|
أسد الصاعقة اللواء/ نبيل شكري يروي ذكرياتها ويبكي سجنه كتب / محمد مسعد
يدخل "اللواء/ نبيل شكري" عامه الثالث والثمانين.. يعود ليتذكر تفاصيل أكثر من ربع قرن قضاها مقاتلاً في خمسة حروب.. ومتنقلاً بين عشرات المواقع القيادية.
تخرج في الكلية الحربية عام ١٩٥٠.. صار واحداً من الرعيل الأول للصاعقة بحصوله على منحة الدوريات بعيدة المدى في الولايات المتحدة عام ١٩٥٥ "دورة رينجرز".
تدرج في مناصبه حتى رئاسة أركان القوات الخاصة.. ومنها إلى رئاسة قوات الصاعقة في حربي الاستنزاف وأكتوبر.. عين مساعداً لرئيس الأركان.. ثم مديراً للكلية الحربية.. فمساعداً لوزير الدفاع.
حاصل على العديد من الأوسمة والأنواط وفى القلب منها: وسام نجمة الشرف العسكرية.
حول الإجراءات التي اتخذها فور توليه قيادة وحدات الصاعقة عام ٧٢ يقول "اللواء/ نبيل شكري":
بدأنا بإعادة تنظيم وحدات الصاعقة.. لأنها كانت مُشَكَلة في عدد كبير من الكتائب.. وهو ما كان يُخِل بالكفاءة القتالية.. فأدمجنا هذه الكتائب في عدد ست مجموعات صاعقة بإجمالي ٢٤ كتيبة دخلنا بها الحرب.
ثم أعدنا النظر في القيادات التي تقرر أن تتولى العمليات الفعلية.. اعتباراً من قادة المجموعات إلى قادة الكتائب.. كما ركزنا على القادة الأصاغر من قائد فصيلة وسرية ..لأن العمليات كانت ستدار في العمق وسينفذها القادة الأصاغر.. فكان تركيزنا على التدقيق في اختيار هؤلاء الضباط.
كما قمنا بتكثيف التدريب.. واستفدنا من خبرات حرب الاستنزاف.. واهتممنا باللياقة البدنية والانضباط والرماية.
فضلاً عن الارتقاء بالمعنويات.. وغرسنا في جنودنا العقيدة القتالية وحب الأخذ بالثأر.. كنت أقول لرجل الصاعقة:
اقتل العدو، لأن العدو يمكنه تعويض الدبابة أو المركبة.. لكنه لن يعوض الفرد.
أيضاً كان لنا تدريب مع القوات البحرية والجوية.. لأنهم سيعاونونا في عمليات الإبرار الجوى أو البحري.. كما اهتممنا بمشاريع مراكز القيادة والمشروعات التكتيكية والتعبوية مع الجيوش الميدانية.. والتشكيلات البرية.. وذلك لكي نوحد المفهوم الخاص باستخدام الوحدات الخاصة أو وحدات الصاعقة.
ومن مجموع هذه الإجراءات وصلنا إلى مستوى يؤهلنا للدخول في الحرب.. كما اشتركنا في وضع خطط الصاعقة في هيئة العمليات.. وذلك في إطار التخطيط الشامل للعملية الهجومية الإستراتيجية.
وفيما له صلة بأبرز عمليات الصاعقة في حرب الاستنزاف يقول:
المعروف أن حرب الاستنزاف بدأت في مارس ٦٩.. واستمرت حتى أغسطس ٧٠ عندما تم وقف إطلاق النار بموجب مبادرة روجرز.. وكان للصاعقة دور بارز فيها.
يكفى القول بأن الصاعقة قامت بنحو ٤٢ عملية خلال حرب الاستنزاف.. منها ما هو استطلاع أو رص وتلغيم طرق ومدقات.. ومنها ما هو أغارات على نقط ومواقع حصينة للعدو.. ومنها ما هو تنظيم أعمال كمائن ضد أرتال العدو المتحركة.. ومنها ما هو عمليات لخطف الأسرى.
