|
على هامش قضية الفساد في رام الله , لسنا خائفين من قنبلة إيران النووية , اقتراحات ثلاثة للدكتور البرادعى إعداد عبد العزيز محمود
لا أدري كيف أعبر عن حال الشعب الفلسطيني وهو يفعل به الأفاعيل سواء من الخارج أو من الداخل فيرى الفساد داخل الممثل لا أقول الشرعي ولكن المرغوب فيه -عن هذا الفساد كتب جمال سلطان في المصريون....وفي الشرق الأوسط يكتب عبد الرحمن الراشد لسن خائفين من قنبلة إيران النووية.. نحن لسنا خائفين من قنبلة إيران النووية كسلاح، لأنه لن يستخدم عسكريا بل كوسيلة لتغيير قوانين اللعبة. نحن خائفون من سياسة إيران التي تستخدم كل الوسائل لفرض وجودها، وما السلاح النووي إلا وسيلة لهذا الغرض. .. وإلى نظرة جمال عبد الجواد في الأهرام المسائي الذي يري أن التعامل مع وصول البراد عي إلى أرض الوطن كان حضرياً كما هو التعامل مع بعض الأمور الأخرى منها الانتخابات القادمة ....وإلى اقتراحات عمرو حمزاوي في الشروق للبراد عي .....ونختم بالكاتب الساخر وأسلوبه المميز في الجمهورية محمد أبو كريشة بعنوان فايزة عايزه جايزة .
على هامش قضية الفساد في رام الله
جمال سلطان من المصريون
في وقائع الفساد الخطيرة التي كشف عنها ضابط مخابرات فلسطيني رفيع ، وتورط فيها مدير مكتب محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية وهي ما أدت إلى قرار بعزل مدير مكتبه وجدل واسع في الداخل الفلسطيني ، كانت هناك ملاحظة "فنية" مهمة ، غابت في خضم الصخب المواكب لها ، رغم أهميتها في فهم وتحليل أداء بعض منابر الإعلام العربي المهمة ، الضابط "فهمي شبانة" ، في سبيل تبريره للجوئه إلى القناة العاشرة الإسرائيلية وليس اللجوء إلى قناة عربية ، قال أنه اتصل أكثر من خمس مرات بمكتب قناة الجزيرة الفضائية في رام الله في محاولة لنشر الملف أو الوقائع ، لكنهم رفضوا التجاوب معه أو الرد عليه وتجاهلوه ، رغم علمهم بخطورة الملف الذي يمتلكه ، قناة الجزيرة لم تعقب على هذا الكلام الخطير ، كما أن مكتبها في رام الله لم يعلق ولم ينف كلام شبانة ، رغم خطورته وعلامات الاستفهام العديدة التي يضعها على الأداء المهني للمراسل وبالتالي لقناة الجزيرة ذاتها ، أهمية هذه الواقعة أنها تضعنا أمام السؤال المهني والأخلاقي عن مدى استقلالية مراسلي القنوات الإخبارية العربية عن تأثير وهيمنة الجهات الرسمية في العواصم أو المناطق التي يعملون فيها ، وفي الحالة التي نحن بصددها ، فقناة الجزيرة لها بالأساس موقف متعاطف مع حماس ومع خط المقاومة الفلسطينية بشكل عام ، وهو ما يثير حفيظة سلطة السيد محمود عباس ومجموعة رام الله ، وبالتالي فإن المفهوم أن واقعة مثل هذه لا تملك حساسيات زائدة أو حسابات معقدة بالنسبة للجزيرة ، بما يستدعي منها أن تتجاهلها ، فضلا عن أنها بالحسابات المهنية "خبطة كبيرة" من شأنها أن تثير الجدل الإعلامي والسياسي لفترات طويلة ، وهو ما حدث بالفعل ، على الرغم من أن النشر تم عبر القناة الإسرائيلية ، فلماذا تضحي الجزيرة "بخبطة مهنية" بهذا الحجم أتت لها سهلة وتطرق بابها نفسها ، ومع جهات لا ترتبط معها بحسابات سياسية معقدة ، هذا هو السؤال الذي لا بد من البحث له عن إجابة ، ولا يمكن فهم الإجابة إلا في إطار علاقة خاصة بين مكتب الجزيرة في رام الله وبين سلطة محمود عباس وربما علاقات أبعد من ذلك ، وهي العلاقة والحسابات الشخصية التي جعلته يضيع على القناة خبطة بهذا الحجم ، لمجرد أن لا يخسروا حظوة عند السلطة أو لمجاملتها على حساب مصالح القناة ذاتها ، فضلا عن مصلحة المشاهد الذي يفترض أنه ائتمن القناة على نقل الحقائق ونقل "الرأي والرأي الآخر" ، لماذا لم ترد الجزيرة على اتهامات الضابط "فهمي شبانة" بأنها رفضت التجاوب مع اتصالاته أو الاهتمام بقضية الفساد التي فجرها ، ولماذا لم يوضح مكتب الجزيرة موقفه من هذه التهمة المهينة له مهنيا ، والقادحة في شفافيته وأمانته ومصداقيته أمام المشاهدين ، ما حدث في تلك الواقعة يطرح تساؤلات مشابهة عن سلوك مسؤولي مكاتب القنوات الفضائية في العواصم العربية بشكل خاص ، وحيث لا تتمتع الجهود الإعلامية عادة بمساحة من الحرية أو الأمان تسمح لهم بسقف أعلى للتغطيات ، لكن المشكلة أن مثل هذه الأعذار تكون الستار لتكوين المراسل شبكة علاقات خاصة مع أركان السلطة والعمل تحت جناح بعض رجالها الأقوياء وتصل الأمور أحيانا إلى حد أن يكون مدير مكتب القناة طرفا في خصومات الأجنحة السلطوية المتصارعة ، وتتداخل العلاقات لدرجة أن نجد رئيس دولة عربية كبيرة يمازح مراسل الجزيرة باسمه مرارا وكأنه صديق حميم ونديم سمر ، ويرتبط المراسل بنجل الزعيم بعلاقات ليست فوق مستوى الشبهات ، وتكون له "شلة" محفوظة من الأصدقاء والحواريين يسربهم بصفة منتظمة عبر شاشات القناة ، حتى يتحول مكتب القناة في النهاية إلى "بيئة فساد" سياسي ، وفي العالم الثالث هناك قناعة بأن أي موظف شباك يتعامل مع الجمهور يقضي في موقعه أكثر من ثلاث سنوات سيتحول إلى بيئة فساد ، إذا لم يتم تغيير موقعه قبل ترتيب شبكة مصالحه الخاصة ، وأتصور أن مكاتب القنوات العربية في العواصم العربية تحتاج إلى هذه "القاعدة" إذا أرادت الحفاظ على شفافيتها ومصداقية تغطياتها أمام الرأي العام .
