|
عين جالوت.. وآن الأوان أن نتعلم من تاريخها
بقلم د/ كمال تمام
كثيرة هي المحن التي تتعرض لها أمتنا المسلمة.. وكثيرة هي المخططات والمؤامرات التي تحاك لإسلامنا العظيم .
وقد يتساءل المرء عندما تطبق المحن والظلمات.. وتتزايد الملمات.. ويتداعى علينا أهل الأهواء والبدع والشهوات .
كيف السبيل لمواجهة المحن؟!!!
وبأي سلاح نتسلح؟!!!
وبأي حصن نتحصن؟!!!
والمتأمل لتاريخ أمتنا المجيد يجده معينا لا ينضب تستقى منه الدروس والعبر.. ومنه نتعلم كيف نجابه المحن.
يحدثنا التاريخ أنه:
في منتصف عام 758هـ (1260م) بعث هولاكو من الشام برسله يحملون رسالته المشهورة إلى سلطان مصر المملوكي سيف الدين قطز.
كان هولاكو في قمة انتصاراته.. وكان المغول قد اكتسحوا القوى الإسلامية واحدة بعد الأخرى.. وهدموا متاريسها وجدرانها، وسووا الطريق أمام جحافلهم المتقدمة غرباً.
وما من قيادة إسلامية، من أواسط آسيا وحتى أطراف سيناء، إلا وأذعنت لهم طوعاً أو كرهاً.. وكان السيف الوثني المغولي يعلو على السيوف، وكان الرأس الذي لا ينحني له يُطاح به في التوّ واللحظة.
وحتى أولئك الذين اختاروا السلامة ولووا رؤوسهم عجزاً عن المجابهة وهروباً من الموت.. وقعوا في مصيدة الموت التي كان المغول يتفننون في نصبها وفي تعذيب خصومهم وهم يتقلبون في شباكها.
والذي حدث في بغداد معروف.. ومعروف أيضاً المصير المفجع الذي آلت إليه أكبر قوتين إسلاميتين في المشرق: الخوارزميون في بلاد فارس وما وراء النهر، والعباسيون في العراق.
في هذه الظروف السياسية والنفسية، ومن خلال وهج السيوف التي تقطر دماً وأصداء المعارك التي أثار نقعها سيل لا أول له ولا آخر من خيول الغزاة ،بعث هولاكو برسالته تلك إلى سلطان مصر المملوكي: سيف الدين قطز.
وكان الطاغية يعرف جيداً خلفية الرعب والانهزام التي رسمتها العقود الأخيرة على مدى خارطة عالم الإسلام وفي أعماق نفوس أبنائه، فعرف كيف ينتقي كلماتها.. قال:
"مِن ملك الملوك شرقاً وغرباً، الخان الأعظم، باسمك اللهم باسط الأرض ورافع السماء.. يعلم الملك المظفر قطز وسائر أمراء دولته وأهل مملكته بالديار المصرية وما حولها ومن الأعمال، إنا نحن جند الله في أرضه، خلقنا من سخطه وسلّطنا على من حل به غضبه، فلكم بجميع البلاد معتَبَر، وعن عزمنا مزدجر، فاتعظوا بغيركم، وأسلموا إلينا أمركم قبل أن ينكشف الغطاء فتندموا ويعود عليكم الخطأ.
وقد سمعتم أننا قد فتحنا البلاد وطهرنا الأرض من الفساد وقتلنا معظم العباد، فعليكم بالهرب وعلينا الطلب.
فأي أرض تأويكم؟
وأي طريق تنجيكم؟
وأي بلاد تحميكم؟
فما لكم من سيوفنا خلاص، ولا من مهابتنا مناص، فخيولنا سوابق، وسهامنا خوارق، وسيوفنا صواعق، وقلوبنا كالجبال، وعددنا كالرمال، فالحصون لدينا لا تمنع، والعساكر لقتالنا لا تنفع، ودعاؤكم علينا لا يُسمع.
فمن طلب حربنا ندم، ومن قصد أماننا سلم، فإن أنتم لشرطنا ولأمرنا أطعتم، فلكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإن خالفتم هلكتم.
فلا تهلكوا نفوسكم بأيديكم، فقد حذر من أنذر.. فلا تطيلوا الخطاب، وأسرعوا برد الجواب قبل أن تضرب الحرب نارها، وترمي نحوكم شرارها، فلا تجدون منا جاهاً ولا عزاً ولا كافياً ولا حرزاً، وتدهون منا بأعظم داهية، وتصبح بلادكم منكم خالية، فقد أنصفناكم إذ راسلناكم، وأيقظناكم إذ حذّرناكم، فما بقي لنا مقصد سواكم".
كانت الرسالة بمثابة التحدي النهائي لآخر قيادة إسلامية، وعلى ضوء الموقف الذي ستقرر هذه القيادة اتخاذه سيتوقف مصير العالم الإسلامي وحضارته التي صنعها كدح القرون الطوال.
كل المؤشرات كانت تقود إلى الاستسلام للتحدي والإذعان لضروراته.. ولكن الإيمان له منطق آخر.. إنه لا يمنح القدرة على الحركة في ظروف الشلل التام فحسب، ولكنه يهب بصيرة نافذة تخترق حجب العمى والظلام لكي تطل على الأفق الذي يشع ضياء.
وبالحركة القديرة والرؤية الصائبة تجابه القيادات الفذة تحديات التاريخ ومحنه وويلاته.. فتخرج منها ظافرة وتحقق بالاستجابة قفزة نوعية في مجرى الفعل والتحقق.
