|
عذرا ً يا ثاني اثنين بقلم د/ ناجح إبراهيم
فرغ القوم لتوهم من حملة شرسة منظمة ومرتبة على أعظم عقل أنجبه الإسلام في علم الحديث وهو الإمام البخاري .. بعدما دشنوا حملات سابقة على أبي حنيفة أعظم عقل أنجبه الإسلام في الفقه والذي دشن تلميذه الشيباني علم القانون الدولي قبل أوروبا الحديثة بـ13 قرنا ً.. مرورا ً على الشافعي الذي أدخل علم أصول الفقه.. وأحمد بن حنبل الذي يريدون إدخاله قسرا ً في زمرة الداعشيين مع أنه كان ينهي منذ قرون عن "شوي السمك وهو حي".. احتراما ً لألم السمكة التي ستؤكل بعدها.
واليوم يقترب الهجوم من النبوة فيهاجموا وزيره الأول وصّديق هذه الأمة ورمز يقينها والذي يعدل إيمانه إيمان هذه الأمة.. والذي لم يتلعثم إيمانه ولا يقينه قط.
بدأ الهجوم على " ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ".. والذي مدحه الرسول قائلا ً" ما لأحد عندنا يد إلا وكافأناه بها ما خلا أبا بكر فإن له عندنا يداً يكافئه الله بها يوم القيامة".
بدأت إشارة الهجوم الإعلامي على من وصفه الله بتعبير " إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ ".. والذي أعطى ولم يستبق شيئاً وأول من أسلم.
بدأ الهجوم على وزير النبي ومستشاره الأول والأقرب والأحب إلى قلبه .. والذي ما غاب عنه يوماً في حياته قبل الرسالة أو بعدها.. والذي يجاوره في قبره حتى الآن.. وكأن الله أراد أن يجمعهما في الدنيا وفي القبر وفي الجنة.. فمن زار النبي لابد له أن يزوره مع رفيقهما العظيم عمر بن الخطاب الخليفة العادل الشامخ.. في إشارة لا تخفى على أحد أنه لا يمكن الفصل بين هؤلاء الثلاثة.
بدأ الهجوم الكاسح اليوم ليتجاوز العلماء والفقهاء والتراث ليصل إلى عمود من أعمدة الرسالة المحمدية مدحه الرسول (ص) بقوله: "ما نفعني مال لأحد قط مثلما نفعني مال أبي بكر.. وما عرضت الإسلام على أحد إلا كانت له كبوة وتردد عدا أبي بكر فإنه لم يتلعثم " .
إنه صاحب الإيمان الذي لم يتلعثم واليقين الذي لم يتردد يتلقى اليوم الطعنات الغادرة .. فعذرا ً سيدي أيها الصديق العظيم .. فالقوم لا يقدرونك قدرك ولا يعرفوا مكانتك.. أنت الذي لم تتلعثم يوم أن سمعت بنزول الوحي على الرسول أول مرة فصدقت وآمنت من فورك دون تردد أو تشكك.
عذرا ً أيها الصديق فلم يكن هؤلاء معك ولم يعرفوك يوم كنت سببا ً في إسلام أكبر الصحابة فبعد أيام من إسلامك أتيت إلي النبي ومعك عثمان بن عفان والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبد الله ليعلنوا إسلامهم.
عذرا ً أيها الصديق فهؤلاء وأمثالهم لم يدركوا أن إيمانك بصدق النبي والنبوة لم يتزعزع حتى في أحلك المواقف فيوم الإسراء والمعراج تلعثم إيمان الكثيرين .. وترددت النفوس بين الإيمان والشك والتصديق والكفر.. فكيف يقطع الرسول المسافة بين مكة والقدس ذهابا وإيابا ً في ساعات .. ولكنك قلت " إن كان قد قال فقد صدق " إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك .. أصدقه في خبر السماء يأتيه في غدوة أو روحه " .
وفي الحديبية يوم أن قبل رسول الله (ص) بشروط قريش المجحفة إيثارا ً للسلم ورغبة في الهداية لا الحرب.. فيغتاظ الصحابة ومنهم ابن الخطاب قائلين: "لم نرض الدنية في ديننا فيقول لهم رسول الله (ص): "يا عمر إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري" .. فيذهبون إلي الصديق العظيم صاحب الإيمان الذي لا يتردد فيجذب عمر بقوة كأنما يوقظ إيمانه ويقينه " إنه رسول الله وإن الله ناصره وإنه على الحق "
لقد فهم أبو بكر أن الرسول (ص) نظر إلي المستقبل بعيون الداعية فرفض أن يدخل في حرب يقتل فيها أمثال خالد بن الوليد وابن العاص أو عكرمة أو فرسان قريش الذي رآهم الرسول بعيني بصيرته مشاريع هداية وخير وقادة لجنوده وجيوشه في المستقبل.. وأن هدايتهم أعظم من حربهم.. وصلاحهم أعظم من وأدهم.. وإدخالهم الجنة أعظم من حشرهم إلي القبر أو النار.
عذرا ً أيها الصديق فبعض القوم يريدون أن ينسبوك إلى داعش أو ينسبوا داعش إليك .
آه يا أيها الصديق الرفيق الرقيق العطوف.. ففي نهاية الزمان يأتي من لا تدقيق لديه ومعلوم كراهيته لك ولعمر بن الخطاب ليقول أنك أحرقت رجلا ً مسلما ً.. ناسيا ً أنك من نصحت الرسول r بالعفو عن أسرى بدر المشركين وأن يقبل منهم الفداء.. حتى شبهك الرسول rبإبراهيم عليه السلام في عفوه ورحمته.
عذرا ً أيها الصديق نيابة عمن يريد أن يربطك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بداعش وأخواتها.. ناسيا ً أنك كنت توصي جيوشك وهي ذاهبة للحرب بالآتي:" لا تقتلوا طفلا ً ولا امرأة ولا شيخا ً ولا فانيا ً ولا راهبا ً ولا تقطعوا شجرة ولا نخلة " حتى الشجرة والنخلة المثمرة في أرض عدوك المحارب احترمتها أيها الصديق.. وكنت تقول لهم"لا تحرقوا شجرة ولا نخلة " فالذي ينهي عن حرق الشجرة والنخلة في أرض العدو هل سيحرق الإنسان؟!
عذرا ً أيها الصديق.. لقد نسي القوم أنك كنت " ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ ".. فما أدرى القوم عظمة هذا الثناء.. فلا تدري أيهما ثاني للآخر.. هل الرسول أم أبي بكر ؟!
عذرا ً أيها الصديق فقد نسى القوم مدح القرآن لك " وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ " .. وكفاك ثناء الله عليك بالصحبة ووسام إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ ".. فالله معك يا أبا بكر فلا تحزن من شتم الشاتمين وسب المغرضين.
عذرا ً أيها الصديق فقد نسى القوم أنك تصدقت بما لك كله في سبيل الله حتى سألك الرسول (ص) "ماذا أبقيت لأهلك يا أبا بكر.. فقلت: أبقيت لهم الله ورسوله" والغريب أن الذين يشتمونك لا يؤثر عنهم النفقة أو العطاء لفقير أو مسكين أو يتيم أو محروم.
عودة الى دروس في الدعوة
|