|
النشرة الثقافية (62) .. الفن الإسلامي بكنيسة هولندية.. وأناشيد على وقع الراب أعدها/ هشام النجار
هذه النشرة الثقافية على موقع الجماعة الإسلامية.. تتابع المستجدات على الساحة الثقافية وتناقش القضايا الملحة والملفات الشائكة، وتؤصل لرؤية إسلامية منفتحة لواقع الأمة الثقافي بمحاوره المختلفة.
نرحب دائما بإسهامات المتخصصين والقراء المهتمين بالشأن الثقافي، ونتلقى المواد التي تناسب رسالة وهدف هذه النشرة من رؤى نقدية تشمل جميع الأعمال والإصدارات الأدبية والفنية، ومن أطروحات وأفكار جديدة تسهم في إيصال صوت الثقافة الإسلامية الأصيلة إلى العالم كله.
والآن مع العدد الثاني والستين من النشرة:
أخبار ومتابعات
المؤتمر الإسلامي يحذر من احتمال انهيار المصلى المرواني:
حذرت الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي من تصريحات المسئولين الإسرائيليين حول احتمال انهيار المصلى المرواني بالمسجد الأقصى المبارك.. ووجهت الأمانة نداء إلى قادة الأمة الإسلامية يدعوها للتحرك لوقف الانتهاكات الإسرائيلية.
وحمل أمين عام المنظمة أكمل الدين إحسان أوغلو, في بيان له, الاحتلال الإسرائيلي المسئولية الكاملة عن سلامة المصلى.
وأكد أن أي أخطار يتعرض لها المسجد الأقصى هي نتيجة لاستمرار إسرائيل بالحفريات تحت وفي محيط الحرم القدسي الشريف.
وقال إن التقارير الخطيرة الواردة من مدينة القدس المحتلة بشأن الوضع في المسجد الأقصى المبارك تشير إلى أن قبلة المسلمين الأولى باتت في دائرة الخطر المباشر ، وأن المنظمة تعد المسجد الأقصى المبارك خطا أحمر لن تتوانى الأمة الإسلامية في الدفاع عنه وأن المساس به ستنجم عنه عواقب تتحمل إسرائيل وحدها المسئولية عنها.
وكان قائد الجبهة الداخلية الإسرائيلية في منطقة القدس العقيد حين ليفني قد صرح قائلا ً:
"إن المصلى المرواني في المسجد الأقصى سينهار وسيشعل مدينة القدس بكاملها.. وأن قوات دفاع مدني إسرائيلية على أهبة الاستعداد في كل مرة يشارك فيها آلاف المصلين خشية حدوث انهيار في المكان".
معرض للفن الإسلامي بكنيسة هولندية:
استضافت أقدم كنيسة هولندية وتدعى "نيو كيرك" بالعاصمة أمستردام معرضا للفن الإسلامي بساحتها الداخلية،عرضت من خلاله 500 قطعة وعمل فني من التاريخ الإسلامي يرجع معظمها للقرن الخامس عشر الميلادي.
تضم المجموعة المعروضة – بحسب صحيفة الوطن السعودية - صورا وألبومات، وخناجر، ومباخر، وسلطانيات من الذهب والفضة، وقطع من الحلي والمجوهرات الإسلامية، وتعود لتراث دول إسلامية كسوريا، والعراق وإيران إلى جانب تحف إسلامية كانت مهربة للهند، ويرافق كلا منها نبذة عنه وعن تاريخ انتقاله من مكان لآخر.يذكر أن هذه المجموعة الفنية قدمها عالم التاريخ ورجل الأعمال البريطاني الإيراني الأصل ناصر ديفيد الخليلي، وتأتي ضمن مجموعة هائلة من الأعمال الفنية الإسلامية الأثرية يمتلكها الخليلي، وتصل إلى 20 ألف قطعة.. يعرض بعضها في أكثر من 35 من المتاحف الدولية والأوروبية مثل متروبوليتان للفنون في نيويورك، والمتحف البريطاني في لندن.
ووفقاً لما صرح به الخليلي فإن المعرض يظهر براعة الفن الإسلامي، مشيرا إلى أنه يهدف لتعزيز الحوار بين الديانات السماوية الثلاث عبر هذا المعرض، فيما أكد رئيس المعارض المسئول بالكنيسة مارليس كليتريب أن المعرض أجمل ما رأته الكنيسة على مدى المعارض السابقة، ومحل اهتمام الهولنديين عامة وليس فقط زوار الكنيسة.
