|
مذكرات أبو الغيط.. كواليس الأمن القومي في عصر مبارك بقلم / نشوى الحوفى
تملكتني الحيرة والتساؤلات وأنا أمسك بالمذكرات الضخمة لوزير الخارجية الأسبق أحمد أبو الغيط.. وتدافعت التساؤلات في رأسي:
هل يملك الرجل ما يستحق النشر الآن؟.
وبأي أسلوب سيتناول الحقائق؟
هل سيدافع عن مبارك ونظامه بصفته كان جزءً منه؟
ماذا سيقول عن سياسة مصر الخارجية في تلك الفترة؟
وغيرها الكثير من الأسئلة التي لم تهدأ إلا مع انتهائي من قراءة الكتاب لتحل محلها رؤية جديدة عن تلك المرحلة في تاريخنا.. وبخاصة ما يتعلق منها بسياستنا الخارجية التي عبر عنها السيد أبو الغيط بأسلوب محدد.. لأدرك أننا بحاجة لإعادة قراءة تلك المرحلة التي تنتمي لنظام مبارك.. ولتوثيق التاريخ وتسجيله لكل المصريين عبر معرفة السلبيات والإيجابيات التي شابت تلك السياسة لا عن تحيز .. ولكن عن تحليل وفهم.
ومن هنا تأتى أهمية مذكرات وزير الخارجية الأسبق أحمد أبو الغيط التي تُنشر قريباً تحت اسم «شهادتي.. السياسة الخارجية المصرية 2004-2011 م» .. فإلى جانب كونه أول من يتحدث من مسئولي تلك المرحلة.. فإن قراءة تلك الأوراق تمنحنا الفرصة لنعرف أين كنا؟.. وأين أصبحنا ؟.. وماذا نريد أن نكون؟!.
ومع بدء عملية إنتاج الكتاب تواصلت في جلسات عديدة مع السيد أحمد أبو الغيط في شقته بالطابق الثالث بأحد العقارات المقابلة للكلية الحربية بحي مصر الجديدة نتناقش في مضمون الكتاب.. وما جرى من أحداث يحكى عنها فيقنعني في أجزاء ويتقبل نقدي في مواقف أخرى ويعترف بالخطأ في مرات.. ويشرح الأسباب في مرات عدة.
أقول له: «ليتك تكلمت كما تتكلم الآن».. فيجيب بهدوء:
«المسئولية تحدد عباراتك وتقيدها بإطار المسموح والممنوع.. وبخاصة في بلادنا التي لم تعرف.. وأظن أنها لن تعرف شفافية الطرح».
تطول بنا الأحاديث وتمضى أسابيع طويلة استغرقها إعداد كتاب السيد أحمد أبو الغيط، الذي أشرف اليوم بعرض أجزاء منه على حلقات .. طالبة منكم أن تقرأوه بلا تحيز مُسبق.. سواء كان بالتأييد أو المعارضة.
اقرءوه لتعرفوا جزءً من تاريخ مر علينا وعاصرناه وبتنا الآن في حاجة لتقييمه لنعرف وجهتنا التي علينا أن نسلكها.
البداية
تدرك من اللحظة الأولى لقراءة مقدمة الكتاب عشق الرجل للتاريخ بجميع مراحله وإلمامه بالأحداث والشخوص.. وقدرته على عقد المقارنات بين الماضي والحاضر في محاولة لا ينكرها لفهم الأحداث وتقييمها.
يفسر لك قدرته الأدبية الواضحة في كتابه بأن مردها ما قرأه من سير سياسيين وعسكريين على مدى عصور التاريخ.. واقتناعه بضرورة تسجيل ما يمر عليه من أحداث يومية لحين العودة إليها وتأريخها.
فتجده يقول:
«كان محفّزى إلى هذا التسجيل قراءات عديدة على مدى سنوات لشخصيات تاريخية عسكريين وسياسيين وأفراد عاديين في الجيوش ووزارات الدفاع والخارجية وغيرها كتبوا يومياتهم، أفكارهم، تقييماتهم لمسار الحرب التي شاركوا فيها وإستراتيجيتها.. صراعات الشخصيات والأفكار.
