|
عرض جديد لكتاب الحاكمية .. نظرة شرعية .. ورؤية واقعية ..(الحلقة الثالثة والأخيرة). - تقرأ في الباب الثالث-
· أولا: خروج الحسين بن علي.. رضي الله عنه.
· إن من وعي التاريخ في صدره أضاف أعماراً إلى عمره.. أكثر الذين خرجوا على الحكومات خرجوا لإحقاق الحقوق ورفع المظالم.. ولكن الحقوق لم تعد والمظالم لم ترفع.. الحسين بن علي رضي الله عنه أفضل من يزيد بن معاوية ليس في ذلك شك.. وهو سيد شباب أهل الجنة.. خالف كبار الصحابة الحسين في اجتهاده بالخروج.. ولم يقدح ذلك في الحسين رضي الله عنه.
· الإسلام دين واقعي يجمع بين المثالية والواقعية.. وبين الروح والمادة وبين الدنيا والآخرة.. وبين الواجب والواقع وبين العزيمة والرخصة.. من مظاهر واقعية الإسلام أنه أجاز تقديم المفضول على الفاضل.
· الاجتماع على المفضول خير من التفرق على الفاضل.. مهمة الدعاة والمصلحين جلب المصالح وتكثيرها ودرء المفاسد وتقليلها.. ليس كل تقي يصلح أن يكون ملكاً أو حاكماً.. حينما تقوم الحرب وينشب القتال تنسى الفضائل وتهدر الكرامات.
· ثانيا: قصة خروج جيش الحرة..
· أرسى الإسلام قاعدة العدل.. ومن ضوابطها:
· أنه لا عقوبة إلا بجريمة ومبدأ شخصية العقوبة.
· إن الله يزيل الحكومات الظالمة ويذهب بريحها حتى وإن كانت مسلمة.
· اختطاف الرهائن من المدنيين والمساومة عليهم لا تقره الشريعة الإسلامية ولن يخدم قضايا الإسلام العادلة.
· الدول الكبرى تقتل وتدمر وتعذب وتحتل دولاً بأكملها وهي تتحدث عن الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان.
· تابع مانشتات الباب الثالث: ثالثا: قصة خروج جيش التوابين..
· شرعت المبادئ لتكون منهاجاً واقعياً في الحياة وأن تتمثل شخوصاً حية في دنيا الناس.
· إن خير الدعاة من كان رحيماً بأتباعه.
· إن إشعال فتيل الحرب يحسنه كل أحد.. أما إطفاء فتنة القتال وإخماد نار الفتنة فلا يستطيعه إلا الأفذاذ من الرجال.
· رابعاً : قصة خروج عبد الله بن الزبير رضي الله عنه..
· اختار ابن الزبير- رضي الله عنه- الحرب فتجرأ أهل الشام علي قصف الكعبة.
· القائد العظيم هو الذي يغتنم المواقف ليرحم الناس ويحقن الدماء.
· على أبناء الدعوة الإسلامية أن يمنعوا مساجد الله تعالى من كل ما قد يؤدي إلى الاستهانة بقدسيتها أو التعدي عليها.
· لا ينبغي أن تتخذ مساجد الله مركزاً للنشاط العسكري.
· قصة خروج عبد الرحمن بن الأشعث على الحجاج..
· النية الصالحة لا تصلح العمل الفاسد.. والمقاصد الشريفة لا تسوغ لأصحابها الوقوع في الخطأ.. والغاية لا تبرر الوسيلة.
· العقلاء من الناس هم الذين يقبلون المتاح ثم يبنون عليه أمالهم ومستقبلهم.
· من أراد الكل فاته الكل.. ومن طلب المستحيل أضاع الممكن.
· السياسة هي فن الممكن وليست طلب المستحيل.. إذا تخلى الصادقون المخلصون عن الدخول على السلطان.. فمن يرفع للسلطان هموم شعبه؟, ومن يرشده إلى ما فيه خير البلاد والعباد؟, إمام ظلوم خير من فتنة تدوم.
· اللاجئون السياسيون سلعة تباع وتشتري في سوق السياسة الدولية.. وعلى كل لاجئ أن يدرك هذه الحقيقة جيداً.
· تابع مانشتات الباب الثالث..
· وختاماً نقول: سلوا المجرب فقد أستطلع الحقيقة ووقف على الدقيقة وعلم ما لم تعلموا.
· نظرية التجربة والخطأ.. نظرية مهلكة للأفراد والجماعات والدول..
· إننا ندعو جميع أبناء الحركة الإسلامية إلى الآية العظيمة والصلح خير.. نحن أصحاب دعوة لا طلاب دعاية.. دعاة لا ولاة هداة لا جباة.
· الخروج على الحكومات إضعاف للأوطان وتمزيق للأمة وإغراء لأعدائنا بنا وتشويه لديننا وتنفير الناس عن دعوة الإسلام العظيمة النقية.
· يركز الكاتب في بداية الباب الثالث والأخير والذي عنون له بعنوان: الخروج على الحكام.. عبر وعظات.. على ضرورة الوعي بالتاريخ.. وقراءة التاريخ من خلال دروسه وعبره فيما يعرف بفلسفة التاريخ.. مؤكدا على أن التاريخ مخزن العبر.. ونهر بالعظات زاخر.. وكتاب خالد محفور نقشت أحداثه على جدار الزمن فهو قدر الله النافذ في خلقه وتدبيره للمماليك والدول.
· فالتاريخ يرجع إليه كل متشوق إلى مستقبل أفضل من حاضره وغد أكثر إشراقاً من يومه.. ويبحث فيه كل من يرجو سلامة الحاضر الذي يحياه وأمان المستقبل الذي يتمناه والتوفيق في سعيه وبناء أمته.
· إن دارس التاريخ يغوص في عقول المصلحين في كل عصر أو قطر أو دين.. فيرى فيهم عقلاء نابغين وحكماء ورحماء متواضعين.. فيفعل فعلهم ويسلك دربهم.. ويستلهم طريقهم.. وما أصدق ما قاله ابن الأثير: فإنه لا يحدث أمر إلا تقدم هو أو نظيره.
· وإذا كان التاريخ هو المعلم البصير والناصح الأمين والصاحب الذي لا يخدع صاحبه فإن من أعظم فتراته تلك الحقب التي عاش فيها سلفنا الصالح وتلك القرون التي عمرها خير الأجيال فهم أعلم الخلق بالحق وأحراهم بالصدق وألزمهم للصواب وأحرصهم على رضا الرب.