في ايطاليا أناشيد إسلامية على وقع موسيقى الراب:
أعلنت جمعية الشباب المسلم تنظيمها مسابقة للأناشيد الإسلامية على وقع موسيقى الراب نهاية شهر ديسمبر الجاري.. في إطار المسابقة الوطنية لموسيقى الراب في ايطاليا فعاليات المسابقة التي ستنظم في بلدة لينيانو التابعة لمدينة أوديني بشمال شرق ايطاليا ستضم – بحسب وكالة الأنباء الايطالية آكى-:
"مؤتمرات وندوات علاوة على عروض للأناشيد الإسلامية من قبل شباب تم اختبارهم وأظهروا براعة" في الإنشاد.
وصرح المسئول عن الجمعية أن الهدف هذه المرة ليس فقط المشاهدة.. بل إطلاق التحدي المتمثل بالغناء.. وذلك بهدف تشجيع الشباب على تنمية مواهبهم.. وتشجيعهم على التعبير عن أنفسهم من خلال هذا الشكل الفني "مع الأمل الوصول يوما ما في إيطاليا إلى ماهر زين جديد"، وهو مغني راب سويدي مشهور من أصل لبناني قدم عدة أناشيد إسلامية.
وشجعت الجمعية الشباب على غناء أناشيد مكتوبة بالعربية أو الإيطالية أو أية لغة أخرى، وأضاف أنه "سيكون هناك مساحة أيضا للأصوات النسائية من خلال أمسية مخصصة لذلك".
الشادوف لمحمود سعيد بـ2.5مليون دولار:
في صالة مزادات كريستيز بيعت لوحة للفنان المصري المعاصر محمود سعيد بنحو 2.5 مليون دولار.. لتحمل بذلك لقب أغلى لوحة فنية رسمها فنان من منطقة الشرق الأوسط.
وقالت مجلة "لوبوان" الفرنسية إن لوحة "الشادوف" التي قدرت لها صالة كريستيز سعرا يتراوح بين 150 ألف إلى 200 ألف دولار بيعت بـ 2434500 دولار في مفاجأة مدوية بعد منافسة شرسة على شرائها من عدد كبير من المشاركين في المزاد.
وتعد لوحة الشادوف من أشهر أعمال الفنان محمود سعيد المولود في عام 1897 بالإسكندرية إلى جانب لوحة "أشرعة على النيل" و"لوحة منظر من البقاع في لبنان".
فيلم
"فاطمة" و "بعيونهن"
فاز الفيلمان الوثائقيان "فاطمة" و "بعيونهن" بجائزتين في مهرجان غزة الدولي الثاني للأفلام الوثائقية.
حصل الفيلم الوثائقي "فاطمة" على المركز الثاني ، ويحكي عن شخصية فاطمة في رسومات رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي وتمثل.. كما قالت مخرجة الفيلم ريتا اسحق: "المرأة الفلسطينية في كافة مناحي الحياة، والفيلم يجسد معاناة المرأة الفلسطينية سواء في الداخل أو في الخارج".
وحصل الفيلم الوثائقي "بعيونهن" على شهادة تقديرية من لجنة تحكيم المهرجان، ويحكي عن تجربة الإعلاميات الفلسطينيات خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة الفيلم .
كما حصل فيلم "صباحات الاثنين" للمخرجة نور الحلبي على الجائزة الخاصة بأفلام الأسرى مناصفة مع فيلم "حكاية سها" للمخرج مروان الغول.
ويجسد قصة الأسير الفلسطيني من خلال صورته الصامتة التي تشارك صباح كل اثنين في الاعتصام الأسبوعي لأهالي الأسرى أمام مقر الصليب الأحمر في مدينة غزة .
مؤتمر
التكفير: الأسباب، الآثار، العلاج
مؤتمر عالمي استقبلت لجنته المشرفة عليه بالمملكة السعودية 38 بحثاُ من 26 دولة ، تم قبول 225 بحثاً منها في حين رأت اللجنة وجود 11 بحثاً بحاجة للتطوير وذلك وفقاً لما صرح به الدكتور ساعد العرابي الحارثي مستشار النائب الثاني لرئيس اللجنة رئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية.
