|
قسمة ونصيب .. للشاعر/ هشام فتحي.. واغتراب لا ينتهي تقديم / هشام النجار
كثيرا ً ما أحاول كتابة الشعر وأفشل في مواقف لا يناسبها ولا يصلح لها إلا الشعر.
وقد سبقنا جميعا ً رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في فك شفرة الشاعرية عند هؤلاء القوم البارعين في ترجمة الأحزان والأحاسيس والوقائع والأحداث والآلام والمواقف لكلمات وألحان مغناة.
عندما سأل عبد الله بن رواحة رضي الله عنه:
كيف تقول الشعر؟
فأجاب الصحابي الجليل:
أنظر في ذلك.. ثم أقول.
ومضى ينشد بلا صعوبة ولا تعقيد ولا تلعثم ولا تكلف:
يا هاشم الخير إن الله فضلكم على البرية فضلا ً ما له غير
أنى تفرست فيك الخير أعرفه.. فراسة خالفتهم في الذي نظروا
الأمر أبسط إذا ً مما نتصور: "ينظرون ويقولون".. هكذا بكل بساطة .
وقد حلت هذه النظرية البسيطة إشكالية هذه القصيدة لدى على الأقل .. فقد مررت بتجربة مشابهة جدا ً لتجربة شاعرنا أبى خلاد هذه.. وحاولت مرارا ً رثاء نفسي لنفسي شعرا ً.. وفشلت .
وعندما انتهيت من القصيدة بكلماتها البسيطة.. ومعانيها العميقة.. وأسلوبها القصصي الجميل.
وعندما اكتشفت أن الأمر أسهل وأيسر من كل هذا التكلف وشحذ الذهن والتحايل على المفردات واستحضار التراكيب وبناء الجمل.. عدت سريعا ً واستشهدت بالبيت الأول من القصيدة وقلت: "يا ميلة بختي "!
وقد تذكرت هنا موقفا ً مماثلا جمع بين أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه .. والشاعر متمم بن نويرة الذي اشتهر بحبه الشديد لأخيه مالك .. حتى أنه بعدما قتل ظل يرثيه وظل حزينا عليه إلى أن فارق الحياة .
لدرجة أنه كان يبكى بكاء ً مرا ً شديدا ً إذا رأى قبرا ً.. وإن لم يكن قبر مالك.. فلما لامه بعضهم على ذلك.
قال:
لقد لامنى عند القبور على البكا رفيقي لتذراف الدموع السوافك
وقال أتبكى كل قبر رأيته لقبر ثوى بين اللوى فالدكادك
فقلت له إن الشجا يبعث الشجا فذرنى فهذا كله قبر مالك
فقال عمر الذي كان يتمنى أن يكون شاعرا ً.. وليس بشاعر.. وكان محبا للشعر والشعراء لمتمم:
لو كنت أقول الشعر لسرني أن أقول في أخي زيد ابن الخطاب.. الذي استشهد في موقعة اليمامة .. مثلما قلت في أخيك .
فقال متمم:
يا أمير المؤمنين لو قتل أخي قتلة أخيك ما رثيته بشعر أبدا ً.
فقال عمر: يا متمم ما عزاني أحد في أخي بأحسن مما عزيتني به .
لكنى وجدت رثاء أبى خلاد هذا هو رثاء نفسي لنفسي .. وما عزاني أحد بأحسن مما عزاني به .
وما أصدق هنا قول متمم:
فقلت له إن الشجا يبعث الشجا فذرنى فهذا كله قبر مالك
أنها مرثية يتراقص فيها الشعر بسهولة ويسر كأغاني الأطفال على جراح الفرقة ونزف الاغتراب.
والرثاء كما تعلمناه في الشعر هو مدح الأموات.. وما أشد قسوة الموت عندما يحياه الواحد منا ويتنفسه.. ولما تفارق الروح الجسد "والدنيا إيه من غير حبيب .. والغربة نعش" !
