|
مفاوضات طحن الماء, عار الطوارئ, فلسطين في التاريخ القديم والحديث إعداد: عبد العزيز محمود
تصور للدكتور الفقي يتصوره في الأهرام من خلال مشروعان وطنيان.. هذا التصور لو تحقق فإنه ينقل' مصر' اقتصاديا نقلة نوعية كبيرة, ولقد سألت' د.بدراوي' يومها كيف لم يفطن المصريون منذ عام1869 حتي الآن إلي أن' قناة السويس' يجب ألا تكون مجرد ممر مائي فقط ولكنها تتجاوز ذلك بكثير لكي تكون قاطرة لتمنية الوطن كله.....وعن قانون الطوارئ يكتب فهمي هويدى في الشروق .. وأغلب الظن أن المؤرخين والباحثين سوف يحتارون كثيرا في تفسير قبول المصريين واحتمالهم العيش في ظل الطوارئ دون انقطاع طوال تسع وعشرين سنة، وهى سابقة لم تحدث في التاريخ المصري، في هذا الصدد يذكر المستشار طارق البشرى فى دراسة له حول الموضوع، إن حالات الطوارئ كانت قد فرضت من قبل مع بدايات الحروب، في بداية الحرب العالمية الثانية عام 1939، ومع حرب فلسطين عام 1948، وفى ظل العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، و في أثناء العدوان الإسرائيلي عام 1967......والدكتور عبد الحليم عويس يكتب في المصريون أمتنا: من الاختبار الأليم.. إلى المستقبل العظيم.. في ساعات الشدائد تنكشف معادن الرجال... وقد نجحت أمتنا خلال القرن الأخير فى الاختبارات الصعبة. لقد بدأت في ظروف نكداء، لكنها استطاعت أن تنفذ منها إلى الحفاظ على دينها ونشره كما تختبئ الشمس في مطلع النهار خلف الغيوم ثم تظهر شيئاً فشيئاً وتمتد حتى تعم أرجاء الأرض. لم يستهن المسلمون بشيء، ولم يستعلوا على إضاءة شمعة في وسط ليل بهيم.....ومع الدكتور عماره وتاريخ فلسطين....وأخير مع عبد الباري عطوان من القدس العربي ومفاوضات طحن الماء وإلى التفاصيل
مشـروعان وطنيـان.. رؤيـة وإرادة
بقلم: د. مصطفى الفقي.. الأهرام
تحدثنا كثيرا في السنوات الأخيرة عما نطلق عليه غياب المشروع القومي أو التقصير في حشد الأجيال الجديدة صوب هدف مشترك يحفز الهمم ويقوي الشعور بالانتماء ويدفع نحو آفاق مستقبلية واعدة.
ويتذكر الناس سنوات الحماس التي صاحبت ذلك المشروع القومي الكبير وهو' بناء السد العالي' وما تواكب معه من معارك عسكرية ودبلوماسية انصهرت بها إرادة الأمة كما تألقت معها مشاعر الجماهير, ولقد ألحت علي دائما خواطر ضاغطة توجهني نحو التفكير في مشروعات وطنية كبري يلتف حولها الناس ويعمل من أجلها كل من ينتمي إلي الوطن المصري, وقد وجدت أمامي مباشرة مشروعين وطنيين كبيرين لا يحتاجان إلي جهد إعلامي أو نشاط سياسي حتي يلتف الناس حولهما وهما' المشروع القومي لتعمير سيناء' و'مشروع إزالة الألغام من الصحراء الغربية', ويجب أن أعترف للصديق العزيز د.' حسام بدراوي' بأنه مسئول عن مزيد من التحريض تجاه ما ذكرناه فقد دعانا_ صفوة من جيلين مختلفين حتي كنت تري في ذلك اللقاء الآباء وأبناءهم يتحاورون_ وكان اللقاء ثريا عندما طرح د.'بدراوي' تصوره الشامل لرؤية متكاملة تسعي لتنمية ضفتي' قناة السويس' وتحويلها إلي مجتمعات نامية فيها الصناعة والسياحة والزراعة و'تجارة الترانزيت' وبيع الخدمات, وهذا التصور لو تحقق فإنه ينقل' مصر' اقتصاديا نقلة نوعية كبيرة, ولقد سألت' د.بدراوي' يومها كيف لم يفطن المصريون منذ عام1869 حتي الآن إلي أن' قناة السويس' يجب ألا تكون مجرد ممر مائي فقط ولكنها تتجاوز ذلك بكثير لكي تكون قاطرة لتمنية الوطن كله؟ وكان' د.بدراوي' يرد بحماس العالم ووطنية المصري الذي يحمل علي كاهله جزءا من هموم الوطن يشغل فكره ويشعل لديه شرارة التفكير المبتكر والرؤية الشاملة اعتمادا علي الإرادة الجماعية للمصريين كما عاهدناهم دائما, وأحب أن أنوه هنا إلي أن أفكار وآراء أبنائنا وبناتنا ممن حضروا اجتماع' د.حسام بدراوي' كانت رائدة ورائعة, وأنا أبشر هنا بأن الأجيال الجديدة لديها من الإمكانات مالا نتوقعه.. أعود إلي المشروعين الوطنيين الكبيرين اللذين أريد لهما أن يجتاحا ساحة الوطن بدلا من الثرثرة السياسية واللغو العام اللذين يسيطران علي حياتنا أحيانا, وإن كنت أشير هنا بضمير وطني صادق إلي ضرورة مواصلة ضرب الفساد في كل نواحي حياتنا وتنقية مسيرتنا كما ارتضيناها في لحظة البداية, فالوطن أغلي وأشرف وأكبر من كل الممارسات المشبوهة أو التصرفات اللا مسئولة والأخطاء المتكررة, وإذا كنا نتحدث عن مشروعي' تعمير سيناء'' ونزع الألغام من صحرائنا' فإن ذلك يقودنا إلي النقاط التالية:-
أولا ـ إن تعمير' سيناء' مسألة طال الحديث فيها وكثرت المشروعات حولها وتناثرت الأفكار بشأنها ومنذ استعادت مصر ترابها الوطني الكامل عام1982 ونحن نتحدث في كل المناسبات عن' سيناء' وتعميرها وإعادة تأهيلها لكي تكون منطقة جاذبة للمصريين في استثمارات صناعية وزراعية وسياحية لا تقف عند عدة مزارات علي شاطئ البحر مهما كانت قيمة تلك المزارات وروعتها, إلا أن وسط' سيناء' الخالي يحيلها إلي مرتع للطامعين وجزء من مخطط الحاقدين علي' مصر' وترابها الوطني, لذلك فإن قضية تعمير' سيناء' ليست قضية تتعلق فقط بالتنمية والاستثمار ولكنها تتعلق بأمن' مصر' القومي ومستقبل السلام علي أرضها فقد جاءتنا معظم الغزوات تاريخيا من ذلك المدخل الآسيوي في شبه جزيرة' سيناء' ولن يكون الدفاع عنها بالوجود العسكري وحده لأننا نعلم جميعا أن المناطق الآهلة بالسكان تكون عصية علي الغزاة ممن يريدون بالوطن سوءا وينظرون إليه حقدا وطمعا.
