|
كيف نعود إلى أفريقيا؟ بقلم/ عماد الدين حسين
فى شهر واحد زار أثيوبيا ٢٦ وفداً مصرياً مختلفاً، المعلومة على عهدة السفير المصرى فى أديس أبابا، محمد إدريس وقالها خلال حفل استقبال أقامه للوفد الاعلامى المصرى الذى كان يغطى فاعليات قمة الاتحاد الإفريقي مساء الأربعاء الماضى فى مقر سكنه وحضر جزءًا منه وزير الخارجية السفير سامح شكري.
قبل ذلك زرت إثيوبيا برفقة الوزير محمد كامل عمرو وبعض الزملاء الصحفيين فى يونيو ٢٠١٣., ووقتها كانت العلاقات فى أسوأ مراحلها بسبب مؤتمر مرسى الشهير الذى هدد فيه الحاضرون إثيوبيا على الهواء مباشرة.
هذا الحادث استغلته أثيوبيا بمهارة وظل التلفزيون الحكومي يكرر إذاعته لأكثر من أسبوعين كي يقنع شعبه أن مصر دولة عدوانية تريد قتلهم وتدمير بلادهم ما يسهل له لاحقا الإسراع فى بناء سد النهضة.
مدة مؤتمر مرسى استمرت دقائق قليلة لكنها احتاجت كل هذه الشهور لإصلاحها، وللموضوعية لم يكن هذا المؤتمر السبب الوحيد فى الأزمة.
أعضاء السفارة وقتها كانوا يشكون من أن المصريين الذين يأتون من القاهرة يكتفون بالتقاط الصور التذكارية ويعودون للقاهرة دون أن يشعر الإثيوبيون بهم والأهم دون أن تكون هناك نتائج على الأرض.
إدريس وصف هذه الطريقة بأنها تشبه الكارت البوستال، أى التقاط صورة خلف أثر كبير مثل الهرم مثلا دون أن نتأمل فى أهمية هذا الأثر وقيمته وتاريخه وان نحافظ عليه.
وقتها أيضا شكا بعض الدبلوماسيين من أن علاقتنا صارت سطحية مع الأفارقة لدرجة انه لا توجد علاقات صداقة شخصية بين المسئولين ونظرائهم الأفارقة، مما يزيد الجفوة ويمنع حل الكثير من المشاكل عبر هذه القناة الحميمية خلافا لما كان موجودا أيام الزعيم الكبير جمال عبد الناصر رحمه الله.
الواقع المؤسف نعرفه جميعا ولذلك الأفضل أن نتكلم عن المستقبل.
لا توجد وصفة سحرية تعيد للمصريين مكانتهم القوية فى أفريقيا عموما وأثيوبيا خصوصاً لأن الدنيا كلها تغيرت لكن هذه العودة ليست مستحيلة كما يؤكد المصريون المقيمون هنا.
هؤلاء عددهم نحو ٢٥٠ مصرياً ٦٨ منهم يعملون فى شركة المقاولون العرب ويلعبون دورا قوميا شديد الأهمية والباقي أطباء وعاملون فى الاتحاد الأفريقي وبعض رجال الأعمال.
العلاقات الاقتصادية مهمة الغاية، وكما قال لي رجل أعمال لو أن لمصر مثل ما للصين من استثمارات ما فكرت أثيوبيا فى بناء سد النهضة.
لكن القضية ليست فقط استثمارات وإنشاءات بل هى فى الأساس مسألة ثقة وإحساس وتقدير.
كل المطلعين على ملف أزمتنا مع القارة السمراء يقولون أن السبب الجوهري فى تردى علاقتنا معها يعود إلى إحساس الأفارقة بأننا نتعالى عليهم وننظر إليهم نظرة عنصرية متعالية، كما كان يفعل معنا الاستعمار الغربى.
هذا الإحساس لا نشعر به نحن المصريين لأن من يمارس سلوكا عنصريا لا يعرف انه عنصري.
تخيلوا أن كثيراً من الأشقاء السودانيين إخوتنا فى العروبة والدين والعادات كانوا يشعرون بأننا عنصريون معهم فكيف يكون شعور بقية الأفارقة المختلفين معنا فى العرق والدين والعادات؟!
قلت هذا الكلام لمسئول مصري بارز جداً فقال انه صحيح تماماً وكان شديداً وملموساً أيام حسنى مبارك لكنه ليس من اختراعه وحده بل يعود إلى سنوات طويلة مضت ويمكن أن نلمحه مثلاً فى التنميط الذى تمارسه السينما المصرية من دون وعى حينما تسجن الأسود داخل وظيفة البواب أو الخدام.
يضيف المسئول أن القاهرة بدأت فعلاً فى العودة لأفريقيا وتدرك تماماً أهمية هذا العامل النفسي لكنها تدرك أيضاً انه يحتاج إلى وقت طويل حتى يؤتى ثماره.
إذن، لابد أن تبدأ مصر فى تغيير المدخل السيكولوجي مع إفريقيا، إضافة إلى وصفة متنوعة سوف نتحدث عنها لاحقا إذا كان فى العمر بقية.
عودة الى مقالات
|