|
د/ حبيب: الإسلاميون وصلوا للسلطة دون أن يكونوا مستعدين لها حاوره/ سيد رزق
قال د/ كمال حبيب الجهادي السابق المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية إن: الإسلاميين وصلوا إلى السلطة دون أن يكونوا مستعدين لها.. وإنهم فوجئوا بالثورة وجرى بعدها ارتباك في فكرهم.. لأن الانتقال من صفوف المعارضة إلى الحكم أمر مختلف.. وتلك النقلة كانت غير محسوبة.. لأن منطق الدعوة يختلف عن السياسة.. لذا لم يستطع الإسلاميون التأسيس لعلاقة مع سياسة مختلفة عن منهج الدعوة إلى الآن.
وحذر حبيب في حواره من تحويل سوريا إلى أفغانستان.. لأن فائض العنف هناك سيرتد إلينا كما حذر مما سماه «حروب ما بعد الحداثة» التي يقف فيها الغرب موقف المتفرج بعد تحويل الصراعات في العالم الثالث إلى معارك طائفية ومذهبية ودينية.. دون الحاجة إلى وجوده المباشر مثلما جرى في العراق متناولا ً الوضع في سيناء.. وخريطة العنف جغرافياً من حولنا وتفاصيل كثيرة في الحوار التالي:
هل دخل الإسلاميون دائرة الصراع على السلطة كما حدث في الصراعات الداخلية لحزبي «النور» و«السلامة والتنمية»؟
لكل حالة خصوصيتها.. فما حدث في «السلامة والتنمية» الذراع السياسية لجماعة الجهاد يختلف عن «النور» .. لسان حال السلفيين الذين انتقلوا من الدعوة إلى السياسة بشكل مفاجئ.. وكحال كل الإسلاميين قامت الثورة بشكل مفاجئ.
والإسلاميون لم يكونوا يتوقعون ذلك.. والسلفية بالذات كانت ترفض الانتخابات والديمقراطية والعمل السياسي.. وانتقلوا من صفوف المعارضة إلى الحكم دون مقدمات وهو انتقال غير محسوب.. لأن منطق الدعوة يختلف عن السياسة.. لذا لم يستطيعوا بناء العلاقة بين السياسة والدعوة بشكل صحيح.
تلك المشكلة تخص «الإخوان المسلمون» أيضاً؟
صحيح.. لأننا أمام جماعة كبيرة وقديمة لا تزال حتى الآن أقوى من الحزب.. وتخلط ما بين العمل الحزبي والدعوى.
وتقديري أن العقل الإسلامي المصري لم يرق إلى مستوى التأسيس ما بين الدعوة والسياسة.
لماذا تركت السلامة والتنمية؟
الإشكالية عميقة وتكمن في خلاف يتعلق بالخلط ما بين العقيدة ومناهج السياسة.. العقيدة هي موضع للإجماع.
أما السياسة بطبيعتها فاجتهاد، لذا حدثت خلافات في وجهات النظر خرجت بسببها.
ما الفارق هنا بين ما تقوله وينادى به العلمانيون الذين يتحدثون عن ضرورة وجود مسافة بين الدين والدولة؟
العلمانيون يتحدثون عن الفصل بين الدين والدولة.. ونحن نقول بالتمييز بينهما.
لاحظ أن السلامة والتنمية أتى من منطقة عنف ولا يزال أثر السجن والأفكار القديمة موجودا ً عند هؤلاء الشباب.. وبالتالي هم غير قادرين على مسألة الحوار مع القوى السياسية والعمل المشترك والتحالف.
وهناك إخوة يستخدمون المنهج العقائدي ويقولون لك الليبرالي كافر.. لذا تكيفت الجماعة الإسلامية وفشل الجهاديون.
وأظن أنهم لا يقرؤون بشكل كاف عن العلوم المتصلة بالواقع والعصر.. وأغلبهم توقف فكره عند عام ١٩٨١.
النظام الحالي يسير على «كتالوج» مبارك إلى الآن.. كيف ترى ذلك؟
الإسلاميون وصلوا إلى السلطة دون أن يكونوا مستعدين لها.. الكلام عن مشروع النهضة كان جزءً من دعاية داخلية لتحقيق التلاحم داخل الجماعة.. أكثر منه مشروعا ًللدولة.
