
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وصلى الله عليه وسلم وبعد,, أسأل الله أن يهدى ابنك هذا وكل أبناء المسلمين.. وأن يجعلهم من الصالحين القانتين البارين بوالديهم .. أمين
سيدتي الفاضلة:
كم كنت أتمنى أن أقول لك أن مشكلتك هذه غريبة وغير معقولة.. وأن ابنك هذا حالة فريدة من نوعها وغير متكررة.. ولا توجد إلا بنسبة واحد في المليون مثلاً.
لكن للأسف الشديد يا سيدتي الفاضلة أن مشكلتك هذه ليست الأولى ولا الأخيرة.. بل إن عقوق الوالدين أصبح ظاهرة تستوجب الدراسة.. فهي تهدد المجتمع تهديدا ً خطيرا ً.. بل وتقوض استقرار الأسرة التي هي لبنة المجتمع.
وأعتقد أن هذه المشكلة يجب أن تدرس علي مستوى المجتمع كظاهرة اجتماعية خطيرة.. ولابد أن تعالج قبل أن تستفحل وتستعصي علي الحل.
ولو نظرت إلي صفحات الحوادث لوجدت ما يندى له الجبين.
فمن شابٍ يضرب والدته .. إلى شابٍ يسرق أموال والده.
ومن شاب يودع والدته بدار للمسنين ليتزوج في شقتها .. إلي شابٍ يقتل والده ليستولي علي ميراثه.
وهكذا يتسع الخرق على الراقع.
- كيف هذا ونحن أمة " وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ".
- ونحن أمة " فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا "
- ونحن أمة " يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ "
- ونحن أمة " وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً "
- ونحن أمة (أمك .. ثم أمك.. ثم أمك .. ثم أبوك )
ودعيني أسأل:
ما هو سبب ازدياد ظاهرة عقوق الوالدين في هذه الأيام؟
نعم هذا سؤال في غاية الأهمية.. فتشخيص المرض تشخيصًا دقيقًا هو أول خطوات العلاج الناجح .. ويمكننا في هذا المقام حصر الأسباب الآتية: -
- أولاً: البعد عن الدين
- ثانيًا: نظام التعلــــيم
- ثالثًا: أساليب التربية
- رابعًا: الإعــــــــلام
لو نظرنا إلي هذه ألأسباب الأربعة " الدين , التعليم ,التربية , الإعلام " لوجدنا أنها العوامل التي تشكل وجدان الأمة وتصنع ضمير المجتمع.. وهى منظومة لو صلحت لصلح حال الأمة قاطبة.
ولو اختلت فستؤدى بالضرورة إلي خللٍ في منظومة القيم التي تحكم المجتمع .
من هنا اسمحي لي أن أهمس في أذنك أولاً وأقول لك أن ما يحدث من ابنك هو الناتج الطبيعي لما ذكرتيه في طرحك للمشكلة " فهو الابن الوحيد.. وهو الذي أتى بعد طول انتظار .. وهو الذي نشأ مدللا ً .. وهو الذي لم تبخلوا عليه بالمال .. وهو الذي قمتم بتعليمه في التعليم الخاص.. وهو .. وهو....
فالواضح أن التربية تم التركيز فيها على الحب والحنان والإنفاق والتدليل .. ولكن اغفلتم تعليمه أمور دينه وكيفية احترام الوالدين ووجوب طاعتهما.. وحرمة عصيانهما.. أو رفع الصوت في الحديث معهما: " وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ".
بل وأغفلتم تعليمه كيف يتحمل المسؤولية .. فحتى الآن تقولين أنك تبيعي كل ما تملكين لمساعدته في زواجه .. وهو لا يزال يطلب منك المال ليظهر أمام خطيبته بالمظهر اللائق.. وأن مرتبه لا يكفيه لأسبوع واحد .. برغم أن مرتبه يزيد علي الخمسة ألاف جنيه شهريًا.
هذا النوع من التربية يا سيدتي لا يصنع رجلاً يتحمل المسؤولية.. فإذا كان مرتبه في فترة الخطوبة لا يكفيه لأسبوع واحد ويعتمد عليكِ اعتمادًا أساسيًا .
- فكيف إذا تزوج وأنجب.. وأصبح مسئولاً عن أسرةٍ وعن زوجةٍ وعن أولاد؟!!!
- وإذا كان لا يعرف حقوق والدته وكيف يكون بارًا بها وكيف يرعاها- وهى المسنة والمريضة.
