|
إلى مصر تحية ووفاء للشاعر د/ عدنان النحوي تقديم/ هشام النجار
وجدتني في حيرة من أمري وأنا أقدم لقصيدة خطها يراع واحد من قامات الأدب الإسلامي والعربي في العصر الحديث وهو د/ عدنان على رضا النحوي صاحب التاريخ المشهود في ميدان الفكر الإسلامي .
فالرجل وتاريخه وعطاؤه وتنوع إبداعه وغزارة إنتاجه في معظم فنون وأغراض الشعر أكبر من أن تستوعبه وتوفيه حقه مجرد مقدمة قصيرة .
ويمكننا تلخيص تاريخ عطاء هذا الأديب والمربى والداعية والمفكر الكبير بكل ما قدمه من بحوث ودراسات ومحاضرات ورحلات ومقالات ورؤى نقدية ودواوين شعرية في جملة قصيرة اقتطعناها من مقدمته هو لأحد دواوينه..
حيث قال:
"الإسلام رسالة ربانية يحملها المؤمنون المتقون في شتى ميادين الحياة.. يسخرون كل طاقة فكرية أو علمية أو أدبية لنصرة دين الله حتى تكون كلمة الله هي العليا " .
فما وجدته ولمسته من إنتاج هذا المفكر والأديب الكبير أنه متلبس بشمولية الإسلام الذي يحمل همه ويتنفس هواءه ويستنشق عبيره.. ويبذل ويسخر كل مواهبه وقدراته وطاقاته الفكرية والعلمية والأدبية في كل ميدان يرى فيه نصرة لدين الله وإعزازا ً لأوطانه وخدمة لأبنائه في مشارق الأرض ومغاربها .. حتى تكون كلمة الله هي العليا .
لدينا اليوم قصيدة كتبها شاعرنا الكبير د/ عدنان النحوي في مصر .. ومصر اليوم في حاجة لجهود ومواقف وتضحيات وكلمات المخلصين من محبيها في العالم كله وليس في مصر فقط .
فكيف بمشاعر عالم ومفكر وأديب مخلص للقضية الإسلامية التي تحتل منها مصر مركزها؟
وكيف بأحاسيس شاعر كبير يقلب ذكريات فترة من أجمل فترات حياته قضاها في شوارع وأندية ومنتديات وميادين ومساجد ومكتبات وحدائق مصر ؟
وكيف بأبيات ظمأى إلى شربة ماء من نهر النيل؟
وكيف بحالم رومانسي لا يتغنى بالنيل كمن تغنى قبله.. فهو لا يجده مهوى العاشقين إنما موعظة وذكرى للعابدين.. ولا يجد مصر هبة النيل إنما مصر بنيلها ونخيلها وتاريخها وأبطالها وجنودها هبة من الله الذي أجرى النيل.. وقضى بأن تظل مصر الأبية القاهرة حصن العروبة والإسلام وخط الدفاع عن أراضى المسلمين وحقوقهم ومقدساتهم ؟.
وكيف بإيقاع فنان صنعته الشعر والقافية والأوزان.. وهو يغنى برصانة ووقار وهيبة لوطن كبير من أوطان الإسلام والعروبة.. ينظر إليه العربي والمسلم بمزيج من الأبوة والفخر والحب والدفء والأمل في الخلاص من الظلم والتحرر من الاستبداد ؟
أسئلة كثيرة مشتاقة.. تجد إجاباتها في هذه القصيدة التي كتبها شاعرنا ومفكرنا الكبير في مصر وعنها وعن أشياء أخرى تطل من نوافذ الأبيات تنادى المصريين ليلحقوا بمصر الأمل والغاية والحلم الجميل .
تناديهم لأيادي إخوانهم في العروبة والإسلام.. ممدودة إليهم بالحب والرغبة الأكيدة والتصميم البعيد على العمل سويا لنصرة القضية الإسلامية وللعمل على التمكين لهذه الأمة ورفع رايات عزتها .