بدليل أن الرئيس محمد مرسى تشعر حتى الآن أنه واقع بين التجربة والخطأ.. يحاول أن يبنى تجربة خاصة به دون أن يكون لديه مشروع فعلا يقوم بتنفيذه.
وتبقى المعضلة أمامه في المشكل الاجتماعي الاقتصادي.. خاصة مسألة الحدين الأدنى والأقصى للأجور.. وتلك مسألة حاسمة.
لماذا التلكؤ في هذه القضية؟
أعتقد أن الإخوان كانوا قوة ضاغطة في مسألة المعارضة، لكن الحكم مسألة لم يعتادوا عليها بعد ولا يزال هناك نوع من تحاشى الدخول إلى عش الدبابير.
إذن هناك تخوف من الفشل في حل المعضلة الاقتصادية خاصة أنها ليست في أولويات الرئيس مرسى؟
أنا معك.. والرئيس مرسى يتوجه إلى العالم الخارجي أكثر.. وحصل له إغراء في هذا الاتجاه وموضوع إيران زاد من شعبيته بدرجة ما.. ثم حديثه في الأمم المتحدة وزيارته الأخيرة لتركيا.
لكن في النهاية النجاح الاقتصادي الاجتماعي هو الذي وضع العدالة والتنمية التركي في الحكم لأكثر من ١٠ سنوات.
ونحن لا نرى شيئا ً يتحقق في الملفات المتصلة بواقع الناس.. بداية من البطالة والفقر والعشوائيات والصحة والتعليم ولن يكون الدور المصري الخارجي قويا ً ومرتكزا ً على قدمين ما لم نحل المشكلات الداخلية التي نراها كلها.
ما المشكلة في المادة الثانية من الدستور بالنسبة للإسلاميين حتى يدور حولها كل هذا الخلاف؟
المادة الثانية وضعت في سياق سياسي في عصر السادات، ولم تكن مفعلة.. وهناك حكم للمحكمة الدستورية العليا قال إن:
معنى «المصدر الرئيسي للتشريع».. أي ما هو «قطعي الدلالة، وقطعى الثبوت».. هذا يعنى عند الجمهور السلفي أنك ستخرج أحكاما كثيرة من حيز التفعيل.. لأن القرآن كله قطعي الثبوت.. لكن قليلا ً جدا ً فيه قطعي الدلالة.. وأغلب أحكام الفقه ظنية الدلالة.. وكذلك في الحديث الشريف.. ومن ثم يمكن أن تخرج أغلب الأحكام الشرعية من حيز التنفيذ مثل الربا، والزنا، والحدود، وغيرها.
هنا نسير خلف اجتهاد الفقه.. أم اجتهاد المشرع؟
في تقديري الشخصي المادة الثانية كما هي مادة جيدة «مبادئ الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع».
وعليك أن تفعل الجوانب المتعلقة بحياة أفضل للمواطنين، وتحقيق المقاصد الكلية العامة للشريعة.
وأعتقد أن جزءً كبيرا ً من هذا الخلاف متصل بوعود السلفيين في الانتخابات البرلمانية الماضية،والانتخابات المقبلة.. لأنهم قالوا إنهم سيدعون لتطبيق الشريعة وأخذوا أصواتا ً على هذا الأمر.
هل انتخب الناس الإسلاميين من أجل تطبيق الشريعة .. أم لتوفير حياة كريمة لهم؟
الناس صوتوا للإسلاميين من أجل تطبيق الشريعة ورجل الشارع العادي عنده خيال بأن تطبيق الشريعة سيحقق له العدل الاجتماعي.. وسيرفع عنه الظلم.
وثانيا ً: لكي يعطوا فرصة لرجال الله المؤتمنين على هذه الأمانة بخلاف رموز العهد السابق الذين عاثوا في الأرض فساداً.
هذا الخط عندما نسير معه نجد أنفسنا أمام تفاصيل تجرنا إلى دولة الخلافة؟
الإسلاميون طرحوا فكرة الشريعة في الانتخابات، ولم يطرحوا فكرة الدولة أو الخلافة.
الجيل الذي يحكم مصر الآن ينتمي إلى أي تيار؟
الفكرة الإسلامية واسعة.. وهناك تياران: الأول محافظ.. والآخر وسطى.. الأول يضم جيل الستينيات ممن سجنوا في قضية سيد قطب منهم المرشد وغيره من مجموعة الستينيات التي شهدت عنف الدولة الناصرية.. مما أدى إلى إنتاج فكر سيد قطب الذي وصف هذه الدولة بأنها جاهلية، وبالتالي مالوا إلى التشدد.