ينظم المؤتمر بواسطة جائزة نايف بن عبد العزيز آل سعود العالمية للسنة النبوية بمشاركة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
وأكد الحارثي أن الأبحاث الواردة إلى اللجنة تغطي محاور المؤتمر التسعة المتمثلة في: مفهوم التكفير في الإسلام وضوابطه "21 بحثاً"، وظاهرة التكفير: جذورها التاريخية والعقدية والفكرية "15 بحثاً"، والأسباب المؤدية لظاهرة التكفير "42 بحثاً"، شبهات الفكر التفكيري قديماً وحديثاً ومناقشتها وفق الضوابط الشرعية "9 أبحاث".
وشبهات الخوارج والجماعات التكفيرية المعاصرة والرد عليها "9 أبحاث"، والآثار الأمنية والاجتماعية والاقتصادية لظاهرة التكفير "13 بحثاً"، وأثر التكفير في مستقبل الإسلام "7 أبحاث"، ومسئولية مؤسسات المجتمع في علاج ظاهرة التكفير "23 بحثاً"، وعلاج ظاهرة التكفير "23 بحثاً.
قطوف
خيال المآتة
من مقال لفاروق جويدة بالأهرام بعنوان: فقط نريد أن نعيش:
إن فزاعة الإخوان المسلمين يجب أن تتصدر قائمة المشاكل والملابسات والشبهات.. وبعد ذلك كله أكتشف المصريون أن هذه الفزاعة الضخمة والخطيرة التي حشدت لها الدولة المعتقلات والسجون والمؤسسات الثقافية وأجهزة الإعلام لم تحصل علي مقعد واحد في الانتخابات التشريعية.
تري من خدع الآخر هنا؟!!!
هل بالفعل الإخوان يمثلون من حيث الوجود والتأثير الجماهيري هذا النفوذ الطاغي وهذا التهديد الرهيب؟!!!
وأين كان ذلك كله في الانتخابات حيث لم ينجح أحد؟!!
كان عدد الإخوان المسلمين في عهد عبد الناصر18 ألفا في كل أرجاء المحروسة وكانت أجهزة الأمن تعرفهم بالاسم وتسجنهم جميعا إذا أرادت في ليلة واحدة, ولكن الغريب أن يمنح الحزب الوطني للإخوان المسلمين88 مقعدا في انتخابات2005 ويحرمهم من هذا الشرف تماما في انتخابات2010.
فما هي الحقيقة في ذلك كله؟!!!
هل كان هذا بالفعل حقهم في الانتخابات الماضية من حيث الأهمية والتواجد؟!!!
وأين ذهب ذلك كله وتلاشي في انتخابات2010 التي لم يحصلوا فيها علي شيء.. وكيف نصدق بعد ذلك أن الإخوان قادرون كما يقول الحزب الوطني علي الوصول للسلطة؟!!
وهل يعقل أن تنظيما لم يحصل علي صوت واحد في مجلس الشعب يستطيع أن يصل إلي السلطة؟!!
أم أن الفزاعة انكشفت وأصبح من الصعب جدا إخفاء الحقيقة؟!!
وهي أن الفزاعة مجرد "خيال مآتة" صنعته الحكومة لكي تؤدي دورا في مسرحية هزلية.
إبداعات
الممكن والمستحيل.. للشاعر اليابانى/ شونتارو تانيكاوا
من الممكن سرقة الشرف .. لكن الكبرياء تستحيل سرقته ! من الممكن سرقة الكلمات .. لكن الشعر تستحيل سرقته ! من الممكن سرقة البيوت .. لكن السماء الزرقاء تستحيل سرقتها ! من الممكن سرقة الملابس .. لكن العري تستحيل سرقته .. من الممكن سرقة عرش .. لكن القلوب تستحيل سرقتها !!
الملف
بين سيد قطب ونجيب محفوظ
مقال مهم للشاعر شعبان يوسف بصحيفة الشروق:
يا لها من أقدار، اثنان يلتقيان ويتفقان ويتحمس كل منهما للآخر، ثم يفترقان بفعل سياسي حاد، هذا ما كان بين الكاتب الروائي العظيم نجيب محفوظ، والناقد الكبير سيد قطب، وكان سيد قطب، وأصبح علامة كبيرة جدا في مسيرة نجيب محفوظ.
