أخي الحبيب / أحمد محمد .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته , وبعد
لقد ذكرت في رسالتك أنك شاب حديث التخرج سنة 2007 وعندك أختان تكبرانك ولم يتزوجا بعد .. وقد ظهرت أمامك فتاة طيبة متدينة وخلوقة وأثنت عليها والدتك .. ولكن أختيك رفضتا زواجك قبل زواجهما .. ووصفتاك بالأنانية وحب الذات .. وأنت تسأل عن شرعية زواجك قبلهما ..
وأري والله أعلم أنك أخفيت في رسالتك معلومات هامة لا غني عنها لمن يريد أن يجيبك إجابة صحيحة .
فقد استشعرت أنك لم تذكر هل والدك حي أم ميت ؟وأغلب الظن أنه ميت .. وأنك المسئول الوحيد عن البيت .. كما أخفيت أمرا ً هاما ً آخر ألا وهو هل تسمح إمكانياتكم المادية تزويجك ثم تزويج شقيقتيك .. أم أن زواجك سيأكل كل إمكانيات الأسرة المادية بحيث لا تستطيع بعد ذلك تجهيز شقيقتيك للزواج.
كما لم توضح هل عملت بعد تخرجك أم لا ؟ أم انك ستتزوج وتنفق علي زوجتك المستقبلية من مال عام لك وللأسرة كلها ؟ حيث أنك حديث التخرج ولم تذكر في رسالتك أي إشارة إلي وظيفة حصلت عليها أو مهنة أو تجارة أو صناعة تقوم بها .. وكل هذا يلقي ظلالا ً كثيرة حول رغبتك في الارتباط بهذه الفتاة التي رأيتها مناسبة من كل الوجوه ..
فإذا كان لك مال يخصك ودخل ثابت لك من عملك ويكفيك للزواج فمن حقك أن تتزوج بهذا المال .. لأنه ببساطة مالك .. وقد تكون ممن يجب فى حقهم الزواج لغلبة الشهوة وقوة الشباب كما قال الفقهاء " رضي الله عنهم " ..
وحقك فى مالك الخاص بالزواج أو غيره من التصرفات معروف فى الشريعة الغراء..فقد قال رجل لرسول الله " صلي الله عليه وسلم " " معي دينار " قال : أنفقه علي نفسك ؟ قال : معي آخر قال : أنفقه علي زوجك ؟ قال : معي ثالث قال : أنفقه علي ولدك ؟ قال : معي رابع قال : أنت أبصر به .
وقد ورد في معني الحديث الشريف " ابدأ بنفسك ثم من تعول " ..
ولأنك محتاج إلي الزواج .. وهما محتاجان إليه أيضا ً .. وما دام هذا كسبك فأنت أولي بمالك وكسبك وهذا مباح لك .
أما إذا كان المال الذي ستتزوج به هو مال الأسرة أو إرثكم جميعا ً عن أبيكم .. فإما أن تقسم هذا الإرث أو المال حسب الأنصبة الشرعية التي نصت عليها الشريعة الإسلامية .. وينفق كل من نصيبه علي زواجه .. أو تقوم بمسؤوليتك نحو الأسرة كلها وتقود السفينة وتؤخر زواجك حتي تتزوج شقيقاتك .. وتتبع قوانين البحار في أن الربان هو آخر من يترك السفينة الغارقة بعد الاطمئنان علي سلامة ونجاة الركاب جميعا ً ..
واعلم أن الفقه فقهان :-
فقه القضاء : وهو ما يقضي به القاضي وفقا ً لقواعد الشريعة الثابتة ووفق العدل الذي جاءت به هذه الشريعة العظيمة وفقه الحياة : - وهو أيضا ً مستمد من الدين نفسه أيضا ً ولكنه أعلي درجة من فقه القضاء .. إذ يقوم هذا الفقه علي الإحسان .. ولولا الإحسان ما قامت بيوت كثيرة تقوم مثلا ً علي إحسان الأم أو الأب أو كليهما.
ولولا الإحسان ما قامت حركات إسلامية أو خيرية أو إصلاحية إذ أنها تقوم علي الإحسان لا العدل ..والإحسان درجة فوق العدل .. إذ أن العدل أن يأخذ كل واحد حقه بمقتضي الشرع .. ولكن الإحسان أن يعطي الإنسان الآخرين فوق حقوقهم ويتنازل هو عن بعض حقوقه للآخرين ابتغاء مرضاة الله..وكذلك لكي تصفو له الحياة ويستريح من عناء الحياة مع أناس أنانيين وانتهازيين وظلمة من حوله سواء من أسرته أو أقاربه أو جيرانه أو مرءوسيه أو رؤسائه .
وقد جربت الحياة حلوها ومرها فوجدت أنها لا تستقيم لعبد إلا بالإحسان .. ورأيت أن سيدنا عمر بن عبد العزيز كان عظيما ً حينما ألزم خطباء الجمعة بتلاوة الآية العظيمة التالية في آخر خطبتهم بدلا ً من شتم سيدنا علي بن أبي طالب وهي قوله تعالي " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون "
وما زال الخطباء يرددونها حتي اليوم .. وهذه والله من حسناته الجارية العظيمة .
فكل الأسر الناجحة .. وكل الدول العظيمة .. وكل الجماعات الناجحة إسلامية وغير إسلامية إنما تقوم علي إحسان كبير علي الأقل من بعض أفرادها..ولو لا الأحسان ما أعطت الأم عطاء الأمومة العظيمة وهو أقرب العطاء إلي عطاء الربوبية سبحانه وتعالي ..
فإذا كان لك مال يخصك ويسع نفقات الزواج فزواجك قبل شقيقاتك الكبرى مباح شرعا ً .. وهذا أمر تركه الشرع الحنيف للتوافق الاجتماعي والإنساني في المجتمعات والأسر المختلفة .
أما إذا لم يكن لك مال يخصك وتريد أن تتزوج بأموال تخصكم جميعا ً فلا يجوز لك ذلك .. فهذا من الظلم من ناحية وعدم الرجولة والأنانية من ناحية آخري .,. وتكون بذلك قد جمعت بين السوأتين .. وينبغي علي مثلك وأنت رب السفينة اليوم أن تتعامل بالإحسان مع والدتك وشقيقاتك وألا تتخلي عن قيادة السفينة حتي تصل إلي شاطيء الأمان .. وحتي تنجو رعيتك لتفكر بعدها في نجاتك .. فالقائد يجوع لتأكل رعيته ..ويلبس القديم لتلبس رعيته الجديد .. ويؤخر زواجه من أجل أن تتزوج رعيته الضعيفة قبله .. فإذا فعلت ذلك أكرمك الله كرما ً لا حدود له وتنزلت عليك جوائز السماء في الدنيا والآخرة ..
وفي الحديث الشريف الجميل " ما ترك أحد شيئا ً الله إلا عوضه الله خيرا ً منه "
وإذا كانت هذه الفتاة حقا ً طيبة ومتدينة فستنتظرك حتي تؤدي رسالتك نحو شقيقاتك .. وسوف تكبر في عينها .. وسوف تشعر أنها تزوجت رجلا ً يعشق الخير ويقدمه علي نفسه وهواه ....
وفقك الله للخير .. ولك تحياتي ودعواتي ..... |