لسنا خائفين من قنبلة إيران النووية
بقلم عبد الرحمن الراشد من الشرق الأوسط
في زيارة حديثة قام بها أحد كبار المسؤولين الخليجيين إلى طهران، التقى الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، ودار بين الاثنين حديث مهم للغاية حول اتهام إيران بالسعي إلى امتلاك السلاح النووي. التهمة قد تقود إلى حصار، وربما إلى حرب كبرى أخرى في المنطقة.
يروي لي صديق متحمس ما دار، من أن الرئيس الإيراني قال للمسؤول الخليجي مستنكرا «لماذا تصدقون أننا نسعى إلى بناء قنبلة نووية؟ لسنا أغبياء حتى نفعل ذلك». قال نجاد «إن القنبلة النووية لم تنفع الولايات المتحدة اليوم في حرب أفغانستان، ولم تنقذها من هزيمة حرب العراق، ولم تحقق نصرا لأحد، ولو أننا ضربنا إسرائيل بسلاح نووي لمات من الفلسطينيين ربما أكثر من الإسرائيليين، كما أن قدرة الرد النووية عند الأميركيين والإسرائيليين كافية لتدمير إيران، وبالتالي لا يعقل أن نسعى لبناء سلاح نووي، وكل ما يقال مجرد أكاذيب ضد إيران».
كلام رائع يعبر عن منطق وحكمة سياسية، لكن كلنا نعلم أن النوايا لا تقاس بالكلام، والكلام لا يطابق الحقائق الإيرانية على الأرض، فوكالة الطاقة النووية، التي تعتبر متحفظة وتحاول الابتعاد عن التهم السياسية، أعلنت هذا الأسبوع أن هناك أدلة تفتيشية جديدة تشير إلى أن إيران تتجه لتصنيع سلاح نووي. ربما الوكالة على خطأ، وربما تمالئ الأميركيين، لهذا فإن القول الفصل هو فتح المنشآت الإيرانية للتفتيش المباشر، الأمر الذي تماطل فيه حكومة نجاد وترفضه.
الحقيقة نحن لسنا خائفين من قنبلة إيران النووية كسلاح، لأنه لن يستخدم عسكريا بل كوسيلة لتغيير قوانين اللعبة. نحن خائفون من سياسة إيران التي تستخدم كل الوسائل لفرض وجودها، وما السلاح النووي إلا وسيلة لهذا الغرض. ولو كانت في مخزن صدام قنبلة نووية عندما غزا الكويت لبقيت الكويت محتلة حتى هذا اليوم، حيث يستحيل على الدول الكبرى المخاطرة بمعركة مع دولة مسلحة نوويا. ولو أن إيران قامت غدا باحتلال البحرين، وهذا أمر وارد جدا، أو استولت ميليشياتها على جنوب العراق، فلا دولة كبرى تتجرأ على منع إيران عسكريا. ويبقى أمام المجتمع الدولي إما مفاوضة طهران ومساومتها، أو معاقبتها بوسائل اقتصادية، وكلنا نعرف أنها لم تردع محتلا في السابق، ولن تردع إيران بالتأكيد.
نحن لا نخاف قنبلة إيران النووية، بل نخشى عقلية النظام الحالي في طهران الذي بدد أموال بلاده على حزب الله وحماس والحركات المتطرفة في البحرين والعراق واليمن والإخوان المسلمين، ودعم كل متطرف في المنطقة. إن رغبة نظام نجاد في التوسع والهيمنة والاستيلاء صريحة على الأرض، وحتى تنجح تحتاج إلى مظلة نووية تحميه من ردع قوة كبرى. دول الخليج التي بنت مدنا ومصانع هائلة على ضفة الخليج تصبح بوجود سلاح نووي إيراني رهينة لرغبات نجاد وحكومته المتطرفة. قد تقولون إن هذا كلام هراء لا سند له. ويمكن أن يكون بالفعل هراء، لكن لا نستطيع أن نترك المنطقة لامتحان الحقيقة، وعندما نكتشف أن الحقيقة مؤلمة تكون النتيجة قد فاتت.