لا نستطيع أن نقول إن سيد قطب هو أول من كتب عنه، لكنه أول من لفت النظر إليه بقوة، واشتد حماسه له بدرجة قصوى، لم تظهر عند أي ناقد آخر، ولم تكن عبارات الناقد الراحل رجاء النقاش في كتابه: «في حب نجيب محفوظ» إلا تصديقا لما نقول.
يكتب رجاء النقاش:
"وكان أول ناقد عربي انتبه إلى أدب نجيب محفوظ هو الناقد الكبير الراحل سيد قطب، وكان أول مقال نقدي مهم عن نجيب محفوظ في الأدب العربي المعاصر هو مقال سيد قطب عن رواية «كفاح طيبة» التي صدرت عام 1944.. كان مقال سيد قطب يعبر عن الترحيب برواية نجيب محفوظ وموهبته الأدبية الكبيرة، ثم جاء بعد ذلك مقال سيد قطب الثاني وكان عن رواية «خان الخليلي»، وكان هذا المقال الثاني للناقد الكبير تعبيرا عن حماسته لنجيب محفوظ وفنه، وتبشيرا قويا بموهبة الفنان الروائي، بعد صمت نقدي طويل، ثم كتب مقالا ثالثا عن رواية «القاهرة الجديدة»، ونشره في مجلة الرسالة".
ويردف رجاء النقاش قائلا ً:
"سيد قطب هو صاحب الفضل الأول النقدي في مجال الانتباه إلى نجيب محفوظ وأدبه، ونجيب محفوظ نفسه يردد كثيرا ــ بوفائه المعهود والأصيل ــ أن سيد قطب «هو أول ناقد يلتفت إليه وينتبه إلى أدبه»، ورغم أن رجاء النقاش كاتب دقيق ومحقق قدير إلا أنه أغفل مقالا رابعا لسيد قطب عن رواية «زقاق المدق»، والمدهش أنه المقال الوحيد الذي اختاره قطب لينشره في كتابه النقدي المهم: «كتب وشخصيات».
وربما لم يكن في علم النقاش بهذا المقال، رغم أهميته ومدى الإشادة التي قالها قطب على فن نجيب محفوظ وأدبه".
ورغم أن مقالين سبقا مقالات سيد قطب، فإن مقالات قطب كان لها دوى كبير في عالم النقد، وكان قطب ــ آنذاك ــ نجما كبيرا، وصاحب مقام رفيع في الكتابة الأدبية عموما، وله كتب أحدثت نقاشات واسعة على مستوى الحياة الثقافية المصرية والعربية، وكانت مقالات اللافتة تملأ الصحف والمجلات، فمنذ بدايته القوية على صفحات جريدة البلاغ الوفدية، لم ينقطع عن الكتابة للصحف والمجلات المتخصصة مثل مجلة «الشئون الاجتماعية»، وغيرها، هذا فضلا عن معاركه المدوية مع كبار الكتاب ــ آنذاك ــ مثل العلامة محمود شاكر، ومحمد سعيد العريان، وغيرهم.
بالإضافة إلى أن المنبر الذي كان يكتب فيه سيد قطب، كان أعلى المنابر الثقافية والصحفية في ذلك الوقت، أقصد مجلة الرسالة، التي نشر فيها مقالاته الأربعة عن روايات نجيب محفوظ، وإذا أغفلنا هذين العنصرين، أي نجومية سيد قطب، وعلو شأن مجلة الرسالة ــ آنذاك، نجد أن الحماس الذي أولاه قطب لروايات نجيب محفوظ، كان حماسا شديدا.
ففي مقاله عن رواية «كفاح طيبة» والمنشور في «الرسالة 25/9/1944، يستهله قطب بـ:
(أحاول أن أتحفظ في الثناء على هذه القصة، فتغلبني حماسة قاهرة لها، وفرح جارف بها).. هذا هو الحق.
