|
ماما.. رئيسة للجمهورية بقلم/ هشام النجار
كثيرا ً ما تمنت والدتي الكريمة دخول المعترك السياسي والترشح في الانتخابات النيابية.. أسوة بما كان يفعله أبى الذي كان دائم الترشح.. وله كثير من المحاولات الطموحة والمشاغبة في هذا الشأن.
وبعد الثورة واتجاه كثير من القوى والحركات الإسلامية لتشكيل أحزاب سياسية.. والدخول في المعترك السياسي والحياة العامة وخوض الانتخابات البرلمانية.. سألتني الحاجة:
هل ستشكلون حزبا ً سياسيا ً؟!!
أجبتها وقد لمحت في عينيها تلك الأشواق القديمة التي أجهضتها أوضاع البلد المقلوبة: نعم!
قالت: ولكنكم ترون أن مكان المرأة هو البيت.. فلن تسمحوا لمثلى للترشح من خلالكم للبرلمان!!
ضحكت.. وبالمناسبة فأمي إنسانة عاقلة وراشدة وواعية جدا ً ومثقفة وقارئة جيدة ومتابعة جيدة للحوارات والمناقشات السياسية من خلال ما يعرض بوسائل الإعلام.. وهى أيضا ست بيت ممتازة.. وسألتها:
ومن أخبرك بذلك؟!!
قالت: سمعتهم يقولون ذلك في الفضائيات.
قلت: يا حاجة إذا اعتمدت على الفضائيات في تكوين رأى عام عنا فلن تصلى إلا إلى حقيقة واحدة.. وهى أننا أناس جامدون متزمتون نفكر بعقليات متحجرة.. ولا يرجى فينا ولا منا الخير والإصلاح.
واستشهدت بقول من قال:
إن يأذنوا ريبة طاروا بها فرحا منى وما أذنوا منا صالحا دفنوا
صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به وإن ذكرت بشر عندهم أذنوا
خاصة وأن خصوم التيار الإسلامي اليوم يستميتون في البحث عن أي شيء يدينون به الإسلاميين ويظهرونهم للرأي العام بصورة سيئة.. وكانت قضية المرأة على الدوام محورا ً للهجوم ومنطلقا ً للطعن والتشويه.
وذلك باتهام الإسلاميين بل اتهام الإسلام نفسه أنه يهضم حقوق المرأة ويحرمها من ممارسة حقوقها ويعطل مواهبها وقدراتها.. إلى آخر تلك الاتهامات الجاهزة والاسطوانة المشروخة.
سألتني الحاجة: وما هي الحقيقة إذن؟
قلت: وهل يعقل أن نقضى على نصف الأمة بالموت.. وأن نحرم الحياة السياسية من كل هذه الجهود.. وهذا الكم الهائل من الأصوات.. وتلك الأعداد الكبيرة من الكفاءات الموجودة في أوساط نسائنا؟
أما بالنسبة لخطاب الشرع فهو لا يتناقض أبدا ً مع خطاب العقل ومتطلبات الواقع.. فالمرأة كالرجل في التكليف إلا ما ورد صريحا ً بالاستثناء.
فالقاعدة العامة في الشريعة هي المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات.. وكل حق للمرأة المسلمة على الرجل يقابله واجب عليها نحوه.. وكل حق للرجل عليها.. هناك واجب عليه نحوها.. يقول الله تبارك وتعالى: "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ".
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد في مسنده: "إنما النساء شقائق الرجال".
وقال سبحانه : "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ".
وهذا النص يدل بوضوح على أن القرآن الكريم حمل الرجل والمرأة معا مسئولية إصلاح المجتمع وتقويمه في كل نواحي الحياة من خلال ما يعرف في الشرع باصطلاح "الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر" .
ودور المرأة المسلمة المأمول في الحياة العامة وإصلاح المجتمع ودورها في الاختيار والتصويت لمن ترشحه.. ويقع عليها اختيارها لمن يمثلها في البرلمان مبنى على أن عملية الانتخاب هذه ما هي إلا توكيل.. والمرأة في الإسلام ليست ممنوعة من أن توكل إنسانا ً بالدفاع عنها وعن حقوقها والتعبير عن آرائها وقناعاتها وأفكارها.
كما أن دورها المأمول في المشاركة والمنافسة في الحياة السياسية.. وطموحها في أن تكون عضوة بالبرلمان للقيام بدور مراقبة السلطة التنفيذية مبنى على أمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لعموم الأمة رجالها ونسائها بالنصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم (في الحديث الذي رواه الإمام مسلم):
"الدين النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم".