من هنا قررت تسجيل كل مشاهداتي وأفكاري ابتداء ً من يوم 5 أكتوبر 1973م.. فكنت أُبقى على كل أوراقي ودققت في جميع خلاصاتي.. شحذت همتي للاحتفاظ في ذاكرتي بكل شيء.
ومع تعييني وزيرا ً للخارجية في عام 2004م كان المنطقي أن أعمل بنفس المنهج الذي مارست به عملي.. أي تسجيل ليوميات كاملة لما قمت به وما شاهدته طوال أعوام خدمتي وزيرا ً للخارجية.
سرعان ما يأخذك أبو الغيط في سطور مقدمة كتابه للحديث عن دافعه لنشر تلك الأوراق الآن.. فيؤكد أن السبب الحقيقي كان رغبته في ترك الحقيقة التي عايشها حتى لو تحمّل جزءً من اللوم بسببها.
ولكنه يضيف سببا ً آخر بقوله:
"أتابع هؤلاء الذين يقودون حملة عارية من الصحة - في اقتناعي- عما أسموه فقدان الدور المصري على المستوى الدولي والإقليمي- العربي/ الأفريقي/ المتوسطي- والتنظيم الدولي.
ولكن كانت مصر نشطة وقادرة على التفاعل والمبادأة في حدود إمكانياتها وقدراتها الاقتصادية والمالية وغيرها.. وهى عناصر هامة لا يجب الخوض فيها منعا ً لضرر قد يصيبنا بسبب استغلال أعدائنا لما قد نكشفه خطأ.
وفى هذا السياق سيرصد القارئ العديد من المقارنات بين مصر وغيرها من مجتمعات متنافسة بالإقليم أو بعيدة عنا.. ولكن لها نفس القدرات والإمكانيات وليس الظروف السياسية والإستراتيجية.
وسوف يصل إلى خلاصات بأن نجاحات أو فشل مصر في تنفيذ سياساتها الخارجية كان يعود دائما ً إلى حدود إمكانياتها بين متطلبات الأهداف ومحدودية الموارد للإنجاز .. مع التمسك بعدم إهدار ما هو متاح.. وهو قليل".
وهكذا تأخذك سطور كتاب أبو الغيط لتطوف بين ملفات السياسة الخارجية المصرية.. دون أن يطغى ملف على آخر.
يحدثك عن إسرائيل ويصفها بأنها ظلت تمثل الخطر الأمني العسكري المُباشر على مصر منذ عام 1948م.. وعن ملف دول حوض النيل وحقوق مصر في حصة عادلة وكافية من مياه النهر.. وكيفية مواجهة التهديدات في هذا الملف.
ثم يأخذك للحديث عن ملف مداخل البحر الأحمر اليمن/ الصومال/ وباب المندب.. وتأثير الأحداث هناك على أمن قناة السويس.
يشرح لك علاقتنا بمنطقة الخليج وتأثيرها على مصر سلباً أو إيجاباً.. وإيران وملفها النووي وارتباطه بالملف النووي الإسرائيلي.
يجذبك لشرح إطار حوض البحر الأبيض المتوسط الذي يمثل حدودنا الشمالية والرابط بيننا وبين الدول المطلة عليه.. سواء في شمال أفريقيا العربية أو جنوب أوروبا.
يرسم ملامح علاقتنا بالولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها القوة الأعظم في عالم اليوم ولعقود قادمة.. على حسب قوله.
ويقدم لنا الكتاب عبر 13 فصلا ً ملامح لأحداث لم نعرف كواليسها رغم معايشتنا لها.. مع التركيز على الكيفية التي كان يتخذ بها القرار في عهد الرئيس السابق وأدوات الخارجية والأمن القومي والعلاقة فيما بينها.. والتكتم الشديد الذي ميز حركة السياسة المصرية الذي كثيرا ً ما ألحق الضرر أو قلل من نجاحات كان يمكن تحقيقها.. على حد قول الوزير الأسبق.
موضحا ً أن:
السياسة الخارجية المصرية في عهد الجمهورية بعد عام 1952م شهدت سيادة سلطة "الرئيس" كصاحب القرار الأخير من حيث تحديد ووضع الخطوط الأساسية والمنطلقات الرئيسية للسياسة الخارجية المصرية وتوجهاتها.
