English | اردو
  الرئـيسـية من نحن مشرف الموقع اتصل بنا سجل الزوار
  قضايا معاصرة: إيقاظ الوعي فرض الوقت - دروس في الدعوة: أحدثكم عن/ ناجح إبراهيم - من التاريخ: ستة قطارات لحكام مصر من عباس الأول إلى الدكتور مرسى - مقالات: الشعب 'لدع' - قصة قصيرة: خطوط الجدار - دروس في الدعوة: أسباب نشأة الحركة الإسلامية في إسرائيل - دروس في الدعوة: قتل المدنيين.. صناعة القرن - الأسرة المسلمة: ماذا يحدث عند تضخم الكلية بعد استئصال الأخرى؟ - كتب ودراسات: نيلسون مانديلا.. سيرة مصورة لسجين ألهم العالم - قضايا معاصرة: ماذا يدبر للأزهر في الخفاء؟ - اللقاء الأسبوعي: د/ سيف الدولة :مازائيل اتهمني باختراق المادة الثالثة من اتفاقية السلام - الذين سبقونا: محمد يسري سلامة .. أيها الناس؟ - الطريق الى الله: أخلاقنا.. خلق التوسط والاعتدال - دروس في الدعوة: بين مبارك والملك حسين - دروس في الدعوة: إصلاح المؤسسات بين الثورية والتدرج - الأسرة المسلمة: النشرة الطبية والصحية: 6 أطعمة تعرض المصريين لخطر الوفاة المبكرة - كتب ودراسات: الاستيطان الصهيوني أكبر جرائم التطهير العرقي في التاريخ - قضايا معاصرة: الدولة.. أم الثورة - قضايا معاصرة: وماذا بعد حوار الرئيس؟ - وراء الأحداث: المستشار زكريا عبد العزيز: 6 خطوات لإصلاح النظام القضائي -  
الاستطــــلاع
هل توافق علي إرسال وفد لحل مشكلة سد النهضة ؟
نعم
لا
لا أهتم
اقتراعات سابقة
القائمة البريدية
ادخل بريدك الالكترونى
القرآن و علومه
الحديث وعلـومه
الأخبار
  • أخبار الحوادث والجريمة ليوم 4-6-2013
  • استثمارات لزيادة إنتاج الكهرباء بمصر
  • دروس في الدعوة
  • تونس في عيون داعية
  • الإسلامى الذي نريده
  • الطريق الى الله
  • الإمام.. ودعاء الخباز
  • الأسئلة العشرة.. إلى فلاسفتنا ومثقفينا
  • الذين سبقونا
  • صلاح نهايتو في ذمة الله
  • ورحل الداعية البسام
  • كتب ودراسات

    مذكرات هارب , الجزء الأول للاستاذ حسن العشماوي

    قرأها لكم عصمت الصاوي

    ترجع أصول عائلة العشماوي إلى بلدة الغوابين التابعة لفارسكور محافظة دمياط ، ولكن ميلاد حسن العشماوي كان في محافظة المنيا بصعيد مصر .. حيث مقر عمل الوالد الذي انتقل بأسرته إلى هناك حيث كان يعمل في سلك القضاء .

    ولد حسن العشماوي في 21/11/1921 ..ونشأ وترعرع في ربوع هذه المحافظة ذات الطابع الأصيل فشرب من عادات أهلها  وخصالهم .. فشب على الشهامة والكرم.. وامتلأ قلبه بالشجاعة والجرأة وحب المغامرة , وامتزجت هذه الصفات جميعا ً لتكون حسن العشماوي الذي أصقل هذه الصفات والمواهب بدراسة القانون الذي أتمه عام 1942 .

    ـ تخصص بعد ذلك في القانون الخاص.. وتوسع في دراسة الشريعة الإسلامية ، ومارس في هذه الفترة أعمال النيابة العامة والقضاء حتى عين وكيلا ً للنائب العام إلى أن استقال في مشارف عام 1951 وفضل الاشتغال الحر بمهنة المحاماة ؟

    ـ وقبيل حرب 1948 كان قد انضم إلى سلك الإخوان المسلمين .. وسرعان ما أصبح اسمه من الأسماء البارزة واللامعة في هذه الفترة الحرجة من تاريخ الإخوان .

