|
دماء المشتاوى على دريم بقلم/ هشام النجار
على عادتي أطالع صفحتي على الفيسبوك وتتقاطر أمامي صورتان غير معقولتين:
الأولى: للزميل بجريدة المصريون "محمد المشتاوى" وهو غارق في دمائه بعد أن قطع "معلومون" أوردة يديه.
والأخرى: لوائل الإبراشى إلى جانب سرير المَسْحُول حمادة صابر الذي كان بطل تمثيلية هزلية لكسر عين الشرطة التي بدأت صحتها تتعافى وضميرها يفيق وأداؤها ينضبط .
جنون الخيال جعلني أتصور الإبراشي إلى جانب المشتاوى الغارق في دمه.. وبعدها مباشرة إنسالت الدموع .. فقد عشتُ لحظاتي مع المشتاوى أعتذر له عن الخيال المريض وأبثه تاريخاً مشتركاً بيننا لا يليق بالإبراشي ومن على شاكلته زيارته والتسجيل معه .
هم جنس آخر من الصحفيين .. وتاريخ غير تاريخنا .. اتسخوا بترف السادة وبحثوا عن الغواية فعثروا عليها في حضن الفساد فالتصقوا به .
أراقبهم يا صديقي من بعيد كيف ينمون كالفطر العفن.. وكيف اليومَ صاروا بُلداء نهمين انتهازيين كالمسخ لا يرى ولا يسمع كيف يحتقره الناس والشجر والدواب بعد أن احترفوا جلب المزيد من البلاء فوق أجساد المُعْدمين .
هم هكذا يعيشون يا صديقي الغالي وقد ألفوا التلوث الذي يُشبع نهمهم ويُسكت عواء جُوعهم.. لا يكدرون متعهم الدائمة بمبادئ مُقلقة.. لذلك لا يسيل لهم دم إلا كالذي سالَ من فرْط اللذة وسُكْر الشهوة بسكاكين تلعب في فواكه الترف في قصر العزيز الذي لم يُحرك ساكناً عندما اكتشف غي زوجته .. وهم هكذا يا صديقي مع كل سلطة غاشمة .. يلعبون دورَ زوج امرأة العزيز .
أنت تشبهني أنا يا مشتاوى.. لذلك اصطادتكَ خفافيشهم لتمص دمكَ وتصفيه .. ليقطعوا الحرارة عن الجسد النابض بالحياة.. الكاره للفساد والاستبداد.. وكذلك فعلوا معنا عندما مُنعنا وحُوصرت كلماتنا وكُسرت حناجرنا وصُفيتْ دماؤنا .
أنت مثلى يا صديقي.. ربما تقبض جنيهات قليلة لا تكفى أجرة المواصلات والاتصالات.. لكن لديك ما تريد قوله وإن كلفك ذلك حياتك
هذا شعوري أيضا ً يا مشتاوى.. أشعرُ دائماً بأن الله خلقني لمهمة محددة أؤديها في الحياة.. ثم أعود بين يديه تعالى للحساب والمساءلة.. وهذا ما يشعرني بأنني حي .
وعندما ألقاكَ يا صديقي ذات مأساة ، فلن نلتقي أبدا ً في سباق الطامحين في التسجيل في قائمة الـvip أو في إحدى القاعات المخملية.. إنما في أروقة المُطارَدين وردهات المستشفيات العامة ومليونيات المُهمشين وفى بيوت الصفيح في العشوائيات نرتدي ثياب المصريين العادية لا زى الخواجات .
نحنُ يا مشتاوى لون مختلف لا يشبه السائد.. جاهدوا طويلا ً في طمسه.. وعندما رأونا نضعُ بصماتنا على الأحداث ونرسمُ بأقلامنا الخرائط السرية الموصلة لزعماء العصابة ومخابئ الأسلحة والذخيرة وخزائن الأموال المنهوبة وغرف الرقيق الأبيض.. انتفضوا وأرسلوا خلفنا من يُصفى الدم الحَار في عروقنا النابضة بالوطنية .
نحن مَغرورُون يا سيدي.. مُعْجبون بتفردنا هذا.. مَبْهورون بسحْرنا الخاص .. مفتونون بمصريتنا ولوننا الطيني وطباعنا الزاهدة الخجولة.. الكتابة لعبتنا واحترافنا ومتعتنا في الصدق مع الناس.. وسعادتنا في أن يقرأ أحدهم المقال والخبر كأنه منشور سرى ضد الفساد ، وأن يعتبرنا عيونه التي بثها للتلصص على رؤوس العُهر والخراب .
قد تكون الآن يا صديقي غائباً عن الوعي في غرفة العمليات أو العناية المركزة.. وهذا شأننا ببساطة.. وهو ما حدثنا به أنفسنا منذ البداية ووافقتنا عليه أن نقولَ ما لدينا ونمضى.. فإن أرادنا الله عنده سريعاً فتلك هي الحياة.. أما أن نرضى بالدنية وأن نحملَ المباخر بين يدي من بيده أكياس المال الحرام مقابل أدوار تبرير الدياثة وكلاب الصيْد وثيران الحراسة في حقول اللئام المروية بالدم المصري .. فألف لا .
هذا عالمنا الجميل يا مشتاوى.. عالم من البراءة والصفاء والسعادة لم يعرفوه ولن يدخلوه .. وإن رحلتَ يا صديقي سريعاً – لا قدرَ الله – فأنت شهيد.. لم تُضيع عمرك هباءً ولم تخسرْ شيئا ً على الإطلاق.. ولم تفقد مكانتك عند الله وعند الناس.
أما المساكين أصحاب الملايين والسيارات والأراضي لصوص الثقافة ومدعى النخبوية مرتادي نوادي التزييف الممنهج ومحترفي الكذب والفبركة والتحوير والتحريف.. فالكسب أمر هين يا مشتاوى.. والراقصة تكسب بمؤخرتها ملايين الدولارات.. وقطاع الطرق والبلطجية كونوا بعد الثورة بفضل غباء رجال مبارك ثروات طائلة .
الكسبُ أمره هين يا صديقي.. أما نحنُ فدون الوصول إلى مكاننا ومكانتنا مشاوير طويلة تفنى فيها أعمار لتربية قلوب بريئة مليئة بحب الله والوطن .
نحن محبوبون يا مشتاوى وهذا قدرنا .
ونحن مكروهون أيضاً يا صديقي ومُحاربون ومُلاحقون .. وهذا قضاؤنا .
هشام النجار
[email protected]
الجمعة الموافق
27ربيع الأول 1434هـ
8-2-2013
| الإسم | بخيت خليفة |
| عنوان التعليق | سلاما وتحية |
| الف سلامة يا اخ / محمد ، ولقد عرفناه من قبل محررا وزميلا عزيزا في موقع الجماعة الاسلامية وكان رفيقا للاخ هاني ياسين ، تألمت لما رأيت ، وتألمت اكثر من التجاهل المقصود لما حدث لك ، ولولا انني سمعت الشيخ خالد عبد الله على قناة الناس يذيع الخير ما علمت ، وشكر خاص للاستاذ هشام النجار لاهتمامه بالحدث مع اضفاء طابع المقارنة الذي آلمنا اكثر، لكننا ماضون |
عودة الى قضايا معاصرة
|