يرويها/ أحمد البري
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
لو اقتصر رفض أبيك لمن يتقدمون للزواج منك علي واحد أو اثنين لأسباب يراها جوهرية ومهمة، لكان لزاما عليك أن تطيعي أمره، وتنزلي علي قراره لأنه بالتأكيد أكثر منك دراية وخبرة بمعادن الناس ومآربهم.
أما مع تكرار رفضه الخطّاب الذين يرغبون في الزواج منك، بلا أسباب واضحة، فإنه لا يحل له ما فعل، وهو لم يعب علي أي منهم دينا ولا خلقا، وإنما وقف منك موقفا متعنتا يسقط ولايته عليك، وينقلها بالتالي إلي أحد أقاربك أو إلي القضاء امتثالا لقوله تعالي «فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف».. ولقد نهي الله عن «عضل» المرأة، أي منعها من الزواج بمن هو كفء لها إذا طلبت ذلك، ورغب كل منهما في الآخر.
وفي هذا المجال يقول معقل بن يسار: «زوجت أختا لي من رجل، فطلقها حتى إذا انقضت عدتها، جاء يخطبها، فقلت له: زوّجتك، وأفرشتك، وأكرمتك، فطلقتها ثم جئت تخطبها.. لا والله.. لا تعود إليك أبدا، وكان رجلا لا بأس به، وكانت أختي تريد العودة إليه، فأنزل الله هذه الآية، وقال لي رسول الله بعدها.. زوجها إياه» رواه البخاري
إلي هذه الدرجة تكون الاستجابة لتزويج المرأة، نزولا علي رغبتها، مادام الأب أو ولي الأمر لا ينكر على من تقدم إليها دينه وخلقه.
ووصف الفقهاء الولي الذي يرفض تزويج ابنته بمن هو أهل لها دون سبب واضح بالفاسق، وينبغي عليه أن يتقي الله فيها، وليعلم أبوك أنه أخطأ في حقك أخطاء فادحة بمحاولاته المتكررة منعك من الزواج أو حتى تزويجك وفقا لمزاجه وهواه، بغير احترام لمشاعرك، فأنت صاحبة القرار النهائي، وأري أنك سوف تصلين إلي مرادك حين يأذن الله، فعليك بتقواه عز وجل، فإنه من يتق الله يجعل له من أمره يسرا، ويرزقه من حيث لا يحتسب، واحرصي علي طاعة أبيك والإحسان إليه، ولا تقابلي قسوته إلا بالصبر والاحتساب، وظني أنه يريد لك الخير، لكنه ضل الطريق، وأساء الحساب، وذلك بفرضه ستارا حديديا حولك، فمنعك من لقاء الآخرين أو التعامل مع الأقارب، وهو لم يفعل ما فعله معك وحدك، وإنما سلك هذا المنهج في حياته بشكل عام، إذ ليس له أصدقاء، ويقابل معارفه أمام المنزل، وأعتقد أنه بالطريقة نفسها يتعامل مع أقارب زوجته.
وبالطبع فلا أحد يوافقه علي صنيعه هذا، ولكن في كل الأحوال لا يجوز أن نعالج أخطاءه بحماقة، أو بأخطاء أخري تضاعف الأزمة، فكرري عليه طلبك بإفساح المجال لك لاختيار من ترغبين في الارتباط به، عندما تشعرين بهدوئه واستعداده النفسي للاستماع إليك.
وبالطبع يجب عليه أن يتبع معك سياسة «الاحتواء» التي يتصف بها كل أب تجاه أبنائه وبناته فيستمع إلي مشكلاتهم، ويلقي عليهم خبراته في الحياة، ويوجههم الوجهة الصحيحة في تعاملاتهم مع الآخرين، ويضع أقدامهم علي أول الطريق السليم، فأبوك يتحمل مسئولية الحالة النفسية المتردية التي وصلت إليها، وعليه أن يغير موقفه منك، ولا يستمع إلي دسائس زوجته، ويعلم أن الله يراقبه، وسوف يحاسبه علي ما اقترفه في حقك بمنعك من الزواج، وأخذه ميراثك من والدتك ومرتبك ومدخراتك، بل إن إقدامه علي ذلك يدخل في باب أكل مال اليتيم، وقد حذر الله تبارك وتعالي من المساس به فقال «أن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا، وسيصلون سعيرا»، وإني أربأ به أن يأخذ شيئا من مستحقاتك ويصرفها لنفسه أو يعطيها لأخيك منه، ولو استمر في صنيعه هذا فسوف يحاسبه الله يوم القيامة حسابا عسيرا، وقد يعجل له الحساب في الدنيا.
وأحذر زوجة أبيك من سوء معاملتك أو الوقوف ضد مصلحتك، فالله يمهل ولا يهمل، وسوف تتجرع الكأس نفسها، ولو بعد حين، ولعل أخاك يعود إلي رشده، ويرفض أن يأخذ من مالك أي مبلغ كبيرا أو صغيرا، بل ويجب عليه أن يكون عضدك في الحياة، ومساندك في الأزمات، فأنت أخته ولك حق عليه.
وأما فتاك الأخير الذي ظل في انتظار موافقة أبيك عامين كاملين، فإنني أنصحه بأن يكرر المحاولة من جديد بصحبة أهله، وأرجو أن يغير أبوك موقفه منك، فيزيل الستار الحديدي الذي أقامه حولك ولا تجدين منه فكاكا، وأقول له:
ماذا يجدي لو كسبت الدنيا كلها وخسرت ابنتك؟.
عد إلي جادة الصواب، واحتو فلذة كبدك، وزوّجها بمن تراه مناسبا لها، فهي الأقدر علي اختيار من يصلح لها، حتى يسعد الجميع بإذن الله.
الأحد الموافق
28 شوال 1435 هـ
24-8-2014 |