إلى مصر .. تحية ووفاء.. وإلى أستاذنا الكبير د/ عدنان النحوي سلاما ً وتحية وإعزازا وإكبارا ً .
فمع القصيدة:
إلي مـصـر تحية ووفـاء
بقلم د/ عدنان علي رضا النحوي
لفَتَـاتُ جِيـدِكِ أم حَنيـنُ الـوادي وهَـوَى الصِّبـا أم بَهَجَـةُ الأعيْـادِ
وربيع سَاحِك أم طيـورُ الدوحِ بَيْـ ـنَ رَوائـعِ التَّغْـريـدِ والإِنْـشَـادِ
رَجَعَـتْ بيَ الذِّكْرى فَيَـا لحنينِهـا وحَـنـانِهـا ومَـرَابِـعٍ ونِـجـادِ
فلكم دَرَجْـتُ على رُبَاك، على ضفِا فِ النّيـل ، بين حَـدَائِـقٍ ونَـوَادي
وأطُـوفُ بَيْنَ ظِلالها ، وأشمُّ مِـنْ عبـقِ الـزُّهـور وخفْـقَـةِ الأورْادِ
وأطُوفُ بَيْنَ مَصَانِع التاريـخ ، بَيْـ ـنَ قِـلاعِهـا وَطـريفهـا وتِـلادِ
ومَنَـازِلٍ لِلعِلْـم تطْلُـعُ عِنْـدَهـا إشـراقــةُ الأبْـنَـاءِ والــرُّوَّادِ
ويمـوجُ في سَاحَاتهـا نُـورٌ يشُـ ـقُّ لهُـمْ سبيَـل هـدايـةٍ ورَشـادِ
وتمـوجُ آمـالٌ وتخفُـقُ أضْـلُـعٌ وتـرفُّ أشـواقٌ ويَعْـبـقِ نــادِ
ونهلـتُ مِنْ تلـك الينابيـعِ التـي رَوّتْ ، وعـدتُ مِنَ الجَنـي بالـزّادِ
ولبسْـتُ مِنْ حُلَلِ الشباب وزهـوه هَـدْيـاً يـزيـنُ وآيـة بـفـؤادي
وجَمَعْـتُ من عَبَقِ الجِنانِ رفيفَهـا ومِنَ التقـى عَزْماً ولَهْفـة شَـادي
خمسـاً قضَيتُ هنا على ربـواتِهـا لـحـنْـاً يُـرَدَّدُ في هـوىً ووِدِادِ
*****
أنّي تلفَّـتَ خاطِـري في سَاحهـا يَلْقـى مِـنْ الذكـرى حنـينَ وهِـاد
الذكريـاتُ رَجَعَنَ يحملْـنَ الهـوى ويَصِلْـنَ أمـجـاداً إلـى أمـجـادِ
ويُعِـدْن من أشواقنا أحْلى الهـوى وثَبـاتِ عَمْـروٍ أو صَهيـلِ جـوادِ
ويُعِـدْن من شَرَفِ الفُتـوح وعُرْوةٍ وَصَـلَـتْ هـوى الأكْبـادِ للأكْبـادِ
وإذا جُنـودُ محمّـدٍ مـلءُ الزمـا ن طلائـع البُشرى وريُّ الصـادي
نسَـبٌ يَشُدُّ من العُرا ويُعيـد مـن أشـواقِ أصـهْـارٍ إلـى عُـبّـادِ
وإذا بدارِك نفْحـةُ المسْـكِ التـي نشَـرَتْـهُ مـكّـةُ في ربـى وبـلادِ
عَبَـقُ النُّبُوة في رُبُوعِـكِ لم يَـزَلْ فـوحَ الوفـاء وخفقَـةَ الأنـجـادِ
*****
يا نيـلُ ! من أيّ الجِنـانِ حَملْتهـا خـيـراتِ سَـاحَـاتٍ ورفَّـة وادِ