ثانيا ـ إننا لا نعرف علي وجه اليقين الأسباب التي أدت إلي تأخير تنفيذنا لبرنامج وطني طموح لتعمير سيناء فهل هو التقاعس الذي أصاب حياتنا عموما؟ أم هي والعياذ بالله ضغوط خارجية لا تري في مصلحتها تعميرا لهذه الأرض الطيبة التي تحدث من فوقها' كليم الله موسي عليه السلام' فهذه القوي الخارجية تستمرئ فراغ سيناء وخلو عمقها من التجمع السكاني وتعول دائما علي سوء التوزيع الديموغرافي في' مصر' الذي يترك' سيناء' دائما خالية رغم الزيادة السكانية التي يعاني منها الوطن ورغم وجود الخبرات الوطنية القادرة علي إدارة مشروع قومي واسع لتعمير' سيناء' خصوصا أننا يجب ألا نقف عاجزين أمام ندرة المياه أو أمام تمسك الفلاح المصري بأرضه الغالية في الدلتا والصعيد لأن عليه أن يدرك أنه عندما يذهب إلي' سيناء' فإنه يؤدي واجبا وطنيا قبل أن يحقق عائدا استثماريا.
ثالثا ـ إنني لا أفهم كيف تكتظ الخريطة المصرية بالسكان في محاولة للنمو رأسيا دون الامتداد الأفقي في صحرائنا الواسعة غربا وشرقا وفي مقدمتها صحراء' سيناء' التي استطعنا أن نحقق لها التحرير الكامل ولكننا لم نتمكن من الاتجاه نحو التعمير الشامل, وعلي الرغم من أنني لست متخصصا في الشئون الزراعية والصناعية إلا أنني أظن أن زراعات معينة تبدو مبشرة بالخير إذا ما غزونا بها' سيناء' واضعين في الاعتبار أن هناك بحيرات ضخمة من المياه الجوفية وأن صحراء' سيناء' ورمالها تربض تحتهما بحيرات من المياه الصالحة للأحياء وللري وللزراعة فضلا عن ثراء' سيناء' تلك المنطقة بالمعادن النادرة فهي بحق' أرض الفيروز'.
رابعا ـ يجب أن نعترف هنا أيضا بأننا لم نحسن التعامل مع' بدو سيناء' وهم شريحة لا تتجزأ من نسيج الوطن كما أننا لم نتعرف علي كيمياء التعامل الصحيح معهم, فالبدوي قد يختلف عن فلاح الدلتا أو صعيدي الوادي في أسلوب التعامل وطريقة احتوائه مواطنا يشعر بأحضان الوطن الدافئة بدلا من شائعات التخوين والإساءة إلي من كانوا رصيدا وطنيا عبر العصور, ولن يتحقق تعمير' سيناء' إلا بتضافر جهود كل أبنائها فعندما ينتقل إلي وسطها فلاح' المنوفية' وعامل' سوهاج' تكون تلك هي إشارة البدء في التعمير الحقيقي وإعادة التوزيع الديموغرافي لسكان مصر.
خامسا ـ إذا انتقلنا إلي مشروع' إزالة الألغام' فإنني أبدأ بتحية الوزيرة ـ ابنة الدبلوماسية المصرية وصاحبة الحضور الدولي المشهود_' فايزة أبو النجا' التي تقوم بإحياء الشعور الوطني تجاه إزالة الألغام من صحرائنا الغربية والتي تقدر مساحتها بخمس الخريطة المصرية كلها, فهي مزرعة القمح في العصر الروماني ونريد لها أن تعود خضراء كما كانت ترتفع فوقها أشجار الزيتون وحدائق الفاكهة وربما نستعيد مزارع القمح فيها مرة ثانية حتي يكون التصدير إلي' أوروبا' عبر الساحل المقابل مصدرا أساسيا للثروة المنتظرة وللحياة الأفضل, ولا أنسي جهد زميلي السفير' فتحي الشاذلي' معاون الوزيرة في هذا الشأن وهما يعترفان_ الوزيرة ومعاونها_ بالجهد الرائع لقواتنا المسلحة التي تقوم بالتنفيذ بكفاءة عالية وحرفية مشهودة ومساحة زمنية محددة, إنها القوات المسلحة التي لا تحافظ علي الأمن القومي فقط ولكنها ترعي المصلحة الوطنية العليا في كل اتجاه.
سادسا ـ إنني أظن أن موضوع الألغام يحتاج منا إلي حملة دولية تطالب فيها' مصر' من زرعوا تلك الألغام سواء من دول' الحلفاء' أو' المحور' في الحرب العالمية الثانية لكي يكفروا عن خطاياهم ويعتذروا للأرض المصرية من خلال تحملهم نفقات إزالة تلك الألغام فذلك أقل ما يقدمونه للشعب المصري الذي استباحوا أرضه وشوهوا صحراءه, وإذا كانت استجابة تلك الدول محدودة فإن اللجوء إلي القانون الدولي المعاصر قد يعطينا السند الملائم في ذلك.
سابعا ـ لقد اتصل بي صديقي الكبير الفقيه الدولي د.' نبيل العربي' عندما قرأ لي مقالا في هذه الصفحة منذ عدة أسابيع ولفتت نظره فيه فقرة عن ضرورة السعي للحصول علي اعتذار من' بريطانيا' وشركائها عن جرائم الحرب علي أرضنا وزراعة الألغام في تربتنا, فإذا كان' الطليان' قد اعتذروا للقائد الليبي وبلاده فإن علي' البريطانيين' أن يعتذروا عن مذبحة' دنشواي' عام1906 ومؤامرة العدوان الثلاثي بعدها بخمسين عاما, وليكن اعتذارهم بالمشاركة الكاملة في نزع الألغام وتغطية تكاليف تلك العملية الباهظة الثمن ويكفينا ما فقدنا فيها من أرواح وأطراف بشرية طارت في الهواء عند انفجار تلك الألغام في أشقائنا من بدو تلك المناطق المتاخمة لمسرح العمليات في الحرب العالمية الثانية, ولا يتذرع الحلفاء بأن' مصر' أعلنت الحرب مع حليفتها' بريطانيا' ضد' المحور' فواقع الأمر أن' مصر' لم تكن حرة الإرادة ولا كاملة السيادة ولن أستطيع أن أفتي في ذلك فالأحق به والأولي فقهاؤنا القانونيون وفي مقدمتهم د.' نبيل العربي' الذي توج مسيرة حياته العملية المضيئة بأن كان قاضيا في' محكمة العدل الدولية' امتدادا لاسمي المرحومين د.' عبد الحميد بدوي' ود.' عبد الله العريان'.
