|
راشد الغنوشي
بقلم/ سمير العركي
لا يمكن فصل الإنجاز الكبير الذي حققته حركة النهضة الإسلامية التونسية في الاستحقاق الانتخابي الأخير عن شخصية مؤسسها ورئيسها الشيخ / راشد الغنوشي.. الذي تحمل الكثير من التعب والعنت في سبيل خدمة الرسالة التي عاش من أجلها ولأجلها حوكم وسجن وطرد من بلاده.. وظل سنوات طويلة منفياً في أوروبا بعد أن تمكنت الطغمة الحاكمة بقيادة زين العابدين من الانفراد بحكم تونس والاستفراد بالشعب التونسي.. ومحاولة فرض العلمانية عليه قهراً وقسراً.
وعلى الجانب الفكري فإن الشيخ / راشد الغنوشي رجل دائم الإبداع والتجديد داخل إطار المنظومة الإسلامية.. قد تختلف معه أو تتفق وهذا شأن أفكار البشر.. ولكن ما يحسب له أنه لم يستنم إلى المألوف والمعهود.. ولم يمض حياته أسيراً داخل نمط لا يتغير.. بل واجه وضعاً صعباً اشتبك معه بكل جرأة وجسارة.. خاصة مع مفاهيم الديمقراطية والحداثة والمرأة والعلاقة مع الغرب.. كما كان له مساهمات في مجال الحريات العامة والمجتمع المدني.. إلخ .
وبالجملة فلم يكتف الشيخ/ راشد الغنوشي بالتحريم وفقط.. دون البحث عن الأرضيات المشتركة أو محاولة تطوير الفهم الإسلامي.. طالما أنه داخل الإطار الإسلامي في إطار عملية تجديد شاملة.. وأظن أننا بحاجة ماسة إلى معاناة الغنوشي وتتبع مساره الاجتهادي.. حتى نتمكن من التطوير والتجديد اللازمين لمواكبة تطور الحياة.. وتغير أعراف الناس وأحوالهم.
ويجب
|
لم يقع الغنوشي في براثن
التصريحات الصادمة التي
تثير المخاوف في المجتمع
ولن تقدم شيئاً إذ كان
يعلم أن قيادة الدول يختلف عن قيادته لحزب النهضة | هنا أن نعترف أن الاحتكاك مع "الآخر" ساهم بقدر غير قليل في هذه المسيرة الاجتهادية التطورية.. فأخرج الموجود بالقوة في الإسلام إلى عالم الوجود الفعلي.. فقضايا المرأة على سبيل المثال ما كانت لترى هذه الاجتهادات الرائعة لولا الاحتكاك مع الآخر.. والشعور بأن الجمود سيقود إلى تسييد مفاهيم الغرب على ما فيها من اعوجاج.. ومن هنا بدأت العقول تبلور لنا النظرة الصحيحة للمرأة في ضوء ما قرره الإسلام واجتهاد فقهائه العظام.
والكثيرون للأسف الشديد يخافون من عملية الاجتهاد والتجديد.. معتبرين أن الحديث عن التجديد هو باب لتضييع معالم الدين وتمييع ثوابته.. ومن هنا نستطيع أن نفهم سر الهجوم الشديد الذي يتعرض له كبار المجددين.. وبعد هدوء الجدل وانقشاع غباره يكتشف كثيرون أنهم في حاجة ماسة إلى هذه الاجتهادات.. والأمثلة كثيرة ولكن قد يضيق المقام عن ذكرها.
الشيخ / راشد الغنوشى كان يعلم أنه يقود حزبه بعد الثورة من أجل بناء أمة وقيادة شعب.. لذا لم يفرغ نفسه للمعارك الكلامية ولا الجلسات الليلية الفضائية.. بقدر ما اجتهد في بناء برنامج قوى يمس حياة الناس ويتجاوب مع مشاكلهم.. جمع له العديد من الخبراء والمتخصصين في شتى المجال.
كما لم يقع في براثن التصريحات الصادمة التي تثير المخاوف في المجتمع ولن تقدم شيئاً.. إذ كان يعلم أن قيادة الدول يختلف عن قيادته لحزب النهضة.. فالدولة فيها البر والفاجر بل والملحد.. وفيها المحجبة والسافرة وفيها المسلم وغير المسلم.. إلخ.. وهو مطالب حال وصوله إلى الحكم أن يشمل كل هؤلاء برعايته.. وأن يقوم على شؤونهم.
لا أنكر أن الحركة الإسلامية في مصر قد قطعت شوطاً أولياً لا بأس به في مجال التجديد السياسي.. إذ لم تعد الديمقراطية كفرا ً (عدا بعض الأصوات التي نسمعها بين الحين والآخر).. ولم يعد دخول البرلمان شركاً بالله.. ولم نعد نسمع الآراء التي كانت تنادى بحظر جميع الأحزاب الليبرالية واليسارية.
ولكن الحركة في احتياج إلى المضي قدماً في مجال تطوير الحريات العامة والممارسة السياسية.. ووضع حد للاحتكار الحصري للإسلام في القضايا السياسية النسبية.. والإيمان بأن الشخصية التي تتصف بأنها الفقيه المحدث المفسر الأصولي السياسي الإداري التنظيمي التنظيري الاقتصادي .. إلخ في آن واحد لم تعد موجودة.. فيا حبذا لو التزم كل بمجاله وفضائه الخاص.. ووقتها صدقوني قد نتخلص من كثير اللغط المثار الآن.
[email protected]
الثلاثاء الموافق
4-12-1432هـ
1-11-2011
عودة الى قضايا معاصرة
|