صدام حسين في عام 90 استقبل أمير الكويت بالأحضان، وبعد 4 أشهر احتل بلاده وشرد أهلها. لذا دعوا عنكم وعود وتطمينات المسؤولين، ودعوا عنكم أيضا تحليلات السياسيين وآراء الكتاب أمثالي، ولنأخذ الحقائق فقط. الحقيقة الأساسية أن إيران رفضت التفتيش الكامل. ورفضت كل العروض التي تسمح لها بالتخصيب الآمن مع رقابة دائمة. رفضت حكومة نجاد اقتراح السعودية وروسيا بالتخصيب الخارجي الذي يؤمن لها كل حاجتها من الوقود النووي السلمي. رفضت حكومته أيضا التخصيب المكمل في أي دولة يثق فيها، بما فيها صديقته تركيا. رفض كل العروض لأنها فعليا توقف مشروعه العسكري. ومشروعه العسكري النووي له هدف واحد هو إنجاح مشروعه الفاشل حاليا في المنطقة، حيث ينشط في أكثر من 7 دول في المنطقة بالتخريب. نحن لا نتحدث عن دولة مسالمة مثل تركيا، بل عن نظام ثوري يريد تغيير المنطقة والهيمنة عليها، وبامتلاك سلاح نووي يصبح قادرا على فعل ما عجز عنه دون أن يرمي قنبلة نووية واحدة.
نظرة
بقلم جمال عبد الجواد من الأهرام المسائي
هناك علامات قوية علي أن منهجا سياسيا مختلفا يعرف طريقه لمصر هذه الأيام. عاد الدكتور محمد البرادعي إلي مصر, واستقبله حوالي ألف من أنصاره في مطار القاهرة دون أن يتعرضوا لأي تضييق
كاميرات التليفزيون والصحافة عرفت طريقها للمطار فسجلت كل ما جري بدقة. الانتشار الأمني لم يزد عن القدر المطلوب لحفظ الأمن في أي تجمع مؤكد أو محتمل. لم يكن هناك فزع لا في الصحافة ولا في أجهزة الأمن, وكلها علامات علي النضج والثقة في النفس. ذهبت مصر لعرض تقريرها عن حالة حقوق الإنسان أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. عرض ممثل الحكومة تقريره إلي جانب تقرير المنظمات غير الحكومية. لم نسمع كلاما في غير محله عن السيادة الوطنية وإنما سمعنا الحجة تقارعها الحجة, والشرح والتفسير يبدد الغموض. قدم المجلس توصيات عديدة لمصر من أجل تحسين حالة حقوق الإنسان فيها فقبلت128 من هذه التوصيات, ولم ترفض منها سوي28 توصية سبعة منها بسبب غموضها. التحاور مع المجتمع الدولي في شئون نهضة مصر الاقتصادية والسياسية دون عصبية أو تعصب أو تفريط علامة أخري علي وجود منهج مختلف في إدارة شئوننا السياسية, وفيه أيضا دلائل علي النضج والثقة بالنفس.
التأكيدات الصادرة من جهات سياسية عدة بشأن نزاهة الانتخابات القادمة تلفت النظر. قد لا يكون الحديث عن نزاهة الانتخابات جديدا, لكن عند ربط ذلك بما يصدر عن جهات رسمية عدة حول عدم استبعاد إمكانية تمكين مراقبين دوليين من المشاركة في مراقبة الانتخابات القادمة فإن في الأمر جديدا لا شك. بغض النظر عن النتيجة النهائية في قضية المراقبين الدوليين فإن في المناقشة الهادئة والعقلانية الخالية من العصبية لقضية الرقابة الدولية دليل إضافي علي أن ثمة روح جديدة في الأجواء.
المستوي الرائع من حرية التعبير الذي باتت مصر تحظي به هو الآخر دليل علي الروح المختلفة والمنهج الجديد. لا توجد قضية في مصر إلا وتم وضعها تحت مجهر الإعلام الحر والنقاش العام المفتوح. قائمة القضايا المطروحة للنقاش تبدأ برغيف العيش واسطوانة الغاز ولا تنتهي بالدستور وحقوق الإنسان. مجتمع يحدث فيه كل هذا هو مجتمع ينضج, والدولة التي تسمح به تتمتع بنضج وثقة بالنفس يصعب إنكاره.
اقتراحات ثلاثة للدكتور البرادعى
بقلم: عمرو حمزاوي
1ـ الدكتور محمد البرادعى، فى الأسابيع الماضية، أحدثت دعوتك للإصلاح الدستورى والسياسى وانتخابات رئاسية نزيهة زخما إعلاميا حقيقيا وقاربت بينك وبين المواطنين المصريين المهتمين بالشأن العام والراغبين فى رؤية مصر ديمقراطية ومتقدمة وعادلة. يضع هذا على عاتقك مسئولية كبيرة لجهة تذكير المواطنين بحقيقة تاريخية ثابتة عادة ما ينزعون لتجاهلها، ألا وهى كون التحول الديمقراطى فى النظم السلطوية لا يتأتى تلقائيا بمجرد التفاف قطاع واسع من المواطنين حول قيادة وطنية مستقلة تنادى به، بل يحتاج إلى مطالبة شعبية مستمرة ومشاركة فعالة من قبل المواطنين أولى خطواتها الاحتجاج والتظاهر السلمى ضد ممارسات النظم السلطوية وثانيها الالتزام بالمشاركة فى الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة.