- فهل سيعرف حقوق زوجته وأن يكون باراً بها وبأولاده بعد ذلك؟.
لا أظن
- عمومًا قد كان ما كان .. ولا داعي للبكاء على اللبن المسكوب.. فما هو الحل إذاً في الوقت الراهن ؟
اعتقد أنه لابـــــد من تعويض المفقود أولاً.
نعم لابد لهذا الابن أن يعود إلي رشده أولاً.. فهو في حالة من الغفلة والذهول.. ولا وازع له ولا رادع.
فهو ليس بالإنسان الملتزم الذي يمنعه دينه من عصيان والدته.. بل أنه يشعر أنه لا رادع له الآن .. فالوالد قد توفي والأم ضعيفة ومريضة.. و يدرك في قرارة نفسه أنه يستطيع أن يفعل كل ما بدا له.. وخاصة أنه يشعر أنك تستجدين مودته ومحبته .. ولن تقدري على مواجهته بالحق والحقيقة.
هذا الابن إن لم يجد من يكبح جماحه.. فسوف يكون مصيره الضياع والعياذ بالله.. فلا بد من السير في اتجاهين متوازيين : -
أولاً:- الاستعانة بالصالحين من أقاربه أو أصدقائه الذين لهم تأثير عليه ليذكروه بالله.. ويعيدوه إلي رشده.. ويوقظوا ضميره.. ويذكروه بوجوب طاعة والدته وحسن معاملتها .. وحرمة عصيانها خصوصًا إذا كبر سنها: " إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً ".
ويذكروه بخفض الجناح في معاملته مع والدته: " وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً", وكذلك قول النبي (صلى الله عليه وسلم): "أمك .. ثم أمك.. ثم أمك "
وتعليمه أنه لن يفلح في حياته إلا إذا رضي الله عنه .. ولن يرضي عنه سبحانه وهو عاق لوالدته .
ثانيًا: أن يقوم هؤلاء الأقارب بتعريفه أنهم لن يتركوه يعامل والدته بهذه الطريقة.. وأنهم لن يقفوا بجواره إذا احتاج إليهم في أي لحظة .. وأن هذه الأموال التي ينفق منها بهذا الإسراف الشديد هي أمواله التي يجب أن يحافظ عليها .. وأنه يجب أن يكون على مستوى المسئولية فهو مقبل على زواج.
وعليهم أن يلوحوا له بشتى الطرق أنه إذا لم ينضبط فسوف يحجبون عنه هذه الأموال حتى يعود إلي رشده.
ثالثا ً: على الأم السائلة أن تكون قوية الشخصية مع ابنها .. ولا تكرر مع ابنها أخطاء الماضي.. و لا تظهر أمامه الضعف أو استجداء الحب والحنان .
- وعليها أن تكون قوية معه ولو مرة واحدة .. وألا تعطيه شيئا ً من الأموال التي معها .. حتى لا يفسد أكثر وأكثر.
- وعليها ألا تظهر أمامه حاجتها الماسة إلي رعايته وعنايته وحبه ورده للجميل ..حتى وإن كان ذلك يمور في وجدانها مورا ً.
- فإذا رأى الحزم والعزم منها تطورت شخصيته إلي الأحسن.. وأدرك مسئولياته تجاه الجميع .
- وأنه الآن في زمن العطاء وليس الأخذ .. وفي زمن بذل الحب والعطف والحنان والاهتمام وليس في زمن أخذه.
- فقد أخذ كثيرا ً كثيرا ً دون أن يشاركه أحد في هذا الأخذ المتواصل وعليه اليوم أن يعطي.
- فإذا لم يفهم ذلك وحده أفهم بطريقة عملية قوية وجريئة .. وكفى تدليلا ً يا سيدتي الفاضلة .. فهذا الذي أفسده وضيعه.
أخيرًا فإني أنصح والدته بدوام الدعاء لهذا الشاب ولغيره بصلاح الحال والعودة إلى صراط الله المستقيم.. أمين
ملحوظة هامة:-
على كل من لديه رأي أو حل آخر للمشكلة أو أي مشكلة أو تصور آخر للحل .. فعليه أن يكتبه في التعليقات, إثراء للموقع وإضافة لهذا الباب الهام منه.. وتطويرا ً له.. وجزاكم الله خيرا
الاثنين الموافق
13-9-1431هـ
23/8/2010م |