|
مسحراتي في سجن الوادي الجديد بقلم م. أسامة حافظ
لم تحمل مشاهد الطفولة عندي صورة المسحراتي في شهر رمضان فقد اعتدنا أن ننام بعد صلاة التراويح مباشرة لنستيقظ قبل الفجر بساعة حيث يمر المسحراتي أثناء نومنا دون أن نشعر به وإنما هي صورة واحدة متكررة له في صباح يوم العيد يمر في شوارع الحي يجمع العيدية ممسكا طبلته الشهيرة ومعه ركوبة يحمل عليها ما يجود به عليه الناس من كعك وبسكويت وخلافه.
أما في السجن فقد كان لكل رمضان ـ على مدار العشرين سنة التي قضيتها في السجون ـ مسحراتي أحمل له ذكري جميلة، ولكني أخص بحديثي اليوم مسحراتي عنبر 5 بسجن الوادي سنة 1996.
وسجن الوادي ـ عافانا الله وإياكم منه ـ هو واحد من سلسلة سجون نمطية بنيت في الحقبة الأخيرة، يبعد عن القاهرة قرابة السبعمائة كيلو تنتهي بقرابة المائتين وخمسين كيلو متر من الصحراء القاحلة التي لا أثر للعمران فيها.. يحيط بالسجن سور ضخم ـ مثل أسوار الأديرة والكنائس هذه الأيام ـ ويحوي بداخله اثنا عشر عنبراً ومبني إدارياً ومستشفي يفصل بينها بشوارع عريضة مسفلته.
كنت في العنبر رقم 12 الذي سموه ساعتها عنبر القيادات حيث جمعوا فيه مجموعة من الإخوة سموهم القيادات وعزلوهم فيه وخصوهم بالسكني ثنائيات وثلاثيات في زنازين كان يسكن فيها العشرون وأكثر في العنابر الأخرى وكثيراً ما خصوا هذا العنبر بضرب متميز في التفتيشات، أو تشديد متميز في الزيارات أو غير ذلك.
في يوم فاجأتنا إدارة السجن بأنها قررت توزيع هذا العنبر على باقي العنابر المزدحمة لأنهم اكتشفوا أن في السجن قرابة الأربعمائة وخمسين أخاً مصابا بالدرن ينامون أنفا لأنف مع أربعة ألاف معتقل هي مجموع نزلاء السجن من المعتقلين وكانت بالنسبة لنا فرحة أن ننتقل إلي زنزانات الزحام ونستمتع بلقيا إخواننا.. وهكذا انتقلت مع بعض إخواننا إلي عنبر 5.
كان عنبر 5 مثل غيره من العنابر ينتظر غياب الشمس وانصراف الحراس ليبدأ برنامجا رمضانيا رائعاً كنا نسميه الإذاعة ونحن جلوس على حواف النوافذ نسمعه، وكان البرنامج مزيجاً من البرامج الروحانية المشبعة بروح الشهر الكريم والعلمية إلي جانبا البرامج الترفيهية التي كانت تخفف كثيرا من آثر ما كنا نكابده في النهار المنصرم، فكنا نقدم برامج جادة مثل: دروس من السيرة، في ظلال القرآن، من دعاء الرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ، قصه آية، فقه الصيام، تاريخ الحركة الإسلامية، وكنا نقدم من طريف برامج الأخوة مثل: شرح تحفة هريدي في تعليم اللغوة الصعيدي ـ وهي الفية على غرار الفية ابن مالك ألفها أحد الإخوة في مفردات لغة الصعايدة، ومثل متن السجون ـ وهي قصائد على بحر الرجز تشبه قصائد المتون يصف فيها صاحبها بعضا أحداث السجن ـ وحوارات وطرف وغير ذلك.
وكان مقدموا هذه البرامج يجلسون على حافة النافذة ليصل صوتهم إلي باقي الزنازين.
كانت فقره المسحراتي أحد أطرف الفقرات في هذا الحفل للأخ محمد حافظ.. ومحمد حافظ لمن لا يعرفه: هو أحد إخوة دمياط حصل على الثانوية الأزهرية بتفوق عال التحق على إثره بكلية الطب تحقيقا لرغبة والده الذي كان يتمني أن يكون له ابن يمارس الطب.
ولكن محمد لم ينعم بالذهاب إلي الكلية وإنما قبض عليه قبل بداية العام الدراسي, ولقد حاولنا كثيراً خلال فترة السجن وبعد السماح بالامتحانات أن نقنعه بترك كلية الطب بعد أن رفضت إدارة جامعة الأزهر امتحانه فيها ـ والالتحاق بأي كلية نظرية تسمح بالامتحان ولكنه رفض وأثر الانتظار تحقيقا لرغبة والده وبالفعل وبعد أكثر من عشرة سنوات أمتحن محمد بكلية الطب وها هو على وشك تحقيق رغبة والده.