فلم يجعل النبي أمر النصح والمراقبة للسلطة التنفيذية للرجال وحدهم.. بل للنساء أيضا ً.. وتعلمين قصة المرأة التي راجعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجعلته يرجع عن قانون كان بصدد إصداره.. وقال رضي الله عنه: "أصابت المرأة وأخطأ عمر".
وقبل أن استطرد سألتني أمي: إذن قامت النساء فعلا ً بهذا الدور السياسي في صدر الإسلام؟
قلت: هذه الجزئية كنت سأحدثك فيها لأن هناك من يدعون أن المرأة في عهد النبي (صلى الله عليه وسلم).. وفي عهد الخلفاء الراشدين قد منعت من القيام بهذا الدور وحرمت من تلك الحقوق.. بالرغم من وجود نوابغ ومثقفات وفقيهات وعقليات نادرة بين النساء في ذلك العصر.
سألتها: فما قولك ورأيك في مراجعة أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها للنبي (صلى الله عليه وسلم) ونصيحتها له في صلح الحديبية.. وما ترتب على هذه المراجعة وهذه المشورة من مصلحة للأمة كلها؟!!
وما قولك ورأيك في إبداء المرأة رأيها في الشأن السياسي في عهد الخلفاء الراشدين.. فهذه زوجة الخليفة الراشد عثمان بن عفان تشير عليه بالرأي في الأمور العامة.. فلا يعترض.. بل كان يشجعها ويعمل أحيانا بما تشير به؟!!
بل ما قولك في خروج أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من بيتها بالمدينة المنورة إلى البصرة على رأس جيش فيه كثير من الصحابة الكبار رضوان الله عليهم.. وذلك للمطالبة للقصاص من قتلة عثمان بن عفان رضي الله عنه.. وقد كان تحركا ً سياسيا ً بامتياز.. وإن أخطأت فيه أم المؤمنين التقدير.. وقد ندمت بعد ذلك وراجعت نفسها على هذا الخطأ في التقدير السياسي؟!!
على الرغم من أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها مشمولة بخطاب القرآن الكريم الموجه لأمهات المؤمنين في قوله تعالى: "وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ".
قالت أمي: وماذا عن هذه الآية الكريمة؟
قلت: هذا الخطاب القرآني بحسب سياق الآيات موجه فئ الأساس وخاص بأمهات المؤمنين ونساء بيت الرسول.. والمراد بالقرار ليس المكوث في البيت بصفة نهائية.. بل المراد – كما قال المفسرون – هو الاستقرار الذي يحصل به وقارهن وامتيازهن على سائر النساء بملازمتهن البيوت في أغلب الأوقات ما لم تكن ثمة حاجة ملحة لخروجهن.
وتعلمين أن نساء بيت النبوة وأمهات المؤمنين لهن امتيازهن ووضعهن الخاص وعليهن من الحرمة ما ليس على غيرهن.. ولهن الأجر المضاعف إذا أحسن العمل.. وعليهن العقوبة المضاعفة إذا أسأن.. والله تبارك وتعالى يقول : "يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء".
ورغم ذلك الخطاب القرآني بالقرار في البيت الموجه لأمهات المؤمنين.. فإن ذلك لم يمنع أم المؤمنين عائشة من الخروج لمباشرة حقوقها السياسية وحقها في التعبير عن رأيها وموقفها من قضايا الأمة وأحداث الساعة.
وإذا أكملنا الآية لفهمنا ما فهمته أم المؤمنين بأن القرار ليس معناه المكوث في البيت والحرمان من مباشرة الحقوق.. إنما الخروج للمشاركة في الحياة العامة ودعم جهود الرجل في إصلاح المجتمع هو الأساس بشرط الالتزام بالحشمة والسلوك القويم.. وعدم الخروج كما كانت تخرج المرأة في الجاهلية الأولى سافرة متبرجة.
فقال سبحانه: "وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى".
والنهى عن التبرج في الآية الكريمة لا يكون خارج البيت.. فالتبرج بطبيعة الحال مباح للمرأة داخل البيت.. فكيف نفهم الجمع في آية واحدة بين الأمر بالبقاء في البيت وعدم الخروج إلا لضرورة قاهرة.. وبين عدم التبرج ووضع الزينة؟!!
قلت لأمي:
وهناك استدلال أيضا بقول الله عز وجل "وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ" والدرجة هنا مرتبطة بمسئولية الرجل في الإنفاق والقيام بشئون الأسرة.. كما قال تعالى: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ".. ورئاسة البيت ليست تفضيل لجنس الرجل على جنس المرأة فهما ينحدران من نفس واحدة.