ترْوِي الزَّمانَ ، تَشقُّ بَيْنَ صُخُـوره شَـقّـاً غَنَـيَّ الـدفْـقِ والإِمـدادِ
جَـنّـاتُ عـدْنِ ذوّبَـتْ أنفَاسَهـا فَسَكَبْتَـهـا ريّـاً ودفـقَ بَــوَادِ
ونَثَـرْتَ ، يا نيـلُ ، الزهورَ نديّـة وشـيَ العُصـور وحلْـيْـةَ الآمـادِ
ونشَرْتَ في الأفاق عِطْرك فانتشَـتْ وتَلفَّتـتْ شـوقـاً لسِحْـرِ الـوادي
*****
يا نِيلُ ! مَنْ وَهَبَ الجَمالَ ومَنَ تُرى أحيا الغراس جنـىً وطيـبَ حَصَـادِ
من مدَّ أنداءَ الظلال تَرِفُّ في الشطّـ ـين أشـواقـاً ولـهْـفَـة صَــادِ
وَمَن الـذي وَهَبَ النَّسيـم رَفيفَـهُ ونَــداهُ بَـيْـن رَوَائـحٍ وغـوادِ
يا نيـلُ ! من أَجْـرى المياه غنيّـة دفَّـاقَـةً بـالـبــرِّ والإسْـعـادِ
فاخْشَـعْ إلى الرحمـن دفْقُك آيـة للـذاكِـريـن ورحـمـة لِـعِـبَـادِ
*****
يا مِصرُ ! مَنْ وهَبَ الحياة ومدَّ مِنْ نِـعَـمٍ تـظـلُّ غَنـيّـة الإرفَـادِ ؟
فسَلي النخيل على الضِّفافِ وربْـوَةً وسَلـي الجِنـانَ وزهـوةَ الأبْـرادِ
وسَلي الدّيـارَ وكِـلَّ رَبْـعِ خافِـقٍ وسَلـي الطيـورَ بغُصنِهـا المَيَّـادِ
ماذا تُجيبُ ؟! وأسْمَعُ الصوَّتَ النّديَّ يُعـيـدُ مـن شُـوقٍ ومـن تَـردْادِ
أنا نفحـة الإسْـلام كـلُّ أزاهِـري مِـنـه تـظـلُّ غـنـيـة الإمـدَادِ
جَمَّعـتُ مِنْ نَفَحاتِهِ عِطْـرِيْ شـذاً وسَـكَبْتُـهُ مَـدَدَاً بغَـيْـر نَـفَـادِ
أنا دفَقَـةُ الإيْمـان والتوحيـد بَيْـ ـن رُؤى الشَّهيد ووثبَـة الإشهَـادِ
أنـا دُرَّةٌ في عِقـده المنْظـوم لـؤْ لــؤةٌ بـكـنْـزِ عَطَـائِـهِ ورِفـادِ
كـم زَهْـرَةٍ نَبعَتْ على سَاحَاتهـا أو عَـبْـقَـريٍّ كَـانَ كَـفَّ جَـوادِ
تِلْـكَ الميـاديـنُ التـي رَوَّيْتُهـا ستَظـلُّ تـروي جَوْلتَـي وجِهـادي
يا مِصْـرُ طيبـي واخْشَعـي لله في رَهَــبٍ وأشـواقٍ وسَـعْـيٍ هَـادِ
*****
هذي المسَاجِـد والمنَـابِـر أوّبَـتْ لله خَـاشِعـة القُـلـوبِ صَـوَادي
والأزْهـر الفوّاحُ مـلءُ رِحَـابِـه عَبَـقُ التُقَـاة وعَـزْمَـةُ العُـبّـادِ
دارٌ بَنى الإسْـلامُ عـزمَ أساسهـا لتظـلَّ حِصْـنَ رِسَـالـةٍ وجِـهَـادِ
في كـلِّ ناحِيـةٍ عُلـومٌ أشـرقـتْ فـيـه وجـولـة عـالـمٍ وجَـوادِ