أطالع به القارئ من أول سطر، لأستعين بكشفه عن رد جماح هذه الحماسة، والعودة إلى هدوء الناقد واتزانه!)، هذا الاستهلال الذي بدأ به سيد قطب مقاله ظل يهيمن على روح المقال كله، وأود أن ألفت النظر إلى أن حماس قطب للرواية كان حماسا مزدوجا، فمن ناحية كان قطب محتفيا بالإحياء المحفوظي للتراث الفرعوني في رواية «كفاح طيبة»، لأن سيد قطب كما صرح في مقاله، أن هذا التراث لم يكن إلا مجرد محفوظات مسيئة يرددها التلاميذ في المدارس دون إدراك معنى هذه المحفوظات، ودون اشتعال الروح الذي أحدثه نجيب محفوظ في روايته التاريخية، وقارن قطب بين رواية «كفاح طيبة»، وكتاب: (على هامش التاريخ المصري القديم) لعبد القادر حمزة باشا.
فالرواية والكتاب كانا مصدر أمل لبث الروح المصرية القديمة في نفوس المصريين، ويهجو قطب ما سبق من أناشيد بقوله:
«ظللت أستمع إلى تلك الأناشيد الوطنية الجوفاء، التي لا تثير في نفوسنا إلا حماسة كاذبة، لأنها لا تنبع من صلة حقيقية بين مصر وبيننا، وإن هي إلا عبارات صاخبة، تلقى ما فيها من تزوير بالصخب والضجيج).
ثم يثنى على الرواية قائلا:
«هي قصة استقلال مصر بعد استعمار الرعاة على يد «أحمس» العظيم، قصة الوطنية المصرية في حقيقتها بلا تزيد ولا ادعاء، وبلا برقشة أو تصنع، قصة النفس المصرية الصميمة في كل قطرة وكل حركة وكل انفعال».
ولن ننسى أن سيد قطب في هذه الفترة كتب روايته الأولى: «المدينة المسحورة»، والتي يستوحي فيها الحياة المصرية القديمة، وباعثا للأبعاد القومية الأصيلة في هذه الحياة، ويسترسل قطب في تحليله لعناصر الرواية، ومناقشته تفاصيلها، هاتفا ــ مرة ــ بجمالها وصحة منطقها واكتشافه لجوهرها قائلا:
(لقد قرأتها وأنا أقف بين الحين والحين لأقول: نعم هؤلاء هم المصريون، إنني أعرفهم هكذا بكل تأكيد، هؤلاء هم قد يخضعون للضغط السياسي والنهب الاقتصادي، ولكنهم يُحيّون حين يعتدي عليهم معتد).
ومرة أخرى يأخذ على محفوظ بعض الهنات التاريخية، لكنه في نهاية المقال يقرر:
«لو كان لي من الأمر شيء لجعلت هذه القصة في يد كل فتى وكل فتاة، ولطبعتها ووزعتها على كل بيت بالمجان، ولأقمت لصاحبها، الذي لا أعرفه، حفلة من حفلات التكريم التي لا عداد لها في مصر، للمستحقين وغير المستحقين، وهل يوجد تدشين مثل هذا، وإذا كانت هذه فاتحة مقالات سيد قطب، فجاء مقاله الثاني لا يقل حماسا عن مقاله الأول، وهو عن رواية «خان الخليلي».
يقول: "هذه القصة الثالثة هي التي تستحق أن تفرد لها صفحة في سجل الأدب المصري الحديث، فهي منتزعة من صميم البيئة المصرية، في العصر الحاضر، وهى ترسم في صدق ودقة، وفى بساطة وعمق، صورة حية لفترة من فترات التاريخ المعاصر، فترة الحرب الأخيرة، بغاراتها ومخاوفها، وبأفكارها وملابساتها".
ويعتذر سيد قطب للقارئ لأن الرواية كعمل فني يصعب تلخيصه، ولكنه سيحاول أن يتناول الشخصيات بشكل تحليلي، وبالفعل يتطرق قطب لتحليل شخصية أحمد عاكف، وشقيقه وأصدقاء أحمد عاكف، ومقاهي السكاكيني، ويعقد مقارنة بينها وبين «عودة الروح» لتوفيق الحكيم، ولم يخش قطب أن يعلِّى من شأن «خان الخليلي» على «عودة الروح»، رغم أن الحكيم ــ آنذاك ــ كان من أساطين وأساطير الأدب في مصر، فيكتب:
«من الحق أن أقرر أن الملامح المصرية الخالصة في «خان الخليلي» أوضح وأقوى، ففي «عودة الروح» ظلال فرنسية شتى، وألمع ما في عودة الروح هو الالتماعات الذهنية والقضايا الفكرية بجانب استعراضاتها الواقعية، أما خان الخليلي فأفضل ما فيها بساطة الحياة، وواقعية العرض، ودقة التحليل».
