
الابن صاحب الرسالة: السلام وعليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد,, يمر الإنسان في مشوار حياته بمراحل عدة.. ولكل مرحلة أهميتها في حياته وتكوينه الجسدي والعقلي, كما أن كل مرحلة تترك أثرها على الفرد.. مكونة في النهاية سماته الشخصية التي تصاحبه مدى الحياة, ولمرحلة الطفولة بالذات أثر كبير على تكوين شخصية المراهق .. فهناك أخطاء ً كثيرا ً ما يقع فيها الآباء في تلك المرحلة .. قد تؤدى بالطفل إلى منعطف لم يكن متوقعا في حياته.. كأن يكون الأب مسرفا ً في تدليله لطفله مما ينتج عنه شخصية واهية لا تستطيع تحمل المشكلات وتضيق بأقل وأهون العقبات .
وتأتى مرحلة المراهقة امتدادا ً لمرحلة الطفولة.. لتكمل خطوط الشخصية الغير سوية التي كانت نتاجا ً لطفولة أيضا ًغير سوية., إنني أعتقد أن شخصية الشاكي ما هي إلا نتاجا ً لأسلوب غير تربوي تعرض له في بداية حياته.
ويتضح ذلك من رسالته.. حيث ذكر أنه يعيش مع جدته.. مما يجعلني أفكر مليا ً في النتيجة المتوقعة من تربية الطفل بعيدا ً عن حضن والديه.. وافتقاده للدفء والحنان والأمن في ذلك الحضن الرباني.. حيث لا يوجد هناك عطاء مثل عطاء الأم.. فهو عطاء بلا حدود.. بل عطاء دون مقابل.. ولا يشبه عطاء الربوبية عطاء سوى عطاء الأم .
ولعل ما جاءت به السنة المطهرة من هديه (صلى الله عليه وسلم) مع الأطفال منذ ولادتهم إشارة لبداية ربطهم بالدين والتنشئة عليه.. فأمرنا بالأذان في أذنه وتحنيكه.. كذلك حض (صلى الله عليه وسلم) على تربية الابن تربية على الصدق والأمانة والإخلاص .
ومن الأهمية أن نعلم أن القدوة من أساسيات التربية .. فحيث القدوة السليمة نجد المحصلة شباب أسوياء إلى الله أقرب.. وعن المحرمات أبعد.
وحيث القدوة السيئة نجد شبابا ً بعيدا ًعن الله.. ينزلق فيما حرم الله من محرمات .. ولا يقع على عاتقه كل المسئولية في هذا, ولكن يجب ألا ننسى أن شخصية الطفل تتكون في الخمس سنوات الأولى من عمره.. والتي كثيرا ً ما تلاقى إهمالا ً من الآباء لعدم الوعي الكامل بالطريقة المثالية لتربية أبنائهم.
الابن صاحب الرسالة:
من رسالتك أستطيع أن أتوقع أنك نشأت في غير طاعة الله .. فلم تتلق ممن قام على تربيتك ما يوجهك توجيه سليم لنشأة دينية سليمة.. تخاف فيها الله وتحترم وتوقر كبيرك.
وقد بنيت اعتقادي هذا .. لأن الإنسان قد يخطئ في تعامله.. لكن أن يصل به حد الخطأ لأن يقتل نفسا حرم الله قتلها إلا بالحق.. فهذا غير مقبول, لأنه بذلك يكون قد أغضب الله سبحانه وتعالى غضبا ً عظيما ً بارتكابه كبيرة من الكبائر وجاءت الآيات الكريمة بما يفيد ويؤكد التحريم في قوله تعالى: " مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً ", وقوله سبحانه: " وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا" صدق الله العظيم .
وكذلك لم تخل الأحاديث من التحذير من القتل ففي الحديث المتفق عليه عن ابن مسعود رضي الله عنهما.. عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء".
الابن صاحب الرسالة:
لن أهون عليك ما فعلته .. ولكن أدعو لك الله سبحانه وتعالى أن يرزقك باليقين ما يهون به عليك من مصائب الدنيا.. وأن يهب لك فرجا ً عاجلا ومخرجا ً رحبا ً مما أنت فيه من حيرة النفس والشعور بالذنب.
ولكن تعالى معي نضع برنامجا ً تسير عليه.. لعلك تصل من خلاله إلى رحمة ربى وغفرانه, ولا أخفى عليك أن هذا البرنامج لن يكون إلا من القرآن والسنة.. لأن ما اقترفته لم يكن سببه إلا ابتعادك عنهما .
