|
- الردة الجماعية للشعوب الإسلامية.. -
- أكذوبة واهية -
قد تتعجب من تسرع البعض في الحكم على شخص معين بالكفر والخروج من الملة ومفارقة أهل القبلة, ولكنك قد لا تصدق أن هناك من يحكم بالكفر على أمة بأسرها وشعب بأكمله!!
ولكن وقع ما لم يكن متصورا وحدث ما كان أقرب للخيال وليعكس ذلك أحد أوجه الأزمة التي تعاني منها أمة الإسلام.
ففي أقطار عديدة تفاجأ بوقوع أحداث جسيمة يقع من جرائها عشرات الضحايا من أهل الإسلام, ويكون مبرر فاعليها أن هؤلاء الضحايا مهدرو الدم, لأن أبناء هذا الشعب أو ذاك قد ارتدوا عن الإسلام, ومن ثم لا حرج من استحلال أموالهم واستهدافهم بالقتل سواء عن طريق زرع المتفجرات أو تفجير العربات الملغومة أو غير ذلك.
وتكفير هذه الشعوب بأسرها لا يستند عند القائلين به على أساس شرعي واحد ولكن تتنوع أسانيدهم وفقا لمعتقداتهم الخاطئة, فمنهم من يكفر فاعل المعصية, ومنهم من يحكم على فاعل الكفر بالردة لأنه لا يعذره بالجهل, ومنهم من يكفر بالموالاة.
وأيا كانت تلك الأسس فإن الحكم على الشعوب الإسلامية بالردة الجماعية توصيف خاطئ وحكم جائر خاصم الصواب وجانبه السداد, ويجب كشف زيفه, وبيان تهافته وضعفه, وقبل أن نذكر بالتفصيل جوانب هذا التهافت فإننا نشير إليه بشكل مختصر, وذلك من خلال النقاط الآتية:
1. إن القول بوقوع المسلمين جميعا في ردة جماعية, قول يفتقر إلى الدليل ويكذبه الواقع, حيث نرى أكثر المسلمين يقومون بأداء واجباتهم الشرعية ولا يتلبسون بأي من المكفرات المخرجة من الملة عن عمد أو علم أو رضا, وما من قطر من الأقطار الإسلامية إلا ونجد فيه العديد من الحركات الإسلامية الملتزمة بعقيدة أهل السنة والجماعة, ووجود مثل هذه الحركات وتلك الجماعات المؤمنة ينقد هذا الإدعاء من أساسه.
2. إن الاعتماد على أن المسلمين يفشوا فيهم الكثير من الذنوب والمعاصي كالسرقة والزنا وشرب الخمر... الخ, للقول بردتهم عن الإسلام قول لا يصح لأن مذهب أهل السنة يقضي بأن فعل هذه المعاصي لا يخرج من ملة الإسلام, وأن هذه المخالفات تعد من نواقص الإيمان لا من نواقضه, والدليل على ذلك قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ), وقوله تعالى: (وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى), وأيضا لما جاء في حديث عبادة بن الصامت الصحيح المشهور أنهم بايعوه صلى الله عليه وسلم على ألاّ يسرقوا ولا يزنوا... إلخ. فقال لهم صلى الله عليه وسلم (فمن وفى منكم فأجره على الله ومن فعل شيئا من ذلك فعوقب في الدنيا فهو كفارته, ومن لم يعاقب فهو إلى الله تعالى, إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه), ووجه الدلالة من هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (فمن وفى منكم فأجره على الله ومن فعل شيئا من ذلك فعوقب في الدنيا فهو كفارته, ومن لم يعاقب فهو إلى الله تعالى, إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه), وهو يدل على أن من فعل المعصية ومات مصرا عليها ولم يتب منها في مشيئة الرحمن، ولو كان كافرا بتلك المعصية لم يكن يتداركه عفو الرحمن لقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ).
3. إنه لا يصح القول بتكفير الأمة لوجود بعض المسلمين أيا كان عددهم يقعون في بعض الأعمال الشركية كالذبح أو النذر أو الدعاء لغير الله, لأن أغلب هؤلاء يقعون في تلك الشركيات من جراء الجهل الذي يعد عذرا يمنع من لحوق الكفر بهم وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (نحن نعلم بالضرورة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع لأحد أن يدعو أحدا من الأموات لا الأنبياء ولا الصالحين ولا غيرهم بلفظ الاستغاثة, لا بغيرها كما أنه لم يشرع لأحد السجود لميت ولا إلى ميت ونحو ذلك, بل نعلم أنه نهى عن هذه الأمور كلها وأن ذلك من الشرك الذي حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم, ولكن لغلبة الجهل ولقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين لم يكن تكفيرهم بذلك حتى يبين ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم مما يخالفه).
4. لا يصح تكفير الأمة الإسلامية عن بكرة أبيها اعتمادا على وقوع أبنائها في الموالاة المحرمة لغير المسلمين, لأن الواقع يكذب ذلك, فهناك العديد من أبناء هذه الأمة يلتزمون بأحكام الموالاة دون تفريط, فضلا عن كثيرا من صور الموالاة التي يقع فيها بعض المسلمون تدخل في عداد الموالاة الباطلة الموجبة للتكفير وإن أمكن اعتبارها في عداد الموالاة الخاطئة الموجبة للتأثيم وهي من جنس الموالاة الممنوعة التي وقع فيها الصحابي البدري حاطب بن أبي بلتعة حينما راسل مشركي قريش ليخبرهم باستعداد النبي صلى الله عليه وسلم لغزوهم قبيل فتح مكة, وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لعمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد أن قال: دعني أضرب عنقه يا رسول الله: (دعه يا عمر إنه من أهل بدر ولعل الله أطلع على أهل بدر فقال, اذهبوا فافعلوا ما شئتم إني قد غفرت لكم), تلك هي أهم الأسس التي يعتمد عليها أصحاب هذا التوصيف الفاسد, ونظرا لخطورة هذا التوصيف فإننا سوف نناقش كل أساس منها بشكل منفصل عبر مقالات قادمة.
عودة الى عقائد وأصول
|