|
الذين يستشهدون والذين يتغولون بقلم/ عبد الله السناوي
هل نحن فى حرب؟
للسؤال تحدياته واستحقاقاته، فلا يمكن الحديث عن حرب فى سيناء مرشحة أن تطول وأن يسقط فى معاركها شهداء آخرون دون أن تتوافر تغطية سياسية تكافئ أخطارها المحتملة.
التغطية السياسية لازمة لتعبئة كامل قدرات المجتمع لمواجهة الخطر الإرهابي وحصاره وهزيمته بـ«الضربة القاضية الفنية»، ففي مثل هذا النوع من الحروب لا هزيمة أخيرة ولا معركة حاسمة.
ما هو عسكري وأمنى دوره أن يخفض مستويات الخطر بأقصى قدر ممكن وأن يوقف أية نقلات نوعية جديدة فى العمليات الإرهابية كالتي جرت أخيرا فى شمال سيناء وأسقطت أعدادا غير مسبوقة من الشهداء والمصابين.
ففي مثل هذه النقلات النوعية مشروع تمركز على الأرض وفق السيناريو «الداعشى».
من نقلة نوعية إلى أخرى فهناك مشروع سياسي يطرح نفسه بقوة العنف لتأكيد حضوره الميداني تحت عنوان: «إمارة سيناء».
فى التحاق «أنصار بيت المقدس» بـ«تنظيم الدولة الإسلامية» محاولة لإلحاق سيناء بالمصيرين السوري والعراقي.
ولم يكن وصف الذين تولوا حادث شمال سيناء بـ«أسود الخلافة» جملة عابرة وردت فى بيان يعلن مسئولية تنفيذه.
ورغم أن فكرة استنساخ تجربة «داعش» فى سيناء شبه مستحيلة لأسباب كثيرة من بينها قوة الجيش المصري وأن دولته ليست فاشلة، فالإرهاب يتوغل حيث تفشل الدول وتتفكك جيوشها، إلا أنها مكلفة ومرهقة وسوف تأخذ وقتا إضافيا لهزيمتها نهائيا.
بطبيعة هذا النوع من الحروب فإن العمل العسكري والأمني يتصدر المواجهة ويتلقى الضربات بالنيابة عن مجتمعه، يحمى ويدفع الثمن، لكنه لا يقدر على تحمل المسئولية وحده.
أول اشتراطات أية استراتيجية متماسكة للحرب مع الإرهاب هو تماسك المجتمع واصطفافه وراء قوات المواجهة بكل الحسم وكل الاقتناع.
وهذا كلام فى السياسة لا الأمن وفى الاستراتيجية لا التكتيك.
أية تغطية سياسة تقتضى إلمام الرأي العام بالحقائق الأساسية وحقائق المواجهة غير أسرارها.
بنفس المعنى فإن الاستراتيجية شأن عام يخضع للحوار والتوافق، وبقدر ما تكون الأهداف معلنة وحقائق الحرب واضحة فإن الاصطفاف الوطني يقف على أرضية صلبة، أما التكتيك فهو شأن القيادات الميدانية التي تواجه وتخطط وتنفذ.
فى أية استراتيجية متماسكة تطلب النصر فى مثل هذا النوع من الحروب فإن اتساق السياسات مع الشرعية الدستورية أسلم الخيارات وأكثرها أمانا.
أن يتسق أولا الأمن مع الحرية. فلا أمن يتغول ولا حرية تنفلت، والقاعدة الوحيدة لضبط العلاقة بين الضرورتين إنفاذ الدستور وعدم الاعتداء على نصوصه وقيمه. فهذه مسألة شرعية.
ومن حيث المبدأ العام فلا يصح أن نضع المجتمع أمام خيار يدمج الحرب على الإرهاب والتوغل على المواطن البسيط وإهدار كرامته وحياته.
حتى الإجراءات الاستثنائية ينظمها الدستور.
إذا افتقدت الدولة القيم الدستورية والقانونية فإنها تستحيل إلى عصابة تحارب أخرى، وهذا أبشع ما يمكن أن يعترض دولة فى حرب مع الإرهاب.
التغول على الحريات العامة وحقوق المواطنين يسىء إلى أى معنى للتضحية ولكل قطرة دم سالت من شهيد.
بمعنى آخر فإن التغطية الأخلاقية تسبق التغطية السياسية وهى التى تضفى على الأخيرة إلهامها.
فالشعوب تضحى من أجل قيم عليا والشهادة تكتسب نبلها بتقبل الموت من أجل الحياة.
