|
الشيخ محمد الراوي عندما ينصح العالم لأمته بقلم/ أحمد زكريا
إن الأرض لتأمن، والخلق لتسعد، والنفوس لتطمئن.. كلما وجد أمثال هذا العلم القرآني الفذ.. الذي والله ما سمعته أو رأيته إلا أخذتني الدهشة والانبهار بهذا النموذج الفريد من العلماء المجاهدين الربانيين – نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا ُ– حتى يخيل إليّ أنه من بقايا السلف الصالح.
وإن كنا لا نتكلم في العادة عن العلماء الأحياء.. لأن الفتنة لا تؤمن على حي وهذا مصداق لما قاله الإمام عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: (من كان مستنا فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة) رواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (2/97).. ولكن الشيخ الراوي من العلامات البارزة في سماء الدعوة الإسلامية.
وقد سعدت مع غيري من الغيورين على حياض هذا الدين أيما سعادة بمشاهدة شهادته على العصر.. مع "أ/ تهامي منتصر" على قناة أزهري.. وهو يسجل شهادته لله.. في جرأة نادرة وشجاعة قل نظيرها بقلب محروق على هذه الأمة.. وبرغم سنه الكبير إلا أنك ترى روحا فتية قل أن تجدها في كثير من الشباب.
تسمعه وهو يدعو: "اللهم لا تمتني حتى أرى عز أمتي" فتشعر بالأمل الساري في قلبه.. بأن نصر الله قريب وللأسف الشديد.. ما أفدنا من هذا الرجل كما ينبغي.. ومن هذا الباب واعترافا ً بالفضل لأهل الفضل.. أردنا أن نعرف شبابنا أهل الخير والفضل في أمتنا وهم أحياء عساهم يلتفون حولهم.. ويقتدون بهم ويتشربون حكمتهم وتجاربهم.. بدلا من الأقزام الذين يتعملقون.. والأصفار التي ترى لنفسها وزنا.. وهي لا تعدو هباء منثوراً.
وكيف لا وهو الصعيدي الشهم الذي تربى في أسرة فتية.. فمن له بخال كخاله المجاهد الشهيد – نحسبه كذلك – "محمد فرغلي".. الذي أعدم في العهد الناصري مع ثلة من المجاهدين العظام "عبد القادر عودة، وسيد قطب وغيرهم" فرضع الشيخ الراوي منذ نعومة أظفاره الرجولة والشهامة.. والصدع بالحق.. مهما كلفه ذلك من متاعب وصعاب فلم يسكت على ضيم.. ولم يرض بظلم.. فلم يداهن حاكما.. ولم يتملق طاغية.
وإني لأحسبه – والله حسيبه – ممن قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها" وهو حديث صحيح ، أخرجه أبو داود من رواية أبي هريرة.
وهنا يتبادر إلى الذهن تساؤل:
عمن يجدد لهذه الأمة دينها في هذا الوقت العصيب؟!! وما صفات هذا المجدد وسماته وشروطه؟!!.
ونقصد بالقائم على عملية التجديد المسلم الفقيه المجتهد في تخصص معين.. كلٌّ يجدد في مجال تخصصه.. بحسب القدرات والملكات التي رزقه الله إياها.
والمجدد صفة يطلقها العلماء على من قام بإصلاح شأن من شؤون الأمة والمجدد من يعرف غاية الإسلام.. ويضحي من أجلها بنفسه ونفيسه لا يغتر بمنصب ولا جاه.. ولا ينخدع ببريق الذهب والفضة.. لا يخاف في الله لومة لائم.. ولا يلتفت إلى قدح قادح.. بل تكون همته الأسمى تطهير الدين مما علق به من الخرافات و البدع.. ويسعى في نشره طاهراً نقياً كما أنزل.. وربما تعدد المجددون في قرن واحد.. وفي إقليم واحد.
وشيخنا الراوي من هؤلاء العظام.. الذين بذلوا أعمارهم وجهدهم في سبيل هذا الدين.