ادعوهم يا دكتور على سبيل المثال إلى استخراج البطاقات الانتخابية، وحثهم على التغلب على تراث الشك الطويل فى نزاهة الانتخابات ونتائجها، الذى راكمه المصريون عبر العقود الماضية بالذهاب إلى مراكز الاقتراع حين يأتى فى العام الحالى موعد انتخابات التجديد النصفى لمجلس الشورى متبوعة بانتخابات مجلس الشعب. فالأمر المؤكد هو أن قدرة النظم السلطوية على تزوير الانتخابات والتلاعب بنتائجها وممارسة القمع ضد مرشحى المعارضة والمراقبين تتراجع إلى حد معتبر، كلما ارتفعت نسبة المشاركة الشعبية وإقبال المواطنين على التصويت.
ذكرهم بواجباتهم ومسئولياتهم وبأن مصر لن تتقدم مجتمعيا أو تتغير سياسيا باتجاه الديمقراطية سوى بمطالباتهم الفعالة وصبرهم على تحديات ومخاطر العمل العام، ومن بينها احتمالية التعرض لقمع الأجهزة الأمنية. لا تدعهم ينظرون إليك كبطل منقذ قدم من «الخارج» لإنجاز الديمقراطية بعلاجات سحرية سريعة لا تكلفهم الكثير إن فرديا أو جماعيا. فأنت تعلم أن واقعك وواقعنا ليس كذلك، وأن التحول الديمقراطى ــ هذا إن اقتربنا منه ــ لن يتم فى برهة من الزمان وأن كلفته حتما ستكون باهظة فى دولة ومجتمع يفتقداه منذ عقود طويلة. ثم إننا فى مصر خبرنا ــ قبل غيرنا من مجتمعات بلاد العرب ــ كارثية حصاد الأبطال المنقذين، على الرغم من نواياهم ورغباتهم الطيبة، إن هم أقصوا المواطنين عن ساحات المشاركة والبحث الجماعى عن الصالح العام.
2ـ بإيجابية وانفتاح أيضا تفاعل معك العديد من أحزاب وحركات المعارضة، وتعالت العديد من الأصوات المطالبة بدعم فرصك فى الترشح للانتخابات الرئاسية 2011 وبقيادتك لجبهة موحدة للمعارضة فى مواجهة النظام الحاكم. إلا أن إيجابية المعارضة هذه وانفتاحها على طرحك، ينبغى ألا ينسياك ضعفها وهشاشتها الشديدة، وما يترتب عليهما من معضلات وقيود. فالمعارضة الحزبية باختلاف أطيافها تغيب عنها القواعد الشعبية الحقيقة ولا تملك فى المجمل تصورات محددة لكيفية الدفع نحو التحول الديمقراطى، بل استكان البعض منها لعلاقة تبادلية مع النظام الحاكم يؤمن له بمقتضاها شىء من الوجود السياسى شريطة التوقف عن ممارسة المعارضة الجدية ضد النظام ورموزه وسياساته. أما المعارضة غير الحزبية، فشقها الإخوانى مأزوم، ويعانى اليوم من غياب بوصلة إستراتيجية واضحة لفعله السياسى، فى حين تهاوى شقها المرتبط بتحالفات التغيير والإصلاح العابرة للحواجز الأيديولوجية ككفاية (أو ما بقى منها) وغيرها إلى كيانات غير مؤثرة تختزل ذواتها فى صراعات داخلية وأحاديث صحفية.
بعبارة بديلة، لا تستطيع المعارضة الحزبية وغير الحزبية أن تقدم إليك الكثير من الدعم السياسى أو المساندة الجماهيرية على الأرض، فهى تفتقد لكليهما. بل واقع الأمر أن شيئا من إيجابية المعارضة فى تعاطيها معك ينبغى أن يفسر بعميق احتياجها لشخصية وطنية مستقلة ذات مصداقية داخلية وخارجية قد تساعدها على جذب قطاعات شعبية واسعة للالتفاف حول أجندة للتغيير والإصلاح الديمقراطى، وهو ما أخفقت المعارضة فى إنجازه طوال الأعوام الماضية.
ظنى أن المطلوب منك إذا، بجانب الابتعاد الحذر عن الصراعات والتنازعات البينية للمعارضة الحزبية وغير الحزبية، هو دعوة المعارضة لأن تنشط لجهة تطوير قواعدها الشعبية وصياغة برامج سياسات واضحة المعالم تهدف لدفع مصر نحو الديمقراطية والتقدم. فى مقال سابق، طالبت المعارضة والمواطنين المهتمين بالشأن العام بتذكيرك بأولوية التركيز على تطوير برنامج محدد لدورك السياسى والابتعاد عن عموميات حديث الديمقراطية الرائج ببر مصر منذ أعوام دون نتائج يعتد بها، وبهذا سأذكرك بعد أسطر قليلة. واليوم، أدعوك إلى مطالبة الملتفين حولك من أحزاب وحركات المعارضة بالعمل الجاد على الخروج من لا فعاليتهم الحاضرة واستعادة ذاكرة العمل التنظيمى (الكوادر الحزبية والحركية) والنشاط الجماهيرى (القواعد الشعبية) أملا فى تحويل الزخم الإعلامى، الذى حققته أنت إلى زخم سياسى ومجتمعى يضغط على النظام الحاكم لضمان إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية نزيهة فى العامين الحالى والقادم وتغيير قواعد اللعبة السياسية فى مصر بدفعها نحو ديمقراطية تنافسية، وتلك لا وجود لها بدون أحزاب قوية وفعالة.