أولا ً:
اعترافك بالذنب بداية لا بأس بها.. فأول طريق التوبة هو مواجهة النفس بالخطأ وعدم تهوينه عليها .. والتضرع إلى الله الغفور التي وسعت رحمته كل شيء هي بداية التوبة, بل يجب عليك أن تسأل الله سبحانه وتعالى التوبة وتجاهد من أجلها: " وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا", وجهاد النفس هنا يكمن في محاربة الشر فيها ومخالفتها.. حتى تلتزم بالحق وتدع الباطل حتى تكون توبتك توبة نصوحة: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ", واسأل ربك العفو واندم على ما مضى.. واعزم على عدم العودة إلى ما يغضب الله سبحانه وتعالى.
واعلم أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له .. ولا تنسى قول الله سبحانه وتعالى: "قل يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ".
ثانيا ً:
لا تنسى قول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ".
وهنا أجد أنك يجب أن تستسمح ذويك وتقر لهم بذنبك وتعترف بندمك وخوفك الشديد من عقاب الله.. وأنك تبت إلى الله.. وتطلب منهم العفو حتى تبرأ ذمتك منهم.
لأن حقوق العباد مقرونة بمسامحتهم .. وأن الله سبحانه وتعالى يسامح في حقه ويعفو.. أما حقوق العباد فهي معلقة حتى يتسامحوا فيها.
بل وأنصحك بالإكثار من الصوم وقراءة القرآن والإحسان إلى الناس.. فالحسنات تذهبن السيئات بإذن الله .
ثالثا ً:
في رسالتك قلت: " لن أسامح من كنت أتحدث معهم على الهاتف .. لقد جننوني وكانوا سببا ً في ضياعي وسببا ًفي قتلى لجدتي", وهذا إن دل على شيء.. فإنما يدل على أنك اكتشفت أن صحبتك السيئة كانت سببا ً في ضياعك .. وهذا هام جدا ً.
فالحرص على اختيار الصحبة الحسنة من أسباب السعادة في الدنيا والآخرة.. لأن المرء على دين خليله, وقد وصى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) على اختيار الأخلاق في الحديث الشريف قال: "مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير.. فالجليس الصالح مثل حامل المسك.. إما أن يحذيك .. وإما أن تبتاع منه.. وإما أن تجد منه ريحاً طيبة.. وأما نافخ الكير فهو إما أن يحرق ثيابك.. وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة".
فاحرص يا بني على اختيار الصحبة.. واحرص على مرافقة الصالحين حتى تغترف معهم من مناهل حب الله ورضوانه .. وتذوق سعادة لا يعرفها إلا العارفون بالله .
رابعا ً:
أود أن أنصحك بالإكثار من الاستغفار.. وهناك سيد الاستغفار وهو أفضلها.. وهو أن يقول العبد: "اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت.. خلقتني وأنا عبدك.. وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت.. أعوذ بك من شر ما صنعت.. أبوء لك بنعمتك عليّ.. وأبوء بذنبي.. فاغفر لي.. فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت".
ويجب أن تعلم أن الله غفور رحيم .. وتخاف الله في نفس الوقت.. فالله شديد العقاب لذا يجب عليك أن تكون مداوما ً على الندم على ما فعلت.. وعاملا على خشية الله .. قال تعالى : "وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ . أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ".
خامسا ً:
يجب عليك أن تدعو لجدتك دائما بالرحمة .. وأن تتضرع إلى الله أن يغفر لها ولسائر المسلمين وإن فعلت ذلك أخذت بعدد المسلمين حسنات.. وكما تعرف فالحسنات يذهبن السيئات كما جاء في قوله تعالى: " وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ", أخيرا ً.. دعواتي لك أن يتغمدك الله برحمته الواسعة.. وينشر عليك رضوانه ويهديك وإيانا والمسلمين سواء السبيل .. اللهم آمين .
ملحوظة هامة:-
على كل من لديه رأي أو حل آخر للمشكلة أو أي مشكلة أو تصور آخر للحل .. فعليه أن يكتبه في التعليقات.. إثراء للموقع وإضافة لهذا الباب الهام منه.. وتطويرا ً له.. وجزآكم الله خيرا
الاثنين الموافق
20-6-1432هـ
23-5-2011 |