وجه قراصو وابن سبأ

بقلم أ/ إسماعيل أحمد

لو نجح أحد العلماء في نقل نظرية الحداثة من عوالم الأدب والفن حيث يتلاشى الزمان ويذوب المكان لدنيا الواقع.. لأفلحت في تجسيد كثير من تداخلات "الزمكان" التي طالما داعبت خيالي.

ثمة شخصيات أسطورية.. كانت لتغير وجه التاريخ لو أنها وجدت في زمانٍ آخر أو مكانٍ آخر.. وأحداثٌ كثيرة ما كان لها أن تؤثر في الناس لو حضرها رجلٌ مناسب يملك ناصية القوة ويسبر غور المستقبل.. وقامات كانت لتزلزل الأرض لو التفت حولها الأمة كما التفتّ حول غيرها من أشباه الرجال.

الظلام الدامس وهرولة الجند وهم يخفون وجوههم.. رغم كآبة الظلام الوجوه الجامدة المتآمرة تروح وتجيء في توتر وقلق.. حتى "شيخ الإسلام" جيء به مكرها ً.. لكنه لم يشأ أن يكون رقما ً فارقا ً في لعبة الحسابات السياسية.. فقد استكتبوه فتوى يستغلون بها الدين مطية لأغراض الكفر.. وقد جاء في هذه "الفتوى/ اللغز" التي وقع عليها شيخ الإسلام "محمد ضياء الدين أفندي".

ووافق عليها مجلس المبعوثان "مجلس النواب" بالإجماع: إذا قام إمام المسلمين زيد فجعل ديدنه طي وإخراج المسائل الشرعية المهمة من الكتب الشرعية.. وجمع الكتب المذكورة.. والتبذير والإسراف من بيت المال وإنفاقه بخلاف المسوغات الشرعية.. وقتل وحبس وتغريب الرعية.. بلا سبب شرعي وسائر المظالم الأخرى.. ثم اقسم على الرجوع عن غيه.. ثم عاد فحنث.. وأصر على أحداث فتنة ليخل بها وضع المسلمين كافة فورد من المسلمين من كافة الأقطار الإسلامية بالتكرار

ما يشعر باعتبار زيد هذا مخلوعاً.. فلوحظ أن في بقائه ضرراً محققاً وفي زواله صلاحاً.. فهل يجب على أهل الحل والعقد.. وأولياء الأمور أن يعرضوا على زيد المذكور التنازل عن الخلافة والسلطنة أو خلعه من قبلهم الجواب: نعم يجب.

إن استغلال الدين وقع تاريخيا ً ومرارا ً من أولئك الذين يتآمرون على تقويض سلطانه.. وهم يرفعون بلا خجل ما يخادعون به الناس.. وما يخدعون إلا أنفسهم.

فتقول "جمعية الاتحاد والترقي".. التي سيصمها التاريخ لأبد الدهر بأنها كانت الأداة النجسة لقوى الصهيونية والغرب لتقويض أركان الخلافة في بياناتها إلى العثمانيين:

"أيها العثمانيون: إن مقصدنا هو سلامة الدولة والخلافة.. ولم يعد أحد يجهل هذا.. وبعون الباري وهمة الإخوان – لم تكن المطابقة بين لفظتي الإخوان والخرفان قد اكتشفت آنئذٍ.

وأيها المسلمون: كفانا أن نقوم بدور المتفرج على سلطان جبار، عديم الإيمان، يسحق القرآن تحت أقدامه، وكذلك يسحق الضمير والإيمان).

و(استيقظوا يا أمة محمد).

و(الشجاعة الشجاعة يا مسلمون الشجاعة منا والعون من الله... نصر من الله وفتح قريب).

و(أيها المسلم الموحد! اقرأ باسم ربك).. و(انهض أيها المسلم الموحد! وأنقذ دينك، وإيمانك من يد الظالمين.. وأنقذ بذلك نفسك!.. فهنا شيطان جبار يحمل فوق رأسه تاجاً؟.. وفي يده دينك وإيمانك.. فأنقذ دينك منه وإيمانك أيها الموحد)

و(يا أيها المسلمون: إن السلطان عبد الحميد -شرعاً- ليس بسلطان ولا خليفة ومن لا يصدق قولنا هذا: فلينظر في الكتاب والسنة، لقد أبرزت جمعيتنا بالآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، وأوامر الله وأوامر الرسول الموجهة إلى الحكومة والأهالي.

لكن السلطان عبد الحميد، أشاح بوجهه بعيداً عن أوامر الله ، وأوامر الرسول.