وسوف أركز على أهم العمليات.. وأعطيك مثالاً من كل جيش أو منطقة عسكرية.. للتدليل على تأثير هذه العمليات:
أريد الوقوف بدايةً عند معركة "رأس العش" والتي تحمل في جوهرها أسمى معاني الصمود.. ففي يوم ١ يوليو ٦٧ حاول العدو التقدم لاستكمال احتلال باقي القناة من "بور فؤاد" شمالاً وحتى "بور توفيق" جنوباً.. لكن بقى قطاع لم يحتله في الضفة الشرقية.. وهو القطاع الممتد من بور فؤاد شمالاً وحتى بور توفيق جنوباً.
فاندفع بقوات ميكانيكية مدعمة بالدبابات ومدافع الهاون والطائرات في اتجاه بور فؤاد.. وتصدت له قوة من الكتيبة ٤٣ صاعقة.. ودارت أعمال قتال على مدار يومين.. في اليوم الأول هجم العدو فتكبد خسائر جسيمة ولم يتمكن من إزاحة رجال الصاعقة عن مواقعهم.. فانسحب ثم عاود الهجوم في اليوم التالي.
واستعان بطائرات وقوات إضافية.. لكن رجال الصاعقة اتخذوا مواقعهم بما لا يسمح للعدو أن يقوم بتطويقهم أو الالتفاف حولهم.. واضطر العدو أن يقاتلهم بالمواجهة.. وكان يعاونهم في البر الغربي للقناة مجموعة من الكتيبة ١٠٣ صاعقة.. ولقن الرجال العدو درساً قاسياً حتى أجبروه على الانسحاب وفقدان عدد من جنوده.
وأثناء المعركة دخلت تعزيزات إلى بورسعيد تمثلت في الكتيبة ٩٠ مظلات.. وعناصر أخرى من القوات البرية.. وبدأ رجالنا في تنظيم الدفاعات اللازمة للتصدي للعدو.. وأصبحت رأس العش قطعة محررة في الضفة الشرقية.. وظل العلم المصري يرفرف فوق صاريها العالي حتى حرب أكتوبر.
في قطاع الجيش الثالث.. وفى يوم ١١ يوليو ٦٩.. قامت إحدى سرايا نفس الكتيبة (٤3) بالإغارة على النقطة الحصينة في لسان بور توفيق.. وما أدراك ما تلك النقطة.. إنها التي كانت تصب جحيم مدفعيتها الثقيلة يومياً على مدينة بور توفيق والزيتية وغيرها.
والمثير أن الإغارة على الجزء الغربي لتلك النقطة تم في وضح النهار.. وكان يساعد القوة المهاجمة مدفعية الجيش الثالث.. مع باقي عناصر الكتيبة ٤٣ في الغرب.
أما السرية التي نفذت تلك العملية الكبرى فقد استقلت القوارب واقتحمت النقطة.. ودمرت ست دبابات وعدداً من العربات المجنزرة.. وأوقعت العشرات من القتلى.. وكان لدوى انفجارها الهائل أثر بالغ في تحطيم معنويات الشارع الإسرائيلي.
في قطاع الجيش الثاني تبرز عملية "السبت الحزين".. حيث كان يوجد للعدو شمال وجنوب الكيلو ١٠ نقاط قوية.. وكان العدو يقوم باستبدال عناصر هذه النقاط في توقيتات محددة.. فقام رجال الصاعقة بدراسة هذه التوقيتات مع الإلمام بطبيعة أرض المعركة المنتظرة.. وتم وضع خطة لاصطياد أفراد العدو عبر كمين مزدوج.. عبرت عناصر مجموعتيّ اقتحام من رجال الصاعقة.. الأولى عبرت ليلاً والثانية نهاراً.
قامت المجموعة الأولى باصطياد عدداً من جنود العدو وأردوهم قتلى.. وحين حاول العدو نجدة الهدف وقع في الكمين رقم ٢ فتعاظمت الخسائر الإسرائيلية.. حيث أدت العملية إلى تدمير ست عربات مجنزرة وأربع دبابات.. بل حصلنا على أسير.. كل ذلك حدث وسط يوم سبت.. فأطلق العدو على ذلك اليوم اسم "السبت الحزين".
في قطاع البحر الأحمر تتجلى معركة "جزيرة شدوان".. العدو طمع في هذه الجزيرة الإستراتيجية.. وحاول الاستيلاء عليها يوم ٢٢ يناير ١٩٧٠ كي يهدد الملاحة في البحر الأحمر.. وقام بضرب سرية الصاعقة المتمركزة فيها بالطيران.. ثم قام العدو بعملية إبرار جوى.
