| الإجابة: |
الابن الحبيب:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وتحية مباركة ودعوات لله الغفور الرحيم أن تدركك وتدركنا رحمة الله الواسعة وغفرانه , اللهم آمين .
في بداية حديثي معك أود أولا ً أن أوجه كلمة لكل أسرة, وهى أننا يجب علينا أن نتذكر قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في الحديث الشريف: " إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه, إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ", فبهذا الحديث الشريف نكون قد أحسنا الاختيار أسوة بما أمر به سيد الخلق وأشرفهم, كما أننا بذلك نكون قد وقفنا حائلا ً بين أن نرمى ببناتنا إلى من يملك من حطام الدنيا أكثر, والقينا ببناتنا إلى ما هو فان وليس ما هو باق.
وبالنسبة لصاحب الرسالة فإنك لم تذكر سبب رفض هذه الأسرة لك أكثر من مرة, وأعتقد أنك من الناس الذين ينطبق عليهم حديث الرسول (صلى الله عليه وسلم), حيث أنك حاولت أكثر من مرة اللجوء للقنوات الشرعية التي حللها الله ولكن باءت محاولاتك بالفشل, ولا يعنى هذا أننى أبرر لك خطأك, ولكن لو أنك فكرت قليلا ً في معنى الحديث الشريف: " احفظ الله يحفظك, احفـظ الله تجده تجاهك, إذا سألت فاسأل الله, وإذا استعنت فاستعن بالله, واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لـم ينفعـوك إلا بشيء قـد كتبـه الله لك, وإن اجتمعوا على أن يضرّوك بشيء لم يضرّوك إلا بشيء قد كتبه الله عليك, رفعت الأقلام وجفّت الصحف ", رواه الترمذي.
أقول أنك لو تمعنت في معنى الحديث لعلمت علم اليقين أنك لن تأخذ أكثر مما قسم الله لك, ولن تحرم من شيء كتبه الله لك, ولكن الشيطان تسلل إليك من خلال نقطة ضعفك وهى شغفك بحبيبتك وخيل لك, بل يسر لك أن طريق الوصول إليها لن يتم إلا بغير ما أحل الله, وما ترك لك إلا الندم والألم.
ولذا فإن هذه الأسرة تتحمل جانبا ً كبيرا ً من الإثم لأنها جعلت الحلال صعبا ً, بل وساعدت فى تيسير الحرام, أهيب بكل أسرة أن تفكر أكثر من مرة, بل تفكر جيدا ً عندما يطرق بابها خاطب لفتاة لهم, فليتنا نختار لبناتنا بنفس المعايير التى ذكرت فى الحديث الشريف.
ولا يفوتني أن أنوه هنا عن الخطأ الجسيم الذى وقعت فيه الفتاة التى مارست الحرام مع رجل لا تعلم إذا ما كان ما سوف يفى بوعده معها بعد ما نال كل ما يرغبه منها .
فترى ماذا يحدث لو تنكر لها بعدما وقعا في المعصية, أو راجع نفسه محدثا ً إياها أن تلك الفتاة قد فرطت فى نفسها معه , فما يدريه أن تفرط مع غيره.
أكانت تستطيع أن تجنب نفسها وأسرتها إحساس الخزي والعار الذي سوف يلحق بهم مدى الحياة, ولكن من رحمة الله بهذه الأسرة أن ذلك الرجل يخاف الله, وحاول أن يصلح ما أفسده عليه الشيطان, ويعود سريعا ً إلى طريق الله خائفا ً تائبا ً راجيا ً عفو ربه.
الابن الكريم:-
لن أهون عليك ما اقترفت من ذنب جسيم, فقد أغضبت الله سبحانه وتعالى بما فعلته, وقد شدد الله وعيده في ذلك, وحذر منه في كتابه الكريم في مواضع كثيرة, ومنها قوله تعالى: " وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً ", كذلك لم تخل السنة النبوية من بيان وتحذير, حيث روى الإمام أحْمد في مسنده بسندٍ صحيح عن أبي أمامة - رضي الله عنْه - أنَّه قال: " إنَّ فتى شابًّا أتى النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: يا رسول الله ائذنْ لي في الزِّنا, فأقبل القومُ عليْه فزجروه وقالوا: مَهْ, مه.
فقال - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: "ادنه, فدنا منه قريبًا فجلس, فقال - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: "أتحبُّه لأمِّك؟" قال: لا والله, جعلني الله فداك, قال: "ولا النَّاس يُحبُّونه لأمَّهاتِهم", قال: "أفتحبُّه لابنتِك؟", قال: لا والله يا رسول الله, جعلني الله فداك, قال:"ولا النَّاس يُحبُّونَه لبناتِهم", قال: "أفتحبُّه لأختك؟", قال: لا والله, جعلني الله فداك, قال:"ولا النَّاس يُحبُّونه لأخواتِهم", قال: "أفتحبُّه لعمَّتك؟", قال: لا والله, جعلني الله فداك, قال: "ولا النَّاس يُحبُّونه لعمَّاتهم", قال: "أفتحبُّه لخالتك؟", قال: لا والله, جعلني الله فداك, قال: "ولا النَّاس يُحبُّونه لخالاتِهم", قال: فوضع رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يدَه عليه, وقال: "اللهُمَّ اغفِر ذنبَه, وطهِّر قلبَه, وحصِّنْ فرْجَه فلم يكن الفتى بعد ذلك يلتفِت إلى شيء", وكما أنني لا أهون عليك, فمن واجبي أيضا ً أن أذكرك بأن الله غفور رحيم, وإن باب التوبة مفتوح للإنسان حتى الغرغرة , وأن الله سبحانه وتعالى يحب عبده التائب كما جاء ذلك في الحديث القدسي في قوله تعالى: " عبدي لو أتيتني بقراب الأرض خطايا لأتيتك بقرابها مغفرة ", وكذلك حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم): " كل بني آدم خطاء, وخير الخطائين التوابين ", ومن رسالتك أستطيع أن أرى أنك نادم على ما فعلت, وليس ذلك فقط, وإنما حاولت جاهدا ً على رد الحقوق إلى أصحابها بمحاولتك الاقتران بمن أخطأت معها, ورددت لها اعتبارها , ولم تحاول استغلال انكسار أسرتها وتتشرط عليهم, بل تعاملت معهم كما لو كانت زيجة طبيعية لم يشوبها شائبة, وهذا في اعتقادي ما يخفف من حدة ما اقترفت في حق هذه الأسرة التي ضاعت بهجتها وانكسرت فرحتها في هذه الزيجة .