وبالتالي: أثبت ظلمه ولم يخجل من الاعتراض على الله.. لذلك ينبغي على شعبنا أن يلجأ إلى السلاح ضده وإذا لم يفعل الشعب هذا.. فليتحمل إذاً وزر ما عليه السلطان عبد الحميد من ظلم".

ويتشكل وفد مطالبة الخليفة بالاعتزال.. وكان على رأس هذا الوفد:

"إيمانويل قراصو: وهو يهودي أسباني وكان من أوائل المشتركين في حركة تركيا الفتاة، وكان مسئولاً أمام جمعية الاتحاد والترقي عن إثارة الشغب وتحريضه ضد السلطان عبد الحميد الثاني، وتأمين التخابر بين سلانيك واستانبول فيما يتعلق بالاتصالات الحركة"، "آرام : وهو أرمني عضو في مجلس الأعيان العثماني".

فأشار "السلطان عبد الحميد" إلى قراصو قائلاً:

(ما هو عمل هذا اليهودي في مقام الخلافة؟ وبأي قصد جئتم بهذا الرجل أمامي؟).

ويخرج السلطان.. وتضيع صيحة يا مسلمي العالم اتحدوا أدراج الرياح.. ويحتفل اليهود بالخلاص من مضطهد شعب إسرائيل.

كان الحصار مستمرا ً حول بيت "عثمان بن عفان" من أواخر ذي القعدة إلى يوم الجمعة الثامن عشر من ذي الحجة.. فلما كان قبل ذلك بيوم، قال عثمان للذين عنده في الدار من المهاجرين والأنصار - وكانوا قريبا من سبعمائة - فيهم عبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، والحسن، والحسين، ومروان، وأبو هريرة، وخلق من مواليه، ولو تركهم لمنعوه فقال لهم:

"أقسم على من لي عليه حق أن يكف يده وأن ينطلق إلى منزله".

وعنده من أعيان الصحابة وأبنائهم جم غفير.. وقال لرقيقه:

"من أغمد سيفه فهو حر".. فبرد القتال من داخل وحمي من خارج واشتد الأمر.

وكان سبب ذلك أن عثمان رأى في المنام رؤيا دلت على اقتراب أجله فاستسلم لأمر الله رجاء موعوده، وشوقا إلى رسول الله.

وكانت "نائلة بنت الفرافصة الكلبية" - امرأة عثمان -  قد قالت:

"لما حصر عثمان ظل اليوم الذي كان فيه قتله صائما ً.. فلما كان عند إفطاره سألهم الماء العذب فأبوا عليه، وقالوا: دونك ذلك الركي (وركي في الدار الذي يلقى فيه النتن).

قالت: فلم يفطر.. فرأيت جارا ً على أحاجير متواصلة - وذلك في السحر - فسألتهم الماء العذب فأعطوني كوزا من ماء فأتيته.. فقلت: هذا ماء عذب أتيتك به.. قالت فنظر فإذا الفجر قد طلع فقال: إني أصبحت صائما، قالت: فقلت: ومن أين أكلت، ولم أر أحدا أتاك بطعام ولا شراب؟

فقال: إني رأيت رسول الله  اطلع علي من هذا السقف ومعه دلو من ماء فقال: (اشرب يا عثمان) فشربت حتى رويت.. ثم قال: (ازدد) فشربت حتى نهلت.. ثم قال: (أما أن القوم سينكرون عليك، فإن قاتلتهم ظفرت، وإن تركتهم أفطرت عندنا).

قالت: فدخلوا عليه من يومه فقتلوه".

اليوم حين شاهدتهم، شاهدت وجه التآمر عبر اليوتيوب وهو يصرخ:

المرمى كان خاليا والحراس انسحبوا.. مستنيين إيه؟؟.. مستنيين مين؟.. قراصو أم عبد الله بن سبأ.

وقيل أنهم سيقتحمون مقر القصر الجمهوري.. ويعلنون إسقاط رئيس الدولة المنتخب.. وتشكيل مجلس رئاسي بقيادة البرادعي أو صباحي.. فضلاً عن عددٍ من القيادات العسكرية لإدارة شئون البلاد.

ها هم يتصايحون لهجمة جديدة ونية معلنة بالانقلاب وإسقاط الرئيس.. وحتى الأقباط يعلنونها بلا مواربة ليفقدوا آخر درجات المعايشة المقبولة.. وليكرروا إثم ازدراء قيمة وكرامة وأغلبية المسلمين في مصر. فأين يخبأ قراصو وجهه هذه المرة؟!!

الثلاثاء الموافق:

16ربيع الأول 1434هـ

29-1-2013م

عودة الى من التاريخ