تلك تصورات أطرحها بتجرد وموضوعية أمام الرأي العام المصري حتي نكثف الحملة الوطنية من أجل تعمير سيناء وإزالة الألغام من الصحراء الغربية بدلا من أن نتباكي.
عار الطوارئ
بقلم ك فهمي هويدي – الشروق
تأخرت كثيرا مظاهرة الاحتجاج على قانون الطوارئ التى يفترض أن تتجه اليوم إلى مجلس الشعب. وأقول يفترض لأن هذه هى النية التى أعلنها منظمو المظاهرة من النواب المستقلين والمعارضين والمتضامنين معهم من الناشطين المصريين.
ولكن لأنه فى المظاهرات تحديدا فإن الأعمال لا تتم بالنيات، ولكن لابد لها من تصريح وزارة الداخلية التى رفضت خروج المظاهرة، لأن من شأنها تعطيل المرور. والمرور كما اكتشف أحد الجهابذة أمس قضية سياسية تدخل فى صميم الأمن القومى ولا تقل أهمية عن مياه النيل، باعتبار أن «الانسياب والتدفق» يشكل قاسما مشتركا أعظم بين الاثنين!.
وأغلب الظن أن المؤرخين والباحثين سوف يحتارون كثيرا فى تفسير قبول المصريين واحتمالهم العيش فى ظل الطوارئ دون انقطاع طوال تسع وعشرين سنة، وهى سابقة لم تحدث فى التاريخ المصرى، فى هذا الصدد يذكر المستشار طارق البشرى فى دراسة له حول الموضوع، إن حالات الطوارئ كانت قد فرضت من قبل مع بدايات الحروب، فى بداية الحرب العالمية الثانية عام 1939، ومع حرب فلسطين عام 1948، وفى ظل العدوان الثلاثى على مصر عام 1956، و فى أثناء العدوان الإسرائيلى عام 1967.
وفى حالة الحربين الأوليين ألغيت حالة الطوارئ مع انتهاء العمليات العسكرية «سواء فى عام 1945 أو فى 1950». أما فى حالتى الحربين الأخيرتين فقد استطالت حالة الطوارئ مددا بعد انتهاء العمليات العسكرية، الأمر الذى يعنى أنها فرضت حقا لأسباب حربية، لكنها استمرت لأسباب داخلية لا تتعلق بالعمليات العسكرية.
أما آخر مرة فرضت فيها حالة الطوارئ فى عام ١٩٨١ فقد كانت مع انتهاء الحرب تماما، وتوقيع معاهدة السلام مع إسرائيل. أى أن العمليات العسكرية لم تكن وحدها التى توقفت، وإنما كانت حالة الحرب كلها قد انتهت (الرئيس السادات قال إن حرب أكتوبر هى آخر الحروب).
يضيف المستشار البشرى أن سلطة الطوارئ تقوم على وضع شبه نقيض لسلطات الدستور، إذ بمقتضاها يمكن تغيير الحريات والحقوق والضمانات المكفولة للأفراد والجماعات. ورغم أنها سلطة إدارية، ولكن بمقدورها إصدار التشريعات التى أناطها الدستور بالسلطة التشريعية المنتخبة. ويمكنها أيضا أن تشكل محاكم على خلاف قوانين السلطة القضائية، الأمر الذى يعنى أن حالة الطوارئ هى ضد الدستور ونقيضه.
ولئن كان أساتذة المنطق يعلمون طلبتهم بأن الضدين هما «ما لا يجتمعان ولا يرتفعان»، كالنور والظلمة، إذا وجد أحدهما غاب الآخر حتما. وإذا غاب أحدهما وجد الآخر حتما.. إلا أن حالة الطوارئ التى نحن بصددها غاية فى الغرابة ولم يعمل لها علماء المنطق حسابا، إذ إنها حالة أمرين متنافيين، كل منهما ينفى الآخر فى الواقع، ولكنهما يجتمعان معا ولا يرتفعان. ذلك أن الطوارئ من شأنها أن تنفى الدستور، كما أن الدستور من شأنه أن ينفى حالة الطوارئ، ولكنهما مع ذلك يوجدان معا فى حياتنا السياسية، التى صرنا نسميها أزهى عصور الديمقراطية.
استطرادا من هذه النقطة الأخيرة، فثمة مادة عجيبة فى قانون الطوارئ، تجعلنا نعيد النظر فى مفهوم كلمة «الزهو» وتشعرنا بالخجل والعار. ذلك أن المادة الثالثة من القانون تقول ما نصه: لرئيس الجمهورية متى أعلنت حالة الطوارئ أن يتخذ بأمر كتابى أو شفهى التدابير التالية: الأول هو: وضع قيود على حرية الأشخاص فى الاجتماع والانتقال والإقامة والمرور فى أماكن أو أوقات معينة. والقبض على المشتبه فيهم أو الخطرين على الأمن والنظام العام واعتقالهم.
والترخيص فى تفتيش الأشخاص والأماكن دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية، وكذلك تكليف أى شخص بتأدية أى عمل من الأعمال.
فقط أنبه إلى أمرين، أولهما أن ذلك كله يمكن أن يتم ليس فقط بأمر كتابى، وإنما بأمر شفهى أيضا، بغمزة عين أو إشارة بالإصبع، وثانيهما أن الرئيس بمقتضى النص له الحق فى أن يكلف أى شخص بتأدية أى عمل يخطر على باله ــ يا للعار!.
