|
نظرات جديدة في تأصيل الأصول بقلم الشيخ/ أسامة حافظ
علم أصول الفقه هو أحد ابتكارات حضارتنا الإسلامية من ألفه إلي يائه.. تماما ً كعلم مصطلح الحديث.. وعلم موسيقي الشعر – العروض – وغيرها.
وأصول الفقه هو العلم الذي يبحث في كيفية استنباط الأحكام الشرعية الفرعية من أدلتها التفصيلية.
وعليه فهو منهج بحث وقانون كلي يستخدمه الفقيه ليضبط به اجتهاده أن يقع في خطأ منهجي في الاستدلال علي أحكام الشرع من أدلته المختلفة.
ومكونات هذا العلم هي طرق الفقه علي سبيل الإجمال وكيفية الاستدلال بتلك الطرق وحال المستدل بها
أما مصادر هذا العلم كما هو شائع في تلك الكتب فهي أربعة :
أولها الكتاب والسنة.. ومنها كثير من مباحثه.. مثل الحديث المتواتر والآحاد والقراءات متواترها وشاذها.. والنسخ وغيرها .. فضلا عن استخدام فروع الفقه وأدلتها في الأمثلة المبينة لهذه الأبواب
ثانيها مقدمات من المنطق الأرسطي كمباحث الدلالات اللفظية والتعريفات حدودها ورسومها والبرهان واستخداماته في إثبات الدعاوي للمستدل والرد علي مخالفيه وغيرها .
أما ثالثها فبعض المقدمات من علم الكلام .. مثل التحسين والتقبيح العقلي.. وحكم الأشياء قبل ورود الشرع .. ووجوب شكر المنعم وأمثاله .
ورابع تلك المصادر كليات لغويه.. مثل الحقيقة والمجاز والاشتقاق والاشتراك والاشتقاق والترادف وغيرها من المباحث.
وقد كان أول من صنف في هذا العلم باستقلال الإمام المطلبي محمد بن إدريس الشافعي حيث صنف كتابه الشهير" الرسالة"
وقد زعم الأحناف أن أبا حنيفة قد سبقه إلي ذلك.. ولكن هذا الزعم لم يتأيد بدليل.. فلا رأي أحد هذا الكتاب .. ولا نقل عنه أحد.. ولا ذكره أحد ممن صنفوا في كتب ذلك العصر فيما ذكر.
ثم تطور هذا العلم بعد ذلك وكثرت فيه التصانيف .. تأييدا ً واعتراضا ً.. وإضافة وحذفا ً وتفصيلا ً واختصارا ً .. كل حسب مذهبه أو جمعا ً بين المذاهب حتى امتلأت المكتبة الإسلامية بمئات الكتب.. مابين كتب جامعة لأبوابه وكتب اقتصرت علي بعضها مما يحتاج إلي عرض خاص .
وفي السنوات الأخيرة – في القرنين السابقين – اقتصرت محاولات التصنيف علي أمرين .
1- أما محاولات تبسيط كتب السابقين وتمهيد وعورتها ليسهل علي الدارس فهمها .
وأكثر تلك المصنفات كانت محاضرات في بعض الجامعات ثم جمعت بعد ذلك في كتاب .. كما في كتب الشيوخ أبي زهرة وخلاف والدواليبي والمرصفي والخضري والزحيلي والخفيف وغيرهم .
2- وإما رسائل جامعية في بعض مباحث هذا العلم..
3- أو تحقيق بعض المخطوطات فيه .
وهي بالطبع جهود قيمة لا ينكر أحد قيمتها .. ولكنها لا زالت تدور حول ما كتب منذ قرون.. ولم تبتعد عنه كثيرا ولم تضف إليه شيئا ولم تطور في منهجه .