     ـ وفي أكتوبر عام 1951 أحال الإخوان المسلمون عبد الناصر إلى حسن العشماوي ليكون المنسق الرئيسي بين الإخوان والضباط الأحرار في  تعاونهم إبان معركة السويس .. وليكون حلقة الربط الوحيدة بينهم في تاريخهم المستقبلي .

    ـ ولم يكن هذا الدور المحوري هو الدور الوحيد الذي قام به حسن العشماوي في تلك المرحلة .. وإنما كان بما يملك من شجاعة وإقدام وجرأة .. وبما حباه الله من عقل راجح ونظرة مستقبلية  صائبة .. كان موضعا ً لسر المرشد العام الأستاذ  الهضيبي آنذاك ، بل كان أحد الأشخاص المعدودين حول المرشد العام في فترة من فترات هروبه.. والشخص الوحيد بجوار المرشد في أحلك لحظات الصراع بين ناصر والإخوان .

    ـ وفي عام 1954 أصدر مجلس قيادة الثورة قرارا ً بحل جماعة الإخوان المسلمين .. وتم القبض علي المرشد العام وقادة الجماعة وكوادرها وأعضاءها .. وقدموا للمحاكمة وصدرت ضدهم الأحكام المتفاوتة بدء ً من الإعدام إلي الأشغال الشاقة المؤبدة .

    ـ ولكن حسن العشماوي استطاع الهرب طوال ثلاث سنوات لم يعرف النوم فيها طريقا إلى جفنه.. ولم يعرف الأمن فيها طريقا إلى قلبه ..حتى استطاع الخروج من مصر بعد أن بدل اسمه كساقط قيد ..واستخرج جواز سفر كطباخ.. وسافر على متن قارب نقله إلى المملكة العربية السعودية.. وهناك أدى فريضة الحج.. وغسل هموم الماضي بماء زمزم.

     ـ وهناك قيض له القدر الأستاذ عبد العظيم لقمه الذي سهل له الإقامة إلى حد بعيد.. واستطاع أن يحصل على جواز سفر باسمه الأصلي حسن الإمام.. ولكن السلطات السعودية رفضت وضع لقب العشماوي في نهاية الاسم.. حتى لا يتسبب ذلك في حرج مع الحكومة المصرية.

     ـ ومن هناك سافر إلى سويسرا.. وفي هذه الأثناء أراد استقدام أسرته من مصر.. ولكن المقربون منه حاولوا إثناؤه عن هذه الخطوة لما فيها من مغامرة وخطورة.. ولكنه أصر على ذلك .

    ـ ودخل مصر في أكتوبر عام 1958 حاملا روحه فوق كفه بجواز سفر سائق سعودي.. وعاد بزوجته وبناته الثلاثة وابنه الصغير.. واتجه إلى زيورخ بسويسرا ..ثم بعض الأقطار العربية ..حتى استقر به المقام في الكويت ..حيث عمل بها نائبا لرئيس الفتوى والتشريع ومستشارا قانونيا في وزارة الدفاع الكويتية.

    ـ واستطاع خلال هذه الفترة بواسطة الأستاذ كامل الشريف أن يتفق مع الملك حسين على استخراج جوازات سفر أردنية له ولأسرته بالأسماء الأصلية .

    ـ ومن عجيب الأقدار أنه في عام 1972 أرادت الحكومة المصرية أن تفتح ملفا جديدا مع الأستاذ حسن العشماوي وأسرته.. فزارهم السفير المصري في بيتهم.. وعرض على الأستاذ العشماوي استخراج جوازات سفر مصرية له ولأسرته.. فاستشار أسرته ثم قدم للسفير ورقة بأسماء أبناءه وزوجته.. ولكنها خلت من اسمه هو.