ثم يقول: «وقد نجت «خان الخليلي» من الاستطرادات الطويلة، في: «عودة الروح».
فكل نقط الدائرة فيها مشدودة برباط وثيق إلى محورها، ولكن يردف سيد قطب قائلا: «كل رجائي ألا تكون هذه الكلمات مثيرة لغرور المؤلف الشاب، فلا يزال أمامه الكثير لتركيز شخصيته والاهتداء إلى خصائصه».
وإذا كان سيد قطب احتفى بهذه الطريقة في روايتي نجيب محفوظ، فجاء المقال الثالث غاضبا على الحياة النقدية في مصر، التي تغفل كاتبا ومبدعا شابا مثل نجيب محفوظ، والذي لا يرتمي في حضن أحد، ولا يتزلف لناقد، ولا يتقرب من مسئول، ولكنه يكتب ويبدع في صمت ودأب، وفى مستهل مقاله المنشور في مجلة الرسالة 30 ديسمبر 1946، عن رواية «القاهرة الجديدة»، يقول:
«من دلائل غفلة النقد في مصر» التي تحدثت عنها في كلمة سابقة، أن تمر هذه الرواية القصصية «القاهرة الجديدة» دون أن تثير ضجة أدبية أو ضجة اجتماعية».
ويستطرد: «لأن كاتبها مؤلف شاب؟ لقد كان توفيق الحكيم قبل خمسة عشر عاما مؤلفا شابا عندما أصدر أولى رواياته التمثيلية «أهل الكهف» فتلقاها الدكتور طه حسين، وأثار حولها فرقعة هائلة، كانت مولد الحكيم الأدبي».
ويحمل قطب على الحياة النقدية، وعلى طه حسين ذاته، ويعلى قطب مرة أخرى من شأن أدب محفوظ، ويقارنه بأدب الحكيم لصالح محفوظ طبعا، ويكتب: «القاهرة الجديدة شأنها شأن خان الخليلي لا تقل أهمية في عالم الرواية القصصية في الأدب العربي عن شأن أهل الكهف وشهر زاد لتوفيق الحكيم».
ثم يصل إلى ذروة الثناء عندما يقول:
«كان على النقد اليقظ ــ لولا غفلة النقد في مصر ــ أن يكشف أن أعمال «نجيب محفوظ» هي نقطة البدء الحقيقية في إبداع رواية قصصية عربية أصيلة، فلأول مرة يبدو الطعم المحلى والعطر القومي في عمل فني له صفة إنسانية، في الوقت الذي لا يهبط مستواه الفني عن المتوسط من الناحية المطلقة، ويحلل قطب الرواية قارئا لتفاصيلها، وآخذا بعض المآخذ في الرواية، حيث إنه رأى أن نجيب محفوظ، كان قاسيا على شخصية محجوب عبد الدايم، وأنه وصف بعض المشاهد، ليصل إلى بعض النتائج، وكان محفوظ في غنى عن ذلك، ثم عقد مقارنة بين «القاهرة الجديدة» و«خان الخليلي».. وتنبأ في المقال بمستقبل عالمي للكاتب".
ثم يأتي المقال الرابع عن «زقاق المدق» المنشور في مجلة الرسالة مارس 1948، والذي وصل به الأمر ليقول في مستهله:
«نملك اليوم أن نقول: إذ عندنا قصة طويلة، أي رواية.. كما نملك أن نقول إننا نساهم في تزويد المائدة العالمية في هذا الفن بلون خاص، فيه الطابع الإنساني العام، ولكن تفوح منه النكهة المحلية، وهذا ما كان ينقصنا إلى ما قبل أعوام!».
ويشيد قطب برواية «زقاق المدق».. ويضعها في سياق الأدب العالمي، ويستلزم ذلك منه أن يستعرض تاريخ الرواية المصرية منذ أن كتب محمد المويلحى (حديث عيسى بن هشام).. حتى رواية «زقاق المدق»، ويستعرض شخصيات الرواية، مندهشا لقدرة نجيب محفوظ على هذا التكثيف الفني الكبير قائلا:
«هذه الرواية قطعة من حياة معفنة هي حياة الأزقة، فهي قصة من ذلك الجمهور المجهول.. ومهما يكن لنا من المآخذ على روايته فلن يسعنا إلا أن نشهد بأنه ثبت بها قواعد الرواية المحلية ذات الطابع الإنساني، ومن لها في المكتبة العربية، تمكينا».