ونظرا لأهمية هذا العلم وضرورته الحيوية لكل من يتصدي للاجتهاد أو للإفتاء بين الناس.. فإنه يحتاج في ضوء متغيرات العصر إلي نظر جديد لسادتنا العلماء يحافظ علي ثوابته التي لا تقبل التغيير ويعيد النظر فيما عدا ذلك.. حذفا أو إضافة.. أو تطويرا أو تعديلا ً.. للاستفادة من المناهج العلمية الحديثة كما فعل سلفنا الصالح من قبل مع عدم الوقوف أمام ما أنتجوه لنا وابتكروه مع عظمته وجلاله جامدين عليه لتستمر الإفادة منه في موضوعه .
وأضع بين أيديهم بعضا مما أشار بدراسته بعض من أهل العلم طمعا في أن أستثير رغبتهم في اقتحام هذا المجال والله من وراء القصد .
أولا ً: مثلما عانى دارسوا العقيدة من دخول مناطقة اليونان وعلماء الكلام في كتابتها.. وأثقلوا على الناس بتقاسيمهم وحدودهم واصطلاحاتهم ومباحثهم العقلية دون حاجة حقيقية لذلك.. فأرهقوا أذهان الناس ولم يضيفوا إليهم شيئا فقد عانى علم أصول الفقه ومباحثه من مثل ذلك.
ولذلك فإنني أرجو أن يبدأوا في التخلص مما لا فائدة فيه من مباحث المنطق وعلم الكلام التي أرهقت هذا العلم ودارسيه دون طائل .. ويقتصروا من ذلك على ما يحتاجه المجتهد في أداء مهمته في الاجتهاد دون غيرها .
ثانيا ً: التخلص من أثر الواقع والتاريخ الذي عاصره هؤلاء العلماء وكتبت فيه كتبهم علي بعض مباحثهم .
مثل بعض مبالغاتهم المثالية المنفصلة عن الواقع .. والتي تحدثت كثيرا فيما ينبغي أن يكون لا فيما هو حادث فعلا ً نتيجة انفصال العلم عن الحكم أو مبالغات في تفصيلات لا تناسب طبيعة علم الأصول الإجمالية الكلية تقييدا ومحاصرة لبعض الخلل الموجود في واقع تلك العصور.
ثالثا ً : إعطاء مصادر التشريع الاجتهادية وتلك القائمة علي الأعراف والمصالح والتجارب المجتمعية حقها من الاهتمام لتغطية ما يطرأ علي المجتمع من مستحدثات وما أكثرها .. ولم تذكر مباشرة في نصوص الوحي والاهتمام بدراستها وتدريسها لتنمية الحس الفقهي لدي العلماء في استخدام هذه المصادر .
رابعا ً : نظرا ً لصعوبة تواجد المجتهد المطلق بمواصفاته المنصوص عليها في كتب الأصول.. وكذا صعوبة تحقيق الإجماع كذلك.. فإنه يمكن الاستعاضة عن كليهما بالمجامع الفقهية لتلبية احتياجات المجتمع المسلم من فتاوى مستحدثة واجتهادات مستجدة .
وهذه المجمعات تحتاج لإعادة تنظيم وإعداد لتشمل ضمن أعضائها علماء من شتي التخصصات ممن تشربوا بروح الشريعة وعلومها ودرسوا أصولها ومقاصدها ليسهل بوجودهم دراسة المسائل العلمية المختلفة موضع الاجتهاد والإحاطة بها.
خامسا ً: إعطاء فقه الصحابة والتابعين – ما قبل عصر تدوين العلوم وتأصيلها – حقه من الدراسة لمعرفة القواعد التي استخدموها في استنباط فتاواهم لاستخدامها في تطوير هذا العلم وخاصة فقه الخلفاء الراشدين ومن عاصرهم
سادسا ً: إعطاء فقه المقاصد حقه من الاهتمام والتأصيل وتنمية دراسته ووضع القواعد الضابطة له لأهميته البالغة في عملية الاستنباط والاجتهاد
سابعا ً: نظرا لأن علم الفقه سبق علم الأصول.. ولأن أئمة المذاهب بدأوا في استنباط الفروع والاجتهاد فيها في وقت مبكر.