أما وزير الخارجية فيقوم مدعوما ً من بقية أجهزة الأمن القومي المصري بتنفيذ تلك الرؤية طبقاً للتوجيه الممنوح له.. وهى عملية لم تكن بالسهلة على حد ما أوضحت مذكرات أحمد أبو الغيط إلى حد تفكيره في الاستقالة.
وهو ما يعبر عنه بالقول:
«كنت أرفض وما زلت ادعاء بعض وزراء الخارجية المصريين أن سياستهم الخارجية كانت تستهدف هذا الأمر أو ذاك.. أو أن هذه السياسة الخارجية التي وضعوها حققت كذا وكذا.. وهى مقولات أراها خاطئة تماما ً وتشوه حقيقة الأمور.. فجميع وزراء الخارجية قاموا بتنفيذ وإدارة السياسة الخارجية مثلما وجّه بها الرؤساء.. ولكن مع اختلاف الأساليب والأفكار التنفيذية والدبلوماسية لهذا الوزير أو ذاك وطبقاً لقناعاته وظروف التحديات التي واجهته"
بالطبع كان للرئيس المصري السابق محمد حسنى مبارك مساحة كبيرة في تلك السيرة بحكم تركيزها على فترة تولى أبو الغيط لوزارة الخارجية في الفترة من 2004 إلى 2011م.
ويلفت نظرك كقارئ للكتاب أن وزير الخارجية الأسبق لم يذكر مبارك ولم يشر له إلا باسم «الرئيس».. وهو ما يبرره بالقول:
"فعلت ذلك احتراماً لمصر وشعبها قبل احترامي له.. رغم كل قناعاتي بوجود الكثير من الأخطاء التي أوصلت البلاد إلى ما شهدته"
الفصل الأول:
وزيرا ً للخارجية
"دخلت حجرة مكتبي بمقر وفد مصر الدائم لدى الأمم المتحدة في شارع 44 بنيويورك حوالي الساعة الثالثة وخمس وأربعين دقيقة من بعد ظهر يوم الجمعة 9 يوليو 2004م.. ولم أمض بالمكتب أكثر من خمس دقائق.. وإذا برنين التليفون الداخلي وسكرتيرتي النيجيرية «ستيلا» تقول إن لك مكالمة من القاهرة.. وأبلغتني باسم صاحب الاتصال.. وهو شخص يعمل عن قرب من رئيس الجمهورية.. وقال إنه يتصل من فندق شيراتون مصر الجديدة وليس من منزله أو مكتبه.. حيث لا يرغب في أن يعرف أي شخص بهذا الاتصال في الوقت الحاضر.. وإنه يبلغني ولعلمي فقط أنه تم اختياري وزيرا ً للخارجية في حكومة جديدة في مصر ستُعلن خلال أيام.
وأضاف أنه يطلب منى بل ويرجوني ألا أتحدث مع أي شخص في هذا الأمر.. وأنني سوف أتلقى اتصالا ً تليفونيا ً من رئيس الوزراء المرشح لرئاسة الحكومة الجديدة"
هكذا يستهل أبو الغيط "الفصل الأول" من كتابه.. متناولا ً قصة تكليفه بمنصب وزير الخارجية.. رافضاً التصريح باسم المتحدث الذي لم يفضل الاتصال به من مكتبه في رئاسة الجمهورية أو منزله خشية تسجيل حديثه!
وهى عبارة توحي بأن الجميع كانوا تحت المراقبة حتى الرئيس نفسه.. فإذا كانت رئاسة الجمهورية مكانا قابلا ً لتتبع المحادثات فيه.. فمعنى هذا أن رئيس الجمهورية ومحادثاته كانت تحت المتابعة.
لا تكشف القصة ذلك وحسب.. ولكنها تكشف أيضاً شبكة التواصل التي كانت تحيط بصانع القرار في ذلك الوقت.
لا يترك أبو الغيط تلك الواقعة تمر دون الإشارة لأسلوب اختيار مبارك للمسئولين في عهده.. بالاستشهاد بموقف حدث في العام 2001م عند خروج عمرو موسى من وزارة الخارجية وتوليه منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية.. حين عُرض على مبارك عدد من الأسماء لتولى منصب وزير الخارجية وكيف أن اسم أبو الغيط جاء في مقدمتها.