تم دفع تعزيزات للجزيرة وفشل الهجوم الإسرائيلي نتيجة إلمام الرجال بطبيعة الأرض.. وتوقعاتهم لجميع الأعمال العدائية.
إلى ذلك.. يكفى الصاعقة شرفاً أنها كانت الأسبق بين جميع القوات المقاتلة في الحصول على أول أسير إسرائيلي وهو الجندي "إدموند".. وقامت بأسره عناصر من الكتيبة ٣٣ صاعقة.
وحول دور الصاعقة المصرية كرأس حربة لقواتنا المسلحة في عمليات أكتوبر ٧3 يقول:
دعني أبدأ في استعراض دور الصاعقة على مستوى الجيوش الميدانية في حرب أكتوبر.. فقد توزعت مجموعات الصاعقة ممثلة في المجموعة ١٢٩ في قطاع الجيش الثاني.. والمجموعة ١٢٧ في قطاع الجيش الثالث.. إلى جانب المجموعة ١٣٢ في قطاع البحر الأحمر.
ومع بداية الضربة الجوية كان عناصر الصاعقة في الجيشين الثاني والثالث هم الأسبق في الاقتحام والعبور والانطلاق في العمق.. وكانت الفكرة العامة أنه أثناء عبور باقي القوات المصرية وبناء كباري التشكيلات البرية سيقوم العدو القريب أو ما يسمى في العلم العسكري بـ"الاحتياطي التكتيكي" بالتدخل خلال ساعة: ساعتين من بدء العبور.. محاولاً منع قواتنا من أداء مهامها القتالية.. ومن هنا كان دور الصاعقة - حسب الخطة - هو التدخل لعرقلة وتعطيل وتدمير هذا الاحتياطي التكتيكي القريب.. بما يؤدى إلى تأمين عبور باقي القوات البرية.
فمع بداية الضربة الجوية اندفعت عناصر من المجموعتين ٢٧.٢٩ فعبروا القناة.. وتقدموا بسرعة البرق لينصبوا الكمائن في الأماكن التي حددناها لهم في الخطة.. ويمنعوا العدو القريب من التدخل أثناء العبور.
أما المحور الأوسط فاتجه إليه رجال الصاعقة داخل ١٢ طائرة.. أصيب منها ٨ طائرات سواء أثناء الرحلة الجوية أو عند الهبوط.. وتبقى أربع طائرات نجحت في الإبرار بكامل حمولاتها.. وتولى قيادتها رئيس العمليات.. ودارت معركة رهيبة بين الاحتياطات التعبوية والإسرائيلية والصاعقة المصرية.. ونجح الرجال رغم قلة عددهم في تعطيل تقدم العدو حتى الساعة الثالثة صباح يوم ٧ أكتوبر.
ودعني هنا أستشهد ببعض ما ذكره الجنرال الإسرائيلي شارون والذي استدعى للجبهة يوم ٦ أكتوبر ووصل إلى منطقة الطاسة التي دارت فيها هذه الملحمة.. حيث يقول في مذكراته: "رأيت الطائرات الهليكوبتر المصرية تحمل الصاعقة إلى عمق ٥٠ كيلو متراً.. حيث وضعتنا تحت نيران قاتلة أخرتنا بضعة ساعات، وأخرت الحرب أسبوعين".
من ناحية أخرى.. تم إبرار كتيبة ١٤٣ صاعقة في مضيق سدر.. وكانت مجمولة على ١٨ طائرة هليكوبتر.. ست منها تم إبرارها شرق المضيق عند منطقة سدر الحيطان.. و١٢ طائرة كان من المقرر إبرارها غرب المضايق أصيبت منهم ٨ طائرات.. وأصيب قائد الكتيبة ورئيس العمليات أثناء الرحلة الجوية.. وتولى القيادة قادة السرايا غرب وشرق المضيق.
