|
الاحتفال بعيد الأم في فكر داعية بقلم د/ ناجح إبراهيم
يحرم بعض الدعاة في الحركة الإسلامية الاحتفال بـ"عيد الأم" كل عام.. وحجتهم في ذلك ما ثبت عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في الحديث الصحيح أنه لما هاجر إلى المدينة وجد الصحابة أن اليهود يحتفلون بيومين يلعبون فيهما (أي يتخذونهما عيدا ً).. فقال رسول (صلى الله عليه وسلم) للصحابة: " إن الله قد أبدلكم بهما يومين خيرا ً منهما يوم الفطر ويوم الأضحى".
ويرون أن هذا الحديث يدل على أن الدين الإسلامي لا يعرف سوى عيدين اثنين هما عيد الفطر وعيد الأضحى.. وبالتالي فإن كل الأعياد الأخرى لا يجوز الاحتفال بها.. ومنها الأعياد الاجتماعية مثل عيد الأم وعيد اليتيم وعيد العلم وعيد الفلاح أو العمال .. والأعياد الوطنية مثل عيد الثورة وعيد النصر وغيرهما.. ذلك كله فضلا ً عن الأعياد العقائدية للملل الأخرى النيروز وعيد الفصح وعيد القيامة وعيد الميلاد.
ويحتج هؤلاء الدعاة أيضا ً بأن الأم يجب تكريمها في كل أيام العام وليس في يوم واحد منه .. وهذه الحجة انتشرت بين هؤلاء الدعاة انتشار النار في الهشيم.
وفى الوقت نفسه نرى أن المسلمين عواما ً وخواصا ً يحتفلون بعيد الأم.. ونرى جميعاً الأثر الفعال لهذا اليوم في تربية الأجيال على بر الأمهات.. وتذكير الناس جميعاً بفضل الأم.
ونرى المسلمين في هذا اليوم يتسابقون فرادى وجماعات لبر الأمهات وصنع الخير معهن والرحمة بهن وتعويض ما قصروا فيه معهن طوال العام.
والذين يحتفلون بهذا اليوم من المسلمين أكثرهم من الصالحين العابدين الذاكرين.. وعند أكثرهم قسط وافر من العلم الشرعي .. وهم في كل عام يستمعون إلى تلك الفتاوى التي تحرم الاحتفال بـ"عيد الأم".. ولكنهم لا يلتفتون إليها ولا يلقون لها بالاً ولا يقتنعون بتلك الفتاوى.. ويستمرون في الاحتفال بهذا اليوم بمزيد من البر والعطف والرحمة والإحسان ورد الجميل إلى أمهاتهم.. ويرون أن ترك الاحتفال بمثل هذا اليوم يحرمهم ويحرم أمهاتهم من خير كثير وطاعة عظيمة.. ويحرم أولادهم من التربية على بر الأمهات وغرس هذه القيمة العظمى في نفوسهم.
وهكذا في كل عام بعض دعاة الحركة الإسلامية يفتون بالتحريم.. وعموم المسلمين يستمعون إلى هذه الفتاوى فلا يرون أنها تمثل صحيح الدين وروحه من وجهة نظرهم.. فيستمرون أيضاً في الاحتفال بهذا اليوم ويسعدون ببر أمهاتهم وتربية أولادهم الصغار على هذه المعاني النبيلة.
وهكذا تسير الأمور.. فلا الدعاة توقفوا قليلا ً لإيجاد صيغة شرعية لهذا الأمر تجمع بين الواجب الشرعي والواقع العملي.. وتحقق كل الأغراض المرجوة من هذا الأمر.. ولم يعرضوا على الناس بديلا جيدا ً عن عيد الأم يقنع سائر المسلمين به.
أما عموم المسلمين فلم يناقشوا مع هؤلاء الدعاة فتواهم وأثرها السيئ في منع هذا الخير.. ولم يساعدوا هؤلاء الدعاة على التفكير في بديل إسلامي آخر أفضل وأحسن وأوسع.