سل أحزاب المعارضة يا دكتور عن المتوسط العمرى للقيادات والأعضاء، عن معدلات انضمام أعضاء جدد خلال الأعوام الماضية (وهى تقترب من الصفر)، سلهم عن الديمقراطية الداخلية وتصعيد الشباب، عن وجودهم التنظيمى خارج المناطق الحضرية ومؤتمراتهم الجماهيرية (الممكنة بالرغم من قانون الطوارئ). وواجه الحركات غير الحزبية بحقيقة ضعفها الشديد وبدائية الوعى السياسى لبعض أطرافها، التى ما برحت تخون الآخرين وتطالبك بتحديد موقفك من إسرائيل وكامب ديفيد ومعاهدة السلام المصرية ــ الإسرائيلية كشرط للتعامل معك وتأييدك فى حين تتجاهل بصورة شبه كاملة الشروع فى حوار معك حول برنامجك السياسى والاقتصادى والاجتماعى لمصر، وكأن هموم الوطن يمكن اختزالها فى العلاقة مع إسرائيل والموقف من القضية الفلسطينية على أهميتهما.
3ـ الفاضل الدكتور البرادعى، وبغض النظر عن تحفظى على رؤيتك القاضية بتحقيق الإصلاح الدستورى والسياسى كشرط مسبق لترشحك فى الانتخابات الرئاسية وممارستك لدورك السياسى، أصبت بحديثك عن أهلية مصر للديمقراطية والتقدم وحق شعبها فى حياة كريمة وترا حقيقيا لدى قطاعات واسعة من المواطنين المصريين المهتمين بالشأن العام ونجحت فى جذب العديد من المثقفين والنشطاء للالتفاف حول دعوتك.
إلا أننى أحسب أنك اليوم مطالب بتطوير خطابك السياسى وفعلك العام باتجاهين إضافيين لا غنى عنهما، إن أنت أردت البناء على الزخم الذى تحقق ونقله نوعيا إلى مستويات جديدة.
الاتجاه الأول هو استثمار ما يكفى من الجهد والوقت لصياغة رؤية برامجية واضحة تتجاوز بها عمومية حديث الأسابيع الماضية ثم تترجم من خلالها أهداف الإصلاح الدستورى والسياسى وفكرة المرحلة الانتقالية، التى شددت عليها إلى إجراءات وسياسات قابلة للتنفيذ وتتناول بواقعية مجموعة الشروط الداخلية (وفى مقدمتها البحث عن حلفاء إصلاحيين داخل النظام الحاكم ومؤسسات الدولة وتفعيل العمل التنظيمى والجماهيرى للمعارضة) والخارجية (وربما كان أهمها التأكيد على استقرار تحالفات مصر الإقليمية والدولية بغض النظر عن تطورات حياتها السياسية) اللازم توافرها لدفع مصر نحو التحول الديمقراطى.
أما الاتجاه الثانى الذى أظن أن على فعلك العام أن يذهب باتجاهه فهو، وبصراحة شديدة، العمل على التخلص من وصمتى «الزائر الغريب» و«الغريب العابر»، التى يعمل إعلام النظام الحاكم على إلصاقهما بك بإشارات متواترة إلى ابتعادك عن مصر خلال الأعوام الماضية وعدم اضطلاعك بمهام مهنية داخل مؤسساتها منذ فترة ليست بالقصيرة. وقناعتى أن هذا لن يتأتى سوى بعودتك للحياة بمصر والتحرك المكثف بين مدنها وقراها وعشوائياتها للإلمام بحقائق المجتمع والسياسة اليوم.
فايزة عايزة جايزة
بقلم محمد أبوكريشة
ضحكت كما لم أضحك من قبل ولن أضحك من بعد عندما سألتها عن سبب تسميتها فايزة وتسمية أخيها فايز.. فقد قالت لي إن أباها خسر كل أمواله في صفقة ما فقرر تسميتها فايزة.. وتمادي في ذلك عندما سمي أخاها الأصغر فايز.. ولم أستطع مقاومة الضحك عندما قالت لي إنها فايزة في كل الأحوال حتي لو خسرت "الجلد والسقط".