أمتنا: من الاختبار الأليم.. إلى المستقبل العظيم
أ.د عبد الحليم عويس.. المصريون
فى ساعات الشدائد تنكشف معادن الرجال... وقد نجحت أمتنا خلال القرن الأخير فى الاختبارات الصعبة. لقد بدأت فى ظروف نكداء، لكنها استطاعت أن تنفذ منها إلى الحفاظ على دينها ونشره كما تختبئ الشمس فى مطلع النهار خلف الغيوم ثم تظهر شيئاً فشيئاً وتمتد حتى تعم أرجاء الأرض. لم يستهن المسلمون بشىء، ولم يستعلوا على إضاءة شمعة فى وسط ليل بهيم. وهذه قصة نموذجية لرجل صالح فقير كان يرتاد مسجداً على شاطئ بحر مرمرة (بإسلام بول) وعز عليه وهو الفقير جداً أن يخلو هذا الشاطئ الممتد دون مسجد لمجرد أن سكانه من الماسونيين الأثرياء، ففكر فى هدوء فى أمر قادته إليه عناية الله بنجاح. كان يعيش فى منطقة الفاتح الفقيرة واسمه (خير الدين كجى أفندى). وكان (خير الدين) عندما تتوق نفسه لشراء فاكهة أو لحم أو حلوى يقول فى نفسه: (سأفترض أننى أكلته)، ثم يضع ثمن تلك الفاكهة أو اللحم أو الحلوى فى صندوق عنده.. ثم مضت الأشهر والسنوات وهو على هذا الحال، يمنع نفسه عن كثير من لذائذ الأكل.. وبالتالى تزداد النقود فى صندوقه الكبير شيئاً فشيئاً، حتى استطاع ذات يوم أن يشترى الأرض الصالحة للبناء، ثم أخذ فى بناء المسجد وحده دون طلب معونة من أحد.. ولمّا كان أهل المكان يعرفون فقر هذا الشخص، فقد فوجئوا بفعله هذا، ولمّا عرفوا قصته انبهروا بها، وأطلقوا على الجامع الذى تم بناؤه.. اسم (جامع كأننى أكلته). ومازال الجامع معروفاً بالتركية (جامع صانكى يدم). أى جامع (افترض أننى أكلت).. وهو دلالة عظيمة على ما يمكن أن يفعله الإنسان إذا تجنّب التبذير وحكم نفسه، وضبط سلوكيّاته، واتقى الله فى المال، وعرف أن الله سيسأله عن مصدره وصور إنفاقه يوم القيامة..! وقد بقى سلوك هذا الرجل الورع الفقير مثلاً يُضرب لما يمكن أن يفعله تجنب التبذير والإسراف.. وقد أشاد المفكر والإمام التركى (بديع الزمان سعيد النورسى) بهذا السلوك، وكان درس (كأننى أكلته) المسجد الحديث الذى نشاهده من بحر مرمرة يخاطب كل المسلمين قائلاً لهم: "كلما نادتكم اللذائذ.. ينبغى الإجابة بـ (كأننى أكلت) فالذى جَعل هذا دستورا له (يقصد خير الدين صاحب القصة)، كان بوسعه أن يأكل مسجدا سُمى باسم (كأننى أكلت) فلم يأكله! وهو درس فى الاقتصاد والزهد وقوّة الإرادة وتقوى الله، يجب أن يعيه كل المسلمين. الإنسانيّة والرّحمة والعفو فى الحروب من المعترف به من كُلّ المؤرّخين مسلمهم وغير مسلمهم كما يقول (بوزار) صاحب كتاب (إنسانية الإسلام) أن للإسلام آدابا ألتزم بها الرسول والراشدون والأمويون والأيوبيون والعثمانيون. وفى حروب صلاح الدين الأيوبى رضى الله عنه، قدّم صفحة رائعة من التّسامح والكرم مع غير المسلمين حيث عفا عن جميع الأسرى وكانوا مئات الألوف، وذلك على العكس من النصارى المحتلين عندما استولوا على أنطاكية وقتلوا عشرة آلاف، وعندما استولوا على بيت المقدس (وقتلوا سبعين ألفًا على الأقل).. وفى مقابل هذه الصفحة الرّائعة من الكرم والتّسامح مع الأعداء ركل القائد الإنجليزى (اللنبي) قبر صلاح الدين بقدمه عندما دخل دمشق، وقال: "لقد عدنا يا صلاح الدين"! وأظن أنّ كُلّ عاقل من حقّه أن يسأل: ماذا فعل صلاح الدين بهذا الجزاء؟ أم أنّ الأوروبّيّين يعدّون التّسامح وفك الأسرى وعدم مقابلة الموت بالموت والعنف نوعًا من الضّعف والخور؟! عماد الدين زنكى وابنه نور الدين لقد كان صلاح الدين الأيوبى (وآل زنكى من قبله) ثم الأسرة الأيّوبيّة بعد صلاح الدين هم - بحقّ - أبطال الدفاع عن الإسلام وإنقاذ المشرق الإسلامى من الغارة الصليبيّة.. ولهذا فهم مكروهون من الصليبيين مهما قدّموا من إنسانيّات وأخلاقيّات. تجربة صلاح الدين ولقد قدّم صلاح الدين مع نفسه وسلوكه الخاص، ومع جنده ومن حوله من المسلمين، ومع أعدائه، صفحة أخلاقيّة راقية تتجلّى فيها قيم الإسلام السّامية الرفيعة.. لقد نسى صلاح الدين تمامًا أموره الخاصّة، بل وعواطفه نحو الأمور الشخصيّة، وآثر ما عند الله ومصلحة الأُمّة على كُلّ شىء، لدرجة أن ابن أخ له- وكان عزيزًا عليه- مات، فأخفى صلاح الدين الخبر حتّى لا يؤثّر على مواجهة المسلمين للأعداء.. ولو تصفّحنا تاريخ صلاح الدين فى مواجهة الحروب الصليبيّة، منذ وطئت أقدامه أرض مصر، وخلال توحيده للشّام ومصر، لوجدنا أخلاقًا سامية، وإنسانيّة ورحمة مع حكمة وعقل وذكاء وغيرة على دين الله. لقد كان كثير العفو عن المسيئين إذا ظهر له صدقهم فى النّدم، وكان كثير العطف على الضّعفاء، سواء كانوا مسلمين أم غير مسلمين مكرمًا لكبار أعدائه إذا كانوا محترمين فى عداوتهم، غير منحطّين فى تعاملهم مع المسلمين أثناء الحروب (مثل أرناط الذى كان ينوى هدم الكعبة ويسبّ الرسول صلى الله عليه وسلم علنًا أمام المسلمين) وأسر أخت صلاح الدين ولم يقبل الإفراج عنها.. أما صلاح الدين فكان يستجيب لكُلّ استغاثة، وله فى ذلك قصص معروفة مشهورة، ومن أشهرها ما يروى من أنّه كان للمسلمين