ودارت معركة من أهم المعارك الفاصلة في تاريخ العالم الإسلامي.. انتصر فيها المسلمون انتصارا ساحقا على المغول وكانت هذه هي المرة الأولى التي يهزم فيها المغول في معركة حاسمة منذ عهد جنكيز خان.
وقد أدت المعركة لانحسار نفوذ المغول في بلاد الشام وخروجهم منها نهائيا.. وإيقاف المد المغولي المكتسح الذي أسقط الخلافة العباسية سنة 656 هـ // 1258م.
كما أدت المعركة لتعزيز موقع دولة المماليك كأقوى دولة إسلامية في ذاك الوقت لمدة قرنين من الزمان أي إلى أن قامت الدولة العثمانية.
وليس من المبالغة القول بأن عين جالوت شهدت معركة حاسمة على المستويات العسكرية والسياسية والعقيدية والحضارية عموماً.
ها هنا، في قلب فلسطين، وبعد ما يقرب من مضي قرن على معركة حطين الفاصلة، أجرى التاريخ نزالاً لا يقل حسماً بين قوتين متقابلتين: الإسلام والوثنية، التحضر والجاهلية، والالتزام بالقيم والانفلات منها.. وكان انتصار المسلمين يعني انتصارا ً على الوثنية، والتحضر على الجاهلية، والقيم على الانفلات.
ومؤشرات الثقة بالنفس والإيمان بالنصر والقدرة على تجاوز الهزائم والنكسات والتي كادت تصل بالمسلمين إلى نقطة الصفر.. جاءت هذه المعركة المباركة لكي ترتفع بها ثانية صوب الأرقام التي تليق بمكانة المسلمين في العالم.
وها هنا –أيضاً- نشهد المعادلة الواضحة التي لا تمنح جوابها العادل إلا إذا تجمع طرفاها في تكافؤ متقابل:
الأخذ بالأسباب.
والإيمان الواثق العميق بالله وبعدالة القضية التي يجاهد المسلمون من أجلها.
وبدون تحقق هذا التقابل فلن يكون هناك نصر أو توفيق.. ولن يحتاج الأمر إلى مزيد شواهد أو نقاش، فإن مجرى التاريخ الإسلامي الطويل يعرض علينا عشرات بل مئات وألوفاً من الشواهد على هذا الذي تعرضه علينا واقعة عين جالوت.
آن الأوان لكي نتعلم من التاريخ
لقد شهد تاريخ الإسلام سلسلة متطاولة من المعارك الفاصلة، منذ وقعة بدر التي فرق الله بها بين الحق والباطل، ومكّن لدعوته الناشئة في الأرض.. وإلى أن يشاء الله.. ولكن يبقى لمعركة عين جالوت ثقلها وأهميتها وخصوصيتها.. ذلك أنها جاءت وظلام الإعصار الوثني المتحالف مع الصليبية يكاد يطبق على نور التوحيد ويطمس على معالمه.
فردّت على القوة بالقوة، وقارعت سيف الشيطان بسيف الإيمان، وعلمت الناس عموماً والناس خاصة، بالانتصار الباهر الذي حققته، كيف يكون الإيمان الجاد المعزز بالرؤية الواعية والتخطيط المدروس، قديراً على تحقيق المعجزات.
واليوم وقوى الضلال، المادية والصهيونية والاستعمارية الجديدة، تتجمع مرة أخرى في محاولة شرسة للإطباق على الإسلام عقيدة وشريعة وأمة وحضارة ودولاً.
فإن لم نتعلم من التاريخ سوى حقيقة أنه بالإيمان والثقة والعزم والتصميم، يمكن أن نجابه المحنة ونتفوق عليها.. فكفى بذلك من كسب تمنحنا إياه مطالعاتنا الجادة في التاريخ.. وإنه قد آن الأوان لكي نتعلم من التاريخ.
الأربعاء الموافق:
4-11-1431هـ
13-10-2010م
| الإسم | احمد زكريا |
| عنوان التعليق | دروس التاريخ كثيرة والسؤال من يعتبر؟ |
| الدكتور كمال الصديق العزيز،قلم موفق،ولكنه مقل جدا.
فنحتاج غلى كثير من إشراقاتك. |
| الإسم | داحمدعبده سليم |
| عنوان التعليق | ان فى ذلك لمن كان له قلب اوالقى السمع وهوشهيد |
| تحية واجبة لصاحب القلم الرشيق ودعوة واجبة لجعل الهم هماواحدا وهو النهوض بهذه الامة خير امة اخرجت للناس اذا امنت بالله ايماناصادقا وامرت بالمعروف ونهت عن النكر بالضوابط الشرعية واخذت باسباب القوة واعدت لاعداء الدين العدة واحسنت التوكل على الله وارتفع ابناؤها عن سفاسف الاموروكمايقول الشاعر قد هيؤك لامر لوفطنت له فاربا بنفسك ان ترعى مع الهمل واله نسال ان يجعلنااهلالنصرة دينه والجهادفى سبيله وان ينصر عباده المجاهدين فى كل مكان وان يولى امورناخيارناوان يرد المسلمين ونحن منهم الى دينهم رداجميلاانه ولى ذلك والقادرعليه |
| الإسم | أبو أحمد |
| عنوان التعليق | بارك الله فيك |
| يارك الله فيك يا دكتور ويا ليت الزمان يعود يوما |
عودة الى من التاريخ
|