|
يوم النصر.. ووقفة نصارح فيها أنفسنا بقلم أ/ سميرة خليل 
يوم النصر
يوم العيد
يوم "الحادي عشر من فبراير"
ذلك اليوم الذي انتابت فيه مشاعر الفرح كل ذرة في جسد مصرنا الحبيبة.. فرح الشباب والشيوخ.. فرح الأطفال.. فرحت الطيور.. فرحت مآذن المساجد وجدران الكنائس.
فرح كل شيء فهناك نسيم جديد يتنفسه الجميع .. هناك نسيم جديد يتنسمون فيه عبق الحرية وكأن الجميع كان يعانى.. ولكن:
أين كان الجميع؟!!
لماذا كان الكل يميل إلى الصمت؟!!
الجميع مستسلمون إلا من محاولة يائسة كمن ينادى ويستغيث من تحت الأنقاض طالبا العون.. ولكن:
من يسمع؟!!
ومن يجيب؟!
كان صباح ذلك اليوم غامضا ً مبهما ً كمثيله من الأيام "الثمانية عشر" عمر ثورة الشباب ثوار "الخامس والعشرين من يناير".. ولكن كانت الآمال والآلام والرجاء واليأس والحزن والسعادة أحيانا.. جميعها مشاعر تنتابنا جميعا ونحن في انتظار ساعة النصر.
تلك التي ننتظر فيها أن يطل علينا حاكم البلاد وقتها ملبيا دعوة الجميع له بالتنحي لعل شمساً جديدةً ترسل أشعتها الدافئة على الشعب.. الذي عانى كثيرا ً تحت وطأة غيوم الظلم ورعد السلطة وأمطار قانون الطوارئ التي ظلت تهطل على رأس الشعب طيلة أعوام وأعوام دون كلل ولا ملل من منفذيها.
وأخيرا ً.. وفى لحظة غروب الشمس في ذلك اليوم "يوم الحادي عشر من فبراير".. في ذلك اليوم المشهود أشرقت شمس الحرية.. وجاء القرار بالتنحي على لسان نائب الرئيس وقتها.. ورنت زغاريد النساء في كل مكان.. وهتف الجميع:
"تحيا مصر .. تحيا مصر"
وخرجت كل فئات الشعب إلى الشارع.
نعم.. لا يبغون أن تحتجزهم جدران المنازل من مشاركة المتجمهرين في كل مكان.. ود الجميع أن لا يكون هناك حائلا يمنعهم من الإحساس الحقيقي بالفرحة.. وامتلأت الشوارع بالناس جميعا يهتفون .. يزغردون .. يتغنون باسم مصر وحب مصر.. وبقدوم الحرية التي ظلوا ينشدونها أعواما وأعوام.
رقص الشباب وهللوا عند الحصول عليها.. وراحوا يطلقون الألعاب النارية إلى السماء معلنة ميلاد عهد جديد.. عهد العدل وموت عهد الظلم والذل والعبودية.
ظل الناس جميعا ً يحتفلون طوال ليل هذا اليوم.. وكأن الجميع في حلم جميل.. خائفين أن يفيقوا منه وكأنهم يرفضون العودة لمنازلهم.. خشية أن يفيقوا إن ناموا وصحوا ولم يجدوا شيئاً مما هم فيه الآن.. ولكن كانوا من وقت لآخر يذكرون نفسهم مهللين:
"انتصرنا .. والله العظيم انتصرنا".
وآخر ينادى:
"يا جماعة أيه الحكاية.. أحنا بجد انتصرنا ولا أنا أتجننت.. ولا أيه؟".
وثالث يغنى مع الأغنية:
"يا حبيبتى يا مصر يا مصر"
ورابع يسير وسط السيارات التي كانت تهتف بدورها معلقة الأعلام ومعه "أسبراي" أعياد الميلاد ويكتب به على كل سيارة كلمة واحدة:
"مصر"
تسير جميع السيارات ببطء شديد من شدة التلاحم بالشارع.. فأنت إذا نزلت الشارع في ذلك اليوم لا تستطيع أن تخرج منه إلا بصعوبة بالغة.. تسير مع السائرين .. تهتف مع من يهتف.. تغنى مع من يغنى .. تشترى الأعلام وتلوح مع الملوحين بالأعلام .. أنت كبير.. أنت صغير.. أنت مسن.. أنت شاب.. أنت فتاة.. أنت عجوز.
كل ذلك غير محسوب أو محسوس.. فالجميع اليوم فرحون.. يشتركون جميعا في السعادة.
حتى أهالي الشهداء كانوا فرحين.
