئة بين يدي القارئ العزيز، نبدأ بعدها في عرض مباحث هامة وأساسية من علم أصول الفقه ، سائلين الله العون والسداد ،إنه ولي ذلك والقادر عليه ..
وأولي الموضوعات التي سوف نبدأ بها في أصول الفقه :
هي: مقاصد ومقدمات.. في أصول الفقه
والذي نعنيه بموضوع أصول الفقه - أي المباحث التي يعني بها هذا العلم - دون ما يندرج فيه من مقدمات ومتممات واستعدادات: فكل ذلك رغم وروده وذكره فيه إلا أنه لا يعد موضوعاً له.
وجميع مباحث هذا الفن ومسائله هي:
الإثبات والثبوت، أي إثبات الأدلة للأحكام، وثبوت الأحكام بالأدلة .
فعلم أصول الفقه يعني ببحث: مصادر الأحكام وحجيتها ومراتبها في الاستدلال بها وشروط هذا الاستدلال ، ويرسم مناهج الاستنباط، ويستخرج القواعد المعينة علي ذلك .
فالأصول: تبين مناهج الوصول.. وطرق الاستنباط وما لم يكن كذلك فهو مقدمات علم الأصول مثل: تعريف الحكم وبيان أنواعه.
وقد ذكرت لتمكن الأصولي من إثباتها بالأدلة أو نفيها.. فما من علم إلا ويذكر فيه أشياء استطراداً أو تعميماً وليس معني ذكرها هو جعلها موضوعاً لأصول الفقه.. ولذلك جعل كل ٌ من (البيضاوي والسبكي ) كثيراً من مباحث الأحكام من المقدمات.. وليس من المقاصد وكذلك (الشوكانى في الإرشاد) و(الأحكام في أصول الإحكام للأمدى) .
( القواعد الأصولية ) و ( القواعد الفقهية )
ينبغي أن نفرق بين القواعد الأصولية والقواعد الفقهية.. وهذا هام جداً..
وقد قال القرافي في الفروق (إن الشريعة اشتملت علي أصول وفروع فالأصول قسمان :-
(1) أصول الفقه أو القواعد الأصولية:
وهى في الغالب من قبيل قواعد الأحكام الناشئة من الألفاظ العربية, وما يعرض لتلك الألفاظ من نسخ وترجيح, وهذا القسم عام وشامل إذ أنها أدوات استنباط الأحكام من مصادرها مثال ذلك :( قاعدة إفادة الأمر للوجوب والنهي للتحريم )
(2) القواعد الكلية الفقهية :
وهي مشتملة علي أسرار الشرع وحكمه.. ويترتب علي كل قاعدة فروع كثيرة، فإن من جعل يخرج الفروع بالمناسبات الجزئية دون القواعد الكلية تناقضت عليه وتزلزلت خواطره فيها، بخلاف من ضبط الفقه بقواعده فإنه يستعين علي حفظ أكثر الجزئيات لاندراجها في الكليات واتحد عنده ما تناقض عند غيره..
أمثله القواعد الكلية الفقهية :-
(اليقين لا يزول بالشك).. ( والأمور بمقاصدها )
يقول د/ عبد الكريم زيدان ( القواعد الأصولية لا تكفي وحدها لفهم النصوص وتفسيرها علي الوجه الأكمل، بل لابد من معرفة مقاصد الشارع العامة من تشريعه للأحكام ) وعليه فإنه ينبغي ملاحظة الارتباط بين الحكم الوارد في النص وشروطه وموانعه، ويلاحظ الارتباط بين ذلك كله وبين تحقيق مقاصد الشارع من تشريعه لذلك الحكم .
وعلي ذكر هذه المقدمة-- فإن الباحث في علم أصول الفقه والذي بغيته التعرف علي ما ورد في الشريعة من أحكام.
فهو الهدف من تدوين ودراسة علم الأصول، كما أجمع عليه العلماء من أن الهدف من دراسة علم أصول الفقه (هو التعرف علي الحكم الشرعي) الذي تصلح به عبادة العباد، فلا تنحرف الأفهام وتزل الأقدام وراء الأهواء لذلك ضبط علماء الأصول طرق استنباط الأحكام والقواعد المعينة علي ذلك .. واللازمة لفهم النصوص فهما سليماً.
وكما قال القرافي رحمه الله فإن الشريعة اشتملت علي أصول وفروع ولا ضير عند عامة علماء الأصول والفقهاء من تسمية هذا الأمر من الأصول والأخر من الفروع ولا مشاحة في الاصطلاح عند الجميع .
ونحن بصدد دراسة علم الأصول ( أصول الفقه ) فإن ما قاله القرافي في (الفروق) مدخلاً مهماً حيث قرر أن الشريعة اشتملت علي أصول وفروع :-
والأصول قسمان :
أولها: القواعد الأصولية اللغوية :-
التي ذكرها علماء أصول الفقه الإسلامي، وهي ليست قواعد دينية إسلامية أي مستمدة من الدين نفسه وإنما هي قواعد عربية قررها علماء هذه اللغة بالتلقي من أهلها، وتتبع طريقتهم في التعبير بها عن المعاني التي يريدون بيانها.