إنه من علماء المدرسة القرآنية التي واجهت الغرب المادي فحافظت علي أصالة فكرنا وهوية ثقافتنا.. فثمة تقارب في الفكر والروح والمنهج في التلقي عن القرآن جمع بين "الشيخ الراوي، ود/ دراز، والإمام الشهيد حسن البنا، والعلامة الفيلسوف محمد إقبال، والإمام عبد الحميد بن باديس، والعلامة المودودي، ومالك بن نبي، الشيخ الغزالي، والشعراوي".. وغيرهم من أعلام مدرسة القرآن "رضي الله عنهم جميعاً".
فقد ولد محمد محمد عبد الرحمن الراوي في 1/ 2/ 1928م في قرية "رفا " محافظة أسيوط.
من أرض العلماء كانت البداية
فمن أسيوط التي خرج منها كثير من المجاهدين والعباقرة.. كانت بدايته فحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة في القرية.
حيث كانت المعاهد الأزهرية لا تقبل الطالب في السنة الأولى إلا بحفظ القرآن الكريم كله.
ويبقى الطالب في المعهد تسع سنوات.. أربع سنوات في القسم الابتدائي وخمس سنوات في القسم الثانوي .
وبعد الانتهاء من الدارسة في معهد أسيوط تقدم إلى كلية أصول الدين بالقاهرة.. وحصل منها على الشهادة العالية عام 1954م .. ثم حصل على الشهادة العالمية مع تخصص التدريس من كلية اللغة العربية –جامعة الأزهر عام 1956م.
حياته العملية
عمل بعد تخرجه بقسم الدعوة في وزارة الأوقاف.
ثم أصبح مفتشا عاما ً في مراقبة الشؤون الدينية بعد مسابقة عامة لجميع المفتشين كان ترتيبه الأول على الناجحين.
نقل بعدها إلى مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر وعمل بالمكتب الفني بالمجمع.
ابتعث من قبل الأزهر الشريف إلى نيجيريا لتدريس اللغة العربية وعلوم القرآن ،بعد أن منع من الخطابة،ويقول هو في ذلك: "أذكر أن المرحوم الشيخ عبد الله طعيمة، وزير الأوقاف، في هذه الفترة، طلب من الشيخ محمد الغزالي خطيباً لمسجد الزمالك، وكنت ممنوعاً من الخطابة وأعمل بالعمل الإداري فوق سطح الوزارة، فأعطاه الغزالي ـ رحمه الله ـ عدة أسماء يختار منها ما يشاء، فوضع اسمي، فكنت ثالث خطيب لهذا المسجد بعد العملاقين، الغزالي والقرضاوي ومن عادتي ألا أستعمل منبر رسول الله لغير كلمة الله، ورغم ذلك كانت كل كلمة محسوبة، والخاطر محسوب».
- طلب لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض وانتقل إليها بداية من العام الدراسي 1390-1391هـ واستمر بها مدة تزيد على خمس وعشرين سنة عمل خلالها في:
(أ) كلية اللغة العربية – مدرسا للتفسير والحديث.
(ب) وفي كلية العلوم الاجتماعية – من بداية إنشائها
(ج) ساهم في قيام كلية أصول الدين – وعمل بها أستاذا للقرآن وعلومه ورئيسا لقسم القرآن أكثر من ثلاثة عشر عاما.. ويقول في ذلك أيضا:
"سافرت إلي نيجيريا في إعارة أخذت شكل الهجرة.. ومن نيجيريا تعاقدت مع جامعة الإمام ابن سعود في المملكة العربية السعودية.. فعملت رئيس قسم القرآن الكريم.. وكنت الوحيد الذي يمسك رئيس قسم في جامعة سعودية.. وظللت في السعودية لمدة ٢٥ سنة مع بقائي في عملي بالأزهر.. طوال فترة الشيخ عبد الحليم محمود والشيخ بيصار.. وحتى وفاة الشيخ جاد الحق.. وبعدها قدمت استقالتي".
(د) ساهم في إنشاء المعهد العالي للدعوة الإسلامية وقام بإلقاء المحاضرات فيه وأشرف على بعض رسائل الماجستير للذين أكملوا الدراسة فيه.. كما أشرف على كثير من الرسائل العلمية ما بين ماجستير ودكتوراه في كلية أصول الدين وغيرها من كليات الجامعة .