الابن الغالي:
بقى لنا أن نتكلم في الأهم, وهو حق الله عليك حتى تدركك رحمته سبحانه وغفرانه , فأنت بمعصيتك لله لم تطبق ما جاءت به شريعتنا الإسلامية السمحاء.
نعم, فالشريعة لم تأت لحرماننا من نيل ما نتمناه من السعادة, بل جاءت لترسم لنا الطريق إلى السعادة الحقيقية الدائمة والتي لا يشوبها ظلم لأحد , بل إنها سعادة الدنيا والآخرة , ولو صبرت وحاولت لكانت تلك الزوجة من نصيبك, ولكنك استعجلت الفوز بها وأنساك الشيطان حق أسرتها عليك.
بل والأهم من ذلك أنه أنساك حق الله عليك, وكما ترى فإنك إلى الآن يثقل كاهلك ما اقترفته في حق الله سبحانه وتعالى وينغص عليك سعادتك الوهمية التي استعجلتها, حيث لا سعادة في معصية الله .
ولكن بما أنك جئت الله تائبا ً, فلا تقنط من رحمته التي أدركت من قبل من قتل تسع وتسعون نفسا ً, ثم أتى الله راغبا ً أن يغفر له سبحانه وتاب الله عليه والحمد لله.
ولكن أذكرك دائما بأن تحاول جاهدا كل الجهد بمعاملة أهل زوجتك أحسن معاملة, حتى تستطيع أن تمحو من نفوسهم ما أوجدته ظروف زيجتك من ابنتهم من ألم وانكسار نفس.
لعلك بذلك تكون استطعت رد الجزء الباقي لهم من مظالمهم بعد أن قمت برد جزء من تلك المظالم بزواجك من ابنتهم, وأدعو الله لك أن تكون تلك الأسرة ممن من الله عليهم بفضيلة التسامح , حتى تكون قد أتممت رد مظالمهم, وأنت ترد مظالم العباد لا تنسى حق الله عليك, وهذا الحق يتمثل في:
أولا ً: السعي والإلحاح على الله في الدعاء بأن يتوب عليك, وأنت على يقين من أن رحمة الله وسعت كل شيء , وأن الله سبحانه وتعالى غافر الذنب وقابل التوبة بإذن الله تعالى.
ثانيا ً: لا يغرنك الشيطان وينسيك ما اقترفت ويلهيك عن الإلحاح في طلب عفو الله بحجة أن الله غفور رحيم, فكما أنه سبحانه الغفور الرحيم, فإنه شديد العقاب لمن غفل عن ذكره سبحانه وعصاه " غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ".
ثالثا ً: أراك خائفا ً أشد الخوف من عقاب الله سبحانه وتعالى وهذا جميل, ولكنني أود أن أنبهك إلى أنك يجب أن تقرن هذا الخوف بالرجاء, حتى لا يدخل إليك الشيطان من باب الخوف ويقنطك من رحمة الله سبحانه وتعالى, ويلهيك في الخوف عن طريقك المنشود , وهو طريق النجاة وهو ذكر الله واليقين بأنه سبحانه كما هو شديد العقاب فأنه سبحانه الغفور الرحيم .
رابعا ً: أعمل دائما ً وجاهدا على التقرب إلى الله سبحانه بالأعمال الصالحة , ولا تنسى قوله سبحانه: " إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ".
وقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): " أتبع السيئة, الحسنة تمحها ".
فمثلا أكثر من قراءة القرآن وتدبره, فإنك تنال بكل حرف فيه حسنة, وأن تأتى بما أتى به رسول الله (صلى الله عليه وسلم), أكثر من صيام النوافل حتى تنال شفاعة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوم القيامة, اختر يوما من أيام الصيف شديدة الحر وصمه, فإنه يبعدك عن النار بإذن الله كما جاء في الحديث الشريف: " من صام يوما ً في سبيل الله, باعد الله بذلك اليوم حر جهنم عن وجهه سبعين خريفا" .
خامسا ً: داوم على الاستغفار, ولا تنسى قول الله تعالى: " فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً ", داوم على فعل الخير للآخرين, وأحسن إليهم منفذا قول الله تعالى: " إن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ".
ولن أذكرك بأن أوجه الخير كثيرة لا تعد ولا تحصى, وإن أكثرت من قراءة القرآن لن تحتاج إلى من يرشدك إلى تلك الأوجه, وأخيرا ً دعواتي لك ولى وللمسلمين جميعا ً أن تدركنا رحمة الله وغفرانه, اللهم آمين.
ملحوظة هامة:-
على كل من لديه رأي أو حل آخر للمشكلة أو أي مشكلة أو تصور آخر للحل, فعليه أن يكتبه في التعليقات إثراء للموقع وإضافة لهذا الباب الهام منه, وتطويرا ً له, وجزآكم الله خيرا.
الخميس الموافق
8-2-1432هـ
13-1-2011 م |