|
أغرب من الواقع (4) سفر الأحزان بقلم/ هشام فتحي
استقبلته سماح بشغفٍ ولهفةٍ.. وحركة لا إرادية عند باب شقتهما من شدة لهفتها سقطت حقيبة طارق على الأرض.. ثم وقعت عينها على آثار دماء على بعض أوراقه الخاصة.. وعندها لم تتمالك نفسها.
وكادت سماح أن تنسى عهدا قطعته على نفسها بأن لا تشعر زوجها بمعرفتها بمرضه.. تصنّعت بأنها مشغولة في الوقت الذي كان طارق يلملم متاعه وأوراقه وحقيبته المتناثرة وآثار الدماء عليها, ولأول مرة يدخل طارق إلى غرفته يأوي إلى سريره متحاملاً متوجعًا معتذرًا لسماح بأنه يعاني تعبًا جراءَ ضغط العمل في الشركة.
أطفأ الأنوارَ ومن تحت غطائه راح يلتوي ألماً وتوجعًا.. قلبه الذي ينبض بالحب ها هو تتسارع دقاته.. أنفاسه المعدودة تتسابق الخُطى هاربة من جسده المتمدد.. أنّاته يحبسها لئلا يزعج زوجته.. وفي أبوة حانية يحتضن صورة والديه وصورة أخته "سلوان".. يبكيهم لأنهم غرقوا في عبارة الموت أمام عينه بينما عائدين إلى مصر في الأجازة الصيفية من السعودية.. يبكي ضحي.. يبكي سماح.
يقبّل صورة أخته "سلوان" من حين إلى حين.. يتذكر يوم غرق العبارة.. وبعد أن اشتعلت النار بالعبارة .. لم يجد والده بُداً من أن يحمل سلوان على كتفه.. ثم يلقي بنفسه من أعلى طابق بالعبارة.. وسلوان متعلقة بكتفه بعد أن شدّ الوثاق عليها.. قفز أبو طارق بابنته لعله يسقط على واحد من قوارب النجاة العالقة بالسفينة.. وكان طارق سبقهم إلى القفز.. وتعلق بالقارب منتظرا قفزة والده وأخته.. لحظات.. وقفز أبو طارق وانفلت الوثاق في غمرة الموج.
وابتلع الموج سلوان قبل أن يفتك بوالدها وهو يحاول أن ينجيها.. أما والدته فسبقتهم إلى الموت بعد أن لحقت بها النار في العبارة.
يااااااااااااه ... أمام عين المسكين طارق يرحل والده وسلوان بنت الخمس سنوات وقرة عينه والدته.. وهي تجري بهم في موج كالجبال من الأحزان والماسي والجراحات.
تنهيدة متقطعة خرجت للتّو منه دون أن يشعر سمعتها سماح التي كانت تتحسس من خلف الباب وتسترق السمع.. سمعته.. وترددت أن تفتح الباب.
هو لا يزال في شباك ذكرياته الأليمة وأناته الموجعة .. وصورة سلوان لا تفارقه وهي تصرخ بابا بابا ...طاررررررق ... طاررررررررررررررق ... حتى انقطع الصوت وتلاشت الصورة.
سماح لا تزال تنظر إلى المسبحة وعينها على صورة الزفاف المتعلقة بغرفة طارق.. تعيد شريط من الذكريات الطويل.. وبينما هي في وحدتها هذه والسكون السرمد يخيم على البيت الذي كان عامرا بزوجها وحبيبها.. ها هي وضحى في البيت ولا أحد تعرفه ولا أقارب يسألون عنها.
تتساقط دموعها وعينها لا تفارق الأشياء الخاصة بطارق (ملابسه الملطخة بالدماء التي كانت تتسرب منه نزفا – حقيبته – أجندته على مكتبه الخاص -.....).
يدق الباب .. تتعجب لأنه لا يزورها أحد بعد رحيل زوجها.. من خلف الباب يبلغها موظف مكتب العقار الذي يمتلك شقتها بأن موعد الإيجار قد حلّ ولا مناص من الدفع وإلا الغرامة والطرد.
لم تجبه إلا بقولها: "ربنا يسهل ويرزقنا من فضله".
عادت إلى أريكتها وعينها صوب صورة الزفاف المعلقة لتستأنف من جديد شريط الذكريات.
يرقد طارق على سريره ملتويا.. وصورة سلوان أخته مع والديها بين يديه.. ودموع تنهال من عينه.. وتنهيداته تقطع الصمت المخيم بالغرفة.
وهي لا زالت خلف الباب تترقب أناته وتوجعاته كأن المكان كله يتنهد معها ومعه.
لم تعد تصبر على هذا الحمل الثقيل.. فكرت أن تتواصل مع الطبيب المتابع لحالة طارق مهما كانت العواقب.. حتى حصلت على رقم هاتفه.. واتصلت به.. وأخبرها بأن قضاء الله نافذ لا محالة والمسألة مسألة وقت فقط.. سقط الهاتف من يدها.. وقت.. وقت.
تمنت لو أنها مكانه.. لو أنها في مثل مفعول الكورتيزون المسكن.. لو أنها تهبه ما تملك من قلب ومن رئتين وكبد لحبيبها.. ولكن ما العمل؟
اليوم يوم الأربعاء 15-3 هو يوم ميلاد طارق.
ما المانع أن أغيّر بقدر ما أملك الحالة التي نعيشها ؟ هكذا سألت سماح نفسها.
واقترحت على طارق أن يأتي مبكرا للخروج مساءً للفسحة.. وطارق المتحامل على جسده المهلهل يوافق لئلا يشعرها كالعادة بألمه ومواجعه.
الساعة السابعة.. لم يحضر.. وقطعة التورتة وحولها شموع خافتة مكتوب حول التورتة "عقبال مائة سنة".
تنتظره كعادتها كل عام.. كما اتفقت معه.
الساعة التاسعة مساءً.. لم يحضر أيضا ً... توتر وقلق و.....
أصرت أن تتصل به لتذكره بموعد التنزه.. والفسحة.
في البداية يدق الجرس دون أن يجيبها أحد.. في تمام العاشرة تسمع رسالة عبر الهاتف (الهاتف الذي تحاول الاتصال به مغلق أو لا يمكن الاتصال به ....).
كادت سماح أن تكسر زر الهاتف من كثرة تكرار الاتصال.. انتابها القلق حتى اتصلت بالشركة التي يعمل بها فأخبروها بأنه خرج الساعة الثامنة كالعادة من الشركة.
ضربات قلبها تتدافع.. والعرق يتصبب من جبينها.. وعيونها الذابلة لا تكلُّ ولا تملُّ من البكاء.. ماذا حدث ؟ أين هو ؟.. وهل تخبئ الأقدار لها قدرا على غير توقعاتها في يوم ميلاد طارق الأخير.
وإلى لقاء آخر إن شاء الله
الأربعاء الموافق
26-1-1433هـ
21-12-2011م
| الإسم | وردة |
| عنوان التعليق | قصة مؤثرة |
| قصة مؤثرة انا احب هذا النوع م القصص التي تحكي مشاكل الحياة باسلوب يعطيك في الخير مغزي |
| الإسم | محمدصلاح الدين يس |
| عنوان التعليق | قصه قصيره |
| جميله ومؤثره وهناك قصص لدي مؤثره عن الجماعه الاسلاميه بطماوالعتامه بسوهاج |
عودة الى قصة قصيرة
|