|
يوميات مواطن عادي(172) .. عبد الله بن عفيف بقلم أ/ صلاح إبراهيم
لا تمر ذكرى عاشوراء على ذهني إلا وأضاء هذا الاسم الكريم بأعذب الضياء وأطيبه .
فمن المعروف بأن يوم عاشوراء هو اليوم الذي نجي فيه الله بني إسرائيل وسيدنا موسى من الغرق في اليم حين انشق لهم حتى عبروه.. ثم لم يرجع إلى أصله حتى نزل فيه فرعون بجنوده فاحتواهم البحر جميعا ً وأبتلع جثثهم .. بينما لفظ جثة فرعون مصر لتكون لمن خلفه آية وعبرة وعظة .. ولم يستثن القرآن الكريم أحدا ً ممن خلفه .
حيث أن هناك من وعظه القرآن فصدقه وأمن بفحوى القصة ومغزاها .. وكذلك من أمن بالقصة من الكتب السابقة على القرآن والقصة أيضا ً.. وهي موجودة في الموروث الشعبي لكافة الشعوب في العالم القديم .
كما أثبت ذلك علماء الفولكور ثم تجيء معجزة القرآن الكريم .. حيث اكتشفت الجثة نفسها في مومياء الفرعون بحالة جيدة ليراها علماء لم يقرأوا القرآن الكريم.. حتى اكتشفوا أملاح البحر في هذه المومياء بالذات .. فمنهم من خروا لله سجدا ً ومنهم من بقى على كفره.
ولكن لتظل القصة والحدث معجزة.. وتظل روايته في القرآن الكريم بهذا التفصيل والتحدي معجزة أخرى تتطلب من جميع المسلمين تدارس القرآن الكريم والسجود لله شكرا ً على هذه النعمة العظيمة.. بدلا ً من شق الجيوب والخدود واللطم .. وغير ذلك مما لا يجدي .
والحادثة الأخرى التي لا تبرح عقل ووجدان أي مسلم هي مأساة آل البيت المحمدي الكريم .. فقد كادت شجرة بن زياد الخبيثة تجتث الشجرة المحمدية الكريمة .. حتى قال الشاعر المجيد في ذلك:
بنات رسول الله عدد الحصى وبنت رسول الله ليست بذي نسل
وقال آخر:
منازل آيات خلت من تلاوة ومنزل وحي مقفر الوصات
وزياد هذا والد عبد الله دعي أمه كانت من ذوات الرايات الحمر بمكة قبل الإسلام .. وقد ألحقه أبو سفيان بنفسه بزعم أنه كان قد غش أمه فيمن قد غشوها من الرجال .. لما توسم فيه من نجابه .. لكن الكرام من الصحابة نسبوه إلي والد مجهول.. فقالوا تعففا ً "زياد بن أبيه" في تفرد لم يسبقه فيه سابق ولم يلحقه فيه لاحق .
وكان زياد هذا من جنود سيدنا علي ثم رأي سيدنا معاوية بلاءه ضمه إليه وذلك بتأكيد نسبه لأبيه فأصبح رسميا ً "زياد بن أبي سفيان".. وورث عبد الله منه الولاء للبيت الأموي فشايع زياد بن معاوية والذي ولاه العراق أثناء فتنة سيدنا الحسين.
وانتهت الفتنة بموقعة كربلاء .. والتي حاول سيدنا الحسين تجنبها بشتى السبل بعد ما تأكد من غدر العراقيين به وتخليهم عنه في اللحظات الحاسمة بعد ما بايعوه واستقدموه وكان من الزاهدين في ذلك .
المهم أن الموقعة انتهت كما أحب يزيد وابن زياد وجنوده ومنهم أخبث أهل الأرض كشمر بن ذي الجوشن وعمر بن سيدنا سعد بن أبي وقاص .. وقد حرصوا على قتل جميع الذكور من آل البيت.
ولم ينج منهم إلا علي الأصغر من سيدنا الحسين من زوجته بنت كسرى يزدجرد والتي كانت جارية لسيدنا الحسين بعد فتح العرب للمدائن وهروب كسرى وترك بناته الثلاث للأسر .. فكانت هذه السيدة العظيمة من نصيب سيدنا الحسين .. فأسلمت وحسن إسلامها فتزوجها وأنجب منها سيدنا عليا ً الأصغر هذا والذي سمي بعلي زين العابدين بذلك
وكان سيدنا عليا ًالأصغر مريضا ًمحموما ً يوم كربلاء معرضا ً للقتل مطلوبا ً مثل غيره .. ولكن عمته السيدة زينب استماتت في الدفاع عنه .. ولفت جسدها حوله ورأي شرار القتلة ذلك وظنوه ميتا ً بمرضه لا محالة فتركوه لشأنه .