ورغم ما تكبده الرجال من خسائر.. لكنهم صمدوا وانطلقوا إلى داخل المضيق.. وقاتلوا العدو في محور سدر والذي كان العدو قد خطط ليعبر منه لواء مشاة ميكانيكي بهدف ضرب الجنب الأيمن للجيش الثالث.. ولكن استطاعت الكتيبة أن تقاتل من يوم ٦ إلى يوم ١٨ أكتوبر.. وأن تتحكم في المضيق.. وتمنع أي مركبة إسرائيلية من العبور.. ورغم ما تعرض له الرجال من قصفات بالطيران.. إلا أنهم صمدوا لنحو ١٣ يوماً ومنعوا العدو من التقدم نحو الجبهة.
ومن العمليات المهمة للصاعقة في اتجاه جنوب سيناء عملية وادي فيران.. حيث تم إبرار فصيلة من إحدى سرايا الكتيبة ٨٣ صاعقة قبل آخر ضوء يوم ٦ أكتوبر بالمنطقة شمال تقاطع طريق وادي فيران مع المحور الساحلي.. واستمرت في تأمينها والتعايش بها حتى التاسع من أكتوبر.. ثم نجحت الفصيلة في تنظيم كمين نجحت من خلاله في تدمير عدد ٢ أتوبيس.. وقتل ما لا يقل عن ٥٠ طياراً إسرائيلياً!
أما في قطاع الجيش الثالث قامت الكتيبة ٤٣ وللمرة الثانية بمحاصرة حصن لسان بور توفيق.. واستمر الحصار حتى ١٣ أكتوبر.. حيث استسلم قائد الحصن الملازم أول "شلومو أردينيست" للرائد "زغلول فتحي" قائد الكتيبة.. وتم أسر ٣٧ ضابطاً وجندياً إسرائيلياً على مرأى ومسمع من كاميرات وكالات الأنباء العالمية وكانت فضيحة مجلجلة لإسرائيل!
عندما حدثت ثغرة الاختراق يوم ١٦ أكتوبر كان العدو يحاول التقدم على محورين:
بورسعيد شمالاً.. والسويس جنوباً.
وكان الهدف عمل جيب كبير يحاصر به الجيشين الثاني والثالث.. حاول العدو الاتجاه من الدفرزوار شمالاً لكي يستولى على الإسماعيلية.. ومنها إلى بورسعيد.. لكن محاولته باءت بالفشل نتيجة المقاومة الباسلة لرجال الصاعقة من الكتيبة ٧٣ التابعة للمجموعة ١٢٩ (مجموعة العقيد هيكل).. وكان معهم رئيس أركان المجموعة مقدم عليمى الديب.. وقامت هذه الكتيبة بملاحم قتال رائعة في مناطق: سرابيوم وأبو سلطان والدفرزوار.. حيث صمدت القوات يومي ١٧ و١٨ ولم تنسحب من مواقعها إلا بعد صدور الأوامر.. حيث تحركت المجموعة ١٣٩ - من احتياطي القيادة العامة بالقاهرة - واتجهت إلى الإسماعيلية وبدأت في تنفيذ أعمالها القتالية من يوم ٢٠ إلى يوم ٢٤ وهو تاريخ وقف إطلاق النار.
ونجحت هذه المجموعة في إحداث خسائر جسيمة بالعدو في معركة "أبو عطوة" والتي قادها العقيد أسامة.. وانتهت المعركة بحرمان شارون من دخول الإسماعيلية.. وتكبيده أعظم الخسائر في الأرواح والمعدات.
ودعني أستشهد ببعض مما قاله الجنرال الإسرائيلى دافيد بن أليعازر: "أما قوات شارون فما كادت تحاول تقدمها إلى الإسماعيلية حتى وقعت في كمين مصري ضخم بقوة ٢ كتيبة صاعقة.. ودارت معركة شديدة سقط فيها الكثير من القتلى والجرحى.. واستمر إخلاء الجرحى حتى منتصف اليوم التالي.. ومع طلوع الصبح تبين أن الكوماندوز المصريين على مسافة ٢٠ متراً من قوات شارون!.. وحاول العدو الاتجاه جنوباً في محاولة أخيرة لاحتلال السويس.. لكن باءت المحاولة بالفشل نتيجة المقاومة الشعبية لأهل السويس.. واليوم أتذكر مقولة الرئيس السادات "إن الثغرة كانت بالنسبة لإسرائيل أشبه بوادي الموت".
الثلاثاء الموافق:
23-11-1433هـ
9-10-2012م
عودة الى من التاريخ
|