|
فريضة الحج من منظور دعوي بقلم / تراجي الجنزوري
المتابع لأحوال الدعاة في مصرفي تلك الفترة.. يجد أن حوالي90% منهم قد تحولوا إلى العمل السياسي.. ظنا منهم أن ذلك في خدمة الدين.
وهذا صحيح.. ولكن النسبة المتجهة لهذا الأمر كبيرة جدا ً.. إذ لا مانع من أن تتخصص مجموعة لإدارة هذه الملفات.. وتستعين بمن تجده أهلا ً لإجادة هذه الملفات.. أما أن يتجه الجميع للعمل في هذا الاتجاه.. فأرى والله أعلم أنه بعيد عن الصواب.
حيث جاءت شريعة الحج في تلك الآونة لتعيد إلى الأذهان واجب الدعاة في تلك الحياة.
"وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ".
يأتي الخطاب من قبل رب العباد إلى إبراهيم عليه السلام "وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً".. فإذ بإبراهيم يعجب.. ويسأل ربه:
يا رب وأنى يصل هذا النداء؟
هم إبراهيم أن يعلم الناس
هم إبراهيم أن تصلهم الدعوة
هم إبراهيم أن يستجيب الناس
فرد عليه ربه: يا إبراهيم عليك الأذان وعلينا البلاغ
هذه مهمتكم أيها الدعاة.. إعلام الناس.. إخبارهم.. تعليمهم.. تربيتهم.. وبعد ذلك الهداية بيد الله سبحانه.
فماذا فعل إبراهيم؟!!
يقول ابن كثير: "اعتلا إبراهيم جبل أبي قبيص.. ونادى بأعلى صوته: يا أيها الناس إن الله قد كتب عليكم الج فحجوا.. فلبى كل من كتب له الحج حتى لو كان في بطن أمه أو صلب أبيه".
وأنت أيها الداعي.. قم.. تحرك.. لا تجلس.. مضى عهد النوم.. مضى عهد الراحة.. مضى عهد الفراش.. أغزو الفضائيات.. قم فأنذر.. إن عليك إلا البلاغ.. قم اكفل يتيما.. واسي مسكينا.. زر مريضا.. انشر حديثا.. علم آية..اعمل مجلة.. صمم موقعا.. أجبر كسرا..أستر عيبا ً.. رقع خرقا ً.. أنفق جنيها ً.
واعلم أن الله سيهيئ لك سبل الدعوة.. فقد أورد ابن كثير:
"بأن إبراهيم لما صعد جبل أبي قبيص ونادى بأعلى صوته.. جعل له الله الأرض مستوية – لا جبال.. لا هضاب..لا تلال- كلها سواء.. فوصل النداء".
ولعلك ترى ذلك واضحا مع من جعلوا الدعوة همهم.. ففتح الله لهم أبوابا مغلقة.. فهدى الله بهم من الضلالة.. وفتح على أيديهم قلوبا غلفا وآذانا صما.. وبصر بهم من العمى.
المهم.. قم وابدأ من الآن وسيهيئ لك الله سبل دعوتك .
السعي بين الصفا والمروة
كان من الممكن أن يهبها الله الماء دون سعي.. أو تجده بعد شوط أو شوطين.. ولكن لا.. بل سبعة أشواط.. وبعده تفجرت زمزم.. طعام طعم ودواء سقم.. وزمزم لما شربت له.
وهذا درس عظيم للدعاة إلى الله.. لن تكون هناك ثمرة إلا بعمل.. بمعنى لن يهتد الناس ولن يلتزموا إلا بأن تقوم وتتحرك.. واعلم أن شوطا ً واحدا ً لن يكفي.. بل لابد وأن تقطع الأشواط والمفازات.. وتذهب إلى هنا وهناك.. مواصلا الليل بالنهار.
وانظر إلى حبيبك ( صلى الله عليه وسلم ).. 23 سنة لم يهدأ له بال.. ولم تنم له عين حتى يعبد الناس لربهم.. حتى وهو في سكرات الموت كان يدعو إلى ربه "الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم".
نوح عليه السلام.. ألف سنة إلا خمسين عام.. ما من شارع إلا وجاب فيه وما من بيت إلا وطرقه.. دعوة بالليل والنهار.. والسر والإعلان.. قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا.. كلمة تملكوا بها العرب.. وتدين لكم بها العجم.
يعقوب عليه السلام.. لم ينس لحظة مهمته التي من أجلها جاء.. حتى وهو في مصيبة الموت " أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي".. فما بالكم وهو صحيح معافى.
ويوسف عليه السلام.. كان يدعو إلى الله على جميع أحيانه وأحواله.. حتى وهو في السجن.." يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ".
دكتور عمر عبد الرحمن ولا نزكيه على الله.. رجل أعذر الله إليه.. بعد قيام بالليل واستغفار بالأسحار.. ومع أذان الفجر كان ينطلق كالنحلة.. درس هنا وموعظة هناك.. خطبة هنا وتعليم هناك.. يقطع الأشواط.. ويسير المسافات.. هنا في القاهرة وفي صعيد مصر هناك.. صابرا ومثابرا.. في اليسر والعسر.. في المنشط والمكره.. معلنا ً تارة ومتخفيا ً تارات.. ليضعنا في قفص الاتهام.
أيها الدعاة.. أنتم شريان الحياة..أنتم بلسم المرضى.. ودواء العلل.. فلا تنسوا مهمتكم .
الثلاثاء الموافق
4-12-1432هـ
1-11-2011
عودة الى الطريق الى الله
|