(ه) اشترك في مناقشة كثير من الرسائل العلمية في جامعة الإمام محمد بن سعود وجامعة أم القرى بمكة المكرمة.. والجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.. وجامعة الرياض بالمملكة العربية السعودية .
المؤلفات العلمية المطبوعة والمخطوطة
1- الدعوة الإسلامية دعوة عالمية (مجلد كبير) طبع عدة مرات.
2- كلمة الحق في القرآن الكريم – موردها ودلالتها (مجلدان) طبع أكثر من مرة .
3- حديث القرآن عن القرآن (مطبوع).
4- القرآن الكريم والحضارة المعاصرة (كتيب مطبوع).
5- القرآن والإنسان (مطبوع) .
6- الرسول في القرآن الكريم (مطبوع).
7- الرضا (مطبوع).
8- منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله (مخطوط).
9- كان خلقه القرآن (مخطوط).
10- المرأة في القرآن الكريم (مخطوط).
جهوده في خدمة الإسلام
إلقاء المحاضرات العامة في بيان هداية القرآن الكريم ومقاصده لمدة خمس سنوات في نيجريا.
تعددت وتنوعت المحاضرات في مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية.. ويحكي قصة ذلك:-
"بدأت أول محاضرة عامة فيها في قاعة كلية الشريعة جامعة الإمام.. حيث كانت في شارع الوزير.. وكان موضوع المحاضرة الإسلام في نيجيريا.. وقد طلب ذلك مني بحكم إقامتي فيها وقدومي إلى الجامعة منها.
وكان لها أثرها وتأثيرها وبخاصة حين ختمت المحاضرة بقولي: لقد كنت أسمع صوت الإنجيل يدوي من وسائل الإعلام في أفريقيا .
فهل من غيور على الإسلام يسمع الناس جميعا صوت القرآن؟
وما هي إلا أيام قلائل حتى رأيت ذلك في واقع الأمر حيث أمر المغفور له جلالة (الملك فيصل) بإنشاء إذاعة القرآن التي امتد نفعها في كل مكان.
ولم تنقطع صلتي بها وأحاديثي فيها مدة إقامتي الطويلة في المملكة العربية حفظها الله ورعاها".
ومن هذه المحاضرات التي سجلت واحتفظ بها كثير من طلاب العلم :
وحدة المسلمين في مواجهة الأخطار – سبيلها وغايتها.
القرآن الكريم بين الدراسة والتطبيق.
مكانة الأمة الإسلامية في تحقيق السلام العالمي.
المسلمون بين ثبات القرآن ووثبات المدنية.
قضية السلام في ميزان الإسلام.
شرف بالاشتراك في التوعية الإسلامية في الحج لمدة خمسة عشر عاما لنشر التوعية بين حجاج المسلمين بإشراف رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية مع صفوة من علماء المملكة وعلى رأسهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز (رحمه الله)
ولم تنقطع المحاضرات العامة في أندية المملكة ومؤسساتها العامة ومعاهدها العلمية.
وقد أتيح له كل ذلك في رحابة وراحة وحب طوال خمسة وعشرين عاما متصلة .
المحاضرات في معظم دول مجلس التعاون.. ولا زالت بفضل من الله وتوفيق منه .
البرامج الدينية لسنوات طويلة في إذاعة وتلفزيون المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية ودولة قطر.. ودولة الكويت وغيرها .
المحاضرات الدينية العامة في داخل محافظات مصر العربية المختلفة وفي الجامعات المتخصصة والأندية العامة في القاهرة والأقاليم.
البرامج الدينية في بعض القنوات والمحطات الفضائية.
عمل مقدمة للمصحف الوثائقي الذي جمعته إذاعة القرآن بالقاهرة.. فجمع بين القراء القدامى ووصل بينهم في مصحف متكامل بلا انقطاع.. ويقول في هذا الصدد:
"وقد طلب منى أن أعمل مقدمة لما يتلى في كل صباح من إذاعة القرآن الكريم بالقاهرة.. وقد تم ذلك بفضل الله وتوفيقه.. حيث اكتمل تسجيل 392 حلقة تذاع يوميا قبل تلاوة القرآن في إذاعة القرآن بالقاهرة بصورة دائمة".