    ـ وعبثا حاول السفير إقناعه بالعدول عن رأيه.. ولكنه رفض وأصر على موقفه.. وغاب السفير المصري أياما.. ثم عاد بالجوازات المصرية.. وبدلا من أن يقدمها للأستاذ حسن العشماوي قدمها إلى أسرته لأن حسن العشماوي قد فارق الحياة..

    ـ نعم فارق الحياة.. ودفن على أرض الكويت لا على أرض مصر، وذلك إثر أزمة قلبية حادة داهمته في نهاية يناير 1972م دخل على إثرها المستشفى.. وبعد أن تعافى نصحه الأطباء بالاستجمام في منزله حتى يتعافى تماما .

    بعد أربعة أيام بالتحديد في الثاني من فبراير عام 1972م أعدت له إحدى بناته فنجانا ً من القهوة ..وصعدت إلى غرفته لتوقظه لصلاة العصر.. فوجدته مستلقيا ً على سريره في هدوء وطمأنينة وسكينة وقد فارقت روحه الحياة!!

    ـ نعم.. توقف قلب حسن العشماوي.. ولم يستطع أن يجاريه في طموحه وأماله وأحلامه.. توقف ذلك القلب الفياض النابض الذي وسع الدنيا كلها وما وسعته.

    ـ نعم.. كان ذلك اليوم هو موعد الفراق واللوعة والألم لكل من عرف حسن العشماوي.. فلقد تسربل الجريح بسربال من الحزن والأسى، حتى الصحراء التي قضى فيها الليال الطوال حتى آلفها وآلفته لابد وأن تكون قد اتشحت بالسواد.. رمالها وصخورها وكهوفها.. تلك الكهوف التي احتضنته عندما تنكر له الوطن، تلك الرمال التي مهدت خدها له وفاءا ً لأحلامه لها ..فقد كان يحلم بالحرية والعدالة.. كان يحلم بالإسلام.. تلك الصخور التي لآن طبعها له.. بينما قست قلوب من حماهم يوما ً وزاد عنهم.

    ـ نعم رحل حسن العشماوي.. ولكنه قبل أن يرحل ترك لنا تراثا ً يدل عليه.. ترك تفسيرا ً لبعض سور القرآن الكريم الفاتحة والبقرة وآل عمران والنساء والإسراء.. ومسرحية رائعة بعنوان "قلب آخر لأجل الزعيم" .. وقد وعدتنا ابنته السيدة/ أمال العشماوي بنسخة من هذه المسرحية لعرضها بإذن الله تعالى، وكتاب في التربية بعنوان "هكذا نربي أولادنا" وقصة بعنوان "تركة الشيخ عليش".      

    ـ وسطر مذكراته السياسة تحت عنوان جانب من قصة العصر وجعلها من جزأين :

    1- حصاد الأيام أو مذكرات هارب

    2- الأيام الحاسمة وحصادها

    ونحن بصدد عرض الجزء الأول من المذكرات "مذكرات هارب" .. وفيها يحكي الكاتب الخيوط الأولى والنسيج الرئيسي الذي غير خارطة مصر السياسية في العصر الحديث.

    ـ كيف تكون تنظيم الضباط الأحرار داخل تنظيم الإخوان المسلمين؟

    وكيف انفصل ناصر بمجموعته ؟

    وكيف كان التعاون بين الضباط والإخوان؟

     وما هي قصة الأسلحة والذخيرة التي وجدها حسن العشماوي في جراج بيته صبيحة حريق القاهرة؟

    وما هو دور الإخوان في الثورة قبل قيامها ؟

    وكيف حموها ورعوها وأيدوها بعد قيامها وحتى نجاحها؟

     وما هي ملامح الاتفاق البيني بين الإخوان وناصر على إدارة البلاد في مرحلة ما بعد الثورة؟

    واستطاع الكاتب أن يبرز الملامح الرئيسية لانقلاب ناصر على الإخوان.. وأن يظهر الأسباب الحقيقية لحل تنظيمهم.. حتى تأزمت العلاقة ووقعت الكارثة.