فإن لم يكن فالسعي في أسلمة " عيد الأم " ليكون مطابقاً للشرع وموافقاً له .. مع تحقيق كل المصالح الشرعية الخاصة به.. فعوام المسلمين وخواصهم اكتفوا بالسماع لهذه الفتاوى مع نية الرفض لها وعدم قبولها.
هذه الإشكالية نجدها في أمور كثيرة.. ولعل التصدي لمثل هذه الإشكالية يكون شائكاً.. ولكنى أرى أن التصدي لها أهم من إهمالها وتركها.
وقبل الفصل في مثل هذا الأمر يهمني أن اذكر القارئ بهذه النقاط المهمة.. وهى:-
أولا ً:- إنني اتفق مع دعاة وفقهاء الحركة الإسلامية الذين قالوا إن الإسلام لا يعرف سوى عيدين اثنين هما "عيد الفطر وعيد الأضحى".
ثانيا ً:- أن مسمى العيد في الشرع ينطبق على أمرين هامين:
1- النسك والعبادة: مثل تكبيرات العيدين وصلاة العيد والإفطار قبل الخروج للمسجد في عيد الفطر والذبح بعد الصلاة في عيد الأضحى.. الخ
فأي عيد لا تكون فيه نسك وعبادة فهو في الحقيقة ليس عيدا ً بالمعنى الشرعي الذي قصده الرسول (صلى الله عليه وسلم) في الحديث الذي أشرت إليه آنفا ً .. حتى وإن كانت فيه فرحة عامه.
2- الفرحة لعموم المسلمين: وهذه الفرحة تعم النساء والأطفال والشيوخ والأسر جميعا ً وتعم القطر أو البلد جميعا ً.. ولذلك كان من حكمة الإسلام أنه حث على حضور النساء ذوات الأعذار مثل "الحيض والنفساء" .. وكذلك الأطفال إلى صلاة العيد حتى وإن لم يصلوا.. ليشهدوا هذا الخير وهذا الاجتماع الإسلامي النادر الجميل الذي لا يتكرر في العام إلا مرتين.
ثالثاً:- أن الأعياد التي لا تشتمل على نسك وعبادة لا تعد أعياداً في الشريعة.. سواء كانت هذه العبادة عبادة صحيحة مثل العبادات المشروعة في عيد الفطر وعيد الأضحى.. أو عبادات غير مشروعة في الإسلام مثلما يحدث في أعياد غير المسلمين مثل عيد القيامة والميلاد والنيروز.
ونحو ذلك من الأعياد الدينية العقائدية التي تشتمل أساساً على النسك والعبادة.. وهذه الأخيرة متفق على تحريمها على المسلم .
أما الأعياد التي لا تشتمل على نسك وعبادة فهي تسمى أعيادا ً مجازا ً.. لأنها تعود كل عام.. وهذه في حقيقتها ليست أعياداً بالمعنى الشرعي رغم اشتمالها على فرحة أو بر أو معروف ونحوه ومن أمثلتها "عيد الأم" وعيد النصر وعيد الثورة وعيد العلم.
ولو أننا أسميناها "يوم كذا " بدلا ً من "عيد كذا" لكان أولى وأفضل ولزال عنها الكثير من الحرج الشرعي.
فنسمى عيد الأم مثلاً يوم الأم.. ونسمى عيد النصر بيوم النصر... ونسمى عيد العلم بيوم العلم... وهذا ما يليق بمثل هذه المسميات .. فهي تشتمل على غرض شرعي صحيح من تكريم الأم أو العلماء الأفذاذ أو المقاتلين العظماء... وهذه كلها مصالح شرعية صحيحة.
ومن أمثلتها يوم الجيش الثالث أو الثاني.. أو يوم المدرعات أو المشاة أو يوم الصاعقة أو يوم الدفاع الجوى.. وكلها أيام تذكر الأمة بأمجادها وانتصاراتها على أعدائها.. وتحيي في الأجيال القادمة معاني الفداء والعطاء والشجاعة والرجولة.. وأي أمة ليس لها تاريخ عظيم فلن يكون لها حاضر ٌ أو مستقبل عظيم.