كل مصري يدرك بيقين أن الذين استشهدوا ماتوا لكى يعيش هو آمنا ومطمئنا ولديه أمل فى المستقبل وأن دعم قوات المواجهة فى هذه الحرب خيار نهائي، وأي كلام آخر يرهن المستقبل للمجهول ويقامر بالبلد كله.
بمعنى آخر فإن الذين يستشهدون قضيتهم تناقض الذين يتغولون على المصري نفسه الذي فجعته الدماء التي سالت بشرف التضحية.
بعبارة صريحة: التغول مساهمة مباشرة فى المجهود الحربي للإرهاب، فالدول تنتصر بما تتبناه من إرادة سياسية وقيم أخلاقية.
أن تكون قواعد الشراكة واضحة هذه خطوة واسعة للاصطفاف الوطني تقتضى توسيع المجال العام حتى تكون القضية مشتركة والاستعداد كاملا لدفع تكاليفها، وضخ دماء جديدة فى الحياة الحزبية المتيبسة فأيا كانت الانتقادات حادة للأحزاب الحالية فإنها لا تقوى إلا بالممارسة الديمقراطية والاحتكام الحر إلى الرأي العام، وحل أزمة الدولة مع شبابها لازمة لخفض التوتر السياسي وتهيئة البلد كله لتماسك أكبر بمواجهة الخطر الإرهابي.
فى قواعد الشراكة والاصطفاف حفظ الأمن له أولوية متقدمة، ولا يصح أن يوضع مصير البلد باسم الحرية على المشانق المعلقة.
وهذه مسألة سياسية تخضع للتوافق الحر فهو أقوى وأمتن وأبقى من أية تصورات إدارية.
ما هو مطلوب أن يتقدم الغطاء السياسي لتأكيد قوة الظهير الشعبي.
فالتآكل محتمل فى هذا الظهير إذا لم تسنده تغطية سياسية مقنعة وملهمة، وأن يكون الأداء الإعلامي فى الوقت نفس هاديا ومنيرا لا صاخبا وعشوائيا، فبعض الصراخ أقرب إلى التحريض على الإرهاب باسم الحرب عليه.
وفى اتساق الحقائق بأية استراتيجية متماسكة لمكافحة الإرهاب فإن قضية العدل الاجتماعي لا مفر من مواجهتها، وهذه مسألة انحياز بقدر ما هي مسألة أمن.
بلا تنمية أو عدل اجتماعي فإن أي تعاف اقتصادي محتمل معرض للاهتزاز، وهذا يستدعى رؤية فى الفلسفة الاجتماعية والخيارات الكبرى، أو أن تكون هناك بجوار الشراكة السياسية شراكة اجتماعية فى الثروة الوطنية وفق القواعد الدستورية.
بكلمات أخرى فإن تعطيل العدالة الاجتماعية شراكة من نوع مختلف فى المجهود الحربي للإرهاب.
عندما تطلب من المواطن البسيط الذي يعانى شظف العيش وعبء رفع الأسعار وسوء الخدمات الحكومية أن يضحى بأكثر مما ضحى وأن يتحمل بأكثر مما تحمل فإنه لابد أن يسأل: لماذا أنا وحدي الذي أدفع التكلفة كلها؟
فهو يرى أمامه مؤسسة فساد تتوحش والمواجهة تتأجل وخراب فى جهاز الدولة يتحمل مسئوليته النظام الأسبق بينما رموزه يتطلعون لاستعادة نفوذهم القديم دون ردع قانوني وسياسي معا.
الخطر الأكبر الذي يجب التحذير منه بلا تردد ولا توقف أن تنزف الشرعية وتتآكل الرهانات فى وقت حرب مع الإرهاب.
بمنطق الحرب وضروراتها لابد أن يستشعر المواطن المصري البسيط أنه صاحب مصلحة فى الحرب وصاحب حق فى المستقبل، وأية خطوة إيجابية تجاهه دعوة مصدقة للشراكة فى الحرب.
فى النزوع المتزايد لجماعة الإخوان المسلمين للعنف والإرهاب ما يؤشر إلى مواجهات أعنف، أقل احترافية مما يحدث فى سيناء بالنظر إلى مستوياتها وأكثر خطورة بالنظر إلى أنها فى قلب المجتمع المصري.
وهذا كله كلام فى السياسة يستدعى الحسم وفق ضرورات الحرب على الإرهاب.
فهناك من يستشهدون ولهم السيرة العطرة فى ذاكرة أوطانهم وجزيل الاحترام بين شعبهم ومن يتغولون على كرامة المواطنين وحقوقهم باسم الأمن فيستحقون الردع بلا هوادة.
عودة الى قضايا معاصرة
|