وهو أيضا ليس استبدادا ً ولا قهرا ً ولا تهميشا ً ولا إقصاءً وإهدارا ً لحقوقها.. فالإسلام يمنع الرجل من الولاية على مال زوجته.. ولا يجعل له سلطانا على دينها.. والسلطة التي أعطاها الإسلام للرجل في البيت مقابل المسئولية التي حملها وفقا ً للقاعدة الشرعية التي تقول "السلطة بالمسئولية".
فالرجل هو المسئول وهو رب الأسرة.. وللمرأة أيضا ً دورها الذي لا ينكر.. ورأيها الذي يؤخذ به في معظم المسائل والأمور المتعلقة بالعائلة والمعيشة وتربية الأولاد .. الخ.
وهذا يعنى أن هذه الآية لا تتعلق بالولاية والسلطة خارج نطاق الأسرة.. حيث لم يرد شرعا ً ما يمنعه.
سألت أمي: كيف ذلك والرسول صلى الله عليه وسلم قال "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"؟
قلت: هذا الأمر متعلق برئاسة الدولة.
فالقاعدة العامة هي المساواة في الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة إلا ما استثنى بنص.. وقصر الرئاسة على الرجل دون المرأة يعد استثناءً من القاعدة العامة.. والاستثناء لا يجوز القياس عليه كما قرر علماء الأصول.
إذن فللمرأة كامل الحقوق السياسية من التصويت والترشح للمناصب العامة في السلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية..ما عدا منصب رئاسة الدولة.
قالت أمي وهى تستدعى علامات الإحباط:
إذن فليس من حقي الترشح لرئاسة الجمهورية.. هناك من أراه أقل منى من الرجال في المدينة قد رشحوا أنفسهم لهذا المنصب؟!
ضحكت وقلت: "رئاسة الدولة مرة واحدة"!!
وعلى العموم فهذه المسألة أيضا محل خلاف ونظر من الناحية الشرعية.. لأن هناك من يقول بأن هذا الحديث مجرد إخبار من الرسول (صلى الله عليه وسلم) لأصحابه عن عدم فلاح الفرس بعدما وصله نبأ توليتهم لابنة كسرى ملكة عليهم.
وهذا الإخبار لا ينبني عليه حكم أو إلزام للمسلمين بعدم تولية المرأة.. خاصة وأن هناك إخبار في القرآن الكريم عن امرأة أخرى قد تولت الحكم في قومها ولم يكن حالها كحال ابنة كسرى.. بل أنها قادت قومها بحكمة وحنكة ورشد كأفضل ما تكون القيادة.
وتلك المرأة هي بلقيس ملكة سبأ التي ذكر ربنا قصتها مع نبي الله سليمان عليه السلام في سورة النمل.. والتي قادت قومها إلى خير الدنيا والآخرة بعد أن أعلنت إسلامها مع سليمان لرب العالمين: "رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ".
وقد استدل أصحاب هذا الرأي بقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في هذا الحديث الذي ذكرتيه.. والذى رواه الإمام البخاري عن أبى بكرة: "ولوا أمرهم"..على أن الحديث هنا متعلق بالولاية الكبرى أو الإمامة العظمى التي ليس لها وجود الآن بعد سقوط الخلافة.
بمعنى أن المسألة محل خلاف من الناحية الشرعية في جواز تولى منصب رئاسة الدولة.. وهو بالطبع دون الولاية الكبرى أو إمامة المسلمين.
ولكن من الناحية العملية الواقعية فرئاسة دولة بحجم مصر.. مع تحديات اللحظة الراهنة وعظم المسئولية وحجم المشاكل والتحولات والأعباء والمطالب.. مع تربص الأعداء والخصوم ومساعيهم الحميمة في إفشال مسيرة النهضة ومحاولاتهم المستميتة لإجهاض انجازات الثورة المصرية.. كل ذلك يفوق قدرات المرأة وطاقتها و.... .
قاطعتني الحاجة قائلة: ما دام الأمر محل خلاف شرعي بين العلماء فاترك الواقع هو الذي يحكم على قدرات الرجل والمرأة.. ومن منهما باستطاعته النهوض بمصر في هذه المرحلة وهزيمة أعدائها المتربصين بها.
قلت: أفهم من ذلك أنك قررت خوض التجربة!
قالت: أفكر بجدية!
سألتها عمن تقدموا للترشح للمنصب حتى الآن.. ألا يعجبها منهم أحد؟
وماذا عن بثينة كامل؟
قالت: إن لم يترشح العوا فسأتقدم أنا لا محالة "هي من محبي فضيلة د/ محمد سليم العوا"!!
قلت: إذن ليس أمامي إلا أن أقنع الدكتور العوا بالترشح.
الاثنين الموافق
5-7-1432هـ
6-6-2011
عودة الى الأسرة المسلمة
|