رابعا ً:- كان ينبغي على دعاة الحركة الإسلامية وفقهائها خاصة ودعاة الإسلام عامة أن يسبقوا الآخرين ويبادروا باستنباط يوم خاص لتكريم الأمهات العظام من كل أجيال المسلمين حتى أيامنا هذه.. ويقوم فيه كل الأبناء بتكريم أمهاتهم تكريما ً خاصاً.
ويمكن أن يستنبط هذا اليوم من تاريخ الصحابة أو التابعين أو تابعيهم أو من العصور الحديثة.. ويكرروا ذلك مع أعياد العلم والنصر والطفولة واليتيم والفلاح والعمال .... الخ.
خامسا ً:- الحجة التي يقولها بعض الدعاة الذين يرفضون الاحتفال بيوم الأم.. وهى أنه يجب علينا أن نحتفل بالأم وغيرها ونكرمها طوال العام وليس في يوم واحد منه تعد من أضعف الحجج رغم تكرارها وانتشارها.. فما يمنع تكريمها تكريما ً زائدا ً في يوم من الأيام ليذكر الأبناء ببرها بقية العام.. مع تكريم الأمهات المثاليات للعام كله.
والحقيقة التي لا مراء فيها أن هذا الاحتفال يؤثر تأثيرا ً كبيراً في الأولاد والأمهات.. ولا نريد أن نضع رءوسنا في الرمال بقولنا إنه أثر وقتي.. بل إنه أثر متراكم منذ الطفولة وحتى آخر يوم في حياتنا.. وما فعله مع أمه يتكرر من أبنائه مع أمهاتهم وهكذا.
سادسا ً:- أن الاحتجاج بأن مثل هذا الاحتفال لم يحدث في أيام الرسول (صلى الله عليه وسلم) والصحابة والتابعين وتابعيهم احتجاج ضعيف.. فليس كل شيء يحدث الآن في حياتنا قد حدث أيام الرسول والصحابة والتابعين.. حتى في أمور المساجد وطلب العلم وطريقته... الخ.
وهذا كله يندرج تحت ما يسمى في أصول الفقه "المصالح المرسلة" .. وهو ما فيه مصلحة شرعية للناس ولم يأت هناك نص بتحريمه أو وجوبه أو ندبه.. فالأصل في الأشياء الإباحة " بخلاف العبادة والعقيدة والأبضاع والدماء.. فالأصل فيها الحرمة إلا ما أباحه الشرع الحنيف"
ونخلص من ذلك كله أننا لو نقينا عيد الأم من كل الأمور التي يأخذها بعض الدعاة عليها مثل كلمه "عيد" مع اختيارنا لمناسبة إسلامية له.. أو ترك موعده كما هو لاعتياد الناس عليه.. مع تعريف الناس أن ذلك الاحتفال لم يحدث أيام الرسول (صلي الله عليه وسلم) .. ونكون بذلك قد تخلصنا من بعض المشاكل التي تعوق بعض الإسلاميين عن التفاعل معه .. وبذلك نستطيع أن نجمع بين كل المصالح الشرعية في آن واحد.
وهذا ما توصلت إليه بعد تفكير عميق في هذا الأمر.. وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يكون فيه النفع والخير للمسلمين أجمعين.. " وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ", والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل.