· إننا نقف على هذه الصفحات من تاريخ سلفنا الصلح ونحن نحبهم الحب الكبير ونجلهم الإجلال العظيم ونثني عليهم بالفضل والجميل.. كل ذلك وأكثر منه ولن نوفي لهم قدرهم وحقهم.
· إن كل مجتهد من سلفنا الصالح مأجور مشكور فإن أصاب الحق فله أجران وإن جانبه الصواب فليست سوى هفوة وزلة لا ننسى بها فضله ومكانته وكيف ننسى أن الماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث ؟!, وهو في ذلك مأجور لاجتهاده.. فإنما كان الخطأ عن اجتهاد لا عن هوى وعناء.
· أولاً: خروج الحسين بن علي رضي الله عنهما..
· استطرد الكاتب في سرد قصة خروج الحسين بن على رضي الله عنهما.. علي يزيد بن معاوية ومبايعة أهل العراق للحسين رضي الله عنه وإرسالهم الكتب يدعونه إليهم.. ومقتل مسلم بن عقيل بن أبي طالب رسول الحسين إلى أهل الكوفة.. وموقف الصحابة رضوان الله عليهم ومن خروج الإمام الحسين رضي الله عنه ومحاولتهم منعه من الخروج وتحذيرهم له وتذكيرهم له أنه إن خرج فقد خرج للفتنة ولا يأمن تقلب الناس عليه حتى اعتنقه عبد الله بن عمر باكيا بعد ما أبى أن يرجع وقال له: أستودعك الله من قتيل وقال غلبنا حسين بن علي بالخروج.. ولعمري لقد رأى في أبيه وأخيه عبرة فرأى من الفتنة وخذلان الناس لهما ما كان ينبغي له ألا يتحرك ما عاش, وأن يدخل في صالح ما دخل فيه الناس فإن الجماعة خير.. بل وقال له جابر: اتق الله ولا تضرب الناس بعضهم ببعض, ولم يفكر طويلا فيما قاله عبد الله بن جعفر: إنك أن هلكت اليوم طفئ نور الإسلام فإنك علم المهتدين ورجاء المؤمنين فلا تعجل بالسير, ثم يقدم الكاتب بين يدي العبر والعظات من قصة خروج الحسين رضي الله عنه إيمانه بأن الحسين هو سيد شباب أهل الجنة وأنه أفضل من يزيد بن معاوية ليس في ذلك شك.. ولكن خروج الحسين كان اجتهاداً منه وهو أهل له جانبه فيه الصواب كما ذهب إلى ذلك علماء الأمة من الصحابة ومن بعدهم وهو خطأ اجتهادي لا يقدح في دينه وتقواه وورعه وإنما نتحدث هنا عن النتائج والمصالح التي ضاعت والمفاسد التي تحققت.. وهل تحقق الغرض المنشود من هذا القتال أم لا ؟!..
· عبر وعظات من خروج الحسين رضي الله عنه..
· يورد المؤلف العديد من العبر والعظات من قصة خروج الحسين بن علي رضي الله عنه – نذكر منها..
1. إن الإسلام دين يجمع بين المثالية والواقعية وبين الروح والمادة.. وبين الدنيا والآخرة.. وبين الواجب والواقع والعزيمة والرخصة.. كل هذه مجتمعة تعطي الإسلام قوته وقدرته على إصلاح الناس والمجتمعات.. ومن أجلى مظاهر واقعية الإسلام أنه أجاز تقديم المفضول على الفاضل.. وبين أن الاجتماع على المفضول خير من التفرق على الفاضل.. ولذلك كان الأولى بالحسين رضي الله عنه – أن يقبل إمارة يزيد – مع علمنا أن يزيد هو المفضول وأن الحسين هو الفاضل.. منعاً للفتن وقطعاً لجر النكبات والويلات على الأمة.. لقد أدرك الحسن بن علي رضي الله عنهما – هذه الواقعة وعاشها حقيقة في حياته فتنازل عن الخلافة لمعاوية – رضي الله عنه – مع أن الحسن أفضل منه.. واجتمع الناس على معاوية المفضول حتى عرف هذا العام بعام الجماعة.
2. على الدعاة والمصلحين أن يسمعوا إلى نصح ومشورة أهل الرأي والعلماء والصالحين وأهل الخبرة والثقات من أئمة الدين خاصة من شهد لهم بذلك كابن عباس وابن عمر وجابر وأبي سعيد وأبي واقد ومحمد بن الحنفية وغيرهم ممن نصحوا الحسين بعدم الخروج حتى يتجنبوا المخاطر ويحذروا المزالق.. لاسيما وأن هؤلاء الصحابة الأخيار كانوا يحبون الحسين وآل بيته أكثر من حبهم ليزيد.. وتقديم مصلحة الإسلام عندهم فوق أي اعتبار.
3. إن مهمة الدعاة والمصلحين جلب المصالح وتكثيرها ودرء المفاسد وتقليلها ولا يجوز لهم أن يفوتوا مصلحة كبرى لما هو أقل منها.. ولا أن يجلبوا مفسدة عظيمة لدرء ما هو أقل منها.. كما لا يجوز أن يضيفوا إلى مفاسد قومهم مفاسد جديدة.. فكان الأولى بالحسين بن علي رضي الله عنهما – وأشقاء مسلم بن عقيل ألا يصروا على المسير بعدما بلغهم خبر مقتل مسلم.. لكنهم أصروا على المضي قدماً حتى قال الحسين رضى الله عنه: (لا خير في العيش بعده), فلو كان لا خير في العيش بعده.. فأي خير في أن يقتل الحسين وآل الحسين بعد مسلم بن عقيل ليضاف مصاب جديد إلى المصاب الأول؟, وأي مصلحة تحلها الأمة إذا كانت كلما قتل واحد من خيارها قال من يليه : لا خير في العيش بعده؟!, ثم تتواصل السلسة قتلاً وسفكاً وذبحاً حتى يفني الصالحون وتستأصل شأفتهم وتباد خضراؤهم لان كل واحد يرفض العيش بعد قتل أخيه. إن محبة الصالحين وأهل الفضل من السابقين دين وعبادة.. لكن محبتهم هي حمل رسالتهم وتصحيح ما علق بها من أخطاء وسلبيات.. واستدراك ما فاتهم من مصالح الدين والدنيا.. ولعل في كلمات محمد بن الحنفية الحكيمة حينما عاتبه أخوه الحسين بن علي حين منع أبناءه من الخروج معه خير ترجمة لما نقول إذا قال له: وأي خير في أن تقتل ويقتلون معك.
