|
تصاعد نشاط القاعدة في اليمن.. الإستراتيجية والمخاطر بقلم/ علي بكر
في ظل الربيع العربي.. ظن الكثيرون أن الثورات العربية قد كتبت بداية النهاية "للقاعدة".. وأن القاعدة في طريقها إلى الزوال والاختفاء.. لأن الثورات السلمية العربية حققت في وقت وجيز ما فشلت فيه القاعدة والتيارات الجهادية على مدى ثلاثين عاما ً من تغير لبعض الأنظمة العربية.. والتي استعصت على كل التيارات الجهادية في المنطقة العربية.
ولكن سرعان ما ثبت خطأ هذا الظن.. حيث نشطت القاعدة في أماكن كثيرة من العالم العربي عقب الربيع العربي.. مثل القاعدة في "المغرب" الإسلامي، والقاعدة في "الصومال"، ولكن تبقى القاعدة في "اليمن" هي الصورة الأكثر خطورة من صور القاعدة.
ولقد برز تنظيم القاعدة في اليمن بصورة أولية عقب عودة من عرفوا باسم "الأفغان العرب".. ومنهم كثير من اليمنيين في ذلك الوقت.. وقد استهدفت أول عملية للتنظيم عام 1992 عناصر من قوات البحرية الأمريكية "المارينز".. والتي كانت تقيم في فندق عدن وهي في طريقها إلى الصومال.
ومنذ ذلك التاريخ.. نفذ تنظيم القاعدة نحو 73 عملية.. كان أبرزها استهداف سياح بريطانيين واستراليين في أبين في ديسمبر 1988.. ثم تفجير المدمرة كول التي أودت بحياة 17 بحاراً أمريكياً.. وكذا تفجير ناقلة النفط الفرنسية ليمبورج قبالة شواطئ حضرموت شرق البلاد في نوفمبر 2002.
وفي مطلع عام 2009، أعلن تنظيم القاعدة، بجناحيه اليمني والسعودي، عن عملية دمج في إطار تنظيم واحد.. أطلق عليه "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب".
وتنظيم القاعدة في اليمن له هدف تكتيكي.. هو إنشاء "دولة إسلامية" في اليمن.
وله هدف آخر استراتيجي.. هو إقامة "الخلافة الإسلامية" من خلال تصدير مشروعه الجهادي إلى كل دول الجوار.. تحت شعار "اخرجوا المشركين من جزيرة العرب".
وجزيرة العرب في فكر القاعدة في اليمن تعني من اليمن إلى العراق.. ومن البحر الأحمر إلى الخليج العربي.. إضافة إلى بلاد الشام.. وبالتالي تدخل كل دول الخليج والشام.. بالإضافة إلى اليمن في المشروع الجهادي للقاعدة في اليمن.
وقد زاد نشاط تنظيم القاعدة في اليمن بشكل ملحوظ عقب الثورة في اليمن.. حيث كثف التنظيم من عملياته العسكرية ضد الجيش اليمنى.. إضافة إلى سيطرته على بعض المناطق في اليمن مثل مدينة زنجبار.. وكذلك الإعلان عن قيام إمارة إسلامية في محافظة شبوة.
الأمر الذي يسلط الضوء على مدى خطورة "القاعدة" في اليمن.. وعلى مدى الصعوبات التي يواجهها الرئيس اليمنى الجديد "عبد ربه منصور هادي".. في محاربة التنظيم واستعادة سلطة الدولة في الجنوب التي ينعدم فيها القانون.
إستراتيجية القاعدة في اليمن
يحاول تنظيم القاعدة في اليمن استباق الزمن قبل أن يستكمل النظام اليمني الجديد قوته.. حيث يعيش التنظيم حالة من القلق والخوف.. نتيجة التسارع في نقل السلطة واستعادة الدولة لقوتها وهيبتها.. وأن هذا القلق من قبل "القاعدة" ترجم أخيرا عبر الإسراع في تنفيذ العديد من العمليات الكبيرة.
وكانت العديد من عمليات تنظيم القاعدة الأخيرة في اليمن خلال الأسبوعين الماضيين قد استهدف المؤسسات العسكرية والأمنية التي يقودها أبناء عائلة الرئيس السابق "علي عبدا لله صالح".. بما فيها قوات الحرس الجمهوري، والأمن المركزي، والقوات الجوية.
وهو ما فسره البعض بأن النظام السابق يقف وراء تدبيرها.. وأنها محاولة لإعطاء رسائل للغرب بضرورة الإبقاء على أفراد عائلة صالح في عملية هيكلة الجيش الجديدة.. وفقا للمبادرة الخليجية بشأن اليمن.
