|
قفزة فيلكس.. أبعاد ودلالات بقلم/ عبد الله عباس
منذ أيام ليست بالبعيدة صعد المغامر النمساوي فيلكس باومجارتنز بارتفاع (39 كم) عن سطح البحر في ولاية نيو مكسيكو الأمريكي.. وقفز من هذا الارتفاع بجسده كأول إنسان يتجاوز سرعة الصوت دون أن يكون في طائرة أو مركبة.
وكنت من الملايين الذين تابعو هذا الحدث مباشرة عبر محطات التلفاز.. وأثناء استعداد فيلكس للقفز.. خيل لي وكأني في عام (267هـ ، 880م ) هناك في بلاد الأندلس بين الجموع التي كانت تشاهد العالم المغامر "عباس بن فرناس".. وقد صنع لنفسه جناحين من ريش وهو يحاول الطيران كأول إنسان حاول الطيران في العالم.
وانتبهت وإذا بفليكس يقفز من كبسولة الفضاء ويصل إلى الأرض سالمًا محققا مغامرة جريئة.. وإنجازا ً علميا ً مسبوق.. ومسجلًا لنفسه رقما قياسيا في موسوعة جينس .
نعم.. إنها حقا ً لمغامر تستحق الإعجاب.. وأنه لإنجاز يستحق أن نقدره قدره.. ومع الإعجاب والتقدير نتساءل:
ترى لماذا كانت قفزة فيلكس في الولايات المتحدة.. وليست في ديار العرب والمسلمين كما كانت من قبل؟!!
أينقص أمتنا المغامر؟!!
أم ينقصها الإمكانات؟!!
أم ينقصنا ماذا؟!!!
ومن تأمل وتفكر يتبين له أن الأمر يتعدى في جانب كبير المغامر "فيلكس".. كما يتعدى العالم المغامر "عباس بن فرناس" من قبله بقرون.. ويتعدى كذلك كل مغامر أو مبتكر أو مبدع.. وأن هناك بعدًا آخر يقف خلف مغامرة المغامر وإبداع المبدع وابتكار المخترع ألا وهو "ثقافة المجتمع" .
نعم.. ثقافة المجتمع الذي يحتضن صاحب المغامرة المحسوبة ويشجع التجارب المبتكرة والأفكار الجيدة والعقول المبدعة.
ثقافة المجتمع التي سادت في زمن العالم الصيدلي المبدع المغامر المسلم "عباس بن فرناس".. والتي تجسدت في تقدير الجماهير له واحتفائهم به وخروجهم لمشاهدته.. كما حدث لفيلكس الآن .
لا ثقافة مجتمع يتعلم فيها الصغير والكبير تصوير المغامرة المحسوبة على أنها لوثة جنون.. ومحاولة مجذوب .
وقد استوقفني البعد الثقافي للمجتمع وأثره في إنجاز مغامرة فيلكس ونجاحها تحديدا في نقطتين.
عمل الفريق الواحد بكفاءة فائقة وتعاون مثمر.. فلقد استمرت الإعدادات لتلك القفزة مدة خمس سنوات من خلال فريق ( ريد بول سترانوس).. وهذا الفريق مكون من مائة شخص من خبراء في الطب والعلوم والهندسة وجراح سابق في وكالة ناسا.. وعدد ممن حققوا أرقام عالمية سابقة في الفضاء الخارجي .
ثقافة ترابط الأجيال وتواصل الخبرات.. فلقد كان المشرف على فيلكس هو المغامر (جوكسينجر) صاحب الرقم القياسي في عام 1962م والذي قفز من ارتفاع بلغ 31كم .
هذا وتفيد الإحصاءات أن 67% من الحاصلين على جائزة نوبل كانو تلامذة لدى حاصلين على نفس الجائزة .
وهذا يعني لنا أمرين :
الأول : إحياء ثقافة " وتعاونوا ـــ واعدوا" التي أمرنا الله بها في كتابه الكريم مدركين ضرورة عمل الفريق في انجاز المهمات وتجاوز العقبات.. مما يدفعنا إلى ترسيخ مهارات هذا التعاون ومبادئه في أنشطتنا المختلفة (تعليمية ـ رياضية ـ اجتماعية).
ويكفينا إشارة إلى أهمية ثقافة العمل في فريق واحد.. هو أن كتاب ربنا ودستورنا القرآن الكريم قام على جمعه فريق من الصحابة الكرام المختصين بتكليف من أمير المؤمنين "عثمان بن عفان".
الثاني: أن ندرك أهمية ترابط الأجيال وتبادل الخبرات.. فإن أعظم كتاب بعد كتاب الله وهو صحيح "البخاري" لم تكن فكرة البخاري.. ولكنها كانت فكرة أستاذه "إسحاق بن راهوية".. وتتضح هذه الصورة جلية حين نعلم أن الإمام مسلم كان تلميذا للإمام البخاري.
وأن أصحاب المذاهب الكبرى عند المسلمين هم نتاج هذا الترابط.. فلإمام الشافعي تلميذ الإمام مالك والإمام أحمد تلميذ الإمام الشافعي.. وهكذا فالتلميذ العظيم ما هو الإنتاج أستاذ عظيم.
السبت الموافق
25-12-1433هـ
10-11-2012م
عودة الى الطريق الى الله
|