المؤتمرات والندوات العلمية التي شارك فيها:
1- المؤتمر العالمي الثاني لتوجيه الدعوة وإعداد الدعاة الذي عقد بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
2- المؤتمر العالمي الثاني لتوجيه الدعوة وإعداد الدعاة الذي عقد بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة .
3- المؤتمر العالمي الأول لمكافحة المسكرات والمخدرات الذي عقد بالمدينة المنورة .
4- مؤتمر الفقه الإسلامي الذي عقد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض .
5- مؤتمر السيرة النبوية والسنة الشريفة الذي عقد بالأزهر الشريف .
6- مؤتمر الإعجاز العلمي للقرآن الكريم الذي عقد بمكة المكرمة .
7- المشاركة في المؤتمرات وإلقاء المحاضرات في كثير من ولايات أمريكا وفي أوروبا "انجلترا ، فرنسا ، ألمانيا ، بلجيكا ، أسبانيا".
عضو في جائزة الملك فيصل
1- شارك في التحكيم لجائزة الملك فيصل العالمية (الرياض) المملكة العربية السعودية .
2- شارك في الاختيار مقررا للجنة الدراسات الإسلامية لسنوات طويلة في جائزة الملك فيصل العالمية بالرياض المملكة العربية السعودية .
منهج الشيخ في الدعوة
1- العناية بالقرآن الكريم تلاوة وحفظا .
2- الدعوة إلى التمسك بالقرآن والسنة كمنهج حيا علما وعملا .
3- العناية بتربية النشء والشباب على مأدبة القرآن .
4- الدعوة إلى جمع كلمة المسلمين وترابطتم في شتى المجالات لنصرة الحق وإعلاء كلمة الله.. والقرآن يهدي في كل شأن للتي هي أقوم .
وكان للشيخ – ولا يزال – علاقات مميزة مع أكابر العلماء.. ومنهم شيخنا الغزالي – رحمه الله – فيقول في ذلك:
"هذا الرجل أحبني كثيراً، وأحب أسرتي.. خاصة خالي الشهيد محمد فرغلي".
وأنا أدعو شباب الأمة عامة للاستفادة من هذا الرجل المبارك.. وإبراز جهده وجهاده لخدمة القرآن.. بنشر كتبه ومحاضراته.. وعمل الرسائل العلمية من ماجستير ودكتوراة في هذا العلم الشامخ.. وهذا أقل ما يجب علينا تجاه علمائنا ومشايخنا.
أسأل الله أن يمد في عمره.. وأن ينفعنا به.. وأن يرزقنا الإفادة منه
[email protected]
| الإسم | المعتصم |
| عنوان التعليق | اذا انزاحت الغيوم لاحت النجوم |
| جزاك الله خيرا يا شيخنا واخانا الحبيب على هذه الاطلالة المبهرة وازاحة اللثام عن رجل همام نحسبه والله حسيبه, ومن الجدير بالذكر ان الشيخ الراوى امد الله فى عمره كان ممن لهم الفتوى فى المملكة ايام الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى , وانى اسفت اشد الاسف لبخسه حقه الذى لم يطلبه فارجو البدار فهو عالم رباني والله حسيبه , وان الوقت قد حان ان ننزل الناس منازلهم وشكراً |
| الإسم | على الدينارى |
| عنوان التعليق | رحم الله الشيخ الراوى |
| رحم الله الشيخ الراوى فقد كان صادعا بالحق لقد مات ولم نسمع بصوت قد بكاه |
| الإسم | مجدى ابوزيد |
| عنوان التعليق | بارك اللة فيك |
| بارك اللة فيك يادكتور احمد واطلب منكىيادكتور احمد ان تجمع هذة المعلومات فى كتاب وسمى سيرة علماء الاسلام وان ترعى الجماعة الاسلامية هذا الموضوع الهام وينشر فى اجزاء صغيرة ليقل سعر التيب حتى يستطيع كل واحد شرائة وجزاك اللة خيرا |
عودة الى قصة نجاح
|