ولكنه لم يلقَ قبولا ً كافيا ً من الرئيس الذي لم يكن على معرفة عميقة به.. كما كان يراه صغيرا ً في السن.. وهو ما يحكى عنه أبو الغيط بقوله:
«كان يتوارد لي من أصدقاء لهم حيثية في مناصب الدولة ربما منذ عام 89م أن الرئيس دائم السؤال عن شخصيات وزارة الخارجية التي يمكن تصعيدها.. وأنهم كثيراً ما يذكرون اسمي ويكون رده أنه يعلم أن سمعتي طيبة وأن لدىّ خبرة عريضة.. بالإضافة إلى معرفته بوالدي منذ الخدمة في سلاح الطيران.. إلا أنه كان يضيف -أحياناً- «أليس صغيرا ً عمريا ً بعض الشيء».. وكنت أستغرب ذلك كثيراً.. إذ كان الرئيس مبارك تحكمه مسألة السن في الكثير من قراراته الخاصة بالتعيينات والأفراد.. كما أن عنصر الأقدمية المطلقة كان يمثل له الكثير من الأهمية".
وأتذكر أن الدكتور عصمت عبد المجيد في حديث له مع الرئيس عندما تقرر عودة السفير عمرو موسى المندوب الدائم المصري من نيويورك في أبريل 91.. ولم يكن عبد المجيد يعلم مسبقاً أن عودة موسى تستهدف تحميله مسئولية وزارة الخارجية بعد اختيار عصمت عبد المجيد لأمانة الجامعة العربية.. سأله الرئيس عن أي من الأسماء التي يستطيع أن يشغل بها المنصب في نيويورك.. فأجابه عبد المجيد أن هناك أحمد أبو الغيط فعقب الرئيس: أراه صغيراً في السن.. وكنت أبلغ وقتها تسعة وأربعين عاماً!!.. كانت هذه الرؤية تستفزني كثيرا ً وزادتني ضيقا ً واحتقاناً بعد تعيين الوزير عمرو موسى لخلافة عصمت عبد المجيد واتجاه الرئيس مبارك بتوصية من وزير الخارجية إلى التمديد لمجموعة من السفراء المصريين لسنوات بعد بلوغهم سن المعاش.
وكنت أرى وأتصور أن هذا التمديد لهم - ولا غبار على كفاءتهم والاعتراف بقدراتهم- يقطع الطريق على العديد من العناصر التي سماها صديقي وزميلي الدكتور مصطفى الفقى رجال وجيل الدور المسحور.. وقد أخذت على عاتقي ألا أسير في هذا المنهج إطلاقا ً.. مؤكدا ً للرئيس عندما عملت وزيرا ً للخارجية عدم نيتي أو استعدادي للتقدم له في المستقبل بأي توصيات بتمديد للخدمة للسفراء فيما بعد المعاش بالخارج أو الداخل.. وحقيقة الأمر أنه حدثت محاولات في الأعوام التالية لشغلي لمنصب وزير الخارجية وقاومت بحزم.
وكانت قرينة الرئيس قد حاولت التمديد لبعض السيدات السفيرات لما بعد سن المعاش.. ورفضت.. ووافقني الرئيس رغم الضغوط التي أعتقد أنه تعرض لها في إطار أسرته".
مصر - تركيا - إيران
يأخذك أبو الغيط معه في رحلة أفكاره التي رافقت رحلة عودته من نيويورك للقاهرة لحلف اليمين كوزير للخارجية أمام الرئيس السابق مساء السبت العاشر من يوليو 2004م.
مسترجعا ً التاريخ المصري خلال ما يزيد على مائتي عام ومحاولات تأسيس دولة ذات أبعاد دولية انتهت كلها بالفشل بدءً من على بك الكبير ومحمد على باشا وانتهاء بجمال عبد الناصر.