فالقاعدة لم تفلح في الحصول على خصوم جدد.. فلم تجد أمامها سوى مؤسسات بقايا النظام السابق كأهداف لعملياتها.. والتي تتهمهم بالعمالة والارتهان لأمريكا.. وأنها تريد أن "تشرعن" لعملياتها من خلال الابتعاد عن الثورة الشعبية.. حتى لا تخسر الشارع.. وحتى لا تصطدم بالشعب.. لذا فإن أهداف القاعدة الحالية منتقاة حتى تعطى لها الشرعية.
واعتمدت إستراتيجية التنظيم في الأيام الأخيرة على زيادة وتيرة العمليات بشكل متتال وغير مسبوق في أكثر من منطقة في اليمن.. ذهب ضحيتها عشرات القتلى والجرحى من الجنود والضباط.. وكذلك استهداف معسكرات الجيش والأمن في حضرموت وأبين وصنعاء وغيرها.. وذلك إثر قلق "القاعدة" وخوفها من القادم المجهول.. لأنها تتوجس كثيرا من التغييرات القادمة.. خصوصا في مؤسسات الجيش والأمن التي من المقرر أن تطولها عملية تغيير شاملة.. عبر خطة إعادة هيكلة الجيش.
خصوصا وأن خطاب الرئيس اليمني الجديد.. حيال مكافحته للإرهاب ينبئ عن عزيمة في مكافحة القاعدة والتعامل بجدّية مع ملف الإرهاب في بلاده.
وهناك عدد من المؤشرات على التصعيد العملياتي القوى من تنظيم "القاعدة"، في الأيام الأخيرة ومن أهم هذه المؤشرات:
1- تكثيف تنظيم القاعدة من عملياته العسكرية ضد الجيش اليمنى.. إضافة إلى سيطرته على بعض المناطق في اليمن.. لدرجة أنه في الأيام الأخيرة أعلن التنظيم عن قيام "إمارة إسلامية" في محافظة شبوة.
2- تفجير التنظيم لأنبوب الغاز المار بوسط اليمن بين مأرب ومصنع بلحاف للغاز الطبيعي المسال الواقع على الساحل الجنوبي بمحافظة شبوة.. والمملوك جزئيًّا من قبل الشركة الفرنسية "توتال".
3- سيطرة تنظيم القاعدة على مدينتي "جعار" و"زنجبار" لتكون نقطة انطلاق للاستيلاء على العديد من المدن اليمنية من أجل إقامة "الدولة الإسلامية".
4- إعلان تنظيم "القاعدة" أنه نفذ هجوما.. في مدينة الحديدة الساحلية في غرب اليمن أسفر عن إصابة خبراء عسكريين أمريكيين بجروح.
5- العملية الانتحارية الأخيرة لتنظيم "القاعدة" ضد الجيش اليمنى.. والتي تعتبر من العمليات الأكثر دموية في تاريخ عمليات القاعدة في اليمن.. حيث فجر انتحاري من القاعدة نفسه.. بميدان السبعين بصنعاء أثناء تدريب عسكري.. مما أسفر عن مقتل 96 وإصابة 300 ويعد هذا الهجوم أكبر هجوم انتحاري يستهدف الجيش اليمنى منذ بدء عملية انتقال السلطة في اليمن.
والمؤشرات السابقة تدل على أن تنظيم "القاعدة" في اليمن أصبح يمثل خطرا حقيقيا.. وأن التنظيم يتطور يوما بعد يوم كماً وكيفاً في عملياته الإرهابية.. وأصبح التنظيم يمتلك من القوة ما يمكنه من بسط سيطرته على بعض المدن اليمنية، والقيام بعمليات مروعة.. مما يمثل تهديدا حقيقيا للوضع في اليمن والمنطقة.
عوامل تصاعد نشاط التنظيم
أولاً: تمركز تنظيم القاعدة في اليمن في البؤر غير المستقرة والمساحات الشاسعة، ذات التضاريس الصعبة، كما ينتشر في المناطق التي لا تتوافر فيها نسب تعليم مرتفعة، والظروف المعيشية الصعبة.
ثانيا: استفادة التنظيم من الاضطرابات السياسية الموجودة في البلاد عقب اندلاع الثورة في اليمن.. وانشغال الجيش اليمنى بالأوضاع الداخلية والصراع على السلطة.. حيث قام التنظيم بتوظيف الأوضاع المضطربة التي شهدتها البلاد طوال الأشهر القليلة الماضية في تعظيم نفوذه ووجوده في العديد من المدن اليمنية.. خصوصا في المحافظات الجنوبية.. مما أوجد له قاعدة للانطلاق وأماكن للتدريب والتجنيد.. مثل إنشاء معسكر تدريبي في منطقة زندان بمديرية أرحب.. يضم 300 من عناصر تنظيم القاعدة.. حيث تلقوا تدريبات مكثفة على مختلف أنواع الأسلحة، بما فيها صواريخ (لو) وقذائف (الآر بي جي).. وتنفيذ العمليات الهجومية باستخدام دراجات نارية وسيارات مكشوفة ضد أهداف ثابتة ومتحركة وطريقة زرع العبوات الناسفة.
