|
قصص قطار أسيوط: محمد حقق حلمه.. وسارة : إخواتي عند ربنا كتب/ محمد جلال - أسيوط
ماذا إذا فقد أحدنا ابناً له في حادث؟!! كيف يكون حاله وردود أفعاله وحجم ألمه وحزنه؟!! فماذا لو فقدَ الواحد منا اثنين من أبنائه في حادث؟!! ماذا يقول وماذا يفعل.. هل يسخط.. هل يتفوه بكلمات تغضب ربه جل وعلا؟!! لكن ماذا لو فقد أحدنا ثلاثة دفعة واحدة من أبنائه في حادث! بماذا تُراه يشعر وكيف علاقته بالآخرين.. هل يصمت فلا يحدث أحداً.. هل يصيبه الذهول؟!!.
والأجواء والمناخ يساعد على تنفيس شحنات الغضب.. وهناك ألف جهة ستتبنى غضبك وثرتك وتوجهها كما تشاء في الجهة التي تريد.. وهناك عشرات الفضائيات التي تنتظرك لتصور غضبك وتكرره وتسلط الضوء على مأساتك وتوظفها جيداً جداً تبعاً لأجندتها السياسية.
إنها والله قصة أغربُ من الخيال قلما تتكرر في عالم البشر.. بل إنها لعالم اليوتوبيا والمثال أقرب من الواقع إنها قصة تلك الأسرة التي فقدت ثلاثة من أبنائها دفعة واحدة في حادث قطار أسيوط.. وقد أصاب قدرُ الله تعالى أسرة مؤمنة قادرة على تحمل واستيعاب هذا الحدث الجلل الكبير.. بدون نوبات سخط ولا تشنج ولا تمرد ولا جنون..وبدون أي بحث عن مغانم ولا مصالح ولا رائحة استغلال للحادث.. إنما تسليم تام لأقدار الله ورضا تام عن الله تبارك وتعالى وتفويض تام لأمره.
تعالوا نقترب من تلك القلوب المطمئنة الراضية لنئتنس أولاً بنور إيمانها الفطري الجميل.. ولنتعرف ثانياً على الكثير من أسرار وملابسات هذا الحادث الفاجعة.. وكيف استقبله هؤلاء النفر الزاهد في نعيم الدنيا.. المحب لدينه الحريص على وطنه.
وحتى ندرك جيداً الفارق الكبير بين رجل كهذا الذي نستضيفه هو وأسرته النادرة الرائعة اليوم على موقع الجماعة الإسلامية.. وبين غيره من أصحاب المصالح الدنيئة والوضيعة الذين يوظفون مثل تلك المآسي الإنسانية توظيفاً سياسياً للاصطياد في الماء العكر.. تذكروا فقط أن أحد المذيعين صرح قائلاً : "لو قتل ابن لي في حادث القطار.. لقتلت رئيس الحكومة"!! .
وفي حوارنا المُثير مع أسرة أشرف "والد" الضحايا الثلاث سألناه عن أغرب المواقف التي واجهها وعايشها في هذه الفاجعة وفى هذا المصاب الجلل .. فأجاب قائلاً :
محمد يأتي لشقيقته في المنام ويخبرها "أنا حققت حلمي"
محمد ابن الـ13عام يأتي لـ "خالته" في المنام ويخبرها:
أنا نجحت.
ولـ "أخته/ سارة":
"بلغي ماما لا تبكِ أنا حققت حلمي".
"محمد".. حافظ القرآن الكريم الأول في الذكور لوالده "أشرف هاشم علي".. من "الحواتكة".. يعمل رقيب شرطة في نقطة شرطة نجع سبع.. والد ضحايا أتوبيس قطار الصعيد ضرب هو وزوجته أروع أمثلة الإيمان والرضا بقضاء الله وقدره.. بالرغم من أن الدموع غلبت عينيه في معظم اللحظات وانهمرت منه.. ولكنه أكد أن:
ذلك مكتوب ويؤمن به وليس عامل المزلقان أو الوزير أو المحافظ يستطيع أن يرد قضاء الله.
أما والد محمد وهاشم وأحمد.. فيتمني أن ترافقه جدتهم في العمرة.. وعن اتصال وزير الداخلية اللواء احمد جمال يقول أشرف:
أخبرني أني سأذهب للعمرة أنا وأسرتي.. فرجاء منى أن يسمحوا لزوجتي وجدة محمد أن تأتي معنا وأمانة عليكم إيصال صوتنا لمعالي الوزير.
سألناه كيف تلقيتَ الخبر وكيف تعاملت معه؟
عرفت الخبر الصبح الساعة 7:30.. وقلت لزوجتي في التليفون: ده خبر علي الصبح.. تلاقيها شيء بسيط.. قالتلي: طيب روح واطمن أنا قلبي واكلني علي العيال.