لا أدري أين ذهبت فايزة الآن.. ولا أدري ما فعلت الأيام بها.. لكنني علي يقين من انها مازالت فايزة حتي إذا كانت في قاع الخسران المبين.. كانت "غاوية" خسارة.. تلعب الكرة الطائرة وتخسر وعندما كنت أواسيها وأقول لها "هارد لك" تقول: "ياابني.. أنا برضه فايزة".. كانت فايزة في كل الأحوال وعلي طول الخط حتي ان أحد أفراد الشلة قال لها كثيراً: "ليس فيك من الفوز إلا اسمك".. فكانت تقول له ولنا جميعاً: "أي فوز والسلام".. ورغم خفة ظل فايزة وشعورنا بأنها كانت "ضاربة الدنيا صرمة" فإنني كنت ألمح منتهي المرارة في ملامحها وكلامها.. وعندما كنت أسألها عن سر هذه المرارة البادية عليها.. كانت تتهرب من الجواب بسخريتها المعتادة وتقول: "أنا ماعنديش أي مرارة.. مرارتي انفقعت من زمان".. وعندما كنا نتحاور بشكل جاد حول قضايا الأمة والوطن كانت آراء فايزة تبهرني وتسحرني وتزيد وجعي وآلامي.. كانت تتحدث باقتضاب وسخرية مرة.. وتردد جملاً قصيرة موحية.. تتركنا نثرثر ونخطب ونردد الشعارات وتتدخل بعبارات موجعة.. كانت تقول دون أن تضحك أو حتي تبتسم: "أنا الفايزة الوحيدة في أمة مهزومة ووطن خسران".. وعندما نضحك تمضي في عباراتها القاسية: "عندما خسر أبي سماني فايزة ليعزي نفسه ويعوض خسارته باسمي واسم أخي".. وعندما انهزمت الأمة سمت هزيمتها نكسة لتعزي نفسها.. وعندما كانت الصحراء تأكل الذي يسير فيها فيضل حتي الموت سماها العربي "مفازة" لينافقها ويعزي نفسه.. وعندما يحتضر العربي بلدغة عقرب أو عضة ثعبان كانوا يسمونه "سليم".. وعندما يمرض العربي حتي الموت نقول انه "بعافية شوية".
كانت فايزة فيلسوفة من الطراز الأول وحكيمة لا يشق لها غبار لأنها كانت صادقة.. لم تكن جافة ولا خشنة ولا مسترجلة بل كانت في غاية الرقة والجمال.. ومع ذلك لم يتبادر إلي ذهن أي منا أنها تصلح عشيقة أو حبيبة من "إياهن".. كانت توزع علينا مشاعرها واهتمامها بالعدل وبالتساوي ولم يشعر أي منا بأنه الأثير لديها.. فايزة كانت من النوع الذي تفتقده إذا غاب ولا تشعر به إذا حضر.. لم تكن تسرق الكاميرا أو الأضواء.. كانت الكاميرا تلاحقها والأضواء تطاردها لكنها كانت عازفة وزاهدة.. كانت مضروبة بحب الوطن والأمة.. وأصدقكم القول أنني افتقدتها كثيراً هذه الأيام.. لا لأنني أهيم بها عشقاً ولكن لأن أيامنا هذه تحتاج إلي فايزة وسخريتها ومرارتها الحلوة.. وأنا مدين لفايزة بالمرارة والألم.. مدين لها بالعزوف والاستغناء لكنها لم تعطني حكمتها ولا قدرتها علي السخرية.
فايزة هي التي قالت لي يوما ان أمتنا أمة أسماء لا أفعال.. وقالت إن اللغة العربية لغة الجملة الإسمية لا الفعلية.. لذلك هامت الأمة بالأسماء وكرهت الأفعال.. والناس في أمتي مشغولون بالشعار لا بالمضمون.. لا يهم إلا أن يكون عنوان وشعار القمة العربية "الوفاق والاتفاق".. مجرد اسم حتي إذا بلغ "الشقاق والنفاق والخناق" غايته تحت عنوان الوفاق والاتفاق.. ما أحوجني إلي فايزة الآن لتعدد لي ملايين الأسماء والشعارات بلا أفعال ولا مضامين.. لا يهم أن يكون هناك معني لكن المهم أن يكون لدينا مبني.. لا يهم أن تكون لدينا فلوس ولكن المهم أن تكون عندنا خزينة ذهبية بأرقام سرية.. كل شيء في هذه الأمة أسماء بلا أفعال.. وشعارات بلا مضامين.. ومبني بلا معني.. وحمل الأمة دائماً كاذب وكانت فايزة تسخر من الأمة الحبلي حين كانت تسمع قول أحد المتحمسين ان الأمة حبلي بالثورة.. كانت تقول بمنتهي المرارة: "اوعي تقول إن الوطن راخر حامل.. ماينفعش ياحبيبي.. الوطن راجل".. وكنت أسألها: "انت متأكدة ان الوطن راجل؟" فتقول: "لغاية قبل العملية كان راجل".
* * *
الأمة المسماة عربية مولعة بالأسماء والألقاب منذ جاهليتها الأولي حتي جاهليتها الأخيرة الحالية.. ولأنها أمة أقزام فإنها تصعد علي مقاعد من الأسماء والألقاب في محاولة لاخفاء الدونية والتقزم.. وقد تفاقم لديها داء الألقاب هذه الأيام حتي انني سمعت مدحت شلبي يقول: حسام حسن المدير الفني القدير "كدة من الباب للطاق".. وأهل كرة القدم مسئولون وحدهم عن تلوث البيئة العربية بطوفان ومجاري الأسماء والألقاب لأن كرة القدم أصبحت ميدان القتال الوحيد في الأمة.. وصارت ساحة الجهاد والحرب اليتيمة.. وكل ألقاب الجيوش والحروب انتقلت إلي كرة القدم كالقناص التي يقولها المحللون والمعلقون "القناس".. ومثل كتيبة المنتخب والأبطال والتسديدة الصاروخية.. وصاروخ أرض أرض أو أرض جو.. واللاعب الفدائي.. والجندي المجهول.. ومنطقة المناورات.. وشارك الفن في تفجير مواسير المجاري الاسمية واللقبية بأمير الغناء العربي وأمير القلوب ونجمة مصر ونجمة الجماهير ونجم النجوم.. وحصل الزعماء وكثير من المسئولين علي ألقاب ترفعهم إلي مراتب النبوة والألوهية.. وطالت "الشوطة" الصحافة التي لم يعد في ساحتها صحفيون وصار الجميع مديرين ونواب رؤساء ورؤساء ومساعدي رؤساء ونواب مساعدي رؤساء ومساعدي نواب رؤساء.. وامتلأت الدنيا "بالكروت" التي تحمل الألقاب وأرقام الهواتف.