سرايا تدخل إلى العدو فتأسر منه كُلّ شيء وجدته، وفى ذات ليلة ؛ أسرت سريّة طفلاً له ثلاثة أشهر، وسارت به حتّى أتت إلى خيمة السلطان وعرضته عليه (وكان أفراد هذه السرايا يعرضون على السلطان كُلّ ما يأخذونه أو يأسرونه، فيثيبهم ويعطيهم ما أخذوه) لكن لمّا افتقدت الطفل أُمّه باتت مستغيثة بالويل والثبور فـى طول تلك الليلة، حتّى وصل خبرها إلى ملوكهم، فقالوا لها: "إنّ صلاح الدين رحيم القلب، وقد أذنا لك فى الخروج إليه، فاخرجى واطلبيه منه، فإنّه يردّه عليك"، فخرجت تستغيث ببعض قادة المسلمين، فأخبرتهم بواقعتها بترجمان كان يترجم عنها، فأطلقوها، وأنفذوها إلى السلطان، فأتته وهو راكب، فبكت بكاء شديدًا، ومرّغت وجهها فى التراب، فسأل عن شكواها، فأخبروه، فرَقّ لها، ودمعت عيناه، وأمر بإحضار الرّضيع، فمضوا فوجدوه قد بيع فى السّوق، فأمر بدفع ثمنه إلى المشترى وأخذه منه، ولم يزل واقفًا حتّى أحضروا الطفل، وسُلّم إليها، فأخذته وبكت بكاء شديدًا وضمّته إلى صدرها، والنّاس ينظرون إليها ويبكون، فأرضعته ساعة، ثم أمر بها فحُملت على فرس، وأُلحقت بعسكر الأعداء مع طفلها. دعاء ابن شداد لصلاح الدين ويعلّق ابن شدّاد على هذا الموقف قائلاً: فانظر إلى هذه الرّحمة الشّاملة لجنس البشر، اللهمّ إنّك خلقته رحيمًا فارحمه رحمة واسعة من عندك يا ذا الجلال والإكرام، وانظر كذلك إلى شهادة الأعداء له بالرّقّة والكرم والرّأفة والرّحمة عندما وجّهوا المرأة للذهاب إلى صلاح الدين.. وكان صلاح الدين مع المرأة كما وصفوا من الحب والرحمة.. وهكذا كان صلاح الدين دائمًا.. آية من آيات الله فى التّسامح والعفو والرّحمة، مع الشّجاعة والزهد والقوّة.. فرحمه الله رحمة واسعة.. والفضل ما شهدت به الأعداء. إبادة الأرمن للعثمانيين الأتراك لقد استغلّ الأرمن من مواطنى الدّولة العثمانيّة فى الحربين العالميّتين الظروف السّيّئة للدّولة العثمانيّة شعبًا وحكومة، ولم يقدّروا للمواطنة حقّها، كما أنّهم لم يذكروا أنّهم يعيشون فى هذه الدّولة منذ قرون حياة آمنة مطمئنّة.. وبتأثير من القوى الأجنبيّة أعلنوا التّمرّد ليس على الحكومة فحسب، بل على الشّعب المسلم البرىء، فهاجموا القرى وقتلوا الأطفال والنّساء والشّيوخ.. وعبثًا حاولت الدّولة العثمانيّة كبح جماحهم، إلاّ أن القوى الأجنبيّة كانت تغذّى فيهم روح الحقد والخيانة لحقوق الوطن، وتزكى فيهم الرّوح الصّليبيّة.. فاستمروا فى إغارتهم على القرى المجاورة لهم والمتاخمة للحدود الرّوسيّة..! فاضطرّت الدّولة العثمانيّة للسّماح للمسلمين بالدّفاع عن أنفسهم ومعاملة الأرمن بالمثل. فانتشرت بين الأتراك المسلمين والأرمن مذابح جماعيّة أبيدت فيها قرى بأكملها.. وكان الأطفال والنّساء والشّيوخ من جملة وقود هذه المعارك ! ورحمة المسلمين بالأرمن بواسطة بديع الزمان النورسى وقد وقف الدّاعية التّركى المسلم الكبير الشيخ سعيد النورسى (بديع الزّمان) ضدّ هذا الأسلوب، وحذّر المسلمين من مغبّة المعاملة بالمثل، كما منعهم من قتل الأطفال حتّى ولو قتل الأرمن أطفالهم؛ لأن هذا ليس من أخلاق الإسلام الحربيّة.. فالأطفال الأبرياء لا ذنب لهم ! وقد ذكّر بديع الزّمان سعيد النورسى المسلمين بما قاله الرسول [ وأبو بكر فى وصية من الوصايا للجيوش من أنه لا قتل للأطفال والعباد والشيوخ والنساء. فامتثل المسلمون الأتراك لأوامر الإسلام وكفّوا عن قتل أطفال الأرمن عندما يهاجمون قراهم ! ويقال: إن بعض الأرمن تأثّروا بهذا السّلوك الإنسانى الإسلامى.. وحاولوا كبح جماح قومهم.. لكن الحقد الصّليبى كان أقوى.. فقُتل كثير من أطفال المسلمين إلا أنهم آثروا الهجرة فى الشتاء القارس من خلال الجبال ولم يمت بعد ذلك أحد منهم.. ولم يندم المسلمون على ما فعلوه.. لأنّهم كانوا ينفّذون تعاليم رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم.. وعلى امتداد التاريخ الإسلامى بقى المسلمون آية فى التسامح، لكن الصليبيين لا يتعلمون، فلم يكفهم معاملة صلاح الدين الحسنة، وإنما هاجموا الأمة الإسلامية بضراوة لمدة قرنين ونصف، ولم يرحموا امرأة ولا طفلاً ولا شيخاً. وكانوا يقدمون فى كل مرة دليلاً على الإجرام والإبادة، فقد تعاونوا مع التتار فى تدمير الخلافة العباسية سنة 656هـ، وقتلوا فيها أكثر من مليون إنسان وجعلوها كأن لم تكن، ولم يرحموا حتى الخليفة الذى جاءهم مستسلماً، مع أننا نؤمن أن هذا الخليفة الشقى الخائن لدينه يستحق ذلك. وقد أنقذ الله المسلمين من الغارة التتارية على يد المماليك (الذين كانوا عبيداً) وانتصروا على التتار سنة 658هـ. وامتد التاريخ بعد ذلك فى العصر الوسيط الأوروبى فظلت السلوكيات الأوروبية والصليبية كما هى على امتداد القرون الوسطى، وما بعد القرون الوسطى، وعندما ظهر تخلف المسلمين ظاهرا نتيجة عدم فهمهم للقرآن والعمل به، وظهر على الشاطئ الآخر الأوروبى التفوق التقنى والعلمى الأوروبى الذى كان الأوروبيون قد تعلموه من المسلمين خلال عشرة قرون. كما ذكر المؤرخ الأوروبى