قد يعتب عليه البعض ويلومه .. فأين الأمل وسط هذه الأحزان والكآبة " مكتوب عليا من الأسى ومن الشجي".. "هاتعيش على كد الشباب يدوب".. "نفس الجراح بنعيشها من يوم البداية .. نفس الأسى مكتوب علينا" ؟؟
وما هذا الإصرار على ترقب ساعة الوداع والنهاية: " والشمس مايلة للغروب".. " قالت خلاص ساعة الغروب".. " ساعة الغروب وحبيب بيبعد عن حبيب".. "وتشدني ساعة الوداع" ؟
ولماذا كل هذا الألم وتكرار الأسى والغيوم والضباب والظلام؟
أما أنا فلا ألومه ولا أعتب عليه.. ولا أجده مبالغا ً في تصوير المشهد من البداية إلى النهاية .
لكنى أقول بعد أن عشت تلك التجربة وعرفت جيدا كم هي طويلة ومؤلمة وموحشة وكئيبة ليالي الغربة والبعد عن الحبيب:
لو كنت أقول الشعر لسرني أن أقول في نفسي مثلما قال أبو خلاد .
قصيدة قسمة ونصيب
للشاعر هشام فتحى
وتقول يا ميلة بختي
إيه خلاه يغيب
الليل طويل
والدنيا إيه
من غير حبيب
والغربة نعش
بنرسمه فوق القلوب
وتقول يا ميلة بختي
قال:
قسمة ونصيب
مكتوب عليا
من الأسى
ومن الشجي
في الدنيا أعيش وهموت غريب
هاتي الدفاتر
جنب منّك وانشري المكتوب
فوق الجبين
ما تقولي إيه بس اللي فاضل
في الدفاتر ماشي بالمقلوب
قالت في أول سطر
سكة نعدي فيها
باب كبير مكتوب عليه
قلبك كبير
هتعيش على كد الشباب يا دوب
والسطر لسه بيبتدي
والهم ناشب
ودفاتري لسه بتنكتب
فيها العجايب
يا قلبي مالك كل ليلة بتنتحر
وتنام ليالي غربتك مغلوب
ما تقولي إيه بس اللي فاضل
في الكتاب مكتوب
وقفت شوية بتفتكر
وتقول هشام
وأنا أقولها
ما خلاص يا غالية
من زمان خلص الكلام
ما خلاص ليالي الحلم
تاهت في المنام
وتقول هشام
والشمس مايله للغروب
وأنا دمعتي بتهزني
وتشدني ساعة الوداع
إيه اللي باقي في الكتاب
سطرين اسى
وعيوني تاهت في الدفاتر
شايف هناك سطرين عذاب
سطرين عذاب
وكتابي لسه ما لوش نهاية
سطرين عذاب
ما تقول يا ليل إيه الحكاية
نفس الجراح بنعيشها
من يوم البداية
نفس الأسى
مكتوب علينا
وباقي فيه إلفين رواية
ما تقول يا ليل
إيه الحكاية
بتخبي إيه ؟
هاتي الدفاتر والكتاب
وأنا لسه ف أول صفحتين
مش لاقي حتى فرحتي
وظلام كتير
وغيوم هناك وكتير ضباب
بتخبي إيه
قالت خلاص ساعة الغروب
ولقيت ملامحي بتختفي
وكتابي فيه شعر وقصايد
ولا شفت بسمه في دنيتي
ولا شمع قايد
وتقولي بكره هنفتكر
وأنا أقولها د كلام جرايد
ساعة الغروب
وحبيب بيبعد عن حبيب
ساعة الغروب
ما تقول يا ليل
أمرك عجيب
وتقول يا ميلة بختي
أقول:
قسمه ونصيب
قسمة ونصيب
أبو خلاد هشام فتحي
عضو رابطة الأدب الإسلامي
مصر- المنيا - مطاي- الكوادي
الاثنين الموافق
6-6-1432هـ
9-5-2011
عودة الى ديوان الشعر
|