كـم مِنْهُـمُ نَبغُوا ، عطاءُ قلوبهـم فَـوْحُ الـزُّهُـورِ ونَفْحَـةُ الأوْرَادِ
منحـوا الحيـاةَ جمالهـا بوفائهـم لله فـي مِـحَـنٍ هـنـاكَ شِـدَادِ
وكأنّهُـمْ مـلء الزمـان كَواكِـبٌ زَهَـرتْ على الـدنيـا بفضْـلٍ بَـادِ
تتـزاحَـمُ الـدنيـا على ساحاتـهِ أممـاً وفـودَ حـواضـرٍ وبــوادِ
الأزهـر الـفـوَّاحُ جـامِـعُ أمـةٍ زَهَـرَت بهـا الـدنيـا وآيُ رشـادِ
****
يا مصْـرُ ! يا أمَلَ الشجيّ ودوحـةً للحـائـريـن ولهْـفـةَ القـصـادِ
يَلْقَـونَ بين رُبـاكِ أنْـداءَ الظـلا لِ مِـنَ الهَجـيـرِ ونَسْمـة الإبـرادِ
ما إنْ وثَبْـتِ لجولـةٍ ورفَعْـتِ را يـة أحْمَـدٍ وخَشيـتِ يَـومَ معـادِ
ونَشـرْتِ دِيـنَ الحقِّ آيَ رسالـةٍ لله عَـزْمــة أكْـبُــدٍ وأيَــادِ
*****
قَدْ كان للإسْـلام عِـقْـد جَواهـرِ نَـبَـغَـتْ وحَـبْـلُ أخُــوَّة وودادِ
فتناثَـرتْ تلك الجواهِـرُ وانطـوى ذاك البريـقُ وغـابَ خَلْـفَ سـوادِ
وتقطّعَـتْ تِلكَ الحِبَـال ومُـزِّقَـتْ تلك الدّيـارُ أسـى ونَـهْـبَ عَـوادِ
في كُـلّ دَارٍ نـكـبَـةٌ وفَـواجـعٌ وبـكـلَّ سَـاحٍ وثـبَـةٌ وتـنـادِ
المُجْرمـون على الدِّيـار تَواثَبـوا كَـيْـداً يُـجَـنُّ بِـعُـدَّةٍ وعـتـادِ
والظالمـون طَغَـوا على ساحَاتهـا نَهـبْـاً مـن الأضَـلاعِ والأكـبـادِ
وتسلّلـوا خَلل الشقـاق وأوغَلـوا فِتَنَـاً هـوانَ القَـهْـر والأصْـفـادِ
*****
المجرِمون طَغَوا يمُـدُّونَ الهـوى شَرْعـاً لـكـلِّ جَـريمـةٍ وفَسَـادِ
مَصُّـوا دِماءَ شعوبهم ورمَوا بهـا مِزَقـاً بقايـا الـروح والأجـسـادِ
داسُـوا على أناتِهِـمْ ! خَنقـوا دَوِ يَّ صُـراخهـم في أضْلـعٍ وفـؤادِ
نَزَعـوا من الأضلاع نبضة عِـزّةٍ ومن الـفـؤاد عـزيمـةً لجِـهـادِ
هـان العبيـدُ على العبيـدِ فَسَيّـدٌ عَـبْـدٌ وعَـبْـدٌ في المـذلّـة بـادِ
يا أمّـة الإسـلام مُـدّي مـن يـد لـيَــدٍ وعـزمٍ صـادقِ الإنْـجـادِ
صَفّـاً يُـرَصُّ كأنّـه البنيـان بَيْـ ـن عَزائِـمٍ صـحَّـتْ وبينَ عِمـادِ
إن لم تَقمْ في الأرض أمَّـةُ أحمـدٍ ضَـاعَ الرجَاء وغاب صَفْـوُ مُـرادِ
الجمعة الموافق
17-6-1432هـ
20-5-2011
عودة الى ديوان الشعر
|