ثالثا: تمكن أعضاء التنظيم من الاستيلاء على كميات كبيرة من الأسلحة والمعدات والذخائر من مواقع الجيش اليمني التي هاجمها التنظيم في الآونة الأخيرة في جنوب وجنوب شرق اليمن، حيث ينتشر التنظيم بشكل كبير.. مما جعل حركة التنظيم ومساحة نشاطه في اليمن في أعلى مستوياتها.. في الوقت الذي جاء فيه للدولة اليمنية ما يشغلها، بصورة غير مسبوقة.. مما يعزز حال عدم الاستقرار.. نتيجة الانشغال الكامل بالثورة وتحقيق أهدافها.
التداعيات المحتملة.. والتصعيد العمليات الأخير لتنظيم "القاعدة" في اليمن، سوف يكون له عدد من التداعيات على التنظيم من ناحية.. وعلى النظام اليمنى والوضع الإقليمي من ناحية أخرى، ومن أهم هذه التداعيات:
1- بالنسبة لتنظيم "القاعدة": تصعيد "القاعدة" لعملياتها ضد النظام اليمنى.. سوف يكون له تداعياته السلبية على التنظيم.. حيث أصبح الجميع داخل اليمن وخارجها يدركون مدى خطورة التنظيم على اليمن وعلى المنطقة..وأن القاعدة في اليمن أصبحت مصدر تهديد دولي.. وأن القضاء على التنظيم أصبح ضرورة ملحة.. مما قد يؤدى إلى تعرض التنظيم إلى ضربات قوية من قبل الجيش اليمنى بدعم دولي وخليجي قوى من أجل القضاء عليه.
2- بالنسبة للنظام اليمنى: سلطت العمليات القوية لتنظيم "القاعدة" في اليمن الضوء على الصعوبات التي يواجهها الرئيس اليمنى الجديد "عبد ربه منصور هادي".. في محاربة التنظيم واستعادة سلطة الدولة في المناطق الجنوبية التي ينعدم فيها القانون، حيث إن هناك تصاعداً في الهجمات من جانب تنظيم القاعدة بعد تنصيب الرئيس "هادي".. ليصبح تنظيم القاعدة التحدي الأكبر الذي يواجه النظام اليمنى بشكل عام، والرئيس هادى بشكل خاص الآن.
3- بالنسبة للوضع الإقليمي: تصاعد عمليات "تنظيم القاعدة" في اليمن يعد مؤشرا خطيراً وأمرا يدعو إلى القلق لجميع دول الإقليم.. خصوصا أن استقرار اليمن مسألة بالغة الحيوية بالنسبة لدول "مجلس التعاون الخليجي".. فضلا عن كونه يتحكم في أحد أهم المضايق البحرية في العالم.. وهو "مضيق باب المندب" الذي يقع بين اليمن والقرن الإفريقي.. ويمر عبره خط الملاحة البحرية لـ" قناة السويس".. وكذلك ناقلات النفط.
وأن من أكثر ما يثير المخاوف الدولية هي أن يستغل تنظيم "القاعدة" الأوضاع الراهنة في اليمن من أجل امتلاك القدرة على تهديد الملاحة في المضيق.. ومن ثم التأثير السلبي في التجارة الدولية بشكل عام.. وإعطاء دفعة للقرصنة البحرية التي تنشط بشكل كبير في خليج عدن والبحر الأحمر.
وهكذا فإنه من الواضح أن تنظيم "القاعدة" في اليمن في تطور مستمر.. ويزداد قوة يوما بعد يوم.. حيث أثبت أنه قادر على توجيه ضربات مؤلمة للنظام اليمنى.. والأنظمة الحليفة معه مثل الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة العربية السعودية.. وأنه قادر على تهديد أمن المنطقة ككل.
الأمر الذي أصبح يحتاج إلى تكاتف الجميع من أجل مواجهة القاعدة في اليمن.. حيث أصبح من الصعوبة بمكان أن يستطيع اليمن بمفرده مواجهة هذا التنظيم العنيد.. الذي يحسن استغلال البيئة والظروف الحالية في اليمن أفضل استغلال.
الثلاثاء الموافق:
7- 12-1433هـ
23-10-2012م
عودة الى كتب ودراسات
|