تاركا ً العنان لتفسيراته.. فتؤكد له أن التحالف الإسلامي الحقيقي بين مصر وغيرها من القوى حلم غير قابل للتحقيق.. فإيران تنازع تركيا وتغار منها والعكس صحيح.. ومصر تستشعر مسئولياتها للدفاع عن أمن الإقليم سواء فيما يتعلق بإسرائيل أو بالنسبة لمنطقة الخليج.. وتركيا تحركها نوازعها الاقتصادية والتجارية .. خاصة وقد انطلق اقتصادها وأصبح من الاقتصاديات الباحثة عن الأسواق وهى تتمسك بعلاقتها الغربية عبر عضويتها في حلف الأطلسي.. مع السعي للانضمام للاتحاد الأوروبي الذي يمكن أن نراه مجاورا ً للعالم العربي في كل من العراق وسوريا.. إذا ما انضمت تركيا مستقبلا ً إليه.. وهو ما يعبر عنه بالقول:
«كان تقديري أننا سنحتاج لأن نبذل جهدا ً لبناء إطار تعاوني مصري/ تركي/ إيراني يمكن أن يمثل ذراعا ً لتحقيق الاستقرار بالمنطقة.. ويوازن تأثيرات إسرائيل فيها وعلاقاتها بالعالم الغربي.. ومن ثم تعزيز قدرات الصد للعالم الإسلامي.
وكان السؤال:
هل يمكن أن ننجح في ذلك الهدف؟
وهل سترضى إيران الشيعية الثورية بالتفاهم مع كل من مصر وتركيا؟
وما هي الحدود التي كانت تركيا على استعداد للذهاب إليها لبناء هذه العلاقة؟ "
وتتواصل أفكار وزير الخارجية الأسبق خلال رحلة عودته لتمتد لمعرفة حدود مصر الإقليمية والأفريقية والدولية وحجم تأثيرها.. ويصل لجزئية مهمة في الحديث عن بعض الأوضاع المؤسسية في التنظيم المصري للسياسة الخارجية.. فيدرك من مشاهداته لعملية صناعة وتنفيذ السياسة الخارجية المصرية أن بها الكثير من التأثيرات الشخصية التي تلعب دورها في إدارة هذه المنظومة.
فالرئيس المصري منذ عهد عبد الناصر فالسادات ومن بعده مبارك هو الفاعل الرئيسي وصاحب القرار التوجيهي المؤثر.. كما أن المؤسسات والأشخاص تظهر وتختفي طبقاً لإرادة الرئيس.. وهو ما يدلل عليه بمتابعته على مدى سنوات عمله الطويلة.. بدءً من مستشار الأمن القومي المصري في يوليو 1972م.. مرورا بالعديد من وزراء الخارجية ومنهم محمد إبراهيم كامل، ومصطفى خليل، وكمال حسن على، وعصمت عبد المجيد، وعمرو موسى، وحتى أحمد ماهر الذي ترك منصبه عام 2004.
تراجع دور أسامة الباز
يتوقف أبو الغيط هنا ليحكى عن أحد المؤثرين في دائرة صنع قرارات مبارك الخارجية عند توليه مهام منصبه في العام 2004م.. إنه دكتور أسامة الباز فيقول:
«تصورت أن شخصية أسامة الباز المقرب جدا ً من الرئيس مبارك على مدى الفترة التي تبدأ من عام 1976م وحتى عام 2004م لا يزال يلعب تأثيره الكبير في صنع وتنفيذ السياسة الخارجية المصرية.. وكان علىّ أن أقدر موقفي منه وأن ألعب معه؟!.
كان الباز يعمل على مقربة وثيقة من نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية إسماعيل فهمي منذ عام 1973م وحتى استقالته في نوفمبر 1977م.
ونجح وبدعم من إسماعيل فهمي في تحقيق الاقتراب من نائب الرئيس الذي أصبح الرئيس السادات يكلفه بمهام في السياسة الخارجية تفرض على إسماعيل فهمي أن يكون على اطلاع عليها.
من هنا دفع بأسامة الباز لكي يقدم المشورة والرأي من خلال مصاحبة نائب الرئيس في مهامه الخارجية.. ولكنه أيضاً يُمثل عيناً على نشاطات حسنى مبارك الذي عليه أن يعتمد على آلية ومؤسسة الخارجية لتحقيق نجاح المهام.