الموسوعى "وِل ديوارنت"؛ أن المسلمين ظلوا أساتذة العالم عشرة قرون ميلادية. لكن الأوروبيين تنكروا لكل ذلك، وعندما اقتسمت بريطانيا العظمى وفرنسا وأسبانيا وهولندا العالم الإسلامى، واحتلته أبادت مئات الملايين. ويكفى أن نذكر أن بريطانيا العظمى كانت تجعل المسلمين مكان الحمير فوق الأماكن التى يُشتبه فى وجود القنابل المتفجرة تحت أرضها؛ لأن الحمار كان أغلى عندها من الإنسان المسلم. أما فرنسا فقد دخلت الجزائر بحادثة مضحكة، وهى حادثة المروحة، عندما سبَّ الحاكم العثمانى فى الجزائر المبعوث الفرنسى، فاستباحت احتلال الجزائر مائة وثلاثين سنة، قتلت فيها بأبشع الطرق ثمانية ملايين مسلم جزائرى. وعندما دخلت أسبانيا العالم الإسلامى كان لها نصيب من التدمير أقل من بريطانيا وفرنسا. أما إيطاليا فعندما دخلت المغرب العربى (ليبيا وتونس) أبادت عدداً من الملايين. وهكذا كانت صفحة الأوروبيين معنا عندما انتصروا. أما عندما عادت إلينا حريتنا فقد عاملناهم بكل رفق وتسامح... وهم يدخلون بلادنا العربية والإسلامية بطريقة لا يتمتع بها أبناء البلاد أنفسهم!!, وسواء تنكر الأوروبيون لحضارتنا أم لم يتنكروا فإننا سنبقى على مبادئ ديننا فى التسامح والعدل والرحمة بكل ما نستطيع فى حدود ضوابط شرعنا السمح الكريم. إن المستقبل لنا بإذن الله لأننا أثبتنا أننا أمة العدل المطلق والرحمة المطلقة فى إطار الضوابط الشرعية الرحيمة التى تتسع لكل البشر. إن البشرية فى حاجة إلينا لأنها ذاقت العذاب الأليم من الحضارتين الحديثة والوسيطة الأوروبيتين. فلم يبق إلا حضارتنا الإسلامية... إنهم يتحركون نحونا بسرعة هائلة لا يبصرها إلا العاقلون... وتحكمنا وتحكمهم فى ذلك معادلات أولاها التقدم العددى السكانى الهائل للمسلمين الذين لا يعرفون اللواط والزنا إلا قليلاً من الشذوذ... وذلك على العكس من الحضارة الأوروبية التى تعتمد اللواط والزنا قانونياً.. وتضاعف نسلها وهو يمضى فى ذلك بخطى واسعة لكن عدد المسلمين المتكاثر يمضى بأسرع من خطواتهم. ولذلك يتقدم الكثيرون منهم نحونا بخطى واسعة متجهين إلى الإسلام الذين يضمن لهم الحياة الآمنة. وتقول بعض التوقعات إنه لن يمضى أكثر من عقدين إلا ويصبح المسلمون أغلبية فى أوروبا وشواهد ذلك صحيحة. إن الإسلام قادم لقيادة العالم ولإنقاذ السفينة البشرية الموشكة على الغرق إلى قاع المحيط. فالأمل للبشرية هو هذا الإسلام وهم هؤلاء المسلمون الذين كانوا يُرمَون بالتخلف لكن عوامل التقدم ظهرت بقوة فيهم، لا سيما بين الأمة الإسلاية، ولن يمضى إلا قليلاً حتى تكون الأمة الإسلامية فى قمة التقدم بعد تخلصها من بعض الحكام الخائنين لأمتهم ودينهم، وتعود إلى مجدها فى قيادة العالم. ولعل العالم العثمانى المعاصر لنا فى أيامنا هذه بقيادة المؤمنين العظيمين العبقريين الطيب أردوغان وعبد الله جول أكبر دليل على ما نقول. فالمستقبل للإسلام والمسلمين بشهادات القرآن الحاسمة: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} (التوبة: 33) وشهادات الرسول [ الحاسمة: "لن تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فينطق الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبد الله، هذا يهودى خلفى فتعال فاقتله إلا الغرقد" (رواه مسلم) والغرقد شجر يميل إلى الباطل اليهودى. والتاريخ كله يدفع إلى هذا إلى أن وصلنا إلى عصر تركيا العثمانية المعاصرة.. والله غالب على أمره ولو كره الكافرون.
فلسطين في التاريخ القديم والحديث
د. محمد عمارة.. المصريون
في افتتاح الدورة الرابعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة ـ سبتمبر سنة 2009م ـ خطب بنيامين نتنياهو ـ رئيس وزراء الكيان الصهيوني ـ فدعا الفلسطينيين إلى الاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية. وقال ـ ما يردده الصهاينة منذ أكثر من قرن من الزمان ـ قال: هذه أرضنا.. وأرض أجدادنا!!.
وهذا الحديث عن "أرض الأجداد" يوجب علينا أن نذكّر نتنياهو بأنه ـ كأغلب حكام ومستوطني الكيان الصهيوني ـ هم غرباء عن أرض فلسطين، هاجروا إليها بعد تأسيس الحركة الصهيونية سنة 1897م.. وأنهم وآباءهم وأجدادهم لا علاقة لهم بالعبرانيين القدماء، لأنهم من "اليهود الخزر"، الذين هاجروا من روسيا القيصرية إلى وسط أوروبا، وتحالفوا مع الإمبريالية الغربية لإقامة كيان استيطاني، يقطع وحدة أرض الأمة العربية، ويكون قاعدة عسكرية للمد الاستعماري في الشرق الإسلامي، و"كلب حراسة" لإجهاض تحرر الأمة العربية ووحدتها ونهوضها ولذلك فإن أجداد نتنياهو لم تكن لهم علاقة بفلسطين في يوم من الأيام.
وإذا جاز لنتنياهو أن يدعي أن اليهودية ـ كدين ـ تؤسس له "نسبًا" وسلطته ـ وكيانه الصهيوني ـ بالعبرانيين القدماء، الذين عاشوا قديمًا على أرض فلسطين.. فإن من واجبنا أن نذكره بأن هذا الوجود العبراني القديم على أرض كنعان ـ فلسطين ـ قد كان وجودًا غازيًا.. وطارئًا.. ومؤقتًا.. تشهد على ذلك حقائق التاريخ، وحتى أسفار العهد القديم.