    ـ وامتلك الأستاذ حسن العشماوي الشجاعة والقوة والحزم كما كانت حياته دائما.. فانتقد تنظيم الإخوان من الداخل إذ كان برأيه أن التنظيم كان يملك القدرة آنذاك ليطيح بالضباط الأحرار ويغير خط التاريخ.. ولكنه القرار الذي لم يتخذ.. بل استقر قرار مكتب الإرشاد أن يخرجوا عقب اجتماع الهيئة التأسيسية يوم الخميس 29 أكتوبر 1954 في مظاهرة سلمية تضم الإخوان وغيرهم من أفراد الشعب ورجال السياسة.. فيرابطوا أمام قصر عابدين حتى تنزل الحكومة على رغبتهم ورغبة الشعب أو تبيدهم بالرصاص.

    ـ ولكن يبدوا أن حركة الضباط كانت أسرع من حركة الإخوان.. فتم اعتقال المرشد العام قبل المظاهرة بيومين.. واستطاعت الثورة ملاحقة الإخوان في كل شبر من أرض مصر.. ولاسيما بعد محاولة اغتيال ناصر في المنشية.. وانقطعت الاتصالات بين حسن العشماوي وإخوانه من قيادات الإخوان.. فاستقر رأيه على الهرب ولاسيما أنه على رأس قائمة المطلوبين.

    ـ بدأت رحلة الهروب التي استعان فيها بأصدقائه القدامى من غير الإخوان.. فتحملوا معه الصعاب والمخاطر طوال السنوات الثلاث التي قضاها في أحضان القرى والجبال والكهوف والمزارع.. حتى نجح في الخروج من مصر في صبيحة يوم من أيام أغسطس عام 1957 م

    ـ وضمن الكاتب مذكراته العديد من المواقف الإنسانية لأبناء مصر المخلصين حتى في اللحظات الأخيرة.. وهو يخطو الخطوة الأخيرة له على أرض مصر.. ليضع الخطوة الأولى له في مهجره .

    ـ رآه أحد الضباط المصريين فعرف كلاهما الآخر.. وتلاقت عيونهم وسادت لحظات من الكون هدمت فيها كل أحلام العشماوي وأمانيه.. وبدلا من أن يعيده الضابط إلى سجون ناصر وأعواد المشانق.. إذ به يفسح له الطريق ويودعه بكلتا يديه.

    ـ والآن اسمح لي قارئي العزيز أن نبدأ في عرض الجزء الأول من المذاكرات وهي بعنوان :

    "مذكرات هارب".

    ـ يبدأ الأستاذ العشماوي.. كتابه الرائع بأسلوب تشويقي أكثر من مبهر.. فهو لم يبدأ قصته من بدايتها ..وإنما بدأ كتابه بفصل قصير عنون له بـ "هنا ستقيم".. ذكر فيه القصة من منتصفها، وبالتحديد يوم رحلته إلى الصحراء تلك الرحلة التي كانت حلقة الربط بين ماضي الأستاذ عشماوي والإخوان المسلمين مع عبد الناصر وثورة يوليو وحاضر مستقبله الضبابي المبهم.

    ـ استطاع الأستاذ حسن العشماوي الذي فرض أسلوبه الأدبي الرائع أول كلمات الكتاب.. أن يصف المشاعر والأحاسيس ويمسك الخلجات ويسمع الهمهمات، استطاع أن يعبر بصدق عن تلك الصراعات التي كانت تدور في صدره بين ماضيه وحاضره.

    ـ فبدأ الحديث قائلا ً: غدا ً الركب الصغير – منذ الشروق – يحث السير متعقبا ً قرص الشمس نحو الصحراء.. كنا خمسة أشخاص، نسير على أقدامنا وقد انقضت الأحمال ظهورنا: فرحات وحسين وعليان وحامد.. ثم أنا.. وكنا نسير صفا ً واحدا ً بهذا الترتيب.