ومحمد حافظ على صغر سنه شخص متعدد المواهب متميز في عبقريته فهو على ثقافته الواسعة وقراءاته المتنوعة في هذه السن يكتب الشعر، على حفظه للقرآن يجيد تقليد جميع من سمعناهم من المشايخ وتسمعه في خلف الجدران فتظن أن المنشاوي أو عبد الباسط أو غيرهم من كبار الشيوخ هو الذي يقرأ.
ولقد ذهبت إلي العنبر فوجدت أكثر ما يقدم فيه من برامج علمية أو ثقافية أو مسابقات أو حتى البرامج الترفيهية له فيها النصيب الأكبر باختصار: هو عبقرية نادرة دفنت في غياهب السجون طوال هذه السنوات.
وكان بالطبع هو المسحراتي تأليفا وتلحينا وإنشادا، وقد تميز مسحراتي عنبر 5 بالوادي الجديد بجده وابتكار لم أشهدهم فيمن رأيت من المسحراتية من قبل.. فقد تخلي عن طبلته الشهيرة والفصل بين المقاطع بدقاتها المتتالية واستخدام بدلا من ذلك التكبير وتخلي من محاولة تقليد الأنماط السابقة مثل سيد مكاوي أو المسحراتي الذي ينادي على الناس أو مثل ذلك وإنما كان يكتب أشعارا بسيطة تناسب حالنا وفكرنا يلقيها ومعه كورس ظريف من بعض الأخوة وكنا في ذلك الوقت معزولين عن العالم وكان من وسائل عزلتنا ألا نعرف مواقيت الصلاة أو الإفطار أو السحور فكنا ننظر من قضبان النوافذ إلي الشمس أو إلي النجوم لنحدد مواقيت الصلاة أو السحور بالتقريب.
وكان إذا اقترب وقت الفجر بالتقريب يصعد محمد حافظ إلي النافذة ومعه الأخوة ليرتفع صوته في العنبر منشدا أو قل ممولا:..
يا رب يا فتاح يا فالق الإصباح
فيرد من خلفه الكورس بإيقاع سريع
يا رب يا فتاح يا فالق الإصباح
يا منزل البركات بالخير والإصلاح
فيرد المنشد
جئناك يا مولانا قد طابت الأرواح
في سحرة العباد طابت بمسك فاح
فيرد الكورس
الله أكبر الله أكبر
ويستمر النشيد على هذه الوتيرة الجميلة حتى ينتهي.
مرت هذه الأيام بذاكرتي وأنا أقلب في ذاكرتي الشاردة.. كانت أيام شديدة شاقة ولكننا رغم ذلك كنا نستمتع بها ـ لا أدري كيف ـ وكانت الصحبة وصفاء النفس والتفرغ لله تضفي عليها روحا جميلة كثيرا ما نفتقدهم هذه الأيام.
كانت أيام الوادي الجديد أشد أيام سجننا جسديا ولكنها كانت أمتعها روحيا وقد ذهبت شدتها وبقيت ذاكرتها وثوابها، نسأل الله من فضله فلله سبحانه فيوض ينزلها على عباده وقت الشدة تنسيهم ألمها وتضيء أرواحهم بفرحه ونعمته.
| الإسم | ابو خلاد هشام فتحي |
| عنوان التعليق | نحن والشيخ |
| وبالليل وحدي حاولت ان اعيش مشاعرك يا شيخ اسامة ادركت ان ما كنا فيه كان جميلا ولا نستطيع ان نتناساه
المسحراتي ورمضان جانا تدل على ان الشيخ كان يحيا معنا وبكل لحظة تمر بنا طنا نظن ان المشايخ في وادي ونحن في وديان اخري
لكن الشيخ اسامة يثبت انه واحد منا ونحن منه
عبق الذكريات اشمه من عنوان المقالة واريج الذكري يضوع يتهادي في كل سطر
وبقيت ايام البلاء في سجلات راحلة ومضينا نحن ننشد غيرها في دنيا ومجالات شتى
نسال الله فيها السلامة |
| الإسم | حسن ابو حجى |
| عنوان التعليق | ولنا فى يوسف اسوه |
| السلام عليكم:
أؤيد كلام الاخ هشام(ابو خلاد)
بالفعل كانت ايام جميله روحانيه عشناها
رغم مأسيهالم نشعر بهذه النعمه الا عند خروجنا الى البلاء الاكبر الذى نعيشه الان
فى المجتمع .تفرق الاحباب ولم نجد المعين الذى يأخذ بايدينا الى طاعه الله لم نجد الذى يبقى بجوارنا اذا مرضنا .
