|
بيت الكرم . قصة قصيرة .لبخيت خليفة بقلم أ / بخيت خليفة
بعد مرور أكثر من نصف قرن على إقامتنا بشارعنا.. والذي يشق بيوت العائلة.. مرة واحدة انتبهت الأسر كلها إلى أن الشارع ضاق بالسكان.. وليس الشارع فقط بل البيوت أيضاً. فلا مكان في الشارع تجلس فيه كما كنا في الماضي.. ولا مجال أيضاً للهدوء من الأصوات المتداخلة.. ضوضاء السيارات.. صخب الأطفال.. تمعنت في الأمر فإذا هي حقيقة مفزعة. فالأحفاد من عقود هم الآن الأجداد.. وتضاعفت الأعداد. كان هذا هو الدافع لأن يفكر الجميع في الانتقال إلى مكان أرحب وأوسع، لم يكن أمامهم إلا الذهاب إلى أطراف القرية.. حيث يمتلك الجميع أراض ٍ زراعية متاخمة للقرية. وبالفعل بدأت كل أسرة ببناء بيت جديد لها.. بل كان هناك من بني بيتين وثلاثة.. فهذا للأبناء وذلك للأحفاد.. وكان اتساع الرقعة الزراعية تحت أقدامنا مدعاة للتوسع.. فبدأ كل بيت يترك مساحة خالية أمام البيت للمناسبات.. وربما للمنظرة والتباهي. ثم تنافسنا في البناء والرفع للأدوار العليا.. وبعد الانتهاء تبارينا في إظهار الكرم بعمل الولائم والمعزومات.. وكان معظمها للأسف بدافع الفخر وخلافه. كان في المقابل لنا وبمسافة غير بعيدة.. رجل فقير استطاع أن يدخر من قوت يومه ومن أجرته كعامل تراحيل مبلغا ً من المال ليشترى بضعة أمتار ليسكن فيها بعدما ضاق عليه بيت أبيه الفقير ولم يجد له موضع قدم. وبعد شهور تمكن من بنائه بالطوب الحجري الأبيض.. وكان سقف البيت من أعواد الذرة اليابسة والتي أعطاها له أحد الفلاحين صدقة عليه وعلى غنمه التي كادت أن تحرقها الشمس. وكان موفقا أيضا ً بالزواج من بنت فقيرة.. تكافئه في نفس الظروف لكنها كانت من الرضا والحمد بمكان. وبعد سنوات قليلة رزق بالأبناء الذين ملأوا الأمتار المتبقية في البيت.. لكنه رغم الفقر كان ينام سعيداً.. ويقوم كل صباح يحمل فأسه جالسا منتظرا من ينادى عليه للعمل معه في الأرض أو في المباني. كان بيته المتواضع لا يكاد يظهر من بيوتنا العالية والواسعة.. وكذلك شخصه غير معروف بيننا بأحكام الدنيا السائرة والأعراف الظاهرة بأن الناس يوزنون بالدرهم والدينار.. وما أظلمه من ميزان. كما أنه لا يعرف المجالس الفخمة، ولا الكلمات المنمقة ولا يجد وقتا من فرط العناء. وفى يوم من الأيام جمعت مناسبة سارة كثيرا ً من الأقارب والأصدقاء، وبعد تناول وجبة الغذاء الفخمة.. أخذنا نتبادل الأحاديث والقفشات والضحكات.. حتى ألقيت نظرة عابرة في ساعتي فقمت منزعجا ً مهرولا ً للخارج. فلقد نسيت أنى رأيت في الصباح رجلاً غريباً، جاء يعمل بجوارنا في الحديقة القريبة.. وكان يعمل في تقليم وتهذيب الأشجار.. فعزمت في نفسي عندما رأيته حينئذ أن أقوم معه بواجب الضيافة.. وتقديم الماء البارد في الحرارة.. والغذاء مع الظهيرة. كان انزعاجي أن الساعة عبرت الثالثة بعد الظهر ولم أقدم حتى الماء للرجل.. ولقد خجلت من نفسي ووبختها.. وقررت أن أذهب إليه بالماء وأعلمه أنى قادم بالغداء.. وما أن وصلت حتى ذهلت.. فقد رأيت جارنا الفقير قد سبقني وسبق كل الأثرياء من حولي بالكرم. رأيته جالسا مع الرجل العامل الغريب.. وقدم له الماء من فخاره.. وطعاماً متواضعاً من بيته.. وجلس معه يتجاذب أطراف الحديث.. وزوجته قادمة إليهما بالشاي. وقفت متسمراً في الأرض شارد الذهن.. ولم أنتبه إلى أصواتهما وهما يناديان بالعزومة على بالطعام والشاي. وبعد لحظات أفقت من شرودي ، وقلت لهما شكرا جزيلا،.. كانت لحظات الشرود قليلة.. ولكنها في نفسي وكأنها محاضرة طويلة ، كنت أقلب بصري بين بيوتنا العالية ، وبيت الرجل الفقير المتواضع.. واستدرت منصرفا أتمتم بالمثل العامي " بيت الكرم محترم ولو كان دور واحد" قصص سابقة... القرار لن أعود
| الإسم | هاني ياسين |
| عنوان التعليق | استاذ يا عمار |
| بين الحين و الحين اراك تمتعنا بقصصك الجميلة ذات الاسطر القليلة الا انها تجمل بين طياتها معان كبيرة ويشتد اعجابي انك تستقي قصصك من الواقع الذي تعيشه و تحيا فيه و لاتجعل الموقف يمر عليك مر الكرام الا و تخرج منه درة من دررك الثمينه ومازلت اذكر قصة وحدوه و قصة عمي اين الذقن و غيرها من القصص الجميله ذات المعاني الطيبة وفقك الله يا اخي العزيز و اكرر ما زلت في حاجة اليك لتكون معي
|
| الإسم | خلف عبد الرؤف المحامى |
| عنوان التعليق | ابداع وتنوع |
| قرأت ما يكتبه الأستاذ بخيت خليفة من قصص وهو صاحب قلم يجمع بين عمق الفكرة وبساطة الأسلوب ، فهو يمتلك القدرة على استنطاق المواقف العابرة ، لتقول الكثير دون تكلف منه ، ونهايات القصص لديه لا يستطيع القارئ أن يتوقعها ومع ذلك تأتى النهاية منطقية منسجمة مع بدايات القصة من غير افتعال كما فى " أين الذقن " و "ارفع الدايم " و " وبيت الكرم ".
وللأستاذ بخيت قدرة على الكتابة بأكثر من أسلوب فإلى جانب الواقعية فى القضصص الثلاث كتب الأستاذ بأسلوب القصة العربية القديمة التى تعتمد السجع فى القص كما فى " السعى وراء السراب " فذكرنا بمقامات الحريرى وحديث عيسى ابن هشام ، ثم أمتعنا أخيرا بأسلوب جديد من ابداعاته فى " القرار " وهى قالب ابداعى يجمع بين النثر والشعر . ونحن فى انتظار المزيد من الإبداع وإن كنت أحبذ أسلوب القصة الواقعية السهلة بعيدا عن التكلف والصنعة اللفظية . |
عودة الى قصة قصيرة
|