|
سبقك بها عكاشة بقلم أ/ سيد العتمونى
لقد عرف الإسلام لأهل السبق سبقهم .. ولأهل الفضل فضلهم .. فرفعهم منزلة وأعلاهم درجة .
وبهذا يقر الإسلام مبدأ التفاضل بين البشر وإنزال الناس درجات مختلفة متباينة كل على حسب اجتهاده ومبادرته للخير.. فشتان بين من بكر بكورا .. وبين من نام حتى ملأت الشمس جنبات الدنيا ولسعته الشمس عل أجنابه.. ثم استيقظ
نعم إن كلاهما فعل الخير.. وكلاهما مأجور مثاب .. لكن بين الاثنين فرق شاسع.
ولقد وضح النبي (صلى الله عليه وسلم) هذا المبدأ الأصيل فى قوله: " سبقك بها عكاشة"
وأصل هذا الموقف كما رواه الإمام مسلم فى صحيحة عن أبى هريرة رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ:
" يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِي الْجَنَّةَ سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ .. فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ.. قَالَ : اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ.. ثُمَّ قَامَ آخَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُم..ْ قَالَ سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ" رواه مسلم
ولقد أمعنت النظر كثيرا ً فى هذا الحديث النبوي الشريف فتعجبت أشد العجب.. إذ وجدت أن هذا الحديث الشريف يحتوى على بعض الدلالات العظيمة الطيبة من أهمها:
1- ضرورة المبادرة والمسارعة للخير وطرقه.. وأن التوانى فيه يضيع المصلحة ويذهب بالمقصود ويؤخر المراد.
2- مكافأة أهل الاجتهاد على اجتهادهم وسبقهم يزكى روح التنافس بين رجال الأمة وشبابها .. ولا يجعلهم أساري للكسل والاعتماد على أن الله غفور رحيم .. ولا يغتر أحدهم بقوله (صلى الله عليه وسلم) "يدخلون الجنة بغير حساب"
يجوز للقائد أو الإمام أن يميز بعض الناس عن بعض .. ويخص أحدهم دون الآخر إذا رأى فى ذلك مصلحة فى الدين والدنيا.
لكل مقال مقام كما فعل عكاشة عندما استغل قول النبي (صلى الله عليه وسلم) بما يناسبه من طلب ودعاء.. فحصل على أعظم أمانيه كلها.
يقضى الحديث الشريف على المقولة المذمومة "إشمعن أنا "
حيث رفض طلب الثاني وقال له: "سبقك بها عكاشة" .. وبهذا ينهى الإسلام عن المطالبة بالحقوق على غير وجه حق.
يعلمنا الحديث الشريف مبدأ الرفض بأدب واحترام وعدم الإكثار من كلمة " لا ..لا" .. إلا عند الضرورة القصوى.
فالنبي (صلى الله عليه وسلم) استعاض عنها بلفظة "سبقك بها عكاشة" .. وهى تؤدى نفس المعنى لكلمة "لا" .. لكن بدون تجريح ولا تشويح
يحث الحديث الشريف على المسابقة والمسارعة فى الخيرات بذكر لفظة "سبقك" والتى تعطى إيحاء ًبأنهم فى ميدان للسباق.. فيجب الاجتهاد فيه والمسارعة.
يستحب إعلان أسماء المتميزين من الناس على الملأ حتى يكونوا قدوة لغيرهم .. مثل إعلان الحاصلين على الجوائز وأوائل الطلبة وأوائل الدفعة فى الجامعات وتقديمهم على غيرهم.
معرفة الفضل لأهل الفضل والسبق.. فلا يستوي من اجتهد زمن البلاء بمن اجتهد زمن الرخاء.. ولا من أنفق زمن العسرة بمن أنفق زمن اليسرة .. وإن كان كلاهما مثاب مأجور.
هذه بعض التلميحات النبوية التي احتواها ذلك الحديث النبوي الشريف والتى تنفعنا فى ديننا ودنيانا.
نسأل الله الهداية التوفيق والسداد والرشاد
الجمعة الموافق
23-7-1432هـ
24-6-2011
عودة الى حديث وشرحه
|