الأربعاء الموافق
28-4-1433هـ
21-3-2012م
| الإسم | أبو محمد المنوفى |
| عنوان التعليق | دعنى أخالفك الرأى يا دكتور |
| جزاك الله خيرا على ذلك المقال الرائع , ولكنى اتسائل هل الرسول صلى الله عليه وسلم لغى عيدى الاوس والخزرج لان فيهما نسك دينى أو اى شئ يمت بالعقيدة . ابدا . لم يكن هناك نسك دينى ولا شئ يمت بالعقيدة فى هذين العيدين ... ثانيا هل عندما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم حديث ( لتتبعن سنن من كان قبلكم , شبرا بشبر , وزراعا بزراع , حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ... الحديث ) وهل دخول جحر الضب فيه شئ من العقيدة او العبادة او النسك , بل هو عمل او فعل عادى , فالرسول صلى الله عليه وسلم لا يريد أن يتشبه أفراد الامة باى شكل من أشكال الامم السابقة والأمم الاخرى .. والحديث واضح من ( من تشبه بقوم فهو منهم ) وما الفرق بين أن نسميه عيدا أو يوما ثابتا كل عام يتعود الناس بالاحتفال فيه والاحسان الى فئة معينة وقد عرف السلف والخلف أن العيد هو ما إعتاد الناس علي الاحسان فيه , فإذا أردنا أن نخرج من هذا الامر فمن الممكن أن نقول أن نخصص يوما غير ثابت أو يومين يتم فيه الاحسان والتذكير بفضل أشخاص معينين ولا يشترط أن يعمم هذا اليوم أو اليومين على الامة بل يقوم به مكان دون أخر ولا داعى للمزايدة على أصحاب الرأى الاخر أنه ما زالوا يكررون والناس يسمعون ولا يطبقون بل هناك من يقتنع ويطبق وهناك من يقتنع ولكن هواه غلب عليه وجزاكم الله خيرا |
| الإسم | مصطفى الخولى .0127250211 |
| عنوان التعليق | الصراحة دليل الصدق |
| حبيبى وشيخى الدكتور ناجح أحسبك صادقا لأنك لم تنافق عوام الناس ولا أبناء الحركة الاسلامية فكثيرا ما يحجم الدعاة عن ابداء مثل هذه الاراء خوفا من النقد رغم أن كل هذه الاعياد التى ذكرت لم يرد نص صريح لا قطعى ولا ظنى بحرمتها |
| الإسم | د محمود القماش |
| عنوان التعليق | بدعه |
| رغم انبهارى الشديد دائما باراء فضيلة د ناجح واعجابى برؤاه العميقه ولكن هذا المقال لم يكن له سبيل الى الاقناع وأجد أنه بعيد جدا عن النظره الدقيقه الموضوعيه والتى تستند الى أسس قويه من الكتاب والسنه (تركت فيكم ما ان اعتصمتم به فلن تضلوا كتاب الله وسنة نبيه )
وأرى أن هذه الرؤيه للاحتفال بعيد الأم هو فتح الباب على مصراعيه لقبول كل بدعه وكل أمر محدث بكثير من الحجج وتقنين كل مستحدث وأنها دعوه لعوام الناس لفقد الثقه لعلمائها ودعاتها وعدم الانصات لهم فى دعواهم للمحافظه على سنة نبيهم والتمسك بها ومحاربة البدع والضلالات
ولا أنسى أبدا أول منشور للجماعه الاسلاميه وأنا فى أولى طب سنة 1984 وكان عن عدم شرعية الاحتفال بشم النسيم وقد أرسلت هذا المنشور أنذاك الى أهلى فى خطاب وذلك بعد أن قصصت رأس الصفحه والتى بها اسم الجماعه الاسلاميه للاحتياطات الأمنيه !
وأليس بر الوالدين من أعظم العبادات التى نتقرب بها الى الله سبحانه وتعالى والتى يجب أن نتبع فيها منهجنا الصحيح والشريعه الحنيفيه! السمحاء ولا نتبع منهج وطرق من لايعلموا عن الشريعة شيئا
كيف نقوم بعباده عظيمه (بر الوالدين ) فى وقت معين وبكيفيه معينه وندعو دعاة الحركه الاسلاميه الى دعوة الأمه كلها الى القيام بها والتجاوب معها فى نفس الوقت الى حد أن من لن يقوم بهذا العمل فى هذا الوقت سيصبح شاذا غريبا مقصرا حاسس بالذنب والعقوق !
طوبى للغرباء !
أرجو من شيخنا الحكيم الفاضل مراجعة رأيك حفظك الله ووفق الجماعه الاسلاميه والتى أنا أحد أبنائها الى مافيه خيرى الدنيا والأخره . |
عودة الى دروس في الدعوة
|