|
عفة اللسان رأس مال الداعية ب قلم/ تراجي الجنزوري
" وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً * يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً * قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً "
اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد.. كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.. وبارك على محمد وعلى آل محمد .. كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.. إنك حميد مجيد .
رسالة.. يبعثها إبراهيم عليه السلام لكل داعية أراد أن يلزم الهدي الأقوم.
هدية.. يهديها خليل الرحمن لمن يرد السبيل الأكمل.
همسة.. في أذن من أراد أن يكون ناصحا ً أمينا. ً
وحتى تقرأ رسالتك.. وتقبل هديتك.. وتسمع همستك.. ويستجاب لنصيحتك.. لابد وأن تسلك مسلك إبراهيم عليه السلام " ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ "
فماذا في هذه الآيات من آداب الدعوة ؟
أولا ً: صدر كل نصيحة من النصائح الأربع بقوله "يَا أَبَتِ" توددا ً له.. وتوسلا ً إليه.. واستعطافا ً وتوقيرا ً وبرا ً.
" يَا أَبَتِ ".. أناديك أتودد لك أتوسل إليك.. وبكل ما تحمله كلمة " أَبَتِ " من معان.
فبها يستشعر أنه السبب في وجوده بعد الله.. وبها يتذكر أنه المنعم عليه بعد الله.
"يَا أَبَتِ" أناديك.. أناديك.. أشد على أياديك .
وكأني به يلفها في ثوب الهدية.. وبذلك تكون أدعى للقبول "رحم الله امرؤ أهدى إلي عيوبي"
وكان ذلك حال كل نبي مع قومه "يا قوم"
ثانيا ً: " لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر " أدب راقي.. ونبل سامي.. حيث لم يستخدم لفظة "لا تعبد" .. وفي ذلك إعطاء فرصة للتفكير وإعمال العقل والنظر.. وكأنه ينتظر منه جوابا عن سؤاله.. فهو يطلب منه علة وسبب عبادته للأصنام .
وفي ذلك درس عظيم للدعاة لا تجعل دعوتك كلها أملاءات وعلى المدعو التنفيذ.. فالنفس ترفض .. اجعله يفكر.. اترك له فرصة ليعمل عقله وذهنه.
ثالثا ً: " مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً ".. وفي ذلك بيان لزيف الباطل.. وهنا لفتة طيبة يوجهنا إليها إبراهيم عليه السلام ولابد أن ينتبه إليها كل داعية.. وهي أن أمور العقيدة ليس فيها أنصاف حلول.. ولا أن تمسك العصا من النصف.. فالحق حق والباطل باطل.. قالوا نعبد إلهك سنة وتعبد إلهنا سنة.. فنزل قوله تعالى " قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ* وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ* وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ* وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ* لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ*".. فلا مداهنة ولا تورية .
رابعا ً: التواضع الجم في الخطاب " يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ".. فلم يصف أباه (بالجاهل) .. ولم يسم نفسه (بالعالم ).
ولكن قال: يا أبت إني معي طائفة من العلم ليست معك.. ومن أجل ذلك يستجب أن يكون عندي من الهداية ما هو سبيل نجاتك .. " فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً "
وهذا ما نحتاجه اليوم.. فنحن في أمس الحاجة أن يربينا الدعاة على التواضع وخفض الجناح والذلة على المؤمنين.. لا أقول ملازمة بالعلم الشرعي.. بل قبله.. " هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَاب............ " .
خامسا ً : أدب عال جدا ً .. " يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ " .. فقد صور سوء العاقبة بحسن أدب.. حيث لم يصرح بأن العذاب لاحق له ولاصق به.. بل عبر عنه بالمس.. مع ذكر خوفه عليه .. وجعل دخوله في زمرة الشيطان أكبر من العذاب.. وهذا يوجب على كل داعية أن ينتقي كلماته وعباراته قبل التصريح بها .. " وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً ".
سادسا ً: مقابلة الغلظة والخشونة بمزيد من الرفق والحلم.. فعندما قال له أبوه " أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً ".
فرد عليه إبراهيم قائلا ً : " قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً" .. فقابل السيئة بالحسنة
أيها الداعي:
"ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"
"كن كالشجرة إذا رميت بالحجر ألقت الثمر"
أيها الدعاة:
الرفق .. الرفق.. تبلغوا .. فما كان الرفق في شيء إلا زانه.. وما نزع من شيء إلا شأنه .
الثلاثاء الموافق
16-11-1433 هـ
2-10-2012
عودة الى الطريق الى الله
|