كل ما تسمعه وتراه حولك أسماء بلا أفعال وشعارات بلا مضامين ومبان بلا معان.. جهود السلام وعملية السلام والتسوية والقضية الفلسطينية وقضايا الجماهير والحياد والشفافية والنزاهة ومواجهة الفساد والغش وضمان وصول الدعم لمستحقيه والحياة الكريمة "ولا مساس بتاعة السامري".. وكلنا أصبحنا أحفاد السامري ليس لنا في الحياة إلا أن نقول "لا مساس" حتي الموت.. والمغفلون يصدقون وينتظرون ما لا يأتي أبداً.. وينسون ويصلون ويزنون.
ولم يعد في عملنا الصحفي ما نسميه "الانفراد أو السبق".. لان الأمة العربية لم تعد تنتج أحداثا بل صارت تستهلك أحداث العالم.. نحن نعيش علي أحداث تصنعها أمريكا أو إسرائيل أو إيران لكننا لا ننتج أحداثا ولا أفعالا بل ننتج مكلمة وأسماء وتعليقات وتحليلات لأحداث يصنعها الآخرون وتنتجها الأمم التي مازالت حية.. وأي صحيفة عربية لا تستطيع أن تنفرد سوي بحديث مع وزير أو حاكم أو مسئول "نص كم" وتظل تطنطن وتعلن عن السبق الخطير قبل نشره بأيام وعندما تنشر نكتشف الجبل الذي تمخض فولد فأرا.. فانت لا تقرأ سوي شعارات جوفاء من عينة "لا مساس".. ولن أسمح.. ولا أقبل المزايدة.. وأبذل كل جهدي.. وقضايا مواطني المحافظة لها الأولوية.. ولا أتستر علي فساد.. وأتحدي.. ولا شيء يقال.. لا تقرأ أفعالا وإنجازات وحقائق ومفاجآت.. الصحيفة تنفرد بمجموعة شعارات لا مضامين ولا معني لها.. مجرد مكلمة مثل مكلمة الرياضيين.. ومعارك كلامية مثل معارك إبراهيم حسن وأحمد شوبير ومرتضي منصور ووكلاء لاعبي الكرة.. ولم يعد أحد يسمع فالناس في اذانهم وقر.. والكل أصبح يتكلم "اللي له واللي ملوش".. وانت لا تدري من أفسد الآخر.. هل الإعلام أفسد الناس بهذه المكلمة.. أم ان الناس أفسدوا الإعلام حين تولي كل الأمور غير أهلها وصارت الساقطة تنصحنا بالاستقامة والمطلقة الخائنة تنصحنا بوصف روشتة السعادة الزوجية.
* * *
والحكاية علي ما يبدو حكاية مناخ ثقافي وسياسي عربي قائم علي الكلام.. وقد كان أبي رحمه الله يقول لي: إذا تبادل اثنان شد الحبل واحدهما كان علي الأرض والآخر علي السطوح فإن الأسفل هو الذي سينتصر ويجذب الأعلي إليه ويسقطه علي "مناخيره".. وهذا ما حدث ويحدث في الأمة الآن نحن في السفح واستطعنا جذب أهل القمة إلي قاعنا.. وإلي المكلمة التي نديرها.. فقد استدرجنا الدكتور أحمد زويل والدكتور مصطفي السيد والدكتور محمد البرادعي أو أي دكتور "وأجعص جعيص" إلي ساحة الكلام "والهجص".. و"السهراية".. وفتح زويل والبرادعي والسيد حنفيات الكلام وكأنهم كانوا "مزنوقين" في أمريكا والغرب "وما صدقوا لقوا مبولة".
ونحن مبهورون بأصحاب نوبل وجوائز الغرب وهم "ما صدقوا وهات يا كلام في الفارغ كثيرا وفي المليان نادرا".. ولم أقرأ أي جديد لزويل أو البرادعي أو السيد فيما قالوه خلال الندوات والصالونات والمحاضرات والمكلمات.. نحن جميعا نقول كل الذي قالوه.. بل ان فايزة التي لم تحصل علي أي "جايزة" كانت تقول ما لا يستطيع زويل ولا البرادعي ولا السيد قوله.. لكننا إذا تكلم زويل نطرب لكلامه لأنه فقط حاصل علي نوبل.. ونري في البرادعي المهدي المنتظر لأنه فقط خارج لتوه من منصب دولي وحاصل علي نوبل.
زويل الذي يطربنا ويشجينا يقول إن التعليم منهار وإن إصلاحه يجب أن يكون مشروعنا القومي "كسبنا صلاة النبي".. ما الجديد في هذا؟ لا شيء سوي ان قائله أمريكي حاصل علي جائزة نوبل.. وكل الذين لم يحصلوا علي نوبل قالوا هذه الكلمات ورددوا هذه الشعارات.. لكن زامر الحي لا يطرب.. وزامر نوبل والغرب هو الذي يطرب.. وعندما تكون هناك مكلمة فإن الفروق تذوب بين الناس.. فلا فضل لقائل علي قائل.. ولا لثرثار علي آخر.