فقد عاني علم الأصول من نزعة تبريرية ومحاولة تقعيد وتأصيل ما قاله الأئمة بغض النظر عن موضوعيته في بعض الأحيان .. ولهذا فانه من الإنصاف السعي للتخلص من أثر تلك النزعة وما أثقلت به هذا العلم من مسائل كان في غني عنها
وبعد
فقد أبدع علماؤنا أيما إبداع بابتكار هذا العلم الفذ الذي تفردت به حضارتنا عن غيرها من الحضارات والذي لجأت إلي الاستفادة منه شتي الحضارات الأخرى في تفسير قوانينها والاستنباط منه.
وكما أبدعوا وابتكروا فأنشأوا وأكملوا وأفاضوا .. فإنه ينبغي علينا ألا نقف جامدين أمام ما أبدعوه فإن الكمال لله وحده وإنما نضيف إليه من معارف العصر وثمرات فكر علمائنا ما يزيده بهاء ً ويجعله يواكب متطلباتنا .
لقد كان علماء سلفنا الصالح يبتكرون ويضيفون وينشئون.. وعلي نهجهم ينبغي أن نسير ولا نقف علي أبوابهم جامدين
والله من وراء القصد
الاثنين الموافق:
26/5/1431هـ
10/5/2010م
| الإسم | ENG. ANTAR |
| عنوان التعليق | فكرة جيدة |
| لكن لماذا لا يكون لك السبق سيدي في هذا المجال كما كان للامام الشافعي السبق في تدوين هذا العلم. بالفعل هذا العلم يحتاج الى مزيد من الاهتمام ومن ثم ابراز هذه الافكار الجديدة في اعادة صياغته وترسيخ هذه القواعد الجديدة والتي ينبغي ان تكون مستمدة من الشريعة غير خارجة عنها كما بينت في مقالك الرائع هذا |
| الإسم | خلف عبد الرؤف المحامى |
| عنوان التعليق | الاتباع بالاجتهاد لا بالتقليد |
| بارك الله فيك شيخى وأستاذى الحبيب ، وليتك تبعث بهذه الرسالة الى السادة العلماء والأئمة المسلمين على اختلاف مشاربهم ومدارسهم فالأمر جد خطير وقارئ هذا الموقع فى غالبه ليس هو المخاطب بفحوى هذه الرسالة وان كان سيفيد منها بلا شك .
ان وقوفنا جامدين أمام مستجدات العصر ينذر بمزيد من التهميش والانزواء لشريعتنا الغراء وتراثنا الفقهى .
ان كثيراً من علمائنا وفقهائنا للأسف يفتقرون الى الجرأة فى الاجتهاد والاستنباط ويفضلون البحث فى بطون الكتب القديمة لانزال ما بها من أحكام على ما يعرض عليهم من مسائل ، دونما اعتداد بمتغيرات الواقع ومستجداته مع علمهم بأن الواقع نصف الفتوى ولكنه علم نظرى فى عمومه لا يطبقونه جيدا فى فتاواهم فلم يزل بعضهم يلتمس قولا أو رأيا عند من سبقوا ليتكئ عليه فى فتواه حتى لو خالف به جمهرة العلماء ، حتى لا يتهم بأنه قد خالف الأولين ولو فقه علماؤنا لعلموا أن الوقوف عند ما وقف عنده الأولون هو عين مخالفتهم ومنزلة من منازل مشاقتهم ومناوأة سننهم .فإن من هديهم الاجتهاد والاختلاف والتجديد كلما تغير الزمان وتباينت الوقائع فمن اجتهد لزمانه فقد اتبعهم ولو خالفهم ، ومن قلدهم على كل حال فقد تنكب سبيلهم ولو وافقهم |
عودة الى عقائد وأصول
|