إذن الفكر التكفيري بدأ من هنا؟
نعم.. وشكري مصطفى قائد التكفير والهجرة دخل السجن في الستينيات.. ورأى التعذيب الشديد الذي كان يجرى آنذاك.. والتقى على عبده إسماعيل وكان رجلا ً أزهريا ً.. قرأ فكر الخوارج والأزارقة منهم على وجه الخصوص وعلمه لشكري مصطفى ثم انتقد هذا الفكر بعد ذلك.. وكانت هناك زنازين تسمى زنازين "شمال" وأخرى "يمين" في الشمال المجموعة التي رفضت أن توقع بالدم تأييداً لجمال عبد الناصر.. وفى اليمين كثيرون من الإخوان وقعوا بالتأييد له.
وما الدافع لهذا العنف الذي تولد في سيناء مؤخراً؟
هناك من لم يستطيعوا التكيف مع الوضع الموجود في المجتمع لأسباب متصلة بالبحث عن المكانة أو الدور.. ولأسباب متعلقة بالتهميش والشعور بالظلم.. وأخرى سببها العنف الذي مارسته أجهزة الأمن في سيناء.. وتاريخيا ً كان الجيش هو الذي يتعامل مع سيناء.
ثم تغير المنهج على يد حبيب العادلى وزير الداخلية الأسبق بعد أحداث طابا الشهيرة.. فغلت يد الجيش ليعمل أمن الدولة على طريقته.. وجرى توسيع قاعدة العنف في التعامل مع المطلوبين، وهناك أسباب تتصل بالجغرافيا.
تقصد الحدود مع إسرائيل؟
أقصد السياق السيناوى كله المتصل بسياق إقليمي مجاور لمنطقة ظلمت وهى «غزة».. بالإضافة لإسرائيل نفسها وهذا ينتج أسوأ أشكال العنف المتصل بالجغرافيا السياسية.
ما التنظيمات التي تعمل في سيناء.. وما مدى خطرها؟
غير السلفية الجهادية هناك تكفيريون على طريقة تنظيم "التكفير والهجرة" الذي كفّر الناس بالمعصية.. والتيار السلفي مغموس بالتكفير والعزلة أيضاً، وهم مجموعات صغيرة منظمة في شبكات، وليست لها قيادة معروفة.
معنى ذلك أن سيناء في خطر كبير؟
أعتقد أن ظاهرة العنف هناك لا مستقبل لها.. لأن هذه الجماعات صغيرة كما أوضحت، وليست لها شرعية، وتبحث عن شرعية بعمليات لها عبر الحدود مع إسرائيل.
كيف نفهم ما يجرى في سوريا ضمن إطار الجغرافيا السياسية للعنف؟
هذا موضوع خطير جدا ً.. لأنه أحد العوامل الكبيرة التي ستنتج عنفا ً كبيرا ً في المنطقة.. وأراها أفغانستان أخرى بشكل مصغر.. والآن لا نريد لثورة الشعب السوري أن تصطبغ بأي من ألوان الجهاد من خارجها.. سواء من القاعدة أو من أي جهة كانت.. ولن يكون هذا في مصلحة الشعب السوري.
هل لديك معلومات عن حجم المصريين الذين سافروا للحرب هناك؟
لا.. وإن كنت أتصور أنهم أعداد قليلة.
هل توافق على السفر للحرب في سوريا.. ولماذا أرسلت الجماعة الإسلامية شباباً إلى هناك؟
لا.. والجماعة الإسلامية تراجعت عن هذا.. وتلك إشكالية الارتباك في عقل التيارات الإسلامية.. وعلاقتها بالدولة الحديثة هناك ارتباك شديد.. الإسلامي عايز يبقى عايش تحت سقف الدولة، وفى الوقت نفسه يقاومها.
لماذا تهون من حجم ما يحدث في سيناء رغم مخاطره؟
الدراسات تقول إن جماعات العنف قد تحقق نجاحاً في المدى القصير، لكن على المدى الطويل لن تستطيع.. والدولة إذا استطاعت أن تحقق آمال الثورات في العدل الاجتماعي والحرية والمساواة.. فسيتم حصار الظاهرة.
الأحد الموافق:
28-11-1433هـ
14-10-2012م
عودة الى اللقاء الأسبوعي
|