|
سنن النبوة بين محمد والمسيح بقلم د/ ناجح إبراهيم
محمد والمسيح عليهما السلام أشقاء وأحباء في الرسالة والنبوة مما حدا بمحمد صلى الله عليه وسلم أن يهتف قائلا ً:- "أنا أولى الناس بابن مريم الأنبياء أولاد علات وليس بيني وبينه نبي".
وفي رواية لمسلم يقدم شقيقه الأقدم في الرسالة "أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الأولى" أي الدنيا" والآخرة قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال الأنبياء إخوة من علات أمهاتهم شتى ودينهم واحد وليس بيننا نبي " .. والإخوة لعلات هم الأشقاء من أب واحد وأمهات شتى.. وهذا يعني توحدهم في أصل رسالاتهم لتوحيد الله وعبادته وطاعاته وهداية الخلق إلي الحق.
أما أمهاتهم فشتى"وتعني اختلاف شرائعهم التي تناسب أقوامهم وزمانهم والأهواء والأدواء التي وجدوها في زمانهم".
فبين الرسولين الشقيقين المتعاقبين من المودة والمحبة والتواصل أكثر مما بين الشقيقين المتباعدين في العمر.. وهذا يفسر العلاقة الحميمة بين محمد والمسيح عليهما السلام.. إنها إخوة النبوة والرسالة في ركب الإيمان المتواصل.. فمحمدصلى الله عليه وسلمأولى الناس بعيسى عليه السلام وأقرب إليه من أي أحد ليس في الدنيا فحسب ولكن في الآخرة أيضا ً.
فقلوب الأنبياء الطاهرة لا تعرف الغيرة والحقد أو الحسد.. فقد صنعهم الله على عينه واختارهم لنفسه واصطفاهم لرسالته.
ولذا تجد كل نبي يبشر بالآخر ويقدمه للدنيا كلها سعيدا ً ومسرورا ً بمن يكمل الرسالة من بعده.. فهذا يحيي المعروف في الأناجيل بيوحنا وهو ابن خالة عيسى عليهما السلام يقدم عيسى ويبشر به قائلا ً"سيأتي من هو أقوى مني" ولو كان هذا من أهل الدنيا لقال "أنا أولى وأكبر وأقدم وأحق منه" أو انطوى قلبه بالحقد عليه.
وهذا عيسى عليه السلام يبشر بشقيقه الذي سيخلفه في الرسالة "وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ" وهذا درس عميق "للذين يريدون أن يفرقوا بين الله ورسله" أو يريدون أن يفرقوا بين رسل الله.. إنه يبشر بشقيقه ومحبه الذي سينقل الرسالة من بني إسرائيل إلي أمة العرب ومنها إلي العالم كله.
إنه نفس الناموس الذي أنزله الله على عيسى وموسى ينزل بعدهما علي شقيقهما محمد عليهم السلام.
كما قال ورقة بن نوفل وهو يطمئن الرسول الخائف من روح القدس جبريل ويرتجف من لقائه "أبشر فهذا هو الناموس الذي أنزله الله على موسى".
وعلي نفس المنوال وبذات الطريقة يهاجر الرسولين عيسى ومحمد عليهما السلام.. فالمسيح تهاجر به أمه العذراء مريم خشية أن يقتله اليهود أو الرومان وهو مازال صبيا ً.. فلم تجد مكانا ً آمنا سوى مصر التي احتضنت الرسل وأتباعهم منذ أن وطأها يوسف.
تنتقل أسرة المسيح من فلسطين إلي مصر عابرة سيناء.. وتنتقل فيها آمنة حتى تصل إلي القوصية بمحافظة أسيوط حيث تعيش هناك فترة.. ولعل رحلة هجرة العائلة المقدسة يطول شرحها كما يطول شرح أسباب ودوافع وطرق سير النبي صلى الله عليه وسلممهاجرا ً من مكة إلي المدينة.. مودعا ً مهد طفولته وصباه وبداية رسالته وهو يسح دموع الفراق قائلا ً: "إنك لأحب البلاد إلي َّ ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت "ويبشره الله يومها بالعودة حتى لا يحزن.. فيعود بعدها بقليل منتصرا ً عفوا ً وفاتحا ً رحيما ً.. وكذلك يعود المسيح إلي الأرض المقدسة في فلسطين بعد أن شب عن الطوق حاملا ً رسالة السماء التي سبقه إليها يحيى بن زكريا ابن خالته.. إنها سنن النبوة والاصطفاء التي أدركت محمدا ً والمسيح عليهما السلام.. وللحديث بقية إن شاء الله.
نشر في المصري اليوم
السبت الموافق:
5 جماد الأول 1435هـ
8-3-2014م
عودة الى دروس في الدعوة
|