الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد,,
فإن الأصل أن ما جمع لمسجد معين يجب إنفاقه فيه لأن ذلك يعتبر شرطاً قد اشترطه المتبرع، و(المسلمون عند شروطهم), كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ،ولكن إذا صار المسجد غير محتاج وكان هناك مسجد آخر يحتاج لهذا المال فلا بأس حينئذ من دفع ذلك المال إلى المسجد الثاني، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: ( فسددوا وقاربوا ), [ أخرجه البخاري ( 39) من حديث أبي هريرة]؛ فإن معنى المقاربة - كما ذكر الحافظ ابن حجر-: ( أي إذا لم تستطيعوا الأخذ بالأكمل فاعملوا بما يقرب منه ).
وحيث أن المسجد الذي جمع من أجله المال لم يعد محتاجاً فإن من معاني المقاربة هنا أن ننفق ذلك المال على مسجد آخر، وفي المغني لابن قدامة أن الإمام أحمد سئل عن مسجد بني فبقي من خشبه أو قصبه أو شيء من نقضه فقال: (( يعان به في مسجد آخر)).
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن الوقف إذا فضل من ريعه واستغني عنه فأجاب كما في المجلد الحادي والثلاثين من مجموع الفتاوى: (( يصرف في نظير تلك الجهة كالمسجد إذا فضل عن مصالحه صرف في مسجد آخر، لأن الواقف غرضه في الجنس، والجنس واحد، فلو قدر أن المسجد الأول خرب ولم ينتفع به أحد صرف ريعه في مسجد آخر، فكذلك إذا فضل عن مصلحته شيء، فإن هذا الفاضل لا سبيل إلى صرفه إليه، ولا إلى تعطيله، فصرفه في جنس المقصود أولى، وهو أقرب الطرق إلى مقصود الواقف))، وقد روى أحمد عن علي رضي الله عنه: (( أنه حض الناس على إعطاء مكاتب، ففضل شيء عن حاجته فصرفه في المكاتبين)), هذا والله تعالى أعلم. |