    ـ ثم يصف حال زملاء رحلته فيقول: وكان سائر زملائنا.. حسين وعليان وحامد إخوة ثلاث، وكانوا أمثال فرحات وزملاءه في العمل، اتخذ الجميع السرقة وسيلة كسب لهم، وإن كانوا لحداثة سنهم أقل منه خبرة بالصحراء وأقل ترددا ً عليها.. ولذلك ارتضوا أن يكون فرحات لهم قائدا ً ودليلا ً.

    ـ ثم يستطرد الأستاذ العشماوي وصف رحلته.. فيصف الجبال والأدوية والصخور والكهوف ومقدار العناء الذي لاقاه، ثم ينتقل في انسيابية رائعة إلى وصف داخله ..وما يدور فيه من فوران وغليان.. وما يكابده من آلام الغدر وبشاعة الخيانة فيقول: استرحنا في صعودنا مرتين نلتقط أنفاسنا.. ونهيئ لأقدامنا المكدودة بعض الراحة عسى أن نواصل الصعود.. وراودتني في كل مرة أستريح فيها فكرة أن أعود من حيث أتيت.. ولكن إلى أين أعود..؟!

    ـ ثم يواصل الأستاذ العشماوي صراعه الذاتي المكتوم الذي لا يشعر به من حوله.. كصداع أمواج البحر في الأعماق تحت صفحة الماء المنبسطة الساكنة.. فتجيب نفسه على نفسه فيقول "لا.. لن أعود ولأواصل السير مهما كانت النتائج ولو مت هناك بعيدا ً.

    ـ ولكن الأمواج تتقاذفه وهو يستعيد بذاكرته كل من خلفهم ورائه من زوجة وأطفال، من فكرة لم يعد هناك من يحميها أو يحييها فيقول:

    هل إلى هذا الوادي الأخضر من رجعه؟؟.. هل سأرى من خلفت فيه ثانية..؟؟ أم ستبتلعني تلك الصحراء الفاغرة فاها أمامي ولن ألقى بعد اليوم أحدا ً.

    ـ ثم يستطرد رحلته إلى أن وصل الجمع إلى المكان الذي سيقيم فيه ..وهناك ألقوا حمولهم وقالوا له في غير اكتراث "هنا ستقيم" ويا لروعة الوصف ودقته الذي وصف به الأستاذ عشماوي مقر إقامته الجديد في الصحراء القاحلة.

    ـ ثم ختم فصله القصير الرائع بتشويق أكثر فقال : وعند العصر ودعني رفاقي جميعا ً وعادوا إلى الوادي، تركوني وحيدا ً.. بغير أنيس أو كتاب أو قلم.. واجتاحني شعور عارم بالوحشة.. حتى كان الليل فتكاثر حولي عواء الذئاب.. فأنست به ورن في سمعي صوت الشيخ الطيب: يا بني إن الذئب هجر الوادي وسكن الصحراء لأن أصحاب الوادي له أعداء.. وأنت خاصمت رجال الدولة.. فكلهم لك عدو.. وهم اليوم أصحاب الوادي..فاتبع جرة الذئب إلى الصحراء فهي مأمنك الوحيد.

    كان ذلك مساء الثلاثاء 30 نوفمبر سنة 1954م ..والحكومة تعد المشانق لزملائي والكل ينتظر دوره.. وفي هذا المكان أقمت طويلا ً.. أطول مما قدرت.. وقدر الناس كيف جئت إلى هنا.. وما القصة من أولها.

    ـ وكان هذا الختام للفصل الأول.. وهو بمثابة التمهيد للفصل الثاني الذي اسمه " من قناة السويس إلى القاهرة "

    ويعد هذا الفصل هو البداية الحقيقية لملحمة الأستاذ حسن العشماوي.. وإن شئت قل ملحمة الإخوان المسلمين مع عبد الناصر وضباطه.. إذ يؤصل الأستاذ عشماوي في هذا الفصل العلاقة بين الضباط الأحرار والإخوان المسلمين.. كيف نشأت؟ وكيف تطورت؟ وكيف كانت العلاقة حميمة بين الطرفين إلى درجة الانتماء الفعلي في بدايتها.. ثم التعاون المتبادل في إحدى مراحلها.. ثم الصداع والصدام في مرحلة لاحقة من هذا الكتاب.. ثم السبب في انتقال المعركة من قناة السويس إلى قلب القاهرة .