وبقى أسامة الباز يلعب تأثيره الحاسم أثناء تولى محمد إبراهيم كامل/ مصطفى خليل/ كمال حسن على/ وعصمت عبد المجيد في شئون الخارجية المصرية.
على الجانب الآخر حرص أسامة الباز على مساعدة عمرو موسى الوزير الجديد في مايو 1991م لكي يحقق نجاحات باعتبار أن موسى كان يلقى دعم الباز على مدى أعوام طويلة منذ عمل موسى تحت رئاسة الباز في عام 1974م.
وكان ذلك الأمر ملحوظاً جداً لدىّ عند مشاركتي مع الباز في اجتماع للوزير الجديد عمرو موسى مع الوزير السوري فاروق الشرع في دمشق في يونيو 1991م عندما اجتمع الجانبان المصري والسوري لمناقشة توجهات سعودية وخليجية لمراجعة إعلان دمشق وتخفيف الالتزامات والتفاهمات الأمنية والعسكرية التي أتاحها الإعلان الموقّع في 6 مارس 1991م لكل من مصر وسوريا.
رأيت أسامة الباز في هذا اليوم يصمت ولا يتحدث بخلاف أسلوبه الذي كان يشارك به في كل أعمال الاجتماعات الأخرى مع وزراء آخرين للخارجية.. وحيث كان يتدخل طوال المناقشات بشكل ربما أدى أحياناً إلى بعض الضيق لديهم.
وأتذكر أنني في هذا اليوم تحديدا ً وربما بسبب تجربتي في الإعداد لإعلان دمشق ومشاركتي مع الدكتور عصمت عبد المجيد في كل الاجتماعات التي أوصلتنا إلى توقيع الإعلان في دمشق.. قد تدخلت ببعض الآراء والملحوظات التي وافقني عليها فاروق الشرع الذي كان يرأس الدبلوماسية السورية في فترة صياغة الإعلان.. وجاءني الدكتور أسامة الباز بعد انتهاء الاجتماع وقبل ذهابنا إلى عشاء دمشقي شهى.. وقال:
«يا أحمد أرجو أن تراعى أن علينا أن نساعد عمرو موسى وأن نتيح له الفرصة لكي يظهر إمكانياته» .
وتبينت عندئذ مدى إنكار الذات لدى أسامة الباز في مواجهة عمرو موسى.. وبتعييني وزيرا ً للخارجية في 14 يوليو 2004م رصدت وبشكل سريع أن الباز قد انزوى ولم يعد له هذا الظهور الكبير أو التأثير الحاسم مع الرئيس.. بل إنه لم يعد ضمن الدائرة اللصيقة من المستشارين في السياسة الخارجية.. فلم يعد يكتب رسائل الرئيس إلى رؤساء الدول المختلفة، كما لم يعد على اتصال مباشر به مثلما كان الحال في السابق.
وكنت وعلى مدى سنوات طويلة ومن خلال عملي مع مجموعة كبيرة من وزراء الخارجية المصريين أرصد أداء أسامة الباز وعلاقته بالرئيس مبارك.. إذ كان الشخصية الحاكمة في الكثير من قرارات الرئيس في السياسة الخارجية.. وكان تأثيره يتجاوز وبكثير سلطات وكيل أول وزارة الخارجية التي كان يتمسك ببقائه فيه.. بل وأقول إن دور أسامة الباز في منظومة السياسة الخارجية المصرية كان يتجاوز أحياناً دور وزراء الخارجية.
ويمكنني في هذا السياق القول إن مسئوليات ومهام أسامة الباز مع الرؤساء المصريين كانت تماثل وظيفتي مستشار الأمن القومي من ناحية والسكرتير السياسي والدبلوماسي للرئيس من ناحية أخرى.
هكذا هي الحياة في عالم الساسة.. تحمل بزوغ نجوم وأفول آخرين بين الحين والآخر.. لا تدوم لأحد ولا تضمن البقاء لأصحاب الحظوة والمقربين.
ولذا اختفى دور أسامة الباز دون أن يعلم أحد هل تم ذلك بفعل فاعل في إطار المؤمرات التي تشهدها قصور الحكم.. أم بفعل الزمن وتقدم عمر الرجل.
الاثنين الموافق
24/2/1434
7-1-2013
عودة الى من التاريخ
|