واتصلت بالنجدة سألتهم: فيه إصابات.. ردهم كان صاعق قالوا: فيه حد علي قيد الحياة.. ورحت لكوبري المندرة شفت مناظر بشعة.. ولما عرفت أن فيه ناس أحياء قلت يا رب ألاقي حد منهم.. وملقتش حد منهم حي.. واتعرفت عليهم في المشرحة.
والحمد لله يا رب أجرنا في مصيبتنا.. لك ما أعطيت ولك ما أخذت.. دول عطيتك.. يا رب ياخدوا بادينا للجنة.
حدثنا عنهم .. عن دراستهم ومواهبهم واهتماماتهم؟
كلهم كانوا يدرسون في المعهد الديني ببني عدي محمد 13 عام بالصف الأول بالمرحلة الإعدادية.. هاشم 12 عام بالصف السادس الابتدائي.. أحمد 9 أعوام بالصف الثالث الابتدائي.. لديهم شقيقتين من البنات أسماء 15 عام، وسارة 8 أعوام.
محمد ابني الأكبر كان يحفظ القرآن الكريم تبقي له سورتي البقرة وآل عمران.. وكان يحب المشايخ ويقتدي بهم منهم "الشيخ/ حامد" خطيب وإمام، و"د/ محمد عبد النبي سيد" أستاذ العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر"الآن في السعودية"ويحبه جداً.. وغرفته يزينها مصحف كبير وحامل.. كما أنه لا يسمع سوي تسجيلات القرآن الكريم وحصل علي عدة جوائز .
أما "والدة" الأطفال فقالت:
محمد وعدني بأن يبني لي قصر كبير وبالفعل أصبح لدي قصور في الجنة.
والدة الأطفال سيدة قلما يجود الزمان بمثلها.. أبكت الحضور بثباتها وإيمانها وجعلتهم يخفون وجوههم بعيداً وهي تبتسم بحزن وتؤكد:
إنهم عند خالقهم جل في علاه
محمد كان بيقولي أنا هحفظ القرآن كاملاً إن شاء الله وهابني لك قصر كبير وأخليك يا أمي تروحي تحجي وكمان هجبلك عربية"4by4".
أنا دلوقتي عندي قصور في الجنة.
كان يقولي: يا أمي صلي.. وكنا نصلي خلفه أنا وإخواته في الفجر.. ويقولي: يا ماما واحدة رفضت الأرض تقبل جسدها عشان مبتصليش.
أولادي عند ربنا.. وهو أحن عليهم مني.. فراقهم صعب.
بقول لكل أسرة فقدوا طفلهم يصبروا ويحتسبوا الأجر من عند ربنا .
وعندما سألناها عن موقف الحكومة.. وكيف تعاملت معهم بعد الحادث؟.. أجابت:
مسئولين كثير اتصلوا بينا.. ومش عايزين حاجة من عند حد.. كله عند ربنا وأشكو بثي وحزني إلي الله.. وطلبت منه يحميهم.
أما الشقيقة الصغرى سارة فقالت:
بحب إخواتي كلهم.
وسارة هي البنت الصغرى.. سألناها:
أنت تعرفي إخواتك فين ومين أحب واحد فيهم ليكي؟
فقالت:
عند ربنا ولازم نصبر وندعي ربنا يرحمهم وإحنا هنكون معاهم في الجنة.. أنا بحب إخواتي كلهم.
وأخرجت سارة لنا شهادات شقيقها الأكبر محمد لترينا علاماته في الاختبارات نظراً لتفوقه.
وفي الختام:
هي أسرة تشبه جميع الأسر المصرية التي عانت وقاست الكثير من الآلام والأحزان وعاشت المعاناة والمحن.. تأبى الانهيار أمام المصائب رغم قسوتها الشديدة.. وتأبى أيضاً أن تبيع أحزانها أو تتاجر بآلامها في سوق السياسة الرخيص.
أسرة مثل كثير من الأسر التي صبرت وطال صبرها وضحت بالكثير في عهد مبارك.. وهذا العهد لم ينتهِ تماماً بعد.. ومخلفاته وميراثه هو الذي صنع المأساة.. وإعلام رجال أعمال مبارك أراد اقتناص الفرصة واستغلال المأساة ليوجه الرأي العام بغضبته الكبرى في وجه القيادة الجديدة والحكومة الجديدة سعياً وراء إسقاطها.. إلا أن الشعب المصري أثبتَ في كل الاختبارات التي مرَ بها أنه شعب مثقف ومدرك وواع.. من الصعب أن يستغله المستغلون أو يسيس أحزانه ومآسيه وهمومه الساسة.
فهو يدرك جيداً أبعاد القضايا وخلفياتها.. ويعلم جيداً من السبب في هذا الإهمال الجسيم.. وأن الحل الحقيقي ليس في الثورة على النظام الجديد الذي لم يمر على توليه الحكم شهور.. إنما في الجد والاجتهاد والتماسك والتعاون من أجل القضاء تماماً على مخلفات وآثار عهد الفساد والظلم.. لينطلق بالوطن قطار النهضة.
الاثنين الموافق
12-1-1434
26-11-2012
عودة الى الأسرة المسلمة
|