4. إن على الدعاة أن يكونوا على خبرة ومعرفة بطبائع الشعوب وسجايا الناس لئلا ينخدعوا بما لا يصح أن ينخدعوا به.. وأن يستفيدون من خبرة السابقين وأصحاب التجارب ولا يصروا على خوض التجربة بأنفسهم.. وليس من الحكمة أن يبدأ الرجل من حيث بدا السابقون ولكن عليه أن يبدأ من حيث انتهوا..قال الحكيم: سلوا المجرب فإنه قد عاين الحقيقة.. ووقف على الدقيقة.. وعلم ما لم تعلموا.. فلو نظر الحسين إلى تجربتي أبيه وأخيه مع أهل الكوفة.. ولو سمع لوصف الفرزدق لأهل العراق ولو استجاب لنصح مسلم بن عقيل له بالرجوع.. لو نظر الحسين في هذه التجارب لعلم أنه ليس كل من وعد وفي ولا كل من تكلم عن القتال يصير عند النزال.. ولقد تفرق ثمانية عشر ألف رجل عن الحسين وتركوه يقتل بين أيديهم وهم ينظرون.
5. يجب على الدعاة أن يعلموا أنه ليس كل تقي يصلح أن يكون حاكماً أو ملكاً.. وليس كل صالح يقدر على الخوض في السياسة ولا أن يسلك مسالكها الواعرة.
6. يجب على الدعاة أن يكونوا أداة صلاح وأبواب نصح للملوك والحكام.. وأن يعيشوا معهم أعواناً على الخير فقط.. فقد يستمعون إليهم وينزلون على أرائهم إذا أطمأنوا إلى إخلاص الدعاة وأنهم ليس لهم مطمع ولا غاية دنيوية من ملك وإمارة.
7. على أبناء الحركة الإسلامية وأهل الفضل إلا يعرضوا أنفسهم لإهدار الكرامة والقدح في أشخاصهم وسبهم على كل لسان وفي كل تجمع وبكل الوسائل.. ولا يجرؤ أحد أن يدافع عنهم حتى محبوهم والذين يعترفون بفضلهم ومكانتهم لان الحرب تهدر القيم وتنسى الفضل.. كما كان على الحسين رضي الله عنه – أن يعرف أنه حينما تقع الحرب تنسي فضائل الناس.. إن الحرب صماء لا تسمع.. عمياء لا تبصر.. بكماء لا تتحاور.. هوجاء لا تبقي ولا تذر.. لا تعرف إلا لغة الدمار والخراب والسعي إلى تحقيق هدف واحد هو إحراز النصر وتركيع الخصم.. دون النظر إلى مشروعية الوسيلة أو عدم مشروعيتها.. وهذه هي طبيعة الحرب.. يسود فيها منطق القوة وتغيب قوة المنطق.. وهنا لا تتمسح بجذور تاريخية ولا بأصول عرقية.. ولا بمبادئ دولية.. ولا تنتظر لجان حقوق الإنسان.. ولا تبكى صغاراً قد تيتموا – ولا تندب أطلال الديار التي خربت.. ولا تذكر عدوك بقانون ولا عدالة ولا تلزمه بمبادئ لأنه لن يلتزم ولن يتذكر.. بل لن يسمعك ابتداء.. وهذه هي طبيعة الحرب. قد تلتزم أنت بأخلاق الإسلام في الحرب والقتال.. ولكن هل تستطيع أن تلزم الآخرين بأخلاق الحرب في الإسلام؟, وهل تقدر أن تجعلهم يتأدبون بأدب النبي صلى الله عليه وسلم في القتال؟!.
· ثانياً: قصة خروج جيش الحرة..
· يستعرض المؤلف ثورة أهل المدينة على يزيد بن معاوية عام 63 هجريه ومبايعتهم لعبد الله بن حنظلة الغسيل.. وخلعهم ليزيد.. وإنكار الصحابة عليهم وفرارهم من الفتنة.. كما يتحدث عن نتيجة المعركة والتي انهزم فيها جيش المدينة بعد إصرارهم على الحرب والمقاتلة وما آل إليه القتال من انتهاك حرمة المدينة ومقتل أميري الثوار وخلق من السادات والأعيان.. يضع الكاتب بعد ذلك يده على أهم ما في خروج جيش الحرة من عبر وعظات والتي من أهمها..
1. إن الإسلام يقابل الحسنة بمثلها وزيادة: (هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ), وفي الحديث: (لم يشكر الله من لم يشكر الناس ), فكان الأولى بعبد الله بن حنظلة أن يحفظ ليزيد يده عليه وإحسانه إليه وبذله المعروف له ولأولاده.. وأقل صور الوفاء أن يذكره بجميل ما صنع معه بعدما أحسن يزيد مثواه وأكرم الوفد الذين نزلوا معه ضيوفاً على دار الخلافة.. وما كان يليق بعبد الله بن حنظلة أن يخرج عليه بعد أن بايعه أو ينزع يداً من طاعته بعدما أعطاه صفقة يمينه.. ولا أن يستغل المال الذي بذله له يزيد في التقوى عليه ومحاربته.. وفي الحديث: (ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة), ولله دار بن عمر وهو يذكرهم بقوله: (وإني لا أعلم غدراً أعظم من أن يبايع رجل على بيع رسوله ثم ينصب له القتال).
2. أرسى الإسلام قاعدة عظيمة وهي قاعدة العدل.. وجعل لها الضوابط التي تسمو بها والتي منها..
1. أنه لا عقوبة إلا بجريمة.
2. لا يؤخذ المرء بجريرة غيره.. وقد تعارف فقهاء القانون في العصر الحديث على هذين المبدأين..
1. المتهم برئ حتى تثبت إدانته.
2. مبدأ شخصية العقوبة.. وقد وقع أتباع عبد الله بن حنظلة في ظلم عظيم بحصارهم لبنى أمية وحبسهم في دار مروان ومنعهم من حقوقهم الأساسية وحاجاتهم الضرورية حتى أشتد بهم الجوع والعطش والجهد.. كل ذلك دونما ذنب فعلوه سوى أن يزيد من بني أمية.. إن من أشد أفات الخروج المسلح على الحكام.. وأشدها مظلمة وأعظمها كارثة هو ما يقع من الطرفين المتقاتلين من تعميم العقوبة.. وإنزالها دون جريرة.
· إن كثيراً ممن يخرجون على الحكام تكون لهم قضايا عادلة ومطالب مشروعة.
· لكن تصرفاتهم غير المنضبطة وأعمالهم غير الصحيحة تضيع هذه الحقوق وتنسى هذه المطالب وينكر الجميع لعدالة قضيتهم.