ثم اختال عبد الله بن زياد كالطاووس فقد انتهى كابوس آل البيت من على قلب البيت الأموي ولو في الجيل الموجود والجيل الذي يليه على الأقل .. وذلك بغرض حياة هذا الغلام وكان ذلك احتمالا ً بعيدا ً
ثم طلب يزيد تسيير الأسرى إلي دمشق .. حيث مكان الحكم الأموي وكان من نكد الدنيا أن آل بيت رسول الله الذي يحكم هؤلاء بأسهم يصبحوا أسرى وسبايا لأناس يدعوا الإسلام ولم يكتف بن زياد بذلك .. فأرسل مناد ينادي في أهل الكوفة .. " الصلاة جامعة "
اجتمع الناس في المسجد الجامع للكوفة ينتظرون ابن زياد ليقف خطيبا ً في الصامتين المستسلمين الذي يتحسس كل واحد على رقبته ليطمئن أنها في مكانها رمزا ً على عار الدنيا وذل الدهر وغضب المولى عز وجل.
صعد ابن زياد المنبر وقد اشرأبت إليه أعناق الذين يلعنون الحسين رضي الله عنه جهدا ً ويمدحونه سرا ً .. حتى قال قائلهم :
إن رمت نجاحا ً في الحياة فكن إمعة لساني يسب الحسين وقلبي معه
وقال غيره :
سلوا صارما ً وتلوا باطلا ً وقالوا صدقنا ؟.. قلنا نعم !!
ران الناس صمت عميق وانتظر ابن زياد الخطيب المفوه صمت الناس ولهفتهم ثم تكلم وقال :
" الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله ونصر أمير المؤمنين يزيد بن معاوية وقتل الكذاب ابن الكذاب الحسين بن علي وشيعته"
انتظر ابن زياد قليلا ً كعادة أي خطيب ليرى أثر هذا الكلام على سامعيه ثم يستأنف المحطة القادمة .. ولكنه لم يسعد ولم يكمل أي كلام.
صحيح أن الجميع صمتوا لأن كل واحد منهم يعلم أن ثمن الاعتراض رأسه ولا شيء غيرها .. ولكن قام عبد الله بن عفيف ليقول له غير مبال بالعواقب.
" يا ابن مرجانه !! أنت الكذاب ابن الكذاب أنت وأبوك والذي ولاك وأبوه !!
يا ابن مرجانه أتقتلون أبناء النبيين وتتكلمون بكلام الصديقين ؟!!
كان ابن عفيف أعمى فقد بصره في الحروب المتتابعة والتي جرت بين علي ومعاوية .. وكأن الله قد أراد لهذا الرجل البطل أن يحصد الحسنات حصدا ً ففقد البصر في حد ذاته له أجر عظيم .
كما اخبرنا بذلك الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وسلم) "بأن جزاءه الجنة".
فما بالك إذا كان فقد البصر في سبيل اللة ونصرة الحق ؟!!
غير أن من جاد بعينيه أبي إلا أن يجود بدمه وحياته ليتحمل عن كل الحاضرين عار هذا اليوم .. كان متأكدا ً من مصيره مرحبا ً به .. فالحياة مع الذل بلا قيمة ولا طعم.
ومع ذلك عيره ابن زياد كأي طاغية بعماه فقال له:
الحمد لله الذي أعمى بصرك!!!
فأبي عفيف إلا أن يكمل الملحمة فرد عليه قائلا ً:
والحمد لله الذي أعمى بصيرتك
وكان الفصل الأخير في هذه الملحمة الرائعة ملحمة كلمة حق عند سلطان جائر بل وشديد الجور نشر رجال أو قل كلاب ابن زياد الرجل بالمنشار.. ومرحبا ً وأهلا ً .. فقد كان لسان حال الرجل يقول :
ولا أبالي حين أقتل مسلما ً على أي جنب أي في الله مصرعي
رحم الله الرجل في الخالدين
عودة الى قضايا معاصرة
|