نعم.. كانوا فرحين لأنهم رأوا بأعينهم ثمار استشهاد ذويهم.. ونعلم جميعا أن ثمن الحرية غال.
اللهم ألهمهم الصبر.. وارحم الشهداء الأحرار الذين راحوا ضحية الغدر والخيانة.. اللذان نأمل جميعا أن لا نعانى منهما مرة أخرى.
ونشكر الله سبحانه أن خلصنا من تلك العناصر الخائنة التي امتلكت زمامنا على مدى عشرات السنين ونحن نئن.. ولكن دون أنين يسمع.. ونبكى لكن دون دموع تري.. ونصرخ لكن دون أصوات تسمع.
فكيف تصدر لنا أصوات ونحن في ظل قانون يمنع الجميع من الاعتراض أو الأنين؟!!
كيف نهتف ضد الظلم ولمن نهتف..للظالم؟!!
كيف؟!!
لن يتركنا نعترض.
إذن.. فلنتألم في صمت.. حتى أصبحنا نتعايش مع الظلم.
فما البديل؟!! إن تكلمت سوف تسكت بصوت قانون "الطوارئ".
فلنسكت.. بمزاجنا أفضل.. ونهمس بعضنا للبعض: وآخرتها أيه؟!! تعبنا.
ولم ندرى جميعا ً أن أبنائنا قد اختاروا.. الكلام وليس الصمت.
اختاروا.. المطالبة بحقوقنا وحقوقهم.
أختاروا.. أن يقولوا لا للظلم.. لا للطوارئ .. لا للمحسوبية.. لا للعيش على الفتات وبواقي الموائد التي يمن بها ولاة الأمور علينا.. لا للصمت على حقوقنا بعد اليوم.
ولا أخفى عليكم فقد جاءت الـ "لا" بعد غيبوبة طويلة غاب فيها الناس عن حقوقهم المنهوبة.. وجاءت ثورة الشباب لننهض بها من غفوتنا التي كانت.. ولم يعد مستحيلا ً بعد دماء الشهداء.. وبعد أن تنفسنا عبق الحرية أن نتنفس غيره بعد اليوم.
بعد أن قال أبناؤنا: "لا".
بعد أن قالوا: "لا.. دون خوف".. معلنين أنهم فداء للحرية.
في الحقيقة .. كلنا فرحنا بالنصر.. ولكن كل فرح بطريقته.
"الشباب" فرح وراح ينظف المكان ويدهن الأرصفة.. وكأنه ينظف بيته ويرتبه لقدوم الضيف الجديد "الحرية".
"الأمهات والآباء" فرحوا بوقف نزيف الدم الذي كان محتملا أن يمتد لأيام أخرى.. واحتمال ازدياد أعداد الشهداء.
"رجال الأعمال الشرفاء" فرحوا متمنين حظ أوفر في ظل عهد ماتت فيه المحسوبية.
"الفقراء" منوا أنفسهم بسعة من العيش بعد أن كانوا يمسون ويصبحون يفكرون في طابور رغيف العيش.
"الموظفون" باتوا يفكرون في ارتفاع مرتباتهم ورفع الظلم عنهم.. فسوف يرفعون أصواتهم ضد أي فساد دون خوف ورعب من محاسيب البهوات ملاك الأمر.. الذين تعودوا أن يتسلقوا على حساب الآخرين لينالوا الرضا.
ولكن لي هنا وقفة.. تعالوا معي نتكلم بصراحة.. كلنا مظلوم .. لا يكفيه مرتبه ولكننا نعيش.
ألا يجدر بنا أن نتأنى قليلا ً في المطالبة بحقوقنا التي نعرف جميعا أننا سوف نحصل عليها ولكن بعد أن نعطى بلدنا الحبيب فرصة لالتقاط أنفاسه؟!!
ألا يجدر بهذا الشعب الذي عانى أن يصبر حتى نستطيع أن نمسك بزمام الأمور؟!!
كلنا عانى الأمرين.. ولكن هل يستطيع الأب أن يزيد المصروف لأبنائه كلهم مرة واحدة دون أن يزيد مرتبه.. بل وهو مسروق جزء من راتبه؟!!
اليوم الدولة فقدت الكثير من دخلها الذي تأثر نتيجة ما عانته طيلة ثمانية عشر يوم "عمر الثورة".. وما نتج عن تلك الأيام من معاناة خسرت فيها الدولة الكثير من الدخل في مناح كثيرة من اقتصادها.
