|
غزوة الأحزاب , وبدائل حل الأزمة
بقلم ا. عصام خيري
كثيرة تلك الأزمات التي تمر بها الحركة الإسلامية عامة وفي مصر بصفة خاصة، فسرعان ما تخرج من محنة حتى تدخل في غيرها، سواء السجن والاعتقال، أو المطاردة والمواجهة، أو التغييب بأشكاله المختلفة وصوره المتعددة ومحاولات الحصار الفكري والثقافي وتجفيف المنابع.
غير أن سياسة الخروج من الأزمة وطرح البدائل المتاحة لحلها تختلف من حركة إلي أخري ومن جماعة إلي جماعة.
وبمناسبة شهر شوال تذكرت غزوة الأحزاب وما وقع فيها من شدة وكرب للمسلمين حتى يروي أن الصحابي كان لايأمن علي نفسه قضاء حاجته فلا يستطيع أن يذهب للخلاء بفرده ، وقد صور القرآن تلك الشدة بقوله ـ تعالي ـ " وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا0هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً".
ولن أخوض كثيراً في وقائع الغزوة ولا سرد أحداثها ؛ لأن ما يهمني في هذا الموضع هو البدائل التي طرحها رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ للخروج من تلك الأزمة ، وبالتحديد العرض الذي شرع رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ في عرضه علي الحارث بن عوف و عيينة بن حصن زعيمي غطفان ، بأن يعطهم ثلث ثمار المدينة مقابل أن ينسحبوا من تجمع الأحزاب الذي أحاط بالمدينة .
فلو تخيلنا أن اقتصاد المسلمين آنذاك كان يتمثل معظمه ـ إن لم يكن كله في تلك الثمار ـ فرسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ عرض التضحية بما يعادل ثلث اقتصاد المسلمين للخروج من هذه الأزمة التي ألمت بالمسلمين ، وأوشكت أن تقضي عليهم ، فلما سئل عن ذلك قال : " إنما هو شئ أصنعه لكم لما رأيت أن العرب رمتكم عن قوس واحدة ".
والمتابع المنصف لمحنتنا هذه وما عانيناه داخل السجون من كرب وهم وحزن ، وغياب عن الأهل والخلان ، والكثير منا مات خلف الجدران ، والباقي ما بين مريض وتعبان ، في الصيف انعدم الهواء وفي الشتاء لا فرش ولا غطاء ، وما وجدنا طعاما ولا دواء ، حتى ظننا أنها الخاتمة والنهاية الحتمية ، فلن يخرج أحد منا إلا إلي مثواه الأخير .
وليس معني ذلك أننا جبنا أو أصابنا الضعف والوهن ؛ لا والله مازلت أذكر ـ رغم تلك الشدة، وذلك الضيق ـ إلا أن عزائمنا قوية وهممنا في السماء ، وكلنا ما نسي أبداً دينه والعمل له ونحن نردد: " إن لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد" ...لسان حالنا ولسان مقالنا " دينك دينك لحمك ودمك"....يشدوا الحادي بين جدران السجون بصوته العذب:
صبراً أخي في محنتي وعقيدتي لابد بعد الصبر من تمكين
أخي أنت حر وراء السدود أخي أنت حر بتلك القيود
وكثير من الأمثلة والنماذج التي تبعث علي الصبر والثبات.
غير أنه كان ولابد من مخرج لتلك الأزمة؛ لصالح ديننا وأمتنا ، ولصالح كل الحركات الموجودة علي الساحة ، ولصالح كل العاملين لدين الله ـ سبحانه وتعالي ـ ؛لإيجاد مناخ أمن ومستقر للجميع يستطيعون من خلاله تبليغ دعوة ربهم ، فالمساجد لنا تحن ، والمآذن لأصواتنا قد اشتاقت ، وقد حرمنا من ميداننا الحبيب ـ ميدان الدعوة إلي الله ـ عز وجل ـ .
فكان فتح الله الذي فتحه لمشايخنا وإخواننا بعد أن هداهم ـ بفضله سبحانه ـ لقرار المبادرة ، وما أفضله وما أحسنه من حل ، وما أنعمه من طرح ، جعله الله ـ عز وجل ـ سبباً للخروج من هذه الأزمة التي كادت أن تقضي علي كثير من أبناء الحركة الإسلامية وهم من خيرة شبابها ، ضحوا وما زالوا يضحون من أجل دينهم ، ما رغبوا أبداً في دنيا أومال أو جاه إنما لسان حالهم ومقالهم " وعجلت إليك رب لترضي " الكل يأمل ويرجو رضا ربه .
صحيح أن العرض الذي عرضه رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ في غزوة الأحزاب لم يتم ؛ لأن الله قد اختار لهم حلاً أخر ، ووضع لهم بديلاً من عنده ـ سبحانه ـ " ياأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جأتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنوداً لم تروها وكان الله بما تعملون بصيراً".
فلعل تيسير الله لهذه المبادرة وتسخير عوامل النجاح جعل الجميع يوقن بأن هذا هو البديل الذي اختاره الله لنا للخروج من تلك الأزمة.
ولأي إنسان الحق في أن يعترض علي المبادرة أو يعلق عليها لكن ؛ ليسأل نفسه بإنصاف وحيادية تامة هل كان لديه بديل أخر؟ علي أن يضع في حسبانه ويستقر في نفسه أننا أبداً والله ما تخاذلنا وما تركنا طريقنا وما فرطنا في دعوتنا ، وإننا لنشتاق لذلك اليوم الذي نستطيع فيه أن نقدم للناس الخير كما كنا ، نمد أيدينا لكل ضال وعاص كما كنا ، نأمر بكل معروف وننهي عن كل منكر ما استطعنا ..كما كنا، نأخذ بيد من ضل الطريق لنكون له نعم الصاحب والرفيق.... كما كنا نسعى لإطعام الجائع ومساعدة المحتاج ....كما كنا، .
فأهدنا يا رب إلي صراطك المستقيم ، وأنر طريقنا ، وتقبل نياتنا وصالح أعمالنا ، وردنا إلي دعوتنا ومساجدنا رداً جميلاً ،رداً نفوز به برضاك ونعلي به شأن دينك ونكون فيه من المخلصين المقبولين .
| الإسم | سامح المنياوي |
| عنوان التعليق | احسنت |
| احسن حاجه فيك ياشيخ عصام انك تنام تنام وتصحى على حاجه كويسه .وياريت تنام اكتر واكتر حتى نرى منك الاحسن والافضل. وسلامي لمحمد |
عودة الى السيرة النبوية
|