· إن الذين يختطفون بعض الرهائن من المدنيين.. ويساومون عليهم دولهم لتحقيق بعض المطالب والتي تكون عادلة.. ينقلب العالم ضدهم بسبب سؤ تصرفاتهم.. وذلك ليس من الإسلام في شيء كما أنه لن يخدم قضايا الإسلام العادلة.. ولن يحقق مطالب خاطفيه رغم أنها قد تكون مطالب منطقية.
· إن الدول الكبرى تفعل كل شيء.. تقتل وتدمر وتعذب وتحتل دولاً بأكملها وهي تتحدث عن الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان.. وتفعل كل ما تريد في الخفاء.. أما نحن فلا نضيع شيئا يذكر في الدفاع عن بلادنا وأوطاننا سوى خطف المدنيين وتصويرهم وهم يذبحون ذبح الشاة ليقوم العالم بأسره ضدنا وضد حقوقنا ومصالحنا.
· ثالثاً: قصة خروج جيش التوابين..
· يمضي الكاتب سارداً أكبر كمّ من التفاصيل حول بعض وقائع الخروج المسلح عبر التاريخ الإسلامي على الحكومات.. وما يستتبعه وينتج عنه من مفاسد جمة.
· فيشير إلى خروج ثلاثة ألاف مقاتل تحت إمرة سليمان بن صرد رضى الله عنه للأخذ بثار الحسين بن على رضى الله عنه – رافعين شعار.. بالثارات لحسين.
· وما حدث من اقتتال شديد بين جيش الشام وجيش التوابين وما آلت إليه المعركة التي اشتد أوارها من الهزيمة لجيش التوابين.. ومقتل الخلق الكثير منهم.
· ثم يقف ليستلهم العبر والعظات من هذه الواقعة من التاريخ الإسلامي والتي من أهمها..
1. إن بذل الجهد وإنفاق الوقت وصرف الطاقات لبلوغ الهدف الصحيح وتقويم الخلل المشاهد لا بد وأن يلازمه بل لا ينفك عنه تفكير عميق في كيفية أداء هذا الواجب ورفع هذا الظلم.. وعودة الحقوق إلى أصحابها.. لذلك فنصر الحسين – رضى الله عنه – لم يكن في القتال وحسب ولا في الخروج المسلح والثورة ضد الدولة كما فعل جيش التوابين.. فقد كان نصره ممكنا بحمل رسالة الإسلام التي كان الحسين رضى الله عنه يحملها وتربية الأجيال على معاني الإسلام الصحيحة وتعليمهم لمبادئ الدين السامية التي عاش الحسين رضى عنه بها ومات من أجلها.. إن عيش الناس على مناهج وأفكار السابقين يمنح السابقين حياة إلى حياتهم.. ويضيف لهم أعماراً إلى أعمارهم.. ولا زال السابقون أحياء ما حمل الناس مبادئهم وتحلوا بأخلاقهم.
2. إن خير الدعاة أيضا من كان رحيماً بأتباعه وجنوده.. وقد وصف الله تعالى سيد الدعاة صلى الله عليه وسلم بقوله: (بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ), وهذا هو الداعية الناجح والقائد العظيم والمربي الحكيم.. لا يقحم أتباعه فيما لا قبل لهم به بل يمسح عنهم التعب ويدفع عنهم العطب.. ويبسط جناحه وينشد لهم السلامة ويتحرز بهم من الهلكة.
· ولو تأمل سليمان بن صرد رضى الله عنه ومن معه لتمهلوا في الخروج وهم ثلاثة آلاف لقتال جيش الشام البالغ ستين ألفاً بكامل عدتهم وسلاحهم.. ولعلموا أن الله رحمهم وخفف عنهم إذ القدرة مناط التكليف.. ومن لا يقدر لا يؤمر.
· إن بوسع أي إنسان أن يبدأ القتال.. ويشعل الحرب.. فذلك أمر يحسنه كل أحد.. أما إطفاء فتنة القتال وإخماد نارها فلا يستطيعه إلا الأفذاذ من الرجال والحكماء من الناس والعقلاء من الطرفين.. وقد لا يستطيعها أحد حتى تأتى على الأخضر واليابس وتجر البلاد إلى جو من الفوضى قد يودى بالناس ويذهب بالأوطان.
· لقد خرج التوابون لقتال يزيد بعدما أرقهم الدم الذكي في كربلاء.. فأريقت دماؤهم وأزهقت أرواحهم في عين وردة ومات سليمان بن صرد رضى الله عنه كما مات الحسين رضى الله عنه ولحق جيش التوابين بجيش كربلاء.فهل تحقق للتوابين ما أرادوا؟.
· رابعاً: قصة خروج عبد الله بن الزبير رضي الله عنه..
· بعدما ساق المؤلف قصة خروج عبد الله بن الزبير – رضي الله عنه بتمامها.. استعرض العبر والعظات من هذا الخروج والتي نورد منها..
1. إن سياسة تجبيه الأعداء وطرد الأصدقاء هي بداية الفشل لكل قائد.. والسياسي الناجح دائما يقلل جهات العداء ويضيق مساحات الخلاف.. ويتجاوز عن الهنات والزلات.. ويبذل المعروف للناس ويحفظ لأهل الفضل فضلهم كل ذلك يتألفهم به ولا يعطيهم الفرصة لخصومته.. وهو عكس ما فعله ابن الزبير رضى الله عنه فقد استعدى بنى أمية ضده.. فأخرجهم من المدينة وطردهم وهم سادات الناس وزعماؤهم حتى اجتمعوا في الشام على مروان بن الحكم ونصبوه أميرا عليهم وهاجموا أنصار ابن الزبير وهزموهم.. واستثار بنى هاشم عليه لأنهم لم يبايعوه ولم يدخلوا في طاعته ضد بنى أمية.. فحبسهم ولم يرع مكانة ابن عباس – رضى الله عنه ولا محمد بن الحنفية.. بل ومنع الأخير من الطواف بالبيت وأداء العمرة...وهكذا هي سياسة تجبيه الأعداء.
2. إن القائد العظيم هو الذي يغتنم المواقف ليرحم الناس ويحقن دماءهم.. وطالب الملك يقبله إذا جاءه من غير قتال.. لكن ابن الزبير رضى الله عنه رفض كل شيء إلا الحرب.. فقد رفض عرض الحصين بن نمير قائد جيش الشام الذي عرض عليه أن يبايع جيش الشام له بالخلافة بعدما توفي يزيد ليصبح ابن الزبير خليفة تخضع له العراق والحجاز ومصر والشام وخراسان.. لكنه رفض وأصر على الثأر للقتلى وظل يقاتل حتى قتل أخوه مصعب وأضاع العراق من يده ثم انتهي هذه النهاية الأليمة.