فهل كثير على بلدنا الحبيب أن يلتقط أنفاسه ثم نطالب بحقوقنا التي سوف نحصل عليها في أقرب وقت ممكن بإذن الله.. بعد أن رتقنا كيس النقود الذي نأخذ منه رواتبنا؟!!
نعم.. فمن اليوم كل خير بلادنا سوف يعود إلينا بإذن الله تعالى.. وليس هناك فتق في كيس الميزانية يتسرب منه دخلنا للجبناء المحتالين الذين تعودوا أن يسلبونا حقوقنا.
لم يعد هناك من يسطوا على حقوقنا ليجمع المليارات وينعم بها.. والناس تهلل فرحة بالملاليم التي يلقونها لهم.
ولكن.. المهمة صعبة.. هناك واجبات علينا حتى نقطف ثمار الثورة أهمها:
لا نسكت إذا وجب الكلام.. فليس هناك ما نهابه وقد رأينا ذلك بأم أعيننا فيما فعله أبناؤنا حين قالوا لا للظلم.
أدعوكم للعمل بجد واجتهاد حتى نعوض ما فاتنا وأثر علينا في الأيام القلائل الماضية.
وكذلك نعوض ما سرقه الخائنون من ثرواتنا ولا نيأس.. فإن بلادنا معطاءة وخيرها لا ينضب.. ولا بد أن تتحسن أحوالنا قريبا جدا بعد أن أقصينا الخائنين من بيننا.
تعالوا نتكاتف ضد من يحاولوا نشر الفتنة بيننا.. فالثورة ملكنا جميعا مسلمين ومسيحيين.. وليعلم الجميع أن الدين لله.
والإسلام دين "السماحة".. وقد اعترف بالأنبياء جميعا ً وجاء متمماً لدعوتهم.. وبذلك فهو يرفض الحرب التى تثيرها عصبية الأديان.. لذا وجب علينا أن نتصدى لمن يتخلل صفوفنا مفسدا ً علينا وحدتنا.. وليكن أبناؤنا المسلمين والمسيحيين في أيام ثورتهم قدوة لنا في أيامنا المقبلة.
تعالوا نتفق أن لا نغمض أعيننا إذا ما رأينا أي عنصر فاسد ونمنعه أن يتواجد بيننا.. حتى لا ينمو ويزيد ويخنق أنفاسنا من جديد.
تعالوا نلغى من قاموس حياتنا كلمات يجب أن تمحى "وأنا مالي .. معلش .. مشى حالك.. فوت.. شوفوا بحاجة.. بسيطة .. ألخ".
تعالوا نذاكر بجد.. مش نحفظ ونجيب مجموع ومش عارفين حاجة..
لا.. نذاكر بجد ونبدع وننتج ونطور من أجل بلدنا.. ولكي نكون جديرين بالمولود الجديد الذي جاء على أيدي أولادنا .
نعم.. نكون جديرين بالحرية
وللحديث بقية
| الإسم | أسامة عبد العظيم |
| عنوان التعليق | بركاتك يا ثورة |
| يبدو أن الثورة المصرية ألهبت مشاعرنا وأطلقت عنان أقلامنا التي كادت تتوقف في ظل النظام السابق .. وحقا فلتلك الثورة بركات يراها كل مصري محب لوطنه حريص على مصلحته .. أوافق صاحبة المقال فيما ذهبت اليه فلابد من بعض التأني حتى تلتقط البلد أنفاسها ولكن مع مزيد من الحذر والتيقظ لمحاولات الالتفاف على الثورة أو اختطافها والتأهب للدفاع عنها وعن مكتسباتها بكل قطرة دم إذا بدا في الأفق بوادر غدر أو تباطؤ |
| الإسم | أحمد محمود بدير |
| عنوان التعليق | تعليق بسيط |
| تعليق بسيط على المقال فقط لنكون أكثر دقة فى وصف الحدث ..فإن جدران الكنائس لم تكن فرحة بالثورة وليس أدل على ذلك طلب البابا شنوده نفسه عدم المشاركة فى المظاهرات وإعلان تأييده لحسنى مبارك وذلك قبل تنحيه بأيام قلائلا ومن خرج من الأقباط فى الثورة خرج على غير رغبة الكنيسة أما موقف الكنيسة الأخير فى تأييد الثورة فمن باب مجبر أخاك لا بطل وأعلم أن كلامى هذا لا ينبغى ان يذكر فى مثل هذه الظروف ولكن إما أن نذكر فى إعلامنا الاسلامى الحقيقة أو نترك الحديث لغيرنا حتى لا نتشبه بالتلفزيون المصرى أثناء الثورة المباركة |
عودة الى الأسرة المسلمة
|