    ـ فبدأ الأستاذ حسن العشماوي القصة من أولها.. وقد أراد أن يثبت انتماء عبد الناصر للإخوان قبل أن يتم التعاون الشخصي بينهما ..فيقول متحدثا عن علاقة الانتماء بين عبد الناصر والإخوان "كان يعتبر نفسه واحدا منهم.. يدرب شبابهم على إطلاق النار وأعمال النسف في مركز الصف.. ويشترك مع جهازهم السري القديم في تخطيط بعض الحوادث "

    ـ ثم ينتقل إلى معرفته الفعلية والشخصية بعبد الناصر في أكتوبر 1951 بعد إلغاء المعاهدة المصرية البريطانية المعقودة عام 1936 .. إذ كان الإخوان آنذاك يشاركون في معركة قناة السويس دون إعلان.. وأراد عبد الناصر ومجموعة الضباط الأحرار أن يشاركوا في المعركة من خلال الإخوان المسلمين.. إذ كان الجيش المصري يقف رسميا بعيدا عن هذا الصراع.

    ـ فاتصل عبد الناصر بالمرحوم عبد القادر عوده في هذا الأمر.. فأحاله بدوره إلى الصاغ صلاح شادي أحد عناصر الإخوان آنذاك.. الذي أرسله إلى حسن العشماوي.. الذي استقال من عمله كوكيل للنائب العام.. واشتغل محاميا ليكون بذلك حلقة الوصل بين الإخوان المسلمين والضباط الأحرار في قابل الأيام.

    ـ ويحكي الأستاذ عشماوي عن أول لقاء له مع عبد الناصر فيقول" دخل علي مكتبي شاب طالت قامته حتى انحنت قليلا إلى الأمام.. ونحف جسمه إلى حد الهزال.. أسمر اللون طويل الأنف إلى حد يلفت النظر.. يبدو للرائي أول نظره ساهيا.. ولكن في عينيه بريق ذكاء.. يلحظه المراقب عن قرب.. وكان يرتدي أول مرة لباسا عسكريا ثم اقلع عن ارتدائه.. وصار يلقاني بقميص رمادي وبلون أقرب إلى السواد.. وكان يبدو لمحدثه بسيطا واضحا قليل الكلام أقرب إلى الحزن منه إلى المرح.. ولم أستغرب ذلك حين علمت منه بعض ظروفه الخاصة.

    ـ ذكر لي الشاب اسم من أرسله وعرفني بنفسه.. كان يحمل وقتذاك اسم البكباشي أركان حرب جمال عبد الناصر.. ثم اتخذ لنفسه معي فيما بعد اسما مستعارا ..هو زغلول عبد القادر.. يذكره إذا اتصل بي تلفونيا.. أو أراد أن يلقاني في مكان ما.

     ـ ثم يحدد الأستاذ العشماوي دوره في هذه المرحلة فيقول" منذ ذلك اليوم بدأت أصبح أحد سبل الاتصال بين الضباط الأحرار والإخوان في أمور معارك قناة السويس.. والسبيل الوحيد في غيرها من الأمور" .

    ثم يعيد الأستاذ حسن العشماوي تأصيل جزئية هامة.. وهي انتماء الضباط الأحرار للإخوان في بداية تكوينهم.. ثم يفصل سر انفصال جمال عبد الناصر بمجموعته عام 1948.. وإن بقى التعاون والتلاقي .