فاليهودية ـ التي يتخذها الصهاينة نسبًا للعبرانيين القدماء ـ قد نشأت ـ كدين وشريعة وتوراة ـ على يد موسى ـ عليه السلام ـ في القرن الثالث عشر قبل الميلاد ـ وموسى قد ولد ونشأ وبعث ومات ودفن بمصر.. ولم يكن لدينه أية علاقة بأرض كنعان ـ فلسطين ـ .. حتى أن التوراة قد نزلت على موسى بالهيروغليفية ـ لغته ولغة بني إسرائيل ـ قبل نشأة اللغة العبرية ـ التي هي في الأصل لهجة كنعانية ـ بأكثر من قرن من الزمان!.. وكانت أرض كنعان عربية قبل موسى بسبعة عشر قرنًا، وفي أسفار العهد القديم ـ كتاب نتنياهو ـ وخاصة أسفار "التثنية" و"العدد" ما يشهد على أن بني إسرائيل إنما دخلوا أرض كنعان ـ فلسطين ـ غزاة، وأنهم مثلوا لونًا من أبشع ألوان الاستعمار الاستيطاني، الذي أباد سكان عدد من المدن الكنعانية.. وأن هذا الوجود الاستيطاني العبراني لم يتعد مجرد لحظة من لحظات التاريخ العربي ـ القديم والعريق ـ لأرض فلسطين.. فالدولة العبرانية التي نجحوا في إقامتها بهذه الأرض لم يتعد عمرها 415 سنة ـ في القرن العاشر الميلادي ـ على عهدي داود وسليمان ـ عليهما السلام ـ بينما التاريخ المكتوب والمتواصل لعروبة القدس وفلسطين إنما يعود إلى الألف الرابعة قبل الميلاد، عندما بنى العرب اليبوسيون مدينة القدس ـ أي على ما قبل ستين قرنًا من التاريخ العربي المكتوب لهذه البلاد.
وإذا جاز لنتنياهو ـ وغيره من الصهاينة ـ أن يدعي نسبًا أبعد من عصر موسى، ويرجع بهذا النسب إلى إسحاق بن إبراهيم ـ عليهما السلام ـ فإن حقائق التاريخ تقول إن إبراهيم قد هاجر إلى أرض كنعان في القرن التاسع عشر قبل الميلاد.. أي بعد بناء العرب اليبوسيين للقدس بواحد وعشرين قرنًا! ـ ومن ثم فإن القدس وفلسطين عربية.. والأجداد الذين يضرب تاريخهم في أعماق تاريخها هم أجداد العرب الفلسطينيين.. بل لقد كانت هذه الأرض مباركًا فيها للعالمين قبل أن
يرحل إليها أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام: (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ), (الأنبياء ـ 71)
وإذا كان هذا هو حال الوجود العبراني ـ الغازي.. والطارئ.. والمؤقت ـ في التاريخ القديم الفلسطيني.. فإن التاريخ الحديث لليهود بهذه البلاد كان هامشيًا.. ففي منتصف القرن التاسع عشر الميلادي لم تزد نسبتهم في سكانها عن 2%.. وفي سنة 1918م كانوا 8% من السكان لا يملكون سوى 2% من أرضها.. وحتى في سنة 1948م ـ ورغم إعانة الانتداب البريطاني لهم على الاستيطان فيها ـ فإن نسبتهم في السكان لم تتعد 31% من السكان ، يملكون 6.7% من أرض فلسطين.
فلا واقع التاريخ القديم.. ولا واقع التاريخ الحديث يجعل لنتنياهو أجدادا ولا وجودًا ولا حقوقًا في أرض فلسطين.
مفاوضات طحن الماء
عبد الباري عطوان- القدس العربي
يبدأ السناتور جورج ميتشيل المبعوث الامريكي للسلام جولة مباحثات جديدة اليوم مع الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي للتمهيد للمفاوضات غير المباشرة التي سترعاها حكومته بدعم مما يسمى بلجنة متابعة مبادرة السلام العربية.
جميع الاطراف، سواء المؤيدة او الداعمة لهذه المفاوضات تؤكد ان فرص نجاحها محدودة للغاية، ان لم تكن معدومة، ولذلك فان السؤال الذي يطرح نفسه بقوة، هو عن الجدوى من الانخراط فيها؟
من الواضح ان الادارة الامريكية ترى ان حالة الجمود الحالية في العملية السلمية يجب ان لا تستمر، لانها ستؤدي الى حدوث فراغ سياسي يمكن ان تملأه قوى فلسطينية معارضة للمفاوضات، وتطور انشطة وفعاليات على الارض قد تتطور الى انتفاضة مفتوحة على كل الاحتمالات تقوض مكانة السلطة في رام الله، وتنسف مشاريع بديلها اي الدكتور سلام فياض رئيس الحكومة.
المسؤولون العرب الذين شاركوا في اجتماعات لجنة المتابعة العربية، ولبوا الطلبات الامريكية في اعطاء ضوء اخضر وللمرة الثانية باستئناف المفاوضات غير المباشرة، برروا مسلكهم هذا بالقول بان هناك اشارات مشجعة من ادارة الرئيس اوباما يجب التقاطها وتعزيزها وتوفير فرص النجاح لها.
نسأل وبكل براءة عن هذه الاشارات، فيأتي الجواب بالقول بان الادارة الامريكية قدمت ضمانات للجانب العربي حول وقف اسرائيل للاعمال الاستيطانية في القدس المحتلة، ونعيد السؤال بطريقة اخرى ونقول اين هي هذه الضمانات، فيقولون انها شفهية وغير مكتوبة وهي تكفينا على اي حال، وعليكم ان تتوقفوا عن دس انوفكم فيما لا يعنيكم، ونحن ننقل هنا عن مسؤول عربي كبير.
علمتنا التجارب مع الامريكيين، باداراتهم المختلفة، ان مسألة الضمانات هذه 'اكذوبة' كبرى خاصة اذا اعطيت للعرب، ولكنها ونقولها بكل اسف، ملزمة بالكامل، وتتحول الى تعهد يحمل صفة التعاقد، اذا ما صدرت لصالح الاسرائيليين او استيضاحا لبعض مواقف الادارة الامريكية، مثلما حدث بخصوص رسائل الضمانات الامريكية التي بعثت بها ادارة الرئيس جورج بوش الابن الى ارييل شارون بخصوص ضم الكتل الاستيطانية الرئيسية في القدس المحتلة.