وأمثال زويل والبرادعي والسيد يؤكدون ان هذه الأمة تابعة وذليلة ومحتلة.. وتصلي خلف الغرب.. والغرب هو الذي يكتشف لنا مواهبنا ونحن نصفق لما يختاره لنا الغرب.. وكل ما يقوله زويل وأمثاله حق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه لمجرد ان الغرب منحه نوبل.. ونحن لم نكتشف عبقرية نجيب محفوظ إلا بعد أن منحه الغرب نوبل.. كان محفوظ بيننا يدب علي الأرض ويقطع مشواره اليومي من بيته إلي المقهي سيراً علي الأقدام لكنه أصبح فتوة حارتنا بعد حصوله علي نوبل.. حتي الذين حاولوا اغتياله فعلوها بعد نوبل وليس قبلها.. فنحن أمة تابعة في الموالاة والمعارضة.. فنحن نوالي ونؤيد من يرفعه الغرب إلي القمة ونعارض من يرفعه الغرب إلي القمة أيضاً.. نحن نحدد موقفنا من الموالاة والمعارضة طبقاً لما يقوله الغرب.. لأن مواقفنا كلها ليست مواقف أصيلة ولكنها رد فعل لما يقوله ويمليه الغرب.. ورد الفعل إما أن يكون مؤيدا أو معارضا.
والمهم في الأمر اننا استدرجنا زويل وأمثاله إلي المكلمة.. وزويل مثلا حاصل علي نوبل في فرع من العلوم لكنه عندما يتحدث يفتح الحنفية بكل أنواع المياه.. مياه السياسة والاقتصاد والدين والفلسفة.. ونحن نصدقه ونصفق له بلا تحفظ رغم انه لم يحصل علي نوبل في كل هذا الذي يتحدث عنه.. لكن حصول أي عربي علي جائزة غربية يجعله من أصحاب الرسالات ومن أولياء الله الصالحين وربما من العشرة المبشرين بالجنة.. لذلك فإن تكذيبه كفر واظهار الانبهار به والتصفيق له من الإيمان ومن المعلوم من الدين بالضرورة.
* * *
هذه هي الدونية العربية في أوضح معانيها فالعربي تنتفخ أوداجه ويصبح مثل الديك الرومي إذا أشاد به أي "صايع" غربي.. واليد العربية هي السفلي دائماً.. والقول ما قاله الغرب.. ونجوم الفن يبدون كالأطفال في سعادتهم بمنصب سفير النوايا الحسنة رغم انه منصب "فشنك" لكنه مهم لأنه مختوم بخاتم نيويورك.. نحن لسنا ضد زويل والبرادعي ومصطفي السيد ولكننا نشخص مرض الدونية والذلة والمسكنة من خلالهم.. فالغرب يفصل ونحن نلبس.. الغرب يطبخ ونحن نأكل.. الغرب ينتج ونحن نستهلك.. الغرب يلقح ونحن "نحبل".. ونرضي عما يرضي به الغرب.. وكل قضايانا ونجومنا وأفكارنا صناعة غربية.. نحن لا نصنع أحداثاً ولكننا نصنع أسماء بلا أفعال وشعارات بلا مضامين ومباني بلا معان.. والأمم الحية فقط هي التي تصنع الأحداث وتحركها مثل أمريكا وإسرائيل وإيران.. تصنع أحداثا سيئة أو أحداثا جيدة.. لا يهم.. المهم انها صانعة أحداث.. والذي يستطيع أن يضر خير من الذي لا يضر ولا ينفع كالعرب.. وقد كانت فايزة تردد قول الحكيم العربي: "إذا لم تستطع أن تنفع فضر".. وما أحوجني اليوم إلي فايزة.. فقد كان يمكن أن تصبح أجدي وأكثر نفعا من زويل والبرادعي ومصطفي السيد لو حصلت علي أي جائزة.. ساعتها كانت ستصبح أحكم الحكماء وأعظم العظماء.. فايزة لم تكن تنقصها سوي جائزة غربية لتصبح نجمة النجوم.. "فايزة كانت عايزة جايزة"!!!
نظرة
تشهد كرة القدم في أمتنا أكبر وأضخم عمليات غسل الأموال القذرة.. وهذه الظاهرة هي التي تؤدي إلي تراكم السحابات السوداء في الفضاء الرياضي العربي.. والإعلام الرياضي أكثر الأدلة سطوعاً علي ظاهرة غسل الأموال فهو محكوم بالبلطجية والمفسدين الذين أصبحوا محللين ومعلقين ومذيعين ومديرين فنيين ومنسقين.. وكل الذين يودون أن يفسدوا بلا مساءلة ويحظوا بتصفيق الجماهير لفسادهم ما عليهم إلا أن ينتسبوا للمجال الرياضي الكروي.. ففي هذا المجال تكون البطولة للنعال لا للعقول.. وقد أفسدت الكرة كل شيء فصارت معاركنا في البرلمانات والقمم والسياسة والاقتصاد والثقافة "بالجزم".. وساد اللامنطق بحيث يصبح سايس الجراج مديرا فنيا.. وبتاع دبلوم الصنايع إعلاميا.. ويصبح النشيد الوطني: "أم كلايا ولدت يله نروح لها.. ناخد عيش وفستق ونروح نبارك لها"!!
عودة الى مقالات
|