3. على أبناء الحركة الإسلامية أن يمنعوا مساجد الله تعالى من كل ما قد يؤدي إلى الاستهانة بقدسيتها أو التعدي عليها.. وعليهم أن يفوتوا الفرصة ويسدوا الذرائع التي توصل إلى إهدار كرامة المساجد أو ترويع المصلين فيها أو اجتراء العصاة على انتهاك حرمتها أو اقتحامها لقد لجأ عبد الله بن الزبير – رضى الله عنه – إلى البيت الحرام مما أدى إلى اجتراء جيش الشام على قصف الكعبة مرتين.. مرة في عهد يزيد وأخرى في عهد عبد الملك بن مروان ومنع الناس من الطواف وسفكت الدماء حول البيت.. ينتقد المؤلف اتخاذ بعض الناس مواسم الحج للمظاهرات في مناطق الشعائر ضد بعض الحكومات مما يؤدى إلى الاشتباك والاقتتال بينهم وبين السلطات المعنية بأمن الحج.
· كما ينتقد اتخاذ البعض بيوت الله مخازن للسلاح أو مكاناً لإخفاء المنشورات المعادية للحكومات مما يعطي الذريعة لهذه الحكومات على اقتحام المساجد وتفتيشها.. وحينما توصف بيوت الله بأنها أوكار للعنف ومنابع للإرهاب.. ومن ثم تفرض الرقابة عليها.
· ثم يقول على أبناء الحركة الإسلامية أن ينزهوا مساجد الله عن مثل هذه الأعمال حتى يحفظوا لها قداستها.. ولا يجترئ عليها جاهل أو صاحب هوى.. ولا يطالب بغلقها ومراقبتها أحد ثم نبكى بعد ذلك لآن المساجد قد اقتحمت أو أن الحكومات تضيق عليها.
· ثم يرد الكاتب على شبهة قد تثار حول دور المساجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين فيقول: أما القول باستخدام الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه المساجد لتجهيز الجيوش وإرسال السرايا فهذا حق لا نختلف عليه وليس بشأنه أي جدال.
· لكن من أراد أن يفعل بالمساجد هذه الأيام ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه رضوان الله عليهم من تدريب الشباب على القتال أو تخزين السلاح أو رسم الخطط العسكرية.. فهذا مالا نوافق عليه ولا نقبل به وذلك لعدة أمور منها..
1. أن الذي كان يستخدم المسجد النبوي لتجهيز الجيوش هو رئيس الدولة ممثلاً في النبي صلى الله علية وسلم أو خلفائه من بعده.. وأن للحاكم الحق في أن يضع من السياسات ما يراه مناسباً لظروفه وعصره.. وله من السلطات ما ليس لغيره من آحاد الناس.
2. أما حكومات اليوم فهي التي تمنع استخدام المساجد في ذلك وهذا أيضا حقها وذلك حتى لا تقصف المساجد في الحروب بحجة أنها أماكن للأنشطة العسكرية.. لقد استقر الأمر في العصر الحديث على أن التخطيط للحروب والإعداد لها يكون في مراكز القيادة العسكرية التي تتمتع بمواقع منيعة في وسط الجبال أو تحت الأرض.
3. إن دولة الإسلام في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه كانت قائمة قوية تدافع عن أرضها ومساجدها وتحافظ على مقدساتها.. ولا يجرؤ أحد أن يقربها فضلا عن اقتحامها أو إحراقها.. أما شباب الحركة الإسلامية اليوم فلا يقدرون على حماية أنفسهم فضلا عن الذود عن تلك المساجد. لقد أخطأ هؤلاء الشباب بإعطائهم الذريعة للحكومات أن تقتحم المساجد ولقد أخطأت هذه الحكومات باقتحامها لبيوت الله.. وانتهاكها لحرمات الله.. فهذه جريمة عظيمة ومعصية كبرى لا يحل لأحد الأقدام عليها.
· إن صلب ابن الزبير – رضى الله عنه – ليس سوى مشهد من مشاهد الحجاج القبيحة.. وخطئه كبرى من سجل خطاياه.. فهو لم يكتف بحصاره حيا حتى لجأ إلى صلبه ميتاً رغم علمه بفضل ابن الزبير وصحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
· إننا نحب ابن الزبير – رضي الله عنه ونعرف فضله.. فنحن نعرف أن ابن الزبير أفضل من يزيد ومن كل من جاء بعده من بنى أمية.. ونحن لا ندافع عن الظلم ولا نجادل الذين يختانون أنفسهم.. ولسنا للخائنين خصيماً.
· إننا فقط نسجل للتاريخ أحداثه ونعيد قراءة الماضي لنستعين به على المستقبل.
· خامساً: قصة خروج عبد الرحمن بن الأشعث على الحجاج..
· بعدما ذكر المؤلف قصة خروج عبد الرحمن بن الأشعث على الحجاج بن يوسف الثقفي خلص بالعديد من العبر والعظات والتي منها..
1. أن حبنا للصحابة – رضوان الله عليهم – والتابعين – وبغضنا الحجاج وبراءتنا من أفعاله وجرائمه لا يعنى أن نقف على الأحداث دون أن نتلمس ما فيها من دروس سواء كان لصالحنا أو ضدنا.. كما لا يعنى ذلك أن نفسر التاريخ تفسيراً مغلوطاً.. لأننا حينئذ نضلل أنفسنا ونخدع الأجيال من ورائنا ونمضى على غير الجادة.. لذلك فهذه الدروس هي رصيد أمين لهذه الحداث الجسام.. وبيان المصالح الشرعية التي ضاعت والمفاسد العظيمة التي حدثت من جراء هذه الأحداث.
2. إن النوايا الحسنة والمقاصد الشريفة لا تسوغ لأصحابها الوقوع في الخطأ.. وتجاوز الحق وإهدار المصالح التي من الواجب على الجميع تحصيلها للإسلام والمسلمين.
3. إن العلماء والدعاة إلى الله هم ضمير الأمة الحي وعقلها المتفتح وقلبها النابض يشعرون بأوجاع الأمة ويبصرونها بطريقها ويميزون بين ما ينفعها وما يضرها.