    ـ فيقول " قد بدأت جماعة الضباط الأحرار أصلا لمجموعة من مجموعات الإخوان المسلمين في الجيش.. ولكنها انفصلت عام 1948 ..حين استطاع جمال عبد الناصر الذي كان تردد قبل ذلك على أكثر من هيئة سياسية احتفظ بزملاء له فيها.. أن يقنع رئيسه المرحوم الضابط المتقاعد محمود لبيب بانفصالها واستقلالها بكثير من أمورها الخاصة.. على أن يكون اللقاء في الخطوط الرئيسية والأهداف.

    ـ وكانت حجة عبد الناصر الرئيسية في الانفصال بجماعة الضباط الأحرار أن الشروط الخلقية التي يتطلبها الانضمام للإخوان كانت تعوق أغلب ضباط الجيش، مما أدى إلى تضييق مجال الانضمام إليها في صفوف الجيش، ولما انفصلت جمعية الضباط الأحرار توسع عبد الناصر في ضم الضباط إليها بغير شروط، غير مجرد السخط على نظام الحكم القائم.

    وهكذا ضمت تلك الجمعية السرية أشخاصا ً ينتمون إلى مختلف الهيئات السياسية في مصر، وظل كل منهم يظن أن عبد الناصر يوافقه في مبادئه.

    ـ ثم يستطرد في ذكر عدد من الأعمال التي جمعت بين الضباط الأحرار والإخوان المسلمين.. والتي أدت بدورها إلى تنامي العلاقة بينهم فيقول: "كانت صناديق الذخيرة تأتي من رفح على حدود فلسطين فنتلقاها – عبد الناصر وأنا – وننقلها إلى بيوتنا في اليوم التالي مباشرة إلى خطوط القتال أو مراكز التدريب.

    ـ ثم ينتقل إلى حادثة أخرى.. حيث أراد الإخوان والضباط أن يقوموا بتفجير إحدى ناقلات الزيوت أو بوارج البحرية البريطانية أثناء عبورها القناة ..وبالتالي تتعطل الملاحة.. فتتحفز الدول المستفيدة من الملاحة.. فتدفع هيئة الأمم إلى التدخل في النزاع المصري البريطاني.

    ـ فيقول: "وكانت الخطة الموضوعة لتفجير هذا اللغم أن يسافر بعض الإخوان إلى القنطرة.. ومعهم واحد من زملاء عبد الناصر.. فيضعون اللغم في القناة ليلا ً ..ثم يفجرونه من الشاطئ الشرقي في أحدى ناقلات الزيوت أو بوارج البحرية البريطانية.

    ـ ثم يكمل الكاتب وقد أراد أن يوضح الفارق النوعي والجوهري بين فكر الضباط وفكر الإخوان رغم التعاون المشترك فقال: "وقد بقيت المجموعة المكلفة بالعملية هناك ليلتين، لم يسعدها الحظ خلالها بالباخرة المطلوب نسفها.

    ـ أراد مندوب عبد الناصر حين أعياه الانتظار أن يفجر سفينة ركاب هولندية تعبر القناة.. فرفض رئيس المجموعة.. وقام اضطراب كاد أن يؤدي بالجميع.. لولا أن هدد رئيس المجموعة بإطلاق النار على مندوب عبد الناصر إذا تقدم خطوة واحده نحو المفجر الكهربائي ..وعادت المجموعة ولم تفعل شيئا ً، وأجل التنفيذ إلى يوم آخر حالت دونه أحداث وقعت في القاهرة، ومن العجيب أن عبد الناصر عقب على المجموعة أن دفعتها الإنسانية إلى رفض تفجير باخرة ركاب تسير آمنة بمن تحمل من نساء وأطفال ومدنيين.

    ـ ثم ينتقل إلى حادثة أخرى يؤكد من خلالها على أسلوب عبد الناصر اللإنساني واللأخلاقي في الحرب على رفض هذا الأسلوب من جهة الإخوان المسلمين فيقول: "في ديسمبر سنة 1951م طلب مني عبد الناصر أن نقدم له شابا ً من الإخوان فدائيا ً ميت القلب ليقوم بعملية خطيرة في بور سعيد.. فقدمنا له المرحوم – محمود عبد اللطيف – الذي أعدمه عبد الناصر بعد ذلك بثلاثة أعوام بتهمة الشروع في قتله بالإسكندرية.