الثاني: القواعد الكلية الفقهية:-
وهي التي قررها علماء أصول الفقه الإسلامي، بعد أن استمدوها من استقراء النصوص الشرعية التي قررت قواعد تشريعية عامة ، وكذلك تتبع الأحكام الشرعية والعلل التي ارتبطت بها، والأسس التي قامت عليها، والمقاصد التي تهدف إلي تحقيقها.
والمراد بطرق الاستنباط التي ضبطها علماء الأصول والتي إنشاء الله سنشرع في بيانها هي تلك القواعد التي يستعان بها علي فهم معاني النصوص الشرعية واستخراج الأحكام منها .
أولاً : القواعد الأصولية اللغوية
يتوقف استنباط الأحكام الفقهية من القرآن والسنة استنباطا صحيحاً علي معرفة القواعد الأصولية اللغوية المتعلقة بوضع الألفاظ لمعانيها، وباعتبار استعمال الألفاظ في المعاني الموضوعة لها، وبوضوح هذه المعاني وخفائها، وبكيفية دلالة هذه الألفاظ علي المعاني .
واللفظ باعتبار وضعه للمعني ينقسم إلي خاص، عام، مشترك.
واللفظ باعتبار استعماله في المعني الموضوع له أم لا ينقسم إلي: حقيقية ومجاز، وصريح، وكناية.
واللفظ باعتبار وضوح المعني المقصود منه وخفاءه ينقسم إلي واضح الدلالة ويشتمل علي (ظاهر ونص ومفسر ومحكم)، وخفي الدلالة ويشتمل علي (الخفي والمشكل والمجمل والمتشابه).
واللفظ باعتبار كيفية دلالته علي معناه ينقسم إلي دال بالعبارة، ودال بالإشارة، ودال بالفحوى، ودال بالاقتضاء، وزاد بعض العلماء دال بمفهوم المخالفة.
والآن نتناول هذه التقسيمات بالتفصيل راجين من الله تعالي التوفيق وسداد الخطى.
أولاً / اللفظ باعتبار وضعه للمعني
ينقسم إلي / خاص، عام، مشترك:-
المبحث الأول / الخاص:
أ- تعريفه / لغة هو المنفرد
اصطلاحاً هو كل لفظ وضع لمعني واحد علي الإنفراد .
ب- أنواعه:-
1- خاص شخصي كأسماء الأعلام مثل زيد عمرو.
2- خاص نوعي مثل رجل وامرأة، وفرس.
3- خاص جنسي مثل إنسان.
4- اللفظ الموضوع للمعاني لا للذوات مثل الجهل ، والعلم، سواء أكان له أفراد في الخارج كما تقدم من الأمثلة، أم لم يكن كشمس وقمر، وسواء أكانت الوحدة حقيقية كالأمثلة السابقة، أم كانت الوحدة اعتبارية كالألفاظ الموضوعة لكثير محصور، كرهط، ونفر، وقوم، وفريق، وغيرها وكذلك أسماء الأعداد مثل ثلاثة وعشرة ومائة، وكذلك المثني كرجلين وشهرين.
ج- حكم الخاص:-
الخاص بين في نفسه، فلا إجمال فيه ولا إشكال، ولهذا فهو يدل علي معناه الموضوع له دلالة قطعية، ويثبت الحكم لمدلوله علي سبيل القطع لا الظن.
مثال قول الله تعالي في كفارة اليمين (فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) الآية.
والحكم القطعي هنا هو صيام ثلاثة أيام، فلا يصح أكثر ولا أقل لعدم احتمال النص لها من أي وجه..
مثال أيضاً:- قوله صلي الله عليه وسلم ( في كل أربعين شاه شاة ).
والقطع هنا أنه يثبت لزكاة الأربعين واحدة أي شاه، ولكن إذا قام الدليل علي تأويل الخاص، أي إدارة غير معناه الموضوع له، فإن الخاص يحمل عليه كما حمل أبو حنيفة الشاه علي الحقيقة أو علي قيمتها، ودليلهم علي ذلك ملاحظة مقصد التشريع وهو نفع الفقراء وسد حاجتهم، وهذا المعني يتحقق بإخراج الشاه عينا وأيضا بإخراجها قيمته .
د- أقسام الخاص:-
قد يرد اللفظ الخاص مطلقاً عن أي قيد، وقد يرد مقيداً بقيد، وقد يكون علي صيغة طلب الفعل كقوله تعالي (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ)، وقد يكون علي صيغة النهي كقوله (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ) الآية ..
فيندرج في الخاص.
1- المطلق والمقيد. 2- الأمر. 3- النهي.
وإلى لقاء قادم أخي الحبيب نتناول فيه القسم الأول من الخاص (المطلق والمقيد) وفيه مسائل تعريف المطلق وتعريف المقيد، حكم المطلق و حكم المقيد، حمل المطلق على المقيد.
| الإسم | عبدالعزيزالجابرى |
| عنوان التعليق | مشايخنا الكرام |
|
سلام الله عليكم شيخى الكريم
بارك فيكم على هذا الجهد الرائع جعله الله فى ميزان حسناتكم ونفع الله به المسلمين |
| الإسم | عبد الرحمن |
| عنوان التعليق | مشكور |
| مشكور شيخنا على المجهود الرائع وانا بحق استفدت ما كنت اطلبه في مبحثي
مشكور جدا مرة تانية يا شيخنا جعله الله في ميزان حسناتك |
عودة الى عقائد وأصول
|