|
هل ستفهم مصر صلح الحديبية؟ بقلم د/ ناجح إبراهيم
وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الحديبية مطلقا ًمأثورته العظيمة التي أصبحت عمودا ً رئيسيا ً لحياتي كلها: "والله لا يسألني القوم خطة تعظم فيها حرمات الله - أي تحقن فيها الدماء- إلا أجبتهم إليها".. إنه يخاطب قريشا ً التي صدته معتمرا ًوعابدا ً وليس فاتحا ً.. ومن قبل آذوه وعذبوا أصحابه.. وطردوه واضطروه إلي الهجرة.. إنه يريد والصلح وحقن الدماء رغم أن 1400 من أصحابه بايعوه علي الموت صادقين فيما أسماه المؤرخون بيعة الرضوان لقوله تعالى " لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ".
رسول الله يعلن الجميع أنه سيقبل أي خطة أو فكرة أو آلية تحقن الدماء وتحقق الصلح
كان يستطيع أن يقاتل القوم بأصحابه المخلصين فتراق دماء أصحابه والمشركين معا ً.. ولكنه صلى الله عليه وسلم أدرك أن الإسلام يحتاج لأتباعه المؤمنين وخصومه المشركين علي السواء.. أدرك بعبقريته السياسية والعسكرية وقبل ذلك الإيمانية أن خصومه سيسلمون في يوم من الأيام.. فلماذا يريق دماءهم ليخسروا الدنيا والآخرة.. ولماذا يريق دماء أصحابه المتحمسين للدفاع عنه.. فما لا يتم اليوم يتم غدا ً.. وما لا يكون اليوم يتحقق غدا.. وإذا تعسرت العمرة هذا العام ستكون العام القادم.. فكل شيء يهون من أجل حقن الدماء منك أو من خصمك .
جاء مفاوض قريش.. كان شرسا ًصعبا ً مشحونا ً بحمية جاهلية.. يريد أن يملي شروطه علي الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يأخذ كل شيء لا يعطي شيئاً.. ورغم ذلك كله أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يحقن الدماء بأي ثمن.. دماء أصحابه غالية.. ودماء خصومه أيضا ًغالية.. فهيهات هيهات أن تهدر أي شريعة الدماء دون أي مصلحة.. لا يمكن أن تهدر دماء أبنائها أو دماء الآخرين دون علة أقوى وأعظم وأرفع من إراقة الدماء.
فرض "سهيل" شروطه القاسية علي خاتم المرسلين.. ومع كل شرط يمليه يغضب الأصحاب ويرفض علي بن أبي طالب أن ينفذ طلب الرسول صلى الله عليه وسلم.. ولكن الرسول يقبل ثم يقبل.. ويا للعجب.. أشجع الخلق وأحكمهم وأقواهم يقبل هذه الشروط المجحفة.. نعم إنها إرادة الصلح وحقن الدماء.
طلب منه سهيل بن عمرو مفاوض قريش: أن يمحو كلمة "الرحمن الرحيم" فمحاها بنفسه.. وأن يمحو كلمه "رسول الله" فمحاها بنفسه.. والله لو فعل واحد منا ذلك حاكما ً أو محكوما ً لكفره القاصي والداني في الحركة الإسلامية.
ولكن الرسول بعبقريته أدرك أنه يمحوها من الوثيقة التي تمثل الطرفين.. فلا يمكن أن تلزم طرفا ً بشيء لا يؤمن به.. هو لا يمحوها من الوجود ولكنه يمحوها من الوثيقة التي بينهما.
يستمر سهيل في تعنته ويتواصل تسامح النبي صلى الله عليه وسلم فيطلب الأول ألا يعتمروا هذا العام بل يعتمروا في العام القادم.. وأن من جاء النبي مسلما ً يرده.. ومن جاء قريش مشركا ً لا ترده فيقبل النبي صلى الله عليه وسلم تلك الشروط المجحفة الجائرة.. والتي أباح وأجاز من أجلها الفقهاء الصلح علي الشرط الجائر أو علي الظلم والهضم.
ويغضب الصحابة كعادة كل الأصحاب في كل صلح علي مر التاريخ.. "لم نرض الدنية في ديننا ".. ولكن أبا بكر الصديق صاحب الإيمان الشامخ يقر إجابة النبي "أنه عبد الله ولن يضيعه"
لم تسكن خواطر الصحابة إلا حينما تنزل القرآن ليصف الصلح بـ" إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً".. رغم أنهم عادوا إلي المدينة دون حرب أو عمرة.. فالفتح الحقيقي هو الصلح الذي تحقق في سنواته القليلة ما لم يتحقق للإسلام في سنوات الحرب.
لقد كان لي الشرف أن أعيش هذه المعاني الرائعة وأن أكتب عنها وأطبق الكثير من مفاهيمها وأرى الكثير من آثارها.. وأن أعيش بوجداني كله مع هذه المعاني حينما طبقت أكثرها مع صحاب كرام مثل الشيخ كرم زهدي في أيام مبادرة منع العنف التي حقنت الدماء في مصر سنوات طويلة.. حتى جاء من فجر نهر الدماء مرة أخرى لتحتاج مصر كلها إلي قراءة صلح الحديبية من جديد.
نشر في جريدة الشروق
الأحد الموافق:
16- ربيع الثاني 1435هـ
16-2-2014م
| الإسم | رضا العربي |
| عنوان التعليق | من الذي فجر الدماء؟ |
| عندما كانت الجماعة الإسلامية في التسعينات وما قبلها في مواجهة مسلحة مع النظام كانت معركة خاسرة وليس لها مبرر حتى إن الجماعة الإسلامية خسرت الكثير من أفرادها ومحبيها ومساجدها كما خسرت تعاطف كثير من الناس بعدما كادت الجماعة تصل إلى كل قلوب المصرين وأصبحت لها أرضية كادت تفوق الإخوان المسلمين، لكن المواجهة المسلحة هي التي أتت على الجماعة وكانت فكرة في أشد الغباء ولكن اليوم الوضع يختلف، فقد كان هناك رئيس منتخب من الشعب اختطف فجأة وخرج الشعب في انتخابات كنا نتشوق إلها منذ عشرات السنين في نزاهتها وعدلاتها، تنسمنا عبير الحرية لأول مرة في حياتنا كنت أركب المواصلات وأنظر إلى شوارع مصر وبيوتها وجسورها كنت أحسس أن مصر عادت لنا من جديد وفجأة يتبدل كل ذلك فتذهب الحرية ويزول الشعور بتحرير الوطن وعودته إلى أهله وكأننا كنا في حلم جميل افتقدناه واستيقظنا على الواقع المرير. |
عودة الى دروس في الدعوة
|