ايام جميله نتذكر فيها قول يوسف عليه السلام(قال ربى السجن احب الى مما يدعوننى اليه)نعم السجن احب الينا من
التبرج والسفور احب الينا ما دمنا فى طاعه احب الينامن التقصسر بحجه العمل.
اشكر شيخنا الحبيب على هذه التذكره بالايام الجميله |
| الإسم | |
| عنوان التعليق | آلان فقط ؟!! |
| الأخ أبو خلاد يقول :"المسحراتي ورمضان جانا تدل على ان الشيخ كان يحيا معنا وبكل لحظة تمر بنا طنا نظن ان المشايخ في وادي ونحن في وديان اخري لكن الشيخ اسامة يثبت انه واحد منا ونحن منه عبق الذكريات "
وهل أدركت الآن فقط من مقال ( وهو بالمناسبة مقال جميل ) أن المشايخ كانوا معنا ولم تكتشف ذلك من سنوات من الجهد الجهيد من أجل تفريج كربات الإخوة والسعى فى قضاء حوائجهم قدر الطاقة بل وفوق الطاقة سبحان الله !! |
| الإسم | ابو خلاد هشام |
| عنوان التعليق | الان فقط لحظة من فضلك |
| كان يعجبني للاخ كاتب تعليق التعليق ان يلتي بجديد وفكرة مكملة للمقال لا ان يبرهن علي الموجود بالمعدوم المشائخ من زمان معنا لكن مواطن الوجود هي التى نتحدث عنها ولك ان تقرأ ذكريات لاي شيخ اخر وتتعب كثيراحتى تحصل على شاكلة الشيخ اسامة لان الرجل نصف سجنه كان معنا والباقون من العشرة المقربين كنا نسمع عن تضحياتهم ولم نلتق بهم الا ايام المبادرة مشكور لهم ما بذلوه ولو لم نكن نعلمه
تحياتي لك وانتهت اللحظة
|
| الإسم | إسماعيل أحمد محمد |
| عنوان التعليق | وأين بالله محمد حافظ |
| ذكرنا الشيخ الحبيب بأحد روائع الجماعة وفلتاتهاكما وصف الشيخ وزيادة لكنني لم أسمع عنه شيئا منذ زمن وكيف يغيب مثله عن هذا المنتدى بالله يا أهل دمياط دلونا عليه أو أخرجوه لنا وأبلغوه مني السلام
أبى الدمع في العين إلا المسيل
وماليس إلى دفعه من سبيل
فليحفظ الله محمد حافظ |
| الإسم | ابو اباء |
| عنوان التعليق | ذكريات لها شجون |
| فعلا والله .. ذكريات لها شجون , فجزى الله الشيخ أسامة والاخوة الذين علقوا خيرا وسلامى للأخ الحبيب /محمد حافظ |
| الإسم | اشرف ابو حمد |
| عنوان التعليق | ايام لاتنسى |
| جزاك الله خيرا يا مولانا جعلتنا نعيش هذه الدقائق فى حنين شديد وشوق لرؤية تلك الاوجه النضرة التى عشعشع حبها فى قلوبنا خلال الايام الخوالى نرجو الله ان يهبنا خيرها وان يفيض علينا من روحها وريحانها وانى مع شيخى الشيخ اسماعيل اقول اين الشيخ محمد حافظ واين الشيخ سمير الخضرى واين الشيخ ايمن خميس واين واين اسال الله ان يجمعنا بهم فى خير مقام يحبه الله ويرضاه |
| الإسم | ابو عمرو دياب الحلوانى |
| عنوان التعليق | ذكريات لها شجون |
| شيخنا الحبيب اسامه حاقظ حفظك الله بارك الله فيك كم من جميل وعظيم تذكرنا به من الايام الخوالى والذكريات الجميله فى محنة عصيبه مضت محنتها بلطف من الله وبقيت ذكرياتها واجرها ان شاء الله وياريت يا شيختا الجليل بقلمك السيال وذاكرتك الحاضره بسم الله ما شاء الله وروائع اسلوبك العذب ان تواصل هذه السلسله الظريفه سلامى الحار لجميع كل الاحباب القراء من ابناء الجماعه وغيرها من المنصفين واخص بسلامى اخى العزيز محمد حاقظ وجميع اخوة دمياط والسلام عليكم |
عودة الى الطريق الى الله
|