4. لذلك فكان حرياً بالفقهاء والعلماء الذين خرجوا مع ابن الأشعث أن ينزعوا أنفسهم من هذا الصراع وأن يسعوا للصلح بين الفريقين.. ولا يقحموا أنفسهم في القتال خاصة أنهم لا خبرة لهم بالحرب وسيكونون أول المقتولين بدخولهم المعركة.. وقد كان مما حرم الأمة كثيراً من علمهم.. وحرق قلوب المسلمين عليهم...وعم الجهل بغيابهم وقتلهم.
5. إن من أكبر الأخطاء وأشد الأخطار التي تقع فيها الأمة أن يكون بأسها بينها شديداً.. وأن تتحول سيوفها إلى نحورها.. وتصوب سهامها إلى صدور أبنائها.. فتهدر تبعاً لذلك الطاقات وتستنزف الأموال وتزهق الأرواح وتنصرف الأمة عن جهاد عدوها الذي يتربص بها.. وقد رأينا ابن الأشعث يصالح رتبيل ملك سجستان ويضع عنه الخراج لكي يتمكن من حرب الحجاج وقتال بنى أمية.. مع أن رتبيل هذا قد أرق بتمرده وكثرة انتفاضاته دولة الخلافة.
6. لقد قضت سنة الله في الحياة أنه ليس ما يتمناه المرء يدركه.. والعاقل هو الذي يقبل المتاح ثم يبنى عليه أماله ومستقبله.. فهو يرضى بالجزء ليصل إلى ما هو أكبر منه قدراً وأعظم شأناً.. ولكن ثمة فريق من الناس يروم الكل فيفوته الكل.. ويطلب المستحيل فيطيع الممكن.. يطلب كل شيء فإذا لم يتحقق له ما أراد رفض كل شيء بدعوى المحافظة على الحقوق وعدم التفريط في أي شيء.. وذلك كما فعل أهل العراق الذين أراود خلع الحجاج وعبد الملك بن مروان ولما عجزوا عن خلعهما عرض عليهم عبد الملك بن مروان أن يخلع الحجاج.. وأن تجرى عليهم الأموال.. ويختار ابن الأشعث أي بلد يحكمه طيلة حياته.لكنهم رفضوا كل ذلك وساروا وراء هدفهم الكبير الذي لا يملكون تحقيقه.. إن على الأجيال أن تعمل بالقاعدة العظيمة: (ما لا يدرك كله.. لا يترك كله), فتختار من الحلول ما يحقق لها أكثر مصالحها...ولا تشترط أن يحقق هذا الحل كل المطالب.. وأن تقبل التسامح في بعض حقوقها حتى لا تضيع منها كل الحقوق.بل وقد تضيع الدعوة جميعها.
7. إن الحوار والتفاهم هو السبيل الأمثل غالباً لحل كل المشكلات.. ونزع فتيل الأزمات لاسيما حين يكون النزاع بين أهل الإسلام أنفسهم.. فقد كان بإمكان ابن الأشعث والذين خرجوا معه الذهاب إلى عبد الملك ابن مروان ويشكون إليه ظلم الحجاج ويطلبون عزله.. فإن استجاب فبها ونعمت 0ويكون المقصود قد تحقق بأيسر السبل.. ولقد استجاب عبد الملك لهذه المطالب بالفعل.. ولكنهم رفضوا ذلك منه وطالبوا بخلع عبد الملك نفسه من الخلافة.. ثم يفصل الكاتب في مسألة التحذير من الدخول على الحكام والسلاطين.. فبعد ما يسوق الأحاديث النبوية المحذرة من الدخول على الحكام والسلاطين وغيرها من الأحاديث النبوية التي تجيز الدخول عليهم بل تحث على الشفاعة لديهم ونصحهم.. يخلص بقوله: إن الدخول على الحكام والسلاطين ليس شراً كله.. وليس مذموماً على إطلاق.. وإنما شراً يلحق الذم صاحبه يغشى أبواب الحكام فيبيع دينه ويتخلى عن إيمانه ويفتنه ذهب المعز فيتنازل عن مبادئه.. ومثل هذا لا يكون من حملة الدين المخلصين له.. بل يكون من المتاجرين بمبادئهم من أجل مكسب دنيوي رخيص.. أما الصادقون المخلصون في محبة الخير للناس فهم يدخلون على الحكام لإسداء النصيحة ورفع الظلم عن المستضعفين.. وسعياً لإحقاق حق وإبطال باطل أو تقليل شر أو قضاء حوائج الخلق, فلو تخلى هؤلاء عن الدخول على السلطان.. وأخلوا ساحته ومجلسه للمفسدين المبطلين فمن يرفع للسلطان هموم شعبه؟!, ومن يرشده لما فيه خير البلاد والعباد؟!..
8. يذكر المؤلف الكثير من النتائج التي ترتبت على خروج ابن الأشعث وقتاله مع الحجاج.. ثم يقول: كم كان علماء أهل السنة حكماء حينما منعوا كل كاره لحاكم أو ناقم عليه بسبب ظلمه من قتال هذا الحاكم أو الخروج عليه حتى قال جمهورهم إمام ظلوم خير من فتنة تدوم.. نعم.. حاكم غشوم خير من قتال لا يبقى على شيء.. يشيب عليه الصغير ويثب عليه الكبير.. وترفع به الرحمة عن الأمة.. ويحل عليها العذاب.. ويسخط بها.. ويطمع فيها عدوها.
9. إن الدول دائما تبحث عن مصالحها ومصالح شعوبها.. فعلى كل من يحاول الإصلاح وتحقيق المصالح لأوطانهم وشعوبهم أن يتواءموا مع شعوبهم ويتعايشوا مع حكومات بلادهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.. ويغضوا الطرف عن بعض الزلات الموجودة حتى يتمكنوا من الحفاظ على دعوتهم وحياتهم بدلا من الهجرة واللجوء إلى بعض الدول التي تستخدمهم لمصالحهم.. وتتاجر بهم في الأسواق العالمية وتساوم عليهم الحكام.
