|
رسالة للمحرضين على الموت في مصر؟ بقلم/ ناجح إبراهيم
استغربت كثيراً للدعوات المحمومة التي انطلقت من الخارج تشجع الشباب المصري على الحرق والتفجير والتدمير في الذكرى الرابعة لثورة 25 يناير.. وعادة ما تتكرر هذه الدعوات كل عام .. غير مبالية بالدماء والخسائر المادية والبشرية التي تصيب أبناء وتلاميذ هؤلاء من جهة أو الشرطة والجيش والعوام المصريين من جهة أخرى.. وكأن هذه الدماء لا ثمن لها ولا وزن لها في الحياة ولا قدر لها في الشريعة.. وكأن مصر تحتاج إلى ثورة كل عدة أشهر وكل مناسبة تراق فيها الدماء وتحرق فيها المباني والأنفس.. حتى يسعد هؤلاء وهؤلاء .
تعجبت كثيراً للدعوات التى انطلقت من الخارج تشجع وتؤيد الشباب المتدين وتدعوه لمزيد من الحرق وتفجير كابلات الكهرباء وتدمير ما يستطيعه من قطارات وترام ومترو وما شابهه .. ألم يدرك هؤلاء أن مصر أحوج ما تكون إلى دعوة للمصالحة وحقن الدماء بين الطرفين .. أو دعوة لنبذ العنف والإرهاب ووقف التقاتل والتشاتم.. بدلاً من الدعوة للحرب والنزال.
فهل يريد هؤلاء حرقاً أكثر مما حرق.. وهل تبقى شىء فى بلادنا لم يحرق.. فقد حرقت الكنائس والمساجد والأحزاب وأقسام الشرطة والمحافظات والنيابات والمحاكم والمباني الحكومية والمتاحف والمدارس بل والضباط فى الأقسام والشباب المتدين فى رابعة.. وحرقت معها قلوب المصريين.. فهل نحتاج إلى حرائق جديدة أم إلى رجال إطفاء لحرائق المباني والقلوب والنفوس؟!.
وهل بقيت دماء مصرية لم تنزف بعد حتى نريقها في كل ذكرى لثورة 25 يناير أو غيرها.. أين الدعاة لحقن الدماء ولم الشمل.. ومن يهتف فى الآذان والقلوب بـ«فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ» أى الذى لا عتاب فيه.. وأن يصدح فى الضمائر «ادْفَعْ بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ».
إن مصر لا تحتاج لدعوات الحرب بقدر حاجتها لدعوات السلام والتصالح والتغافر.. مع العمل والبناء ومحاربة الفساد والاستبداد والرشوة وتوريث الوظائف.
إن هذه الدعوات لن توجد المفقود من الشريعة ولن تحافظ على الموجود منها.. ولكنها ستضيع الموجود ولا تأتى بالمفقود.. إنها ستذبح الإسلام ودعوته بسكين العنف والدماء.. ولن تعيد مرسي إلى الحكم الذي ما زال البعض يرفع صوره .. ولن تعيد عجلة الزمان للخلف.. وهل نهدم الدولة والنظام كل بضعة أشهر حتى يستريح هؤلاء وهؤلاء .. إن الإنسان العادي لا يستطيع الانتقال من شقته إلى أخرى إلا كل عشرين عاماً ويكون ذلك شيئاً عسيراً .. فهل نهدم كل بضعة أشهر نظاماً لنحل آخر حتى لو اقتنع البعض أنه أتقى.
لقد تعلمت من حياتي الصعبة والمملوءة بالتجارب أنه لن يسمع صوت الأذان "حى على الفلاح " إلا بعد خمود صوت التفجيرات والرصاص.. فصوت المتفجرات بجبروته يغطى على صوت الأذان الرقيق.
وهل ستخرج هذه الدعوات السجناء أم ستزيد معاناتهم وعددهم وعنتهم؟
إن ممارسة العنف والحرق من بعض الإسلاميين ستزيد الدولة شدة وبأساً وحنقاً وغيظاً وغلظة وشدة ولن تقابل بالرحمة والعفو والتسامح .. فالدول كل الدول تصاب بالوسوسة الأمنية والشك فى كل شىء فى حالة الصدام والحرب.. ويهدأ بالها ويعود إليها عقلها وحكمتها ورحمتها إذا هدأت الأحوال وساد الأمن والأمان.. ووقتها تتحسن الأحوال فى السجون ويبدأ الإفراج تتلوه الأفراح.
وقد جربنا ذلك قبل مبادرة منع العنف وبعدها.. فقبلها فى وقت الصراع كانت السجون المصرية كالنار الموقدة أما بعدها فأصبحت أفضل سجون المنطقة العربية.. حتى إن أكثر من ألف سجين ومعتقل زاروا بيوتهم. وبعضهم كان محكوما عليه بالإعدام فى سابقة لم تحدث فى تاريخ مصر من قبل.
لقد تعلمت أنه يمكن للمتشددين والمتعصبين والمتهورين أن يخرجوا الدولة عن عقلها وحكمتها، ويمكن للحكماء والعقلاء أن يعيدوها إلى حكمتها وعقلها ورحمتها.
فإشعال الحروب والصراعات يحسنه كل أحمق.. وإطفاء جذوتها ونشر السلام صعب وشاق ويحتاج لمن يبيع جاهه ابتغاء مرضاة الله.
فإدخال الشباب إلى السجون أو القبور سهل يحسنه كل أحمق أما إخراجهم من السجون فصعب وشاق.. وصناعة الحياة لا يحسنها إلا القليل أما صناعة الموت في غير ميدان فيحسنها أكثر الحمقى.
وقد تعلمت أن القائد العظيم هو الذى لا يدخل أبناءه أو شعبه فى معارك عبثية لا طائل من ورائها.. وأعظم منه الذى يخرجهم من السجون.
أما القائد الفاشل فهو الذى يدخل الآلاف إلى السجون أو القبور ويملأ البلاد بالثكالى والأرامل واليتامى.
إن مصر لن يصلح حالها طالما أن دعوات الانتقام والثأر والحرب تغطى على تراتيل السلام ودعوات الحب والعفو والصفح.. تلك الدعوات التى تملأ القرآن والأناجيل.
والمصيبة أن أكثر الذين يدعون للحرب لا يحسنونها ولا تطالهم شرورها .. فهم على الأسرة متكئون وفي الفنادق مرفهون وعلى القنوات يمرحون في الوقت الذي يصتلي فيه الشباب كأس السجون والقبور.
أما الذين يدعون للحرب من خارج مصر فيبيعون دماء الشباب بثمن بخس وهم فى مأمن وسعة عيش.. ويتلاعبون بجماجمهم وآهات جرحاهم ويتم أطفالهم وترمل نسائهم ليصنعوا مجدا كاذبا.
إن القائد العظيم هو الذى يرحم الناس ولا يوقعهم فى حرج ولا يكلفهم ما لا يطيقونه.. إن أكثرنا وللأسف يحسن صنع وفقه الموت ولا يحسن صنع الحياة الجميلة الطيبة الودودة التى تحب الله وتحب خلق الله.. وتحب العمل الصالح وتعمير الكون.
عودة الى دروس في الدعوة
|