هذه المقالات المنشورة في المنتصف الثاني لأربعينيات القرن الماضي، تنفى الخرافة التي روج لها المغرضون، وهى أن نجيب محفوظ ظل مجهولا حتى جاءت ثورة 23 يوليو 1952 واكتشفته، وروجت له، لكن الأمر أن قادة يوليو خطفوا نجيب محفوظ، كما خطفوا يوسف إدريس، ووفروا لهم مناخات مناسبة لرعايتهم، لكن محفوظا لم يكن مجهولا ولا غائبا عن الساحة الثقافية والإبداعية بأي شكل من الأشكال، ففضلا عن كتابات قطب، فهناك آخرون كتبوا عن محفوظ مثل أنور المعداوى ووديع فلسطين ومحمد سعيد العريان وأحمد عباس صالح وغيرهم.
وإذا كانت هذه هي صورة نجيب محفوظ عند سيد قطب، فنجيب محفوظ كتب عن قطب فصلا بديعا في روايته المرايا، ووصفه بدقة، وإن تدخل ــ بالطبع ــ عنصر الخيال، ولكن تفاصيل الفصل المعنون بـ «عبد الوهاب إسماعيل» تنطبق معظمها على قطب.. يكتب محفوظ:
«إنه اليوم لأسطورة، وكالأسطورة تختلف فيه التفاسير، وبالرغم من أنني لم ألق منه إلا معاملة كريمة أخوية إلا أنني لم أرتح لسحنته ولا لنظرة عينيه الجاحظتين الحادتين».
وكان في الثلاثين من عمره، يعمل مدرسا للغة العربية في إحدى المدارس الثانوية، وينشر أحيانا فصولا في النقد في المجلات الأدبية أو قصائد في الشعر التقليدي».. وامتاز بهدوء الأعصاب وأدب الحديث فما احتد مرة أو انفعل ولا حاد عن الموضوعية، ولا بدا في مستوى دون مستوياتهم الرفيعة ــ يقصد أساتذته ــ فكأنه ند لهم بكل معنى الكلمة».
وهنا يقرر محفوظ أن سيد قطب فاق أساتذته في التفكير والتحليل والثقافة، ويسترسل محفوظ في سرد حياة عبد الوهاب إسماعيل/ سيد قطب، وعلاقته مع ثورة يوليو، وانضمامه إلى الإخوان المسلمين، وتغيره وتطور نظرته التي وسمت كل المجتمع بالجاهلية.
ورغم تحفظ محفوظ على بعض هذه التطورات، فإن نجيب محفوظ ظل يكن احتراما وتقديرا كبيرين لسيد قطب، ولم ينس أبدا فضله الكبير عليه، وفى التنبيه إلى أدبه، ولفت الأنظار بقوة إلى رواياته، رحم الله الكاتبين الكبيرين، اللذين أثريا المكتبة العربية والإنسانية بأنبل وأجمل الكتابات، والتي تحدد قسمات وملامح هذا الوطن.
نرحب بإبداعات الكتاب والأدباء الشباب.
نرجو من الإخوة القراء التواصل مع محرر النشرة ومده بالأخبار الثقافية على هذا الإيميل:
[email protected]
السبت الموافق:
12/1/1432هـ
18/12/2010
| الإسم | أبو أسماء |
| عنوان التعليق | Made in Japan |
| ما لم يقله الشاعر اليابانى شونتارو تانيكاوا او قال بعضه ولكن حاول ان يستتر....
من الممكن سرقة الكراسى
لكن الشعب يستحيل سرقته
من الممكن سرقة عاشوراء
لكن ايام الله يستحيل سرقتها
من الممكن سرقة الحسين
لكن العقيدة يستحيل سرقتها
من الممكن سرقة جنوب السودان
لكن امة واحدة يستحيل سرقتها
من الممكن سرقة الحداة
لكن الطريق يستحيل ألف يستحل سرقته
|
عودة الى دراسات أدبية ونقد
|