10. وهذا ما فعله رتبيل بابن الأشعث حينما لجأ إليه فاراً من الحجاج طالبا اللجوء والأمان.. ثم ما لبث رتبيل أن سلمه للحجاج حينما هدده الأخير بغزو بلاده وهكذا يكون شأن اللاجئين السياسيين إلى غير بلادهم.. فهم دائماً عرضة للمساومات بين الدول بعضها البعض.. تستخدمهم الدول التي تمنع اللجوء كورقة ضغط على دولتهم لتحقيق بعض المصالح من ورائهم أو تضمن عدم تعدى هذه الدول عليها.. ثم سريعاً ما تتنكر الدول لضيوفها وتسلمهم إلى دولهم التي تعقد لهم المحاكمات وتصدر عليهم الأحكام.. إن اللاجئين السياسيين سلعة تباع وتشترى في سوق السياسة الدولية.. وعلى كل لاجئ أن يدرك هذه الحقيقة جيداً.. يختم الكاتب الباب الأخير بالبحث على أن نستعير خبرات الآخرين ودروس حياتهم.. فمن عاش مع دروس التاريخ طال عمره وازدادت خبرته.. ومن لم ينتفع بخبرة سنوات التاريخ لم يستفد شيئاً واضطر أن يعمل بنظرية التجربة والخطأ ويعمل بخبرة يوم بيوم.. وهذه نظرية مهلكة للأفراد والجماعات والدول.
· فنحن لن نستطيع أن نحيا حياتنا مرتين أو نعيش أعمارنا مرتين.. عمراً نجرب فيه ونخطئ وعمراً نتعلم فيه من أخطائناً.
· وعن العلة من كتابة هذا الكلام يقول المؤلف أن هذا الكلام هو محصلة مشوار طويل وبحث عميق ودراسة متأنية لأصول ديننا ومقاصد شريعتنا.. إنه وقوف على الآيات وجمع بين أطراف الأدلة.. إنه حصاد قراءة واسعة في تراث سلفنا الصالح لم يحملنا عليه حرص ولا هوى وإنما حملنا عليه الشرع الحنيف والبحث عن رضا الله تعالى وتحقيق مصالح ديننا وأمتنا.
· كما أنه حصاد تجربة طويلة عشناها زادت على الربع قرن من الزمان تقلبنا فيها بين الشدة والرخاء والعسر واليسر والضيق والسعة.. ونحن في هذه الأحوال كلها راضون عن الله وعن قضاء الله.. لم نتخل يوما عن ديننا وشريعتنا نظريا فيها إلى نتائج هذه المسيرة وما فيها من أحداث وصراعات كما وقفنا على ما فات منا من مصالح ديننا وأمتنا وما توالى على أوطاننا وديننا من مفاسد ومثالب.
· وقفنا نقلب أبصارنا في هذه الصفحات من تجربتنا ثم رجعنا نقلب صفحات قرآننا.. نقرأ آياته من جديد فوقعت أبصارنا على آية عظيمة من آياته فقرأنا: (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ), قرأناها فعرفنا أنه الحق فحملنا أنفسنا عليه ودعونا إخواننا إليه ومددنا أيدينا بالورد لأوطاننا.. لتمضى الأوطان حاصدة ثمار هذا الصلح فيسود الأمن ويعلو البناء ويخنس الأعداء وتفوت الفرص على الحاقدين والحساد.. فيا ليت قومي يعلمون بأنه والصلح خير.
· وعن الحل أمام غياب بعض أحكام الدين من مجتمعات وما يعج به المجتمع من فساد.. يشدد الكاتب على ذكر العديد من الوسائل والخيارات والبدائل المطروحة مؤكداً على ضرورة المحافظة على الموجود أولاً ثم طلب المفقود بالحكمة والموعظة الحسنة وبغيرها من الوسائل والأساليب والآليات التي استفاض في شرحها وبيانها.
· وفي لوحة أدبية بديعة يرسم المؤلف فيها الصورة المثلى التي رسمها الإسلام للعلاقة بين الحاكم والرعية حيث المجتمع الذي يسوده الحب والعدل قائلا: (في هذا المجتمع النظيف.. المفعم بالحب الملئ بالصدق.. المنسوج من الشفافية المدعوم بالولاء بين المرء ونفسه وبين المرء و غيره.. لا يجد الكيد له موطناً ولا تبصر العداوة أمامها طريقاً.. ولا تقف الشحناء على أرض.. ولا ترى المؤامرات لها إمارة تأمر بها ولا متنفسا تنفث فيه سمومها).
· فقد أحبت الرعية راعيها فأحبها.. وصفت لرعيها فصفي لها ونصحت الرعية لراعيها فانتصح بنصحها.. وقمت تدعو له فدعا لها أمنها فأمنته.. وحفظها فحفظته.. وأكرمها فأكرمته.. ودعاها فلبته تحركت الرعية كما تشاء فحماها الراعي بما يملك, نادته فأحسنت النداء فانتفض يحدوه الفداء.. سمع بكاء الصغار فقام يهدهد قلوبهم.. يمسح بيده دموعهم.. يربت على أكتافهم.. يحمل لهم ولا يحمل عليهم.. أضحكهم فما أبكاهم.. وأراحهم فما أضناهم فارتاحت النفوس.. وانشرحت الصدور وانفرجت الأسارير وخف الحمل عن الكواهل والظهور.. وحقنت الدماء وعصمت الأموال وحفظت الكرامة ورشد الفكر وتوقد الذهن ونشط العقل.. وسلمت الطرقات وعمت الخيرات ونزلت البركات ورتلت الآيات.
· إنها صورة للراعي الذي تحبه رعيته ويحب رعيته.. يدعوا له الناس ويدعو هو للناس يحميها ويقاتل من أمامها.. فالإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به.
· فهو فئة من لا فئة له.. وولى من لا ولى له.. حريص عليهم.. رحيم بهم.. يفرض العطاء للشيخ الكبير والطفل الصغير.. يبذل الخير لرعاياه وللغير بل لا سراب الطير.. فتحيا كل يوم سنة وتموت كل يوم بدعة.. ويأمن الناس كل الناس.
· بكاء الثكالى يحرق قلبه.. وأنات المرضى تهد قوته وتلوى الجياع يقلق مضجعه وعرى العراة يمزق جسده.. وتهدم بيت الرعية هدم لبيانه وراحته يدفع عنهم البلاء ويرفع العناء ويحارب الغلاء.. ينشر السكينة ويبعث الطمأنينة ويذهب القلق ويبدد خوفهم ويؤمن روعهم وينفث في روعهم لن تراعوا لن تراعوا فيأوى إليه الطرير ويهتدي به الحائر ويأنس به الغريب ويطمع فيه الفقير ويحفظ قدره الكبير.
· ثم يرسم الكاتب صورة مناقضة لمجتمع رفعت منه المحبة وسادت العداوة والبغضاء وشحنت فيه النفوس وساءت الظنون قائلا فلا يسمع لداعي الحكمة ولا يؤبه بصوت العقل ولا يحس أحد بوخز الضمير فلا ينصب لشكاية.. وتوصد الأبواب وتقام الحواجز وتقام الحجب بين الراعي والرعية.. فهم في واد وهو في واد آخر.