فاذا كانت هذه الضمانات الامريكية بخصوص وقف الاستيطان في القدس المحتلة صحيحة، وجادة، فلماذا هي سرية، ولماذا لا تكون مكتوبة مثل نظيراتها الموجهة الى الطرف الاسرائيلي؟, فهل يعقل ان يشتري العرب 'سمكا في بحر؟.
فرق التبرير العربية الخاصة، تروج هذه الايام لمقولة تفيد بان ادارة الرئيس باراك اوباما ستعلن الطرف المعرقل للمفاوضات في حال انهيارها، وستذهب بعد ذلك الى مجلس الامن الدولي لاستصدار قرار يدين الاستيطان الاسرائيلي في القدس والضفة المحتلتين.
كلام جميل، ولكن من نوع شراء الوهم، وخداع النفس. فالسؤال لم يكن يتعلق باستصدار القرار، وانما ماذا سنستفيد منه، وماذا سيحدث بعده. هل ستتحرك الاساطيل الامريكية والبريطانية الى سواحل حيفا ويافا لتنفيذه بالقوة؟.
أشعر بالاهانة عندما يهدد امين عام الجامعة العربية السيد عمرو موسى بالذهاب بالقضية الفلسطينية الى الامم المتحدة ومجلس امنها، وكأن هذه القضية لم تكن موجودة فيها على مدى الستين عاما الماضية، حيث المناقشات المطولة، والخطب الرنانة (من يذكر البندقية وغصن الزيتون) واكثر من خمسة وستين قرارا، قرار ينطح قرارا.
خبراء نحت المصطلحات والتبريرات، وما اكثرهم في السلطة والجامعة العربية، يقولون لنا ان المفاوضات غير المباشرة اهم من تلك المباشرة.. كيف؟ يبتسمون بخبث ثم يقولون وكأنهم وجدوا المعجزة.. فتش عن الدور الامريكي فهذه هي المرة الأولى التي سيكون الوسيط الامريكي هو المشرف على هذه المفاوضات، والناقل للأفكار موضع البحث الى الطرفين.
انها جعجعة بلا طحن، ومفاوضات اشبه بخض الماء لاستخراج الزبدة، فلا الاسرائيليون يريدون وقف الاستيطان في القدس المحتلة، ولا السلطة قادرة على تقديم تنازلات جديدة، لانه لم يبق شيء تتنازل عنه.
الاسرائيليون يريدون الارض، وقد استولوا على معظم ما يريدون، ويبحثون حالياً كيفية التخلص من الشعب، وقد تكون الخطوة الاولى بأن يتركوا هذا الشعب يحكم نفسه على 'أرضهم' التي استولوا عليها، في اطار حكم ذاتي محدود في حدود هلامية غير محددة، واذا أراد ان يسميه دولة فليكن، او حتى امبراطورية فلا بأس. ألم يسموا اعضاء مجلس الحكم الذاتي وزراء بحيث يسبق اللقب كلمة 'معالي'، الم يكن المجلس التشريعي في الأساس، وحسب اتفاقات اوسلو مجلساً بلدياً او مجلساً للحكم الذاتي؟ تغير الاسم ولم تتغير الصلاحيات، ثم اختفى المجلس كلياً، بعد اعتقال رئيسه ونسبة كبيرة من اعضائه.
بنيامين نتنياهو يذهب الى شرم الشيخ ويلتقي الرئيس حسني مبارك في اجتماع مغلق اقتصر عليهما فقط، لماذا يكون الاجتماع مغلقاً اذا كان الهدف هو بحث عملية سلام علنية، لا بد ان هناك اموراً اخرى غير المفاوضات المباشرة وغير المباشرة، قد نعرفها لاحقاً عندما تقصف الطائرات الاسرائيلية جنوب لبنان، او تقتحم الدبابات قطاع غزة مرة اخرى. ولا نريد ان نذهب بعيداً ونقول قصف سورية وايران، فما يحدث حالياً في منطقة الخليج واعلامها من تحريض ضد سورية وايران وحزب الله يذكرنا بالفترة التي سبقت غزو العراق واحتلاله.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي سيقوم بالتفاوض مع الاسرائيليين، لا يملك شرعية دستورية فلسطينية تخوله الانخراط في هذه المفاوضات او التوصل الى اي اتفاقات، فسلطته لا تسيطر على جميع الاراضي الفلسطينية، ومدة رئاسته انتهت رسمياً في كانون الثاني (يناير) قبل الماضي، وحتى الفتاوى القانونية التي اصدرها فقهاء السلطة، وافتت بأن صلاحيته كرئيس انتهت مع انتهاء مدة صلاحية المجلس التشريعي اي في كانون الثاني (يناير) الماضي لم تعد تفيده مطلقاً، فقد انتهت مدة التمديد ايضاً.
فلا الرئيس يتمتع بالشرعية، ولا المجلس التشريعي، ولا المجلس الوطني، ولا اللجنة التنفيذية للمنظمة، وبالتالي لا شرعية لحكومة السيد سلام فياض المؤقتة التي تحولت الى دائمة، وبات هناك من يتحدث عن تعديلها. والأكثر مفارقة، ان هؤلاء يتحدثون عن وزارات 'سيادية'، وينسون ان الرئيس عباس نفسه يحتاج الى اذن لمغادرة مكتبه في رام الله من قبل عريف اسرائيلي في مكتب التنسيق.
انها مفاوضات طحن الماء، توفر غطاء لادارة امريكية قد تملك نوايا طيبة، ولكنها غير قادرة على ترجمتها افعالاً على ارض الواقع، وربما تأتي الطامة الكبرى عندما نكتشف ان الهدف الاساسي والحقيقي منها، اي المفاوضات، تقديم 'غطاء' لعدوان اسرائيلي قادم على سورية ولبنان تحت ذريعة صواريخ 'السكود' التي غيرت موازين القوى في المنطقة، وباتت تهدد الوجود الاسرائيلي برمته.
هنيئاً للعرب ولجنة متابعة مبادرتهم السلمــــية بهــــذا الانجـــاز الكبير في استئناف المفاوضات غير المباشرة، فقد ابدى وزراء الخارجية العرب شجاعة غير مسبوقة عندما اصروا على وضع سقف زمني لهذه المفاوضات مداه مئة وعشرون يوماً، وهي في رأينا كافية، ان لم تكن مقررة اساساً، لاكمال الاستعدادات الاسرائيلية للحرب.
عودة الى مقالات
|