    ـ سافر محمود عبد اللطيف إلى بور سعيد..ونحن لا نعلم بعد ما هي العملية الخطيرة التي سيقوم بها هناك.. وحين لحقت به مع بعض زملائي تبين أن العملية هي تسميم الجنود البريطانيين في معسكر بور سعيد.. وكان ذلك سيتم بأن يلتحق محمود عبد اللطيف كأحد العمال بناء على توصية شخص موثوق فيه ممن يشرفون على المعسكر.. ثم يضع كمية من السم في اللحوم المخزنة بالثلاجات.. وليكن ضحاياها من يكون.

    ـ ورفضنا العملية لأن القتل بالسم أمر غير إنساني.. ولو كان ضد الأعداء.. وعدنا بالمرحوم محمود عبد اللطيف إلى القاهرة على أن نعيد بحث الأمر بعد الرجوع للأستاذ الهضيبي الذي رفض بشدة هذا الأسلوب في المعارك، وبقى السم عند مندوب عبد الناصر في بور سعيد .. واتجهنا نحن إلى القتال الصريح في معارك القناة.

    ـ ثم يكمل التسلسل التاريخي للأحداث ويفسر سر الانتقال بالمعركة من قناة السويس إلى القاهرة فيقول: "ولكن وزارة الوفد أقيلت إثر حادث حريق القاهرة.. ذلك الحادث الذي نقل المعركة من قناة السويس إلى العاصمة.. ومن معركة خارجية يتفق فيها الجميع إلى معركة داخلية تختلف فيها الاتجاهات والنزاعات.

    ـ ثم يختم الأستاذ حسن العشماوي ذلك الفصل بأخطر الجزئيات ..وهو يمهد للفصل القادم الذي عنون له بسؤال "من أحرق القاهرة"

    ـ فيقول في فقرة ملئت رغم صغر مبناها بالإيحاءات والتلميحات ..وحملت بين جوانحها الكثير والكثير من الإجابات على التساؤلات التائهة.. والكثير والكثير في أسلوب عمل منفذي الحريق وأهدافهم .

    ـ فيقول " لقد حاول كثيرون تحديد المسئولية عن حريق القاهرة فأخطأهم التوفيق.. لأنهم كانوا يضربون في الظلام فيخطئون الاتهام.. ولأنهم لم يعيشوا مع ذلك الجنين الذي كان يتكون.. والذي أحرق القاهرة ليهيئ لنفسه الظروف كي يولد"

    ـ فمن أحرق القاهرة؟ وكيف قامت الثورة؟ وكيف تنكر ناصر للإخوان؟

    هذه الأسئلة وإجابتها في محور الحلقة القادمة بإذن الله تعالى.        

     


    الإسمDr Sayed Khatab
    عنوان التعليقWitness on the Epoch
    This is great. Thank you very much Mr ‘Ismat for passing on this news about this important topic. I hope that the original memoir be serialised here, as you previously did with Dr Fadl’s writings. Mr Hasan al-Ashmawi’s memoir is very important and a significant witness on the complicated events of one of the most important period in modern Egypt. Thanks again Salams Dr Sayed Khatab Politics, Monash University Australia

    الإسممحمدصفوت سعودي كيلاني
    عنوان التعليقسير النبلاء
    جزي الله كاتب هذه السيره العطرة لهذا الرجل العظيم الذي لايعرفه الكثير من ابناء الحركة الاسلامية ليتكم في هذه النافذة تخصصون بابا خاصايعرض من خلاله سيرة امثال هؤلاء الذين افنوا حياتهم في سبيل اعلاء كلمة الله خاصة في عصرنا الحديث والذي شوهت فيه صورة هؤلاء فمرة اخري تحية لكاتب هذه السيرة العطرة


    عودة الى كتب ودراسات

    قضــايا شرعـــية
    منبر الدعوة
    واحـــة الأدب
    خدمات الموقع