· وتكثر الشرط وينطق السوط ويغيب البناء وتهدر الأموال.. ويسود منطق القوة وتذيل المبادئ وتموت القيم وتذهب الأخلاق وتنزوي الضمائر.
· ويتنادى الطرفان في سباق محموم.. إما غالب أو مغلوب وكلاهما مهزوم.. تدوي التفجيرات.. وتنهار العمارات فيهدر دم الراعي ويموت أو يتمكن منهم فلا يرحمهم ويتحكم فيهم فيرجمهم.. وتضيع الأمة.. ويحتدم الصراع.. كل ذلك ويهود على الحدود رابضين وصليبيون في البحار مرابطين.. وشيوعيون بالله ملحدون.. ومنافقون متآمرون يجوبون البلاد يتمتعون بخيراتها ويصعدون على جماجم الشعوب.. وتسقط أمتنا ضحية معارك لا طائل من ورائها.. وإنما يحصد العدو ثمارها بعدما بذر بذور ها وسقى زرعها.. ونرى الأمة تسير أسيرة وتتكلم وهي مكلومة.. أثخنتها الجراح.. وبعد إطلالة على نتائج أحداث التاريخ يقول المؤلف: ليس الحل أن يسود منطق القوة.. ولكن نفسح المجال لقوة المنطق والمحاورات الهادفة والمناقشة الهادئة والصبر الجميل والنفس الطويل إننا نعرف أنه متى قامت الريح تقصف الأشجار.. وإذا سكنت استوت على عيدانها السنابل الضعيفة.. فلماذا لا تهدأ الأوضاع حتى تستوي سنابل الخير والبر وتؤتي أكلها بإذن ربها؟, ولماذا لا نتقي الريح لئلا تنطفئ بأيدينا الشموع ويضيع من خطونا الطريق؟, هذا وإلا صارت سنابلنا هشيماً وقلاعنا ترابا وهدفنا سراباً.. وانقلبت شموعنا ظلاماً ودياجير.. وربما لفحنا الطريق.
· ودعنا نتساءل: متى تعمل آلات الإنتاج ومصانع التنمية والبناء؟!, إنها لن تعمل إلا إذا توقفت دانات المدافع.. لأن دانات المدافع تستنزف الثروات وتبدد الأموال وتخرب الصناعات. ودعنا نتساءل: متى يسمع صوت المؤذن على المآذنه وصوت الدعاة على المنابر؟!, إنه لن يسمع إلا إذا سكن صوت الرصاص.. لأن أزيز الطائرات وصرخات الرصاص وعويل النساء والأطفال أقوى من صوت المؤذنين ودعاء الداعين فمتى أغمد السيف استمع الناس لنداء الصلاة: (حي على الفلاح), وبهذه اللوحة الأدبية البليغة والتي اقتطفنا منها أهم أوراقها.
· يختم المؤلف الدكتور ناجح إبراهيم عبد الله كتابه: الحاكمية.. نظرة شرعية ورؤية واقعية.. سائلا المولى عز وجل أن ينفع به شباب أمة الإسلام، والله الهادي والموفق لكل خير..
| الإسم | asmaa_mo |
| عنوان التعليق | نفس الاحساس |
| نفس الاحساس كنت احس بة عندما قرات اول مرة للدكتور ناجح (وهو الشعور بان كاتب هذة الكلمات احسبة من المخلصين)
فقدقرات للدكتور ناجح رسالتة(رسالة الى كل من يعمل للاسلام عام1990)كنت معجبا بهاوكنت احس بالصدق فيها وهاهى الايام تمر ويكتب الدكتور واقراء كلماتة وعلى الرغم من ان ما يدعو الية قد تغير تماما
وعلى الرغم من اننى من الافراد الذين تركوا فكر الجماعة والعمل معها الا اننى احس بنفس الاحساس القديم (جزاك الله خيرا يا دكتور وادعوا الله عزوجل ان يستعملك ولا يستبدلك |
| الإسم | naggy |
| عنوان التعليق | شكر وتقدير وملاحظة |
| بارك الله القائمين على هذا الموقع وهم في ثغرة من ثغور الاسلام وبارك الله في الكاتب الكريم الذي اتحفنا بكثير من قواعد الاسلام التي غابت عن كثير من عقول الذين يمشون في مخططات اعدائهم فيقتلون المدنيين ويذبحون بالسكين وهم والله بهذه الاعمال يعادون الدين وملاحظتي هي ان المسلمون في كثير من الامور يعادون انفسهم ويجلبون عداوة غيرهم بما كسبت ايدهم اكثر بكثير من عداوة بعض الدول الكبرى لهم وشكرا |
| الإسم | محمد |
| عنوان التعليق | جزاك الله خيرا يا شيخ |
| بارك الله فيك يا شيخ ناجح كم هذا الكلام شيقا وجميلا والله كم كنت انا فى غاية السعادة وانا اقرأ هذا الكلام الشافى الهادى الى الصواب .....ولكن جال بخاطرى كيف نتعامل مع نظرية الفعل ورد الفعل وكيف نحفظ ديننا ومعتقداتنا التى تتعارض مع الدولة والحكم فى بعض الاحيان.... جزى الله الشيخ ناجح خير الجزاء وجعلة فى ميزان حسناتة يوم القيامة |
| الإسم | احمد |
| عنوان التعليق | اقتراح وشكر |
| بارك الله فى الشيخ وزا ده علما ولاكن نرجوا ان تبلغونا بجميع كتب الجماعه التى الفت وطبعت واماكن تواجدها اوارسال كميات الى المحافظات حتى نستطيع التواصل معكم |
| الإسم | سيدبدير |
| عنوان التعليق | بارك الله فى عمرك ياد0ناجح |
| كلما قرأت أحسست برغبة فى معاودة القراءة بل وأبحث عن سطور بعينها لكى أحفظها فهناك عبارات كثيرة ارتبطت به ذكرت بعضها فى حوار لى مع خطيب فى بلدنا فوجدته مبهورا بتلك العبارات ويستأذننى فى استعمالها فى خطبه فقلت له الحكمة ضالة المؤمن ولكن أتمنى ان ذكرت شيئا أن تنسبه لقائله وهو د0ناجح فمن بركة العلم نسبته وأنا لاأروج لشيخى فهو لايهمه ذلك ولا يعنيه ولكن هذا توثيق لكلامك أنت فشيخنا غنى عن التعريف ونفسه أغنى من الالتفات لتلك الامور أسأل الله أن يبارك لك فى عمرك يا د0